مؤمن آل فرعون قدوة صالحة

لطفية سعيد في الخميس ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مؤمن آل فرعون آثر قول الحق ، وشهد شهادة وثقها القرآن آياتا  وقد حكى القرآن  لنا عن شجاعته ونصرته للحق ، وما تمتع به من إصرار وثبات ..  في مناظرة  ـ بحسب تعبيرنا اليوم  ـ وقعت أحداثها بين مؤمن آل فرعون الذي وصفته الآيات بـ (الذي يكتم إيمانه ) وبين فرعون موسى  ، الذي عاش  في زمن موسى عليه السلام ، وعلى سبيل الجواز سنطلق عليها مناظرة ، لكنها بحق زلزال يزعزع  كل عقائد ومسلمات الفرعون وحاشيته ،و يدمر  معها عرش من أقوى العروش ، وملك كان ومازال يضرب به المثل في القوة والجبروت :

( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)غافر ،

 إذ أنه يدعي أنه رب يعبد من دون الله :

(فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات  .

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38)القصص

  والأنهار تجري من تحته ..

(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف

 بل يطلب من هامان أن يبني له صرحا ليرى لنفسه ويقف على أسباب خلق السموات والأرض راصدا كل ما يحدث في العوالم العليا ويضطلع إلى إله موسى ليثبت كذبه  :

( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَوَاتِفَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنْ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ).غافر

 مؤمن آل فرعون أو قوم فرعون  عند اختباره واختياره اختارالدفاع عن الحق  وترك الباطل ، ومعه كل المغريات الدنيوية والمكانة العظيمة ، إذ أنه  من علية القوم !!   بطلنا اليوم ناظر الفرعون  ومن  حوله طواعية، بتمكن منقطع النظير ، وهو الأعلم بمدى قوتهم و بطشهم  ، تميز في مناظرته العلنية باستخدمه للأدلة العقلية ،والمنظقية منها على سبيل المثال لا الحصر :

(أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) ، يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا) ) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (غافر42        

 )  كل هذه الأدلة التي تنطق بالإيمان على الرغم من أنه لم يقل أنه مؤمن ، لكن العبرة ليست بالأقوال ، ولكن بالمواقف العملية.  وما رأيناه من هذه المناظرة يعكس بطولة مطلقة في زمن انعدمت فيه البطولات ..  وحوار  ممتد في زمن تكممت فيه الأفواه  .. وبالتقييم المحايد  من الوهلة الأولى هي مناطرة من القطع الطويل كما وكيفا  ..حاول مؤمن آل فرعون إقناع قومه بالحب والود  بعدما فشلت الأدلة والمنظق  في إقناعهم ، مذكرا إياهم يأواصر القرابة ، وخوفه عليهم رغبة في إقناعهم من هذا الطريق  :

 ( وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ (30) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (31) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)غافر

 وهذا النضج العقلي و قوة الحجة  ،قد جسدته لنا الآيات الكريمة بصورة رائعة من جانب العبد المؤمن   ، وبتكبر وجبروت واستعلاء من جانب الفرعون إلى أن وصلنا إلى نهاية المناظرة :

( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) وكان جزاءه الوقاية من سيئات قومه وعدم إلحاقه بهم ونجاته  من مصيرهم  : ( فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45غافر

، وبعد هذه نوعية من رجال تركوا أمن أقوامهم وسلطتهم ،وتركوا معها كل ما ورثوا من مكانة وتمبز إلى مستقبل ومصير قد اختاروه بأنفسهم ، في وقت كان لزاما قول الحق في وقت الاختيار والاختبار  ، فكم من مؤمن يكتم إيمانه في مجتمعاتنا العربية والإسلامية .. ينتظر فرصتة  هذه في الاختيار والاختبار .. وكم من فرعون متسلط متسيد لقومه ... استخف قومه فأطاعوه ..  القرآن يقدم لنا أوصافا تصلح وتنطبق على كل عصر  ، فالفرعون موجود  ومتوفر  متاح في معظم المجتمعات ... مع وجود الشعب المطحون الذي يهوى الاستعباد ويسعى للاستبداد فكلما استخفهم الفرعون زادوا في طاعته وحبه..   ليس امامنا إلا  التذكير بالآيات والدعاء لمجتمعاتنا بالخير والأمن، وتفويض الأمر لله :

  فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44غافر

ودائما صدق الله العظيم

 

 

.

اجمالي القراءات 13250