الصين الطبل الأجوف

شادي طلعت في الأربعاء ٠٥ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

في ظل إنتشار الجهل ونقص الخبرة والمعرفة، يطفو على السطح مدعين ثقافة وما هم بمثقفين، فالثقافة تعني المعرفة بأمور أو أمر معين، ومحور حديثي في كتابي هذا يدور حول دولة الصين، والمعروفة بإسم جمهورية الصين الشعبية، فقد كثر الحديث عنها منذ بداية القرن 21، إذ يردد كثيرون على أنها الدولة العظمى القادمة ! وأنها ستكون المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية ! وتلك أقاويل من وصفتهم بأنهم غير مثقفين بل مدعين.
لأن الحقيقة عكس كل ما يتردد حول الصين وقوتها المزعومة، ففي عالمنا العربي لا يعترف بعض العرب بأن آمالهم تجاه الصين ما هي إلا مجرد أحلام يقظة لن تتحقق، أو أنهم جهلاء بحقيقة الصين ! لأنه من المحال أن تحل الصين محل الولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى ذات سيادة وهيمنة على العالم، لذا وجدت أنه من واجبي أن أدلي بدلوي حول تلك الدولة، لأن قناعاتي ترسخت من التاريخ والجغرافيا والمواقف الدولية، وأيضاً إنطلقت من خلال منطق علمي إجتماعي.


فأنا لا أرى الصين إلا دولة شابت وأنهكت قواها، وأنها بحاجة إلى غيرها أكثر من حاجة غيرها إليها ! في الواقع إن ما أقوله ليس بقناعات، بل إنه الحقيقة التي يعزف عنها الكارهون لهيمنة أمريكا على العالم، ولنبدأ بقراءة المشهد الصيني الخارجي والداخلي، حتى نقف على الحقيقة ولنبدأ بنظرة على بعض المواقف الخارجية فهناك مشهدين دوليين مرتبطين مباشرة بالصين :


المشهد الأول/ في العام 2010م إرتفعت الأسعار في الصين، فخرج الشعب إحتجاجاً في أشهر ميادين بكين "ميدان السماوي" أو بالصينية "تيان ان مين" وبعد إندلاع تلك المظاهرات، خرج رئيس الصين وقتها "هو جين تاو" ليشرح للمتظاهرين أسباب إرتفاع الأسعار، فقال : إن الولايات المتحدة الأمريكية قد قامت بطباعة كميات كبيرة من الدولار الأمريكي، وهو ما أدى بالتالي إلى رفع الأسعار في الصين ! فلا توجهوا (موجهاً خطابه للشعب) أي لوم إلى الحكومة الصينية، فالذنب تتحمله أمريكا التي تعاني من أزمة إقتصادية بدأت في العام 2009م إلا أننا نحن من يدفع ضريبة تلك الأزمة.
من هذا المشهد يتضح لنا إذاً أن العملة الصينية "يوان" تتأثر بشكل مباشر بالعملة الأمريكية "الدولار" لأن علاقة الصين بأمريكا إقتصادياً علاقة تبعية، وليست ندية كما يردد البعض !.


المشهد الثاني/ في العام 2010م أيضاً قامت كوريا الشمالية بقصف صاروخي على كوريا الجنوبية، وبعد القصف أعلنت أمريكا تضامنها مع كوريا الجنوبية، فإذا بالصين تعلن بالمقابل دعمها لكوريا الشمالية ! فأصبحت في موقف الدولة المعادية للولايات المتحدة الأمريكية ! إلى أن تجرأت الصين بعد ذلك في المجاهرة بالعداء لأمريكا ! فكيف كان الرد الأمريكي على الصين : لقد قام الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بزيارة إلى الهند بعد تصعيد الموقف مع الصين في نوفمبر 2010م، وتم الحديث في تلك الزيارة عن رغبة أمريكا في نقل إستثماراتها من الصين إلى الهند،  وهنا أدركت الصين حجمها، فقامت برفع الراية البيضاء، وإستسلمت للمارد الأمريكي، وبعدها زار الرئيس الصيني أمريكا، يوم 24 يناير 2011م، وأعلن الرئيس الصيني من داخل البيت الأبيض أن العلاقات الصينية الأمريكية، علاقات تاريخية، لا تزعزعها أي خلافات !

من خلال المشهدين السابقين، يتبين إلينا الآتي :
1- أن إقتصاد الصين مرتبط إرتباط وثيق بالإقتصاد الأمريكي، وعلاقة الصين بأمريكا إقتصادياً علاقة تبعية.
2- إقتصاد الصين قائم بالأساس على رأس مال أمريكي، فإن إنصرف رأس المال الأمريكي عن الصين، فإنها ستنهار إقتصادياً.


أمر آخر من حيث قوة جيش كلا الدولتين :
يعد الجيش الأمريكي هو الأول عالمياً، من حيث القوة والعتاد والقوة البشرية، ويعد الجيش الصيني هو الثالث عالمياً، ولكن إذا ما ألقينا نظرة على ميزانية كلا الجيشين فسنجد ان الفارق بين الأول والثالث يقارب 600 مليار دولار، فميزانية الجيش الأمريكي تقارب 700 مليار دولار، بينما أعلى معدل سجلته ميزانية الجيش الصيني لا يتجاوز 100 مليار دولار !

وللمزيد من المعلومات حول الوضع الداخلي لجمهورية الصين الشعبية نذكر المقتطفات الآتية :
- الصين في العام 2005م تحتل المركز 159 من أصل 169 دولة في المؤشر السنوي لحرية الصحافة، طبقاً لتصنيف منظمة مراسلون بلا حدود.
- في العام 2009م حصلت الصين على نسبة 72% من نسبة إجمالي تنفيذ أحكام الإعدامات، على مستوى العالم.
- دستور الصين ينص على أن الحزب الشيوعي هو الحزب الحاكم للدولة ! فنظام الحكم فيها هو نظام حكم الحزب الواحد.
- لا يجوز لأي زوجين إنجاب أكثر من طفل واحد، وإن خالف الزوجين القانون وأنجبا طفل آخر، فإنه يؤخذ منهما جبراً وقهراً، ولا يحق لأبويه معرفة أخباره أو مصيره !
- لا توجد في الصين حرية إنترنت، وممنوع على الشعب إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي.
- الزواج في الصين أمر معقد جداً، لأنه يحتاج إلى مبلغ يقدر بما يعادل 12 ألف دولار أمريكي، أي حوالي 140 ألف جنيه مصري، وهذا المبلغ حتى يجمعه شاب في الصين، فهو بحاجة إلى 40 عاماً من العمل المتواصل، حتى يستطيع إدخار هذا المبلغ ! أي أن أقصى ما يمكن إدخاره للفرد في الصين هو مبلغ 300 دولار في العام الواحد.
- الأغلبية من الشعب الصيني يعيشون في أكشاك عشوائية، قد تفوق العشوائيات في مصر سوءاً.

اما عن حديث البعض بأن الولايات المتحدة الأمريكية مَدِيِنَة للصين بما يتجاوز 9 تريليونات دولار، فالرد يكون من خلال نقطتين :
النقطة الأولى/ لا توجد دولة صاحبة سيادة وإقتصاد قوي وذات نفوذ سياسي، غير مَدِيِنَة لغيرها من الدول، فمسألة الإقتراض ليست إلا من باب المعاملات الحسابية في المقام الأول، وليست دليلاً على فقر أو إنهيار إقتصادي.
النقطة الثانية/ أوربا تضم 50 دولة، وإستثمارات أمريكا في دولة واحدة منها، مثل فرنسا تتجاوز رقم التريليون و250 مليار دولار، وحجم إستثمارات أمريكا في الصين أكبر من حجم إستثماراتها بقارة أوربا !  فحجم إستثمارات أمريكا بالصين إذاً، وعلى أقل تقديرلا يقل عن 25 تريليون دولار.

إن الصين أشبه بسيدة أنجبت من الأبناء الكثير، لدرجة أنها أصبحت لا تسطيع أن تفرق بين أبنائها، فتاهت بين العدد أسماؤهم، وساد الجوع فأطعمت الأم أبنائها بأبنائها ! فقسى قلبها وصار  صلباً، فإشتدد غضبها وبدا عنفاً مخيفاً للآخرين، إلا أنه ليس بعنف، فهو تعبير عن آلام وضغوط داخلية صعبة، وفي النهاية الأم قد شاخت، وصوتها وإن علا فإنه لا يخيف إلا أهل الدار فقط ! غير مضر بمن خارجها.


في النهاية/ قد ينبهر البعض بغزو البضائع الصينية لأمريكا والعالم، ولكن ما لا يعلمه الناس، أن كافة البضائع الصينية قد إنتجت من خلال رأس المال الأمريكي، وليس للصين في الأمر شيء إلا الأيدي العاملة فقط. إن الصين هذه الأيام مثل الطبل الأجوف،يصدر صوتاً عالياً لكنه من الداخل أجوف.


وعلى الله قصد السبيل


شادي طلعت

اجمالي القراءات 8274