طاعة الزوج من طاعة الله ؟ ( ج 1 )

نهاد حداد في الأحد ٢٦ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

معنى أن تكون قرآنيا هو أن تؤمن بكتاب الله وحده كمصدر للتشريع، و بسنة نبيه الكريم التي جاء بها القرآن العظيم . فالسنة النبوية هي ماسنه النبي الكريم حسب أجوبة ربه عز وجل عن أسئلة قومه ؛ حين كانوا يسألونه عن أشياء استعصى عليهم فهمها . وهذا مايسمى بالسنة القولية في القرآن ، وقد جاءت بصيغة " ويسألونك "؛  ويجيب الرسول عليه الصلاة والسلام بإجابة ربه عز وجل : " قل" . كما في الآية الكريمة "  وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا " . وأما السنة الفعلية فتشمل كل ماتواتر من العبادات كالصلاة مثلا ومكارم الأخلاق ! فنحن إذن قرآنيون في التشريع سنيون في العبادات بما أنزل الله على عبده الكريم محمد بن عبد الله الذي اصطفاه من بين خلقه ليبلغ رسالته ! 

ومعنى هذا أننا مسلمون  وكفى بالله حسيبا. لماذا هذه المقدمة وكل أهل القرآن  يعرفونها سواء كانوا من السلف ( أي الصحابة الذين عايشوا  الرسول عليه الصلاة والسلام أو خلفوه ( الخلفاء الراشدون) قبل تدوين الأحاديث في القرن الثالث الهجري) أوالخلف ( أي القرآنيون المتنورون الذين يدعون إلى كتاب الله وحده كمصدر للتشريع وليس للعبادة وحدها ، فالصلاة مثلا أو بالأحرى طريقة الصلاة ، مسألة لم تذكر في القرآن ، وإنما تواترت عن السلف )  فهل نحن سلفيون بهذا المعنى ! نعم بهذا المعنى نحن أيضا نتبع السلف الصالح : أي ملة إبراهيم حنيفا وملة ابي بكر الصديق وعمر  بن الخطاب وعلي ابن ابي طالب. وكل هؤلاء عاشوا في زمن ما يمكن تسميته عصر ما قبل الأحاديث . أي قبل بداية تدوين الأحاديث. فهؤلاء الناس وهم صحابة رسول الله صلى عليه وسلم طبقوا الدين حسب فهمهم وتدبرهم للقرآن الكريم . فحين عطل عمر بن الخطاب رحمة الله  عليه عقوبة قطع يد السارق  عام  المجاعة فقد حقق العدل والاحسان الذين أمرنا الله عز وجل بهما في آيات أخرى . فحين يقول تعالى في الآية 90 من سورة النحل : "إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} . فالبغي في هذه الآية هو الظلم . فهل ظلم عمربن الخطاب نفسه أو الناس حينما نهى عن قطع يد السارق أم حقق العدل والإحسان ؟ بل آقول إنه حقق العدل والإحسان وحقق مبدأ  الآية ًالكريمة " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( 3 ) سورة المائدة.
 ولكن قبل أن أتابع أود أن أشير إلى أن فهمي لمسألة أن القرآن يفسر بعضه بعضا  ، هو أن فهم القرآن يجب أن يكون مترابطا حسب كل سوره وآياته  وليس حسب تشابه مصطلحاته لأن المصطلحات تتشابه ولكن السياقات تختلف . إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال مطابقة كلمة بأخرى إلا حسب السياق . فالضرب في الأرض من أجل الرزق لايمكن بأي حال من الأحوال مطابقته بضرب الرقاب أو الضرب ( جمع ضروب ) بمعنى أنواع ! وهذا مايسمى في علم اللسانيات " البوليسيميا" polysémie ومعناه أن كلمة واحدة قد تكون لها معان مختلفة جدا وحتى متضاربة أحيانا حسب السياق. وكذلك يضرب الله الأمثال، " وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ -.
فهذه الجملة الاعتراضية هي لب فهمي لمسألة تدبر القرآن وفهمه من خلاله . أي أن القرآن يفسر بعضه بعضا ليس فقط من خلال الآيات الموجودة في نفس السياق ونفس السور بل من خلال كل الآيات القرآنية بدون استثناء وليس بأي حال من الأحوال في تشابه المصطلحات. 
أعود إلى الآية الكريمة : " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم ، فإن الله غفور رحيم . وهنا لابد من إشارة مهمة وهي أن هذه الآية :"  أي من اضطر في مخمصة " جاءت بعد آية ، " اليوم أتممت لكم دينكم " أي بعد تمام الدين وبعد أن رضي الله ورسوله لنا الإسلام دينا فقد رخص لمن اضطر في مخمصة أن يستعمل عقله ويجعل في الأمور استثناء . كما أن هذه الآية جاءت أيضا بعد آيات التحريم مباشرة "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  " .
فلننظر ماذا أراد الله بهذا مثلا ، وأقول بأنرحمة  الله وسماحة الإسلام تكمن هنا بالضبط وتحقيق المناط من الدين يكمن هنابالتحديد.  يكمن في العفو وفي تحقيق العدل والاحسان . وهو ذروة الإسلام " إن الله يأمر بالعدل والإحسان "
وسنتحدث هنا عن السارق وعن عمر بن الخطاب (نرجو من الله أن يرضى عنه وعنا )  . فالسارق اضطر في مخمصة " وهو عام الجوع " وعمر بن الخطاب " اضطر في مخمصة " وهي تحقيق العدل بالرغم من تعارض تحقيق العدل مع قطع يد السارق . فالسارق هنا مضطر للحفاظ على حياته ، وعمر بن الخطاب مضطر لتحقيق العدل كما أمره الله عز وجل أن يفعل . فهل يقطع عمر يد السارق علما بأن عمر بن الخطاب الذي يحاول تحقيق العدل كأمير للمؤمنين مازال لم يحقق مجتمع العدل والعدالة المطلقة ( لأن الناس كانوا يموتون جوعا في مكة بينما كان الولاة - ومن بينهم أبو هريرة بالمناسبة - في العراق والشام والأمصار الأخرى " التي كان عمر أميرا عليها " يعيشون في بذخ وترف " فهل العدل هنا هو قطع يد سارق في رغيف خبز أم في تعطيل عقوبة أول شرط من شروط تطبيقها هو تحقيق العدالة الاجتماعية . ومادامت العدالة الاجتماعية لم تتحقق فلا يمكن تطبيق عقوبة بهذه القسوة بعدم توفير شروط تفاديها في مجتمع مكة أو المدينة ، أو أي مجتمع آخر. متى نقطع يد السارق : نفعل حين نحقق العدالة الإلاهية في الارض بتوفير العيش الكريم لكل إنسان بلا استثناء . الأكل والشرب والتعليم والسكن والصحة للجميع وبنفس العدالة . وحين أتحدث عن الصحة ، فهذا ليس من باب الاضافات العبطية . بل حينما أتحدث عن الصحة فلأن الدراسات العلمية النفسية الحديثة تعتبر السرقة مرضا نفسيا يمكن علاجه في كثير من الحالات . فهل نتجاهل هذا كله ، ونتجاهل القرآن كله ، ونتجاهل المناط من أوامر ه عز وجل " وهو تحقيق العدالة " ونقطع يد السارق دون محاولة للفهم اللعميق للقرآن . فحين قال عز وجل "وما أنزلناك إلا رحمة للعالمين " فهو يلخص القرآن والرسالة في هذه الكلمات " الرحمة " وهي مشتقة من اسماء الله الحسنى " الرحمان الرحيم " وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (180) وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (181) ، فهل نختزل أسماء الله الحسنى في الأناشيد والغناء وتلحين أسمائه بعد وقبل الآذان في القنوات والفضائيات أم نتبع ما أمرنا به وما وصف به نفسه . فالله يريدنا أن نحبه ونحب الإنسان بحبه وفي حبه إذ قال جل من قائل :  " ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا". وأريد التنبيه هنا إلى مسألة الأسر ، فهل يكون الأسر في الحروب فقط أم لأسباب أخرى ، أرجو أن يتدبر أهل القرآن  هذا القرآن كما أمرنا عز وجل . هذا إذا كنا فعلا نريد أن نوصل صورة حقيقية عن الإسلام لكل أولئك الذين يفهمون على أن هذا الدين لا يدعوا إلا إلى الحقد والكراهية والعنف وتحريم كل شيء. وإذا كنا نريد فعلا أن نقضي على الإرهاب فلنحاول تدبركل الآيات التي تتحدث عن القتل والاسر والسبي والاستعباد لنوصل الصورة الحقيقية للإسلام  للآخر ولنعلق الحديث ( في هذه الفترة الحرجة بالذات من تاريخ المسلمين) عن العبادات ! فالله قادر على تقبل  العبادة كيفما كانت إذا نبعت من إخلاص العبد العبادة لربه سواء عرف الطريقة أو غابت عنه أشياء بسيطة . فالصلاة ستعتبر دائما مكاءوتصدية كما اعتبرها الله قبل مجيء محمد عليه السلام وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها إذا لم تنه صاحبها عن الفحشاء والمنكر والبغي والفساد في الأرض . ( يتبع) . 
اجمالي القراءات 17299