الشيخ أحمد أبو نوارة

سامح عسكر في الجمعة ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كان رجل عجوز متخلف عقلياً من قريتي، توفاه الله في التسعينات، كانت ملابسه دائماً متسخة ومقطعة، ولا يلبس حذاء، وغالباً ما كان يركب عود ذرة كبير كأنه حمار، ثم يصدر له أصواتاً لنداء الحمير.

كنا أطفالاً نقترب منه ونخاطبه أحياناً.."ياشيخ احمد ادعي لنا"..فكان يرد بكلمة واحدة لا يعرف سواها كان يقول.."دعا"..لم يكن لديه القدرة على النطق كبشر عاديين.

المهم بعد ما مات شاعت عنه كرامات وأنه ولي من أولياء الله الصالحين، وقرر صوفية أكبر قرية في مركز سمنود بناء مقام له وتخليد ذكراه، حتى في مولد القرية الكبير كان بعض المتصوفة يحيون ذكراه بجوار ذكرى شيخ الطريقة الرفاعية..

كنت دائماً أسئل عن وجاهة هذا التصرف من شيوخ القرية، هذا الرجل سقط عنه التكليف، كان مجنوناً لا يدري ماذا يفعل أو يقول، فكيف يدعون أنه ولياً يُتبع؟!...وأليس الاتباع لمن يعقل ويدري كي يصلح لأن يكون قدوة؟!

فهمت بعد ذلك أن معايير الاتباع عند القوم مختلفة عن تلك المعايير العقلانية، فهم يرون أنه بمجرد الكرامة فقد أصبح ولياً حتى ولو كان مجنوناً، حتى لو اختلفوا حول صحة هذه الكرامة، فغالباً هم لا يرون كرامة لأحد ولكن يتوارثوها ويتناقلونها أباً عن جد، ومنهم من يكذب ويدعي أنه سمع ورأى حتى تُصبح شهادته موضع صدق.

تأملت وهم يروون الأحاديث عن النبي بنفس الدافع وبذات الخلفية، قومُ يقدسون النقل، ويتهافتون على أولي الثقة منهم فيسمعون ويطيعون، هكذا كان رواد الحديث إلى يومنا هذا، يقولون سمعنا ورأينا وحدثنا وأخبرنا، بينما جميعهم لم يروا ولم يسمعوا شيئا..

المهم عقدت مقارنة عقلية بين محبي الشيخ أحمد أبو نوارة وبين محبي الشيخ البخاري، فوجدت تشابهاً يصل إلى حد التطابق، مع ذكر الفارق بين الشيخين، فلربما كان البخاري عاقلاً، أما أبو نوارة فكان مجنوناً، ولم يصل كلاهما لتلك الرتبة إلا بعد فاصل زمني انتقلوا فيه من مجرد شخوص عادية إلى أصحاب كرامات ومنازل مقدسة.

بصراحة كنت وغيري معرضون للخديعة فيما لو سمعنا أن أبي نوارة كان ولياً صالحاً يُتبع ولم نره، ولكن حمدت الله أنني رأيته وتكلمت معه حتى عرفته..ثم لم أجد فيه ما يذكر القوم من مكانة مقدسة، حتى إذا تحدث واحد عن أبي نوارة بسوء تصدى له محبيه ينهرونه ويحذرونه من عاقبة أمره، وعن سوء منازله عند ربه..!

إنها الميثولوجيا والأسطورة الشعبية والخرافات الدينية التي ينسجها الجهلاء حول الناس، وهي نفس المرجعية التي عبد بها المشركين آلهتهم، حتى إذا هبّ فيهم مصلحاً ومبشراً ومنذراً نهروه واتهموه بالكفر ، وكأن الزمن لم يتغير من قوم نوح إلى قوم أبي نوارة.!
 
اجمالي القراءات 6588