ق 3 ف1 :العوامل التي ادت الي نشأة وتطور المعارضة التى أنجبت ابن لادن

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٤ - سبتمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثالث المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن   

الفصل الاول : المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن في تقرير تاريخي موجز

العوامل التي ادت الي نشأة وتطور المعارضة  التى أنجبت ابن لادن

( 1 ) حرب الخليج :

يقول البيان رقم 3 من بيانات اللجنة الشرعية بعد استئناف عملها في لندن ان ازمة احتلال الكويت كشفت حجم الخطر في بناء المجتمع والدولة السعودية .مما ادي الي اجتماع قيادات الامة للاصلاح .

ويعبر مؤلف (زلزال ال سعود ) وهو احد القيادات المجهولة للجنة المذكورة عن مشاعرهم خلال حرب الخليج الاولي ،اذ تجاهل الاعلام الرسمي حرب الكويت لعدة ايام ،مع تغطية الحدث اعلاميا في العالم كله ،ثم فوجئ الاصوليون في المملكة بما اسموه (قفزة الذعر التي قام بها الحكام باتجاه الامريكان دون اتجاه للحشد العسكري ) وهنا تذكر الاصوليون السنيون ما كان يقال عن عقود السلاح المشتري من الامريكان ،ثم تبين لهم حسبما يقولون ان امريكا هي الحاكم الاكبر في المنطقة ، وان مهمتها الاولي هي حفظ النظام والاسرة الحاكمة .

ومن كتاب (الادلة القطعية علي عدم شرعية الدولة السعودية )للدكتور محمد المسعري يمكن ان نتعرف علي نظرته للدولة السعودية بعد حرب الخليج ،اذ جعل من دلائل عدم شرعية الدولة السعودية الاضعاف المتعمد للجيش وانكشاف البلاد امام الاعداء ،والاعتماد علي اعداء الاسلام في حماية البلاد .وافتي بتحريم الاستعانة بدول الكفر علي المسلمين ،وان من يتولي الكافر يكون كافرا مثله .

واستعان المسعري في كتابه السالف الذكر بتقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن سنة 1981-1982 واثبت من خلال التقرير ان نصيب الفرد السعودي من الانفاق العسكري اعلي المعدلات في العالم واعلي من مجموع الانفاق العسكري لخمس عشرة دولة مجتمعة ،وان الانفاق العسكري لاحدي عشر دولة اسلامية يساوي ما تنفقه السعودية وحدها ،وان نصيب الفرد السعودي الواحد في الانفاق العسكري يزيد اربعة اضعاف عن نظيره في الجيش الامريكي .وانتهي الي اتهام القائمين علي الدولة بالاختلاس والعمولات ..

ومن هنا كانت حرب الخليج نقطة فاصلة في العلاقة بين التيار (الاصولي ) السنى الوهابى والنظام السعودي ،بل تطورت العلاقة الي الصدام والمواجهة بحيث اصبح من المحاور الجديدة للسياسة الخارجية للمملكة محاربة الأصوليين داخل وخارج المملكة [2].وتمييزا لهذه المعارضة الوهابية عن الدولة السعودية الوهابية نطلق على هذه المعارضة ( الأصولية ) سواء فى السعودية أو خارجها .

وتشابكت حرب الخليج الاولي والثانية مع احداث المعارضة واسهمت في تشكيلها وسيأتي اوان ذلك .الا ان حرب الخليج واكبت حصد الثمار المرة للتجربة الافغانية.

2       ــ افغانستان :

هبت السعودية لمساندة الوهابية الاصولية الافغانية في حربها ضد النظام الشيوعي الذي يعتمد علي الاتحاد السوفيتي ،وبتشجيع من امريكا قامت السعودية بمساعدة الاصوليين علي الوصول الي افغانستان ،وحشدهم في معسكرات قتالية. وتولي ذلك اسامة بن لادن الذي اصبح فيما بعد من اهم رموز المعارضة الاصولية فى السعودية والعالم ،الامر الذي يوضح تأثير التجربة الافغانية علي المملكة السعودية والحركة السنية الاصولية فيها. ذلك ان انتصار المجاهدين الافغان اعطي زخما للحركات الاصولية في العالم الاسلامي ،خصوصا في المملكة ،وعاد الافغان العرب الي بلادهم وقد اكتسبوا خبرات عسكرية وتنظيمية هائلة بالاضافة الي التلقيح الفكري والعقائدي .ودفعت الانظمة العربية التي تدخلت في افغانستان الثمن وكانت السعودية في المقدمة.

ومن سوء الحظ ان انتصار المجاهدين الافغان جاء في وقت تدهورت فيه العلاقات بين الحكومتين الافغانية والسعودية الي حد التصريح السعودي بأنها متفقة مع باكستان علي منع قيام حكم اصولي في كابل ،وتدخلت السعودية في الخلافات بين الفصائل الافغانية واوجدت لها فصيلا يتلقي منها الاموال والمساعدات. وكانت الفصائل الافغانية من البداية تتجنب اظهار تناقضها الفكري والسياسي مع الحكم السعودي حرصا علي المكاسب ،ولكنها في الواقع كانت تعتبره علمانيا او يسعي للعلمانية ،ولذلك لجأت الي تدريب المنفيين السعوديين علي السلاح .

ومن ناحية اخري كانت الاصولية داخل المملكة السعودية قبل صدامها مع الحكم تتطلع الي نموذج مختلف عن النظام السعودى ،وتأمل ان يؤدي الانتصار الافغاني الي تدعيم الحركةالاصولية السنية داخل المملكة فكريا وعسكريا [3].

وقد ناقش المسعري في الباب الثامن من كتابه (الادلة القطيعة)موضوع (السعودية واللعبة الافغانية )وبدأه بنقد الدولة السعودية في ان جعلت نفسها وصية علي المسلمين ،وكيف دفعت الملايين لكسب ولاء قادة الفصائل الافغانية من الاصوليين مع اضطهادها للاصوليين داخل المملكة ،وانتقد خضوع بعض القادة الافغان للسيطرة السعودية ومنهم جميل الرحمن وسياف ،وفي النهاية يعبر المسعري عن فرحته بعودة الشباب السعودي من افغانستان بغير الوجه الذي اخرجوه به اول مرة ،عادوا كما يقول المسعري بتكفير وقتال الحكومة وكل من ناصرها ،وذلك برغم الاموال التي تدفعها السعودية للحكومة الافغانية [4].

(3)علاقة السعودية بالسودان :

وقد نشرت مجلة الجزيرة العربية في مايو 1992 ان اربعين رجلا مسلحا ملثما هاجم السفارة السعودية في كابول في 12 مايو 92 .واعتبر المحللون ذلك الهجوم الافغاني علي السفارة السعودية دليلا علي رفع الحصانة عنها ..وفي نفس الصفحة تحدثت المجلة عن دعم سعودي لجارانج زعيم المتمردين في جنوب السودان ، والذي يدخل حربا انفصالية ضد الجبهة القوميةالاصولية السنية الحاكمة في الخرطوم ، واكدت المجلة ان زكي بدر- وزير داخلية مصر الاسبق- والذي عمل مستشارا للسعودية في مجال مطاردة الاصوليين يعمل- في مطاردة الاصوليين السودانيين في داخل المملكة السعودية .وجاء في تفاصيل الخبر قيام المملكة بحصار النظام السوداني اقتصاديا بمنع الاستثمار السعودي فيه ،وعثور السلطات السودانية علي اسلحة ومعدات سعودية في المناطق الجنوبية السودانية التي تم تحريرها .وقد هللت المجلة لهذا الخبر ،وافردت له تحليلا مستقلا تحت عناوين مثيرة تقول (خلاف السعودية الاساسي مع السودان يكمن في معارضتها لتطبيق الشريعة ، الخرطوم تكشف اسلحة وذخائر ومواد تموينية سعودية الي الانفصاليين في جنوب السودان ) وادعت المجلة ان المساعدات السعودية قطعت عن السودان منذ اعلان النميري تطبيقه للشريعة ،واستمرت في قرارها ذلك رغم تغير الحكومات السودانية من سوار الذهب الي الصادق المهدي الي البشير )وعللت الموقف السعودي بأنه يعتمد علي رفض امريكا واستياء الحكومة المصرية من ذلك ، بالاضافة الي (رغبة الحكومة السعودية بالانفراد بالالتزام بتطبيق الشريعة علي غيرها من بلاد العرب والمسلمين ،ورفضها لأي نموذج اخر في تطبيق الشريعة قد يقاس عليه النموذج السعودي )[5].

وليس هذا الكلام صحيحا.والذي نراه ان تجربة السعودية في السودان تكرار لتجربتها في افغانستان ،وان كانت في السودان تحمل مكامن الخطر المستقبلي اكثر منه في افغانستان ،بسبب القرب الجغرافي بين السعودية والسودان ،واواصر العروبة الثقافية والعرقية بين الشعبين في السودان الشمالي الحاكم والجزيرة العربية .

لقد شهد السودان مؤتمر الخرطوم بعد نكسة سنة 1967 المشهور بلاءاته الثلاثة الرافضة لنتائج النكسة ،وشهد هذا المؤتمر الصلح بين فيصل وعبد الناصر ، وانحسار الناصرية لصالح السلفية السعودية ،ومن وقتها توسع النفوذ السعودي في العالم العربي والاسلامي ،وظهر اثره في افغانستان والسودان ،مما يعتبر دعما للاصولية السنية السودانية ،خصوصا مع قوانين سبتمبر 1982 التي اعلن فيها النميري تطبيق الشريعة تلبية للنفوذ السعودي الذي سيطر علي الاقتصاد السوداني ،والذي احتمي به النميري وهو يواجه خصومه اليساريين..

واستمر النفوذ السعودي في السودان بعد الانتفاضة التي اطاحت بالنميري ،وجاء الفريق سوار الذهب، ثم ذهب ليعمل بعد تركه موقعه مع احدي المؤسسات السعوديةالاصولية السنية العاملة في نشر الاسلام في افريقيا ، واسفر هذا التواجد السعودي في نهاية الامر عن وصول الاصولية السنية السودانية للحكم بالتحالف بين البشير والترابي في انقلاب 1989 .

وادي هذا الانقلاب الاصولي السنى علي حكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيا الي احياء امل الاصوليين في الوثوب الي الحكم فى مصر والسعودية  .وبدأت خطورة نظام البشير علي نظم الحكم في السعودية ومصر تظهر خصوصا بعد تعيين زكي بدر مستشارا امنيا في السعودية وقد كان اعدي اعداءالاصولية السنية في مصر حين كان وزيرا للداخلية ،واعرف بخططهم ،ونقل هذه الخبرة الي السعودية ،فتأثرت العلاقة بين النظامين السعودى والسودانى ،وانعكس هذا بالتالي علي صعيد العلاقة بين الحكومة السعودية والاصولية السعودية ،مما حفزها علي التحرك نحو المعارضة الاصولية ،وكان سهلا اتهام الحكومة السعودية بأن خلافها مع السودان بسبب تطبيق السودان للشريعة الاسلامية ،وهذا العنوان الذي يحمل اتهاما مغلوطا للسعودية يمثل استغلال المعارضة لتردي العلاقة بين السودان والسعودية في الهجوم علي الحكومة السعودية .

(4)ثقافة ومنظمات حقوق الانسان :

ربما كان ناصر السعيد المعارض السابق اول من بشر بثقافة حقوق الانسان قبل ان تتأصل جذورها بعد وفاته..اذ اصبحت ثقافة حقوق الانسان جزءا من الضمير الانساني خصوصا في الغرب الذي يمسك بسياسة العالم .ومع سقوط الاتحاد السوفيتي والنظم الموالية له في اوروبا تأكدت ثقافة حقوق الانسان بل اصبحت ضمن الوسائل السياسية للحكومات الغربية خصوصا امريكا ،تستخدمها احيانا في خصوماتها ضد الصين او ضد مصر والعراق ،وتتغاضي عن هذه الحقوق اذا تم انتهاكها داخل الدول الصديقة .ووصول ثقافة حقوق الانسان الي مستوي الاستخدام السياسي للحكومات يعني ان هذه الثقافة اصبحت تمثل ركنا هاما في التأثير العالمي .يضاف الي ذلك نجاح الامم المتحدة والمجتمع الدولي في جعل ثقافة حقوق الانسان ركنا هاما في القوانين الدولية والتي اصبحت الدول مطالبة بتطبيقها والتوقيع عليها ولو بتحفظات ،وادي هذا الي تقليص سلطة الدولة المركزية علي الشعب والافراد .وبنفس القدر اصبح لمنظمات حقوق الانسان الحق الادبي وربما القانوني- في التدخل لصالح المضطهدين من الافراد والجماعات ،واصبح من حقها التفتيش عن حقوق المرأة والاقليات ونشطاء حقوق الانسان ..

والسعودية كنظام حكم سلفي وراثي تقليدي يقوم علي اساس مذهبي واحد كان يمثل المناخ المطلوب الذي تسعي للعمل في داخله منظمات حقوق الانسان ،أي انه حتي لو تكاسلت المعارضة الأصولية فى السعودية في الاتصال بمنظمات حقوق الانسان ،فأن تلك المنظمات الاصولية هي التي ستبادر بمحاولة الوصول الي المعارضة ،ولكن المعارضة السعودية كان لديها نفس الحماس الموجود لدي منظمات حقوق الانسان ،وسهلت ثورة الاتصالات والمعلومات في تعميق الاتصال بين الجانبين ،خصوصا وان تلك الثورة جاءت خصما للنظم التقليدية التي تحاول ارساء الحواجز بين شعبها والاتصال الخارجي .الا ان الحكومة السعودية لم تعمل علي ارساء الحواجز بل علي العكس بادرت بارسال البعوث الي الغرب ،وبادرت باستقدام تكنولوجيا الاتصالات ،أي انها مهدت الطريق امام المعارضة لتعبر عن نفسها وتوثق علاقاتها بمنظمات حقوق الانسان .وفي سيرنا مع تاريخ المعارضة السعودية ألأصولية  سنلمح دورا هاما لمنظمات حقوق الانسان وتأثيرها تأثرها بالمعارضة السعودية  .

(5) الصراع العلماني السلفي داخل المثقفين السعوديين :

ادت سياسة الملك فيصل السلفية الي محاصرة النفوذ العلماني داخل المجتمع السعودي واروقة الحكم ،وبتركيز اعمدة السلفية ــ من الاخوان المسلمين وغيرهم  ــ علي التربية فقط سيطر الفكر السلفي باطيافه المختلفة علي الشرائح المهمة في المجتمع وتحول الي واقع ملموس تمثل في ظواهر وهابية  كثيرة في البيت والشارع والمدرسة وبقية المرافق الاجتماعية ،يسانده في ذلك تراث ضخم من الحياة السلفية ،مما تأكد معه استعادة هيبة التدين والرموز الدينية ، وازاحة اثار التيارات القومية والليبرالية واليسارية والعلمانية ،وحفز تلك التيارات العلمانية علي الاستغناء عن البعد الاجتماعي في تحركهم والاستعاضة عنه بالتغلغل داخل اروقة الحكم والتحالف مع السلطة وخدمتها ،خصوصا وانه لا توجد لدي التيارات العلمانية طموحات سياسية تؤثر علي الاوضاع السياسية القائمة ،بل مجرد تواجدها في خدمة الحكم .أي سيطر التيار السلفي علي اغلبية المجتمع مقابل تغلغل التيار العلماني في اروقة الحكومة..

وساعد علي ذلك استعداد الحكومة السعودية في عهد الملك فهد للتلاقي مع العلمانيين خصوصا بعد محنة اقتحام الحرم في حركة جهيمان ،وشكوك السلطات السعودية في التوجهات الاصولية السنية حين تحتل احد المواقع الحساسة في السلطة ، ومن ناحية اخري تخوفت الاصولية السنية السعودية من خوض غمار السياسة والدخول في معترك المناصب ضد العلمانيين طبقا لما قاله صاحب كتاب (زلزال ال سعود )وهو احد اعمدةالاصولية السنية السعودية ،وهو يؤكد علي ان الانفصام بين تركيبة المجتمع السلفية وغياب الاصولية السنية السعودية ، علي مستوي الاعلام الرسمي والمناصب السياسية الحساسة اوجد احتقانا سياسيا وغضبا لدي القاعدة الشعبية ،ثم جاءت ازمة الخليج لتدفع هذا الاحتقان الي درجة الانفجار [6].

ومن الطبيعي ان يرافق الصراع العلماني السلفي سيرة الصراع بين الحكومة والاصولية المعارضة ،وان يتحالف العلمانيون مع النظام مقابل احتلال المزيد من المناصب علي حساب الاصولية السنية ،ومن ذلك تولي غازي القصيبي السفارة السعودية في لندن ليحل محل الشيخ ناصر المنقور، واتخاذ السفارة السعودية في لندن محطة اساسية في صراع الحكومة مع اللجنة الشريعة بعد انتقال الاخيرة الي لندن[7].

والفكر السلفي يعتبر العلمانية مرادفا للغرب والكفر ،والمسعري الذي يعيش لاجئا في الغرب العلماني يجعل من الادلةعلي عدم شرعية الدولة السعودية في رأيه تحالفها مع العلمانية وولاءها للغرب ،وقد افرد لذلك الباب الخامس في كتابه تحت عنوان (السعودية والعلمانية )[8].

وتأثير تلك العوامل في نشأة هذه المعارضة الوهابية السعودية ( الأصولية ) يظهر بين ثنايا التأريخ لها  ..

اجمالي القراءات 9565