الزواج بين الماضي والمصلحة

سامح عسكر في السبت ٢٣ - أغسطس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

يتساءل البعض عن سر الانتفاضة الأزهرية والسلفية للدفاع عن البخاري وكتب التراث، وهل هي دفاع حقيقي عن الدين أم أن المسألة هي مجرد مصالح، ولماذا رأى البعض رموزاً أزهرية وقيادات دينية انحطت في أسلوبها وخطابها في الفترة الأخيرة، حتى رأينا كيف دكتوراً بحجم عبدالله النجار -وفي مناظرة مع طالب علم مبتدئ- يخرج عن شعوره ويمارس حماقة غريبة لم نعهدها عليه، بل يُكفّر محاوره بكل بلاهة واستخفاف..

كنت في معرض القاهرة الدولي للكتاب منذ سنتين، وقابلت الدكتور .."عمار علي حسن"..وتحدثنا في إمكانية تقديمه لإحدى كُتبي، عرجت معه لسؤال عن جمال البنا –رحمه الله- وكيف يراه بعدما فقدناه، قال أن البنا-رحمه الله-يسبق السلفيين والأزهريين وكافة المقلدين ب100 عام على الأقل ، وفي المستقبل سيقرأون أفكاره..هم من يسيرون إليه وسيقولون مثلما قال اليوم أو غدا..

قلت: أعذر الأزهر والسلفية في موقفهم، وأفهم منه أنه دفاع عن الذات وليس دفاع عن الله، لا مشكلة لديهم إذا انتقصوا من النبي وقال بإرضاع الكبير أو أنه سُحِر، ولكن المشكلة الكبرى هي في وضعهم بعد أن تسقط هيبة ذلك التراث وقداسته التي صنعوها بالكذب.

سيكون وضعاً جديداً يسمح لكل شخص بأن يفكر ويقرر..وحينها تزول هيبة وسيطرة أرباب المصالح..

تعالوا لنتخيل المشهد بعبرة من الماضي..

في عز سطوة منيرة المهدية على قلوب وآذان المصريين جاءت أم كلثوم فأضاعت تلك الهيبة..وغضبت منيرة حتى كان سقوطها تدريجياً..حدث نفس الأمر مع فريد الأطرش والقادم بسرعة الصاروخ عبدالحليم حافظ.

هناك زواج علني-وليس سري-بين الماضي والمصلحة

رغم أن منيرة أدت دوراً وطنيا وشعبياً رائعاً في ثورة 19، وغنت لسعد زغلول أشهر أغانيها..."يابلح زغلول ياحليوة يابلح"..فتعلق الشعب المصري بالأغنية ورددها في فترة اعتقال الزعيم، فعرف الإنجليز مدى حب الشعب لسعد..ومع ذلك لم يشفع هذا الدور لمنيرة بعد أن رأى الشعب سفاهتها وكذبها في التجني على أم كلثوم.

الأزهر كذلك له دور وطني لا ينكره إلا جاحد، ولكن سطوته كانت عن قوة وهيبة لا يختلف اثنان أن تلك القوة والهيبة مفقودة الآن، لقد اخترقه الإخوان بعد قرار سيادي على أعلى مستوى قال أن التمكين سيبدأ من الأزهر ، أصبح اللاعب الجديد هو المتمكن من الخطاب الديني، السلفية وما أدراك ما السلفية، كُتب بالمجان وأشرطة بأرخص الأسعار، وانتشار في كل مسجد، وعناوين ثورية للتأثير على وعي وإدراك الجماهير.

أصبح الأزهر معها لا حول له ولا قوة، مجرد مؤسسة تنظيمية روتينية لتخليص الأوراق ومنطقة موبوءة بالمنتفعين ، وانتشرت المحسوبية والوساطة فصعد على المنبر كل جاهل وجبان ومُردد، اختفى الإبداع القديم في تصوير حياة الناس وإسقاطها على كل جمعة للاعتبار، ومعه تجمد الخطاب الديني حتى أصبح المسجد مكاناً لنشر الخرافات والأكاذيب.

من المسئول عن هذا الانحدار، وكيف تحول البخاري عند الأزهريين في مطلع القرن العشرين من كتاب صحيح غير معصوم يجوز نقده ولا يتعلق به كُفر وإيمان، إلى كتاب معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه، وهو الوحي الثاني مع كتاب الله، حتى رأينا شيخاً بحجم أحمد عمر هاشم-في اعتداله- يبكي على البخاري ويقول أنه لا يوجد حديث في كتابه ضعيف، رغم أن الكتاب فقير معرفياً وضحل من النواحي العقلية وتكثر به التناقضات والتعارضات مع الشارع الحكيم، ليس ذلك فقط بل الكتاب ينضح بالتعدي على الذات الإلهية والأنبياء والصحابة عبر روايات لا يُعرف مصدرها إلا بالنقل الشفهي الذي كان شائعاً في هذا الزمان.

فليرمي الأزهر هذه المصلحة مع التراث، وليُعلن أن زواجه مع الماضي كان عن خوف ودفاع عن الدين ولكنه ضلّ الطريق ، وأن ضعفه الآن لا يمكنه من تلبية مطالب المجددين الذين يصفهم حمقى الأزهر بالكفار والمرتدين والمنتفعين في إحياءة ساذجة لخطاب القرون الوسطى.
 
اجمالي القراءات 7533