الأمويون وتخلف الأمة

سامح عسكر في السبت ٢٨ - يونيو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

السلطة الأموية هي التي ورثت دولة النبي والخلفاء الراشدين عملياً، فبعد سنوات من مبايعة الحاكم في دولة الصحابة جاء معاوية بن أبي سفيان ليُغير من قواعد اللعبة ويخترع نظاماً جديداً يقوم على القبلية والعشائرية في الحُكم، دامت هذه السلطة إحدى وتسعين عاماً من عام 41 إلى 132هـ، وهو العام الذي قُتل فيه مروان بن محمد الشهير.."بمروان الحمار"..ولكن لم تنتهي هذه السلطة بالكامل فبعد انقضائها عند العرب ظهرت مرة أخرى في الأندلس بسنوات قليلة ، ولكن كانت شوكتها ضعيفة لم تستطع العودة مرة أخرى لحُكم العرب.

في هذه الدراسة لن نخوض في تاريخ الأمويين بطريقة السرد، ولكن سنُحاكي أصول تلك الدولة وطريقة آدائها السياسية والفكرية، لأن عصر الأمويين كان أخطر عصر في تاريخ المسلمين على الإطلاق، وهو العصر الذي أسس عملياً لما يُسمى بالحديث والراوية، ومنه إلى قمع وإقصاء كل الحركات الفكرية والسياسية المعارضة للسلطان الأموي، ولم يحدث ذلك جُزافاً بل مباركة دينية من شيوخ ومحدثين كانوا قد أشاعوا بين الناس الكذب في حق الله وفي حق النبي.

في تقديري أنه لو جاز لنا الحُكم على أي سلطة فيجب أولاً استعراض حالتها مع معارضيها، وطبيعة أولئك المعارضين السياسية والفكرية، وهذه أمور كثيراً ما ناقشها المفكرون، ولكن هنا سنناقشها بشئٍ من الإيجاز والوضوح لتعم الفائدة..

السلطة الأموية كانت تضطهد معارضيها باسم الدين، وتصفهم بأوصاف الكُفر والزندقة والبدعة..وهذا ثابت في جميع كتب التاريخ، بل يفتخر أحفاد الأمويون بهذا الاضطهاد إلى الآن، وتتنوع دوافعهم ما بين التعصب القبلي والعرقي وما بين التعصب الديني ومزاعمهم بضرورة حراسة الدين من الكفار والزنادقة، فجاء المحدثون -وأغلبهم كانوا موالين لها- فأرادوا أن يخدموا السلاطين..فاخترعوا أحاديثاً منسوبة للنبي كذباً تزعم تحذير وتكفير النبي لهؤلاء المعارضين..

تعالوا لنعد معارضي السلطة الأموية لنكتشف بأنفسنا مصدر الأحاديث في حقهم..

1-الخوارج..وهؤلاء زعم المحدثون أن النبي حذر منهم فاخترعوا حديثاً.."يأتي في آخر الزمان قومُ حُدثاء الأسنان سفهاء الأحلام...إلخ"..وقد تم توثيق هذا الحديث في البخاري ومسلم رغم وضوح كذبه وفُحشه في حق النبي، والسبب أن النبي لم يكن يعلم الغيب، والقرآن يعج بالأدلة الصريحة والإشارات القوية على اختصاص علوم الغيب لله وحده، وأن الرسول هو مجرد بشير ونذير.

2-الشيعة..وهؤلاء زعم المحدثون أن النبي كفّرهم وحكم بقتلم فاخترعوا حديثاً عن النبي يقولون فيه.."يكون في آخر الزمان قومُ يُنبزون الرافضة، يرفضون الإسلام ويلفظونه، فاقتلوهم إنهم مشركون "..انتهى...رغم أن الرافضة مصطلح متأخر عن عصر النبي ..وبالتحديد في عصر جابر بن زيد..(توفى 82هـ).. وهم الذين رفضوا جابراً فأسماهم كذلك..وقد تم توثيق الحديث وشيوعه خصوصاً في القرنين الثاني والثالث..وهو العصر الذي انتقلت فيه فرقة الشيعة من فرقة سياسية إلى طائفة دينية لها آرائها ومعتقداتها الخاصة.

3-المرجئة..وهم أصحاب أبي حنيفة العُقلاء والمفكرين، كانوا قد اعترضوا على شيوع التحديث والكذب على رسول الله ..فحاربهم المحدثون بنفس السلاح واخترعوا أحاديثاً في حقهم منها.." صنفان من أمتي ليس لهم في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية"..انتهى..والغريب أن هذا الاختراع لم يمر هكذا..فنسبوا هذا الحديث تارة للرسول وتارة للصحابي عبدالله بن عمر..رغم أن لفظ المرجئة لفظ متأخر جاء بعد احتدام الخلاف الفقهي بين المسلمين في القرن الثاني ، وكانوا يقولون بإرجاء الحُكم على العباد لرب العباد يوم القيامة، أي يرفضون تكفير أي إنسان ،لذلك اضطهدوهم ورموهم بالبدعة والزندقة على طريقة.."اطردوهم من بلدتكم إنهم أناسُ يتطهرون"....وإلى الآن يُقال في حق أبي حنيفة هذا الاتهام..!

4-القدرية..وهؤلاء مع المرجئة الأحناف في نفس القفص..وكثيراً ما كان يُخلط بينهم وبين المرجئة ..لكن يمكن القول أن الفكر القدري هو من أصول الفكر المعتزلي، لذلك جاء ذم القدرية في سياق ذم المعتزلة، والقدرية هم ألد خصوم الجبرية، والاتجاه الجبري كان سائداً في عصر الدولة الأموية لذلك جرى اضطهاد مفكري ومثقفي القدرية ورميهم بالبدعة والمروق من الدين..حرض على قتلهم الفقهاء والمحدثين باختراعم أحاديثاً عن النبي في حقهم..رغم أن لفظ .."القدرية"..هو لفظ متأخر عن النبي جاء في حق كُلّا من معبد الجهني..(توفى 80هـ).. وغيلان الدمشقي..(توفى 106هـ).. وهما من المفكرين العِظام المعارضين للسلطان الأموي.

5-الجهمية..وهم أتباع جهم بن صفوان..(توفى 128هـ)، وهؤلاء كانوا من صفوة المفكرين في مجتمع المسلمين..يكفي أن جهم بن صفوان كان قاضياً لأحد أمراء خُراسان يُدعى.."الحارث بن سريج التميمي"..ولكن جاء مقتله بعد تمرد الأمير التميمي على السلطان الأموي في دمشق..فقُتِلَ الجهم ومعه الحارث التميمي..وبعد مقتله أساء المحدثون سيرته واخترعوا في حقه كلاماً فاحشاً ورموه بالبدعة والزندقة كل ذلك بسبب خروجه على الأمويين وبسبب آرائه الجريئة التي عارض بها السلطان الأموي..

كل هؤلاء لم يصلنا من أخبارهم سوى الذم، لا يوجد مصدر واحد نستطيع به الحُكم على آرائهم كي ننصفهم ،هل كانوا -كما زعم المحدثون- - مجرد زنادقة أم كانوا مصلحين ومفكرين عظام اختلفوا مع السلطة فكان جزائهم القتل والتشويه، هناك حلقات سنناقش فيها تلك الأحداث بإذن الله، وكيف أن السلطة الأموية هي من شرّعت أسس التخلف والقهر والاستعباد بين المسلمين، ثم جاء خصومهم من العباسيين ليُكملوا المسيرة وهم من تعشمت فيهم الجماهير أن يُعلوا مصالح الشعوب على مصالح الملوك..

نعود إلى الأمويين ...ونقول أنه يمكن اختصار هؤلاء المعارضين في فئتين:

الأولى: المختلفين سياسياً وتشمل الخوارج والشيعة

والثانية: المختلفين فكرياً وهم المرجئة والقدرية والجهمية، ويمكن اعتبار هؤلاء الثلاثة هم من مؤسسي المذهب الاعتزالي بعد ذلك وما لحق به من جدل في شئون الفكر والعقيدة والفقه والسياسة. 

كل هؤلاء لم يسلموا من تطاول المحدثين واختراعهم لأحاديث منسوبة زوراً للنبي في حقهم، ومن هذا العصر جرى اعتبار هؤلاء فرق ضالة وكافرة يجوز قتلهم أو من يقول بقولهم، لذلك لا نستغرب سلوك داعش وهي تحرض على قتل الشيعة بناءً على هذا الاتجاه، أو أن يحكموا بكُفر وردة أي مفكر يريد مراجعة تراثهم الموضوع، والغريب أن نرى محدثين كبار كالبخاري يحكم بكُفرهم وجواز قتلهم في كتابه الموسوم بالفضيحة.."خلق أفعال العباد"..وإنه فعلاً لفضيحة للبخاري كشفت أن البخاري لم يكن مجرد محدث أو راوي، بل هو شيخ متطرف تكفيري سريع الانفعال والتعصب المذهبي..ربما لو كان البخاري يعيش الآن لوجدناه في ساحة القتال مع داعش محرضاً على ذبح كل جهمي ومعتزلي و شيعي وقدري..

لا تستغرب ما عليك إلا أن تقرأ كتابه.."خلق أفعال العباد"..لترى بنفسك شخصية البخاري الحقيقية، وهو الكتاب الوحيد الذي تحدث فيه برأيه ، كافة كتبه الأخرى كانت روائية عن فلان وعن علان، أما هذا الكتاب فهو كاشفُ صريح بأن أغلب المحدثين كانوا متطرفين تكفيريين سارعوا بإطلاق الأحكام في حق خصومهم لأسباب سياسية وفكرية، واخترعوا أحاديثاً عن النبي في حق معارضيهم، لكن للإنصاف لم يكونوا على هذا النَهَج دائماً فالإنسان متقلب غالباً وينتقل مزاجه من حالة إلى حالة بمجرد حدث صغير.. فما بالنا بالأحداث الكبرى والفتن العظيمة التي عانى منها المسلمون في القرون الثلاثة الأولى للهجرة..

اجمالي القراءات 8688