حوارٌ تــَـكْــمـِـلـَـتـُـه تـَـطـْـبـيـقــُــه!
كثير من التفاؤل .. قليل من التشاؤم

محمد عبد المجيد في الخميس ٠٨ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 حوارٌ تــَـكْــمـِـلـَـتـُـه تـَـطـْـبـيـقــُــه!

ينبغي أنْ أعترف بأنني قبل الحوار وخلاله وضعتُ يداَ علىَ قلبي، واليدَ الأخرىَ علىَ كتابي السادس عشر والأحدث وهو بعنوان: ( لماذا يكرهون مصر؟).
أما القلب فليس لتنظيم نبضاته، ولكن خشية أنْ يتحرك من موضعه عن اليمين وعن الشمال، تأييداً أو مناهضة للرئيس القادم. وأما الكتاب فهي المرة الأولى في حياتي التي أهدي فيها كتاباً لزعيم مصري، فقد كان ســِــنُّ قلمي خلال أقل قليلا من أربعة عقود، يمرح في عيونهم ليجرحها غضباً، فزار القلمُ السادات ومبارك وطنطاوي ومرسي، وعندما كتبتُ مقدمة كتابي هذا مهداة لــ( الفريق أول ) عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع قبل أن يتمشـْـوَر، ويستقيل، ويترشح، كنت غيرَ مُصدِّق أنني لأول مرة أضحيت نصفَ مُعارِض، ووضعتُ قــَــدَماً مُترددة في تأييده، والقدمَ الأخرىَ غير ثابتة على استحياء في معارضته.
وكانت كل مقالاتي السيسية مشروطة ينايرياً، ومُعلقة في أحلامي، وملتصقة برؤيتي لهموم مصر التي ظللت علىَ العهد بها، لا تتلوّن، ولا تعرف بين الأبيض والأسود إلا ظــِـلالاً تــَــبين بين الفينة والأخرى لظروفٍ وقتية.
وكان الحوار، وتحرر كتابي من خجل المقدمة المهداة لرئيس مصر القادم، فلم أجد في شطري الحوار قاعةً مُظلمة أو حــِــصْناً خفياً يلوذ به طغاة يبتسمون في العامين الأوليــّــن، ويكشّرون عن أنيابــِــهم في عامين أخريين، ثم تنتصب المشانقُ في بقية زمن سيادة القصر ولو كانت فوق بساط أحمر.كنتُ قد أرسلت الكتابَ له منذ عدة أشهر مرفقا به رسالة مفصَّلة، وتسَلــَّـمه فور فتح باب الحملة الانتخابية مع افتراض أنْ مديرَ حملته سلــَّـمه الكتاب.
لم أنتظر أفضل من هذا الحوار لسبب بسيط أن الرجل لا يستطيع ولو أوتي قوة وفصاحة وإيمان الأنبياء أنْ يبسط أحلامه ورؤاه وخُططه على عشرات الملايين الذين يتربص نصفُهم به، وتزيــّــف مصانعُ فبركةِ الخبر نصفَ أقواله، فالمشير يتحدث عن مستقبل مجهول ويرسمه بريشته في خيالات مُشاهديه .. مؤيديه وخصومه.والرجل مطبوع بفكر المخابرات الحربية، وكان من المستحيل أنْ يشير للجزئيات وهو الذي قضىَ حياتــَــه يعتبرها خصوصية عسكرية ووطنية، ويترك الكلـّـيات تتناثر جزيئاتــُــها لاحقاً، فرأفت الهجّان إذا ابتسم للخبر لا يعني هذا توقيعه عليه.
كان يمكن أن يقتصر الحوار عليه مع ابراهيم عيسى القادر بحُكــْـم ( هنا القاهرة ) على طرح أضعاف التساؤلات المهنية والشعبية، والخروج بضعف الإجابات في غياب لميس الحديدي وانشغالها بالسؤال القادم قبل الإجابة السابقة، وقلمها الـمــُـثبَّت بين سبــَّـابتها ووسطاها الذي تضعه في وجه الضيف الرئيس ضاربةً عُرض الحائط بالذوق واللياقة، فضلا عن الانطباع السيء عن عهد قادم تستجوبه فلولية حتى النخاع، ولو كان جمال مبارك مكان السيسي لفرشت أمامه سجادة الصلاة لتصلي ركعتين لسيد القصر الجديد و .. الشاب.
لميس الحديدي سحبتْ إلىَ الوراء رُبع نجاح الحوار.
كان السيسي حاضراً، وثابتاً، وواثقا من نفسه، وليس مترددا في الاجابات المرتجلة، وكان ذهنه يقظاً للشرح في المساحة المسموح بها ما بين عدم التفريط في رؤيته لحلول أزمات مصر، والاحتفاظ لنفسه بما قد يكون ثغرات ينفذ منها الاخوان والمعارضون والحمديون.
هناك عشرات الأسئلة التي كان طرحها أفضل من بسط غيرها، مثل القضاء، القوانين العتيقة والمتخلفة، أسعار تصدير الغاز والبترول، طول وهزل محاكمة مبارك، فضائح التأجيل في المحاكم، الأمية، أطفال الشوارع، المخدرات، فوضى المرور، التلوث البيئي، الأمراض الوبائية الكارثية، الزيادة السكانية، القصاص لقتلة المصريين، العلاج المجاني، البنايات المغشوشة التي ستسقط فور غضب الأرض بزلزال بسيط، أموال مبارك وعائلته وأحمد عز وخيرت الشاطر وحسين سالم، ولماذا لا تتم مصادرتها لحساب مشروعات السيسي القادمة!
وغابت الأسئلة عن السجون والمعتقلات وهل فعلا هناك تعذيب وانتهاكات، ومتى يتم الافراج عن الأبرياء المغرر بهم؟
 كان السيسي ذكيا عندما قال: أنا مصري مسلم، (فمسلم هنا لسحب البساط من تحت أقدام منظري القوى والتيارات الدينية التي ستتهمه بكراهية الإسلام)، لكنني وددت أن يقول: و.. وعربي أيضا!
كيف يتم حظر جماعة 6 ابريل بمجرد أن يرفع محام مجهول قضية ضدهم، وكيف أصبح رفع القضايا وإشغال القضاء، نصف النائم أصلا، بأشياء لا تهم إلا المحامي العاطل عن العمل؟
 كان ينبغي أن يكون السؤال الأول والأهم والأخطر عن مصر الجديدة يتمحور حول مئات الآلاف من القضايا المعلقة والمؤجلة والمنسية التي توجع ظهر مصري من كل أربعة في أرض الكنانة؟
 كان السيسي حاسما ورائعا وهو يجيب ويشرح عن دولة المرشد، وفكر سيد قطب، وهوس الجاهلية الموصوف بها شعبنا قطبيا ومودودياً، وانا اتفق معه تماما في حظر كامل وتام لأي جماعة دينية( وليس أفراداً) قائمة على التفرقة بين الناس على أساس عضوية الناجين من النار، والذين ستكوى بها جباههم وصدورهم يوم القيامة.
خسارة السيسي في دعم "حزب النور" له، فأعضاء هذا الحزب معادون للدولة، كارهون لعــَــلـَمها الوطني ونشيدها، وخطرهم لا يقل عن خطر دولة المرشد، ومسكنتهم ومذلتهم الظاهرة نفاق جاهل، وسكــّــين يطعن الوطنَ من الخلف.
أتفق مع السيسي في لحظات الغضب التي انتابته عندما أشار إبراهيم عيسى لــ( العسكر)، فالضيف عسكري ولو أرتدى فوق اليونيفورم مئة بدلة كُحلي تزينها مئة ربطة عنق سماوية اللون. كلمة "العسكر" ارتبطت في ذهن المؤسسة العسكرية بنداءات اخوانية ومعارضة ودولية وقطرية وتركية وحماسية بمفردة (يسقط) فكيف لا ينتفض المشير وهو مايزال يحمل الرتبة والماضي ويشاهد مليون عسكري وضابط ومتقاعد هذا الحديثَ على الهواء؟
 كان غضب المشير بين الحين والآخر انفعالا طبيعيا، فالثكنة العسكرية تنتقل إلى الاستديو في لمح البصر أو أقل، والرجل كان منسجما مع نفسه، ونبرته العالية لحظياً كانت جزءاً مكملا لمصداقيته.
إبراهيم عيسى لا يقل نجاحُه في الحوار عن الرئيس القادم، ولم يرق لي أن تحرّض لميس الحديدي ضد الفلول المباركيين وهي كانت الضلع الثالث لهتــّــيفة جمال مبارك بعد عبد الله كمال و .. أحمد عبد الهادي!
عبد الفتاح السيسي نجح في الامتحان النظري لرئاسة الجمهورية والطريق إلى الإتحادية، وتبقى الدرجة النهائية في الامتحان العملي الذي يحتاج عدة أشهر لنعرف أيهم أصدق عملاً!لم أندم على إهدائي إياه كتابي السادس عشر ( لماذا يكرهون مصر؟)، وأزعم الآن أنني أقف مع السيسي رئيساً لمصر حتى تنتهي امتحانات آخر العام الرئاسية العملية، ويتم قبوله في تاريخ مصر زعيما متفرداً، تولــَّـىَ الحُكمَ بعد توالي عُشاقٍ كاذبين لمصر.
نعم، أقف مع السيسي دون خجل أو مجاملة، ولا تستطيع جهة إعلامية أو كاتب أو صحفي اتهامي بعد آلاف المقالات لأربعة عقود بقلمي أنني صفــََّقت لمن جاء قبله، وجاملت، ونافقت، وتقلبت مع كل المواكب.
ومع ذلك، ورغم مئات التساؤلات التي أفلتتْ من الحوار ( لا أعرف ما دار في الكواليس وتحت الخطوط الحمراء)فإنني أرىَ عبدَ الفتاح السيسي الرئيسَ المصري الأقدر حاليا علىَ إخراج مصر من عنق الزجاجة، أما موقعها على الخريطة فهذا ما ستنفيه الأيام أو .. تؤكده!
ليس أمام المصريين إلا الوقوف مع الرجل في تحقيق الحُلم الشعبي المصري، وإذا حاد عن الطريق بعد الفترة العملية فهذا شأن شعبي آخر.
إنَّ تعطيل مسيرة الوطن، ولو بصوت بندقية أطفال، بهدف التخريب والعمل على (يسقط حُكم العسكر)، سيجعل معارضيه غير مؤهلين لمناهضته في المستقبل.
إن إزاحة حُكم المرشد هي أم الثورات ( مقال لي منذ عشر سنوات تحت عنوان خوفي على مصر من الإخوان المسلمين)، والآن على الدولة أن تساهم في تنظيف عقول وصدور الشباب الصغير من خزعبلات حُكم الخلافة، فهؤلاء الشباب مفخَّخون حاليا، ومنفجرون لاحقاً.
الإعلام المصري الحالي لا يستطيع أن يُعــَـبــِّـر عن صوت دجاجة، ولا يجمع حول عُمدة ثلث أصوات القرية، لذا فتنظيفُه هو المقدمة للتغيير الكبير.
لميس الحديدي خسرت مرتين: الأولى عندما ربطت قلبــَــها بعائلة مبارك، والثانية عندما جعلتْ الحوارَ مع الرئيس المــُـقبل يخسر بعضاً من توهجه ورونقه و.. أهميته.
الآن يبقى المدَّاحون والأديبيون والبكريون والقرموطيون ومَن والاهُم وولاهُم هُمْ حجرَ العثرة في استمرار السيسي قابعا في قلوب المصريين.
مقالي هذا رغم أنه تأييد للسيسي بعد شطريّ الحوار، إلا أنَّ خوفي علىَ مصر يظل قائماً مادام حبي لأم الدنيا لمْ تغادره الروح.
محمد عبد المجيد
 طائر الشمال
 أوسلو في 7 مايو 2014
اجمالي القراءات 11068