-
نبي الله يوسف ومصر -ج15

نبيل هلال في الأحد ٠٤ - مايو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

ومما يرجح وقوع حوادث قصة فرعون في آسيا وليس مصر وادي النيل بأفريقيا , هو أن العقوبات التي توعَّد بها فرعون سحرته لما عصوه وآمنوا برب موسى , وهي الصلب والقطع من خلاف :{قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى}طه71, وهي عقوبات لم يعرفها قط سكان وادي النيل عبر تاريخهم كله , فقد كانت العقوبات المعروفة هي" قطع الرأس والإعدام على الخازوق والإحراق والإغراق وجدع الأذن أو الأنف والضرب والكي بالنار" (المرجع : منال محمود محمد محمود -الجريمة والعقاب في مصر القديمة - وزارة الثقافة - المجلس الأعلى للآثار - العدد 34) ,ولم يكن من بينها قط الصلب أو القطع من خلاف, وهي عقوبات كانت معروفة في البلدان الآسيوية . وقد ورد في القرآن الكريم ما يؤكد الأخذ بعقوبة الصلب في مصر وهي أيضا مسرح قصة سيدنا يوسف , وهي في آسيا كما أسلفنا , اسمع الله يقول في سورة يوسف الآية 41:" يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ{41}. وبتأمل قصة نبي الله يوسف في القرآن يمكن استخلاص أدلة إضافية ترجح موقع مصر الحجازية وتستبعد تماما الزعم بموقعها في بلاد القبط بأفريقيا : فمصر يوسف تعرضت لجفاف وقحط طوال سبع سنين وكان قد احتاط وادخر محاصيل سبع سنوات سابقة بحسب ما أفاض الله عليه في رؤياه التي رأى وهو في محبسه . ولم تكن مصر القبط لتُبتلى بمثل هذا الجفاف وفيها النيل يفيض عليها سنويا , وصحيح أن النيل يأتي أحيانا منخفضا على غير العادة , لكنه ما كان لينقطع سبع سنين متصلة , وهذا القحط والجفاف مبرَّر ومفهوم في منطقة تعتمد على المطر الموسمي كمصر الحجازية التي تقع في منطقة جنوب مكة فهي تُروى بالغيث(المطر) بحسب المفهوم من الآيات: "يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ{46} قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ{47} ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ{48} ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ (يُغَاثُ )النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ "يوسف 46- 49. وإذا كان القحط والمجاعة اضطرا يعقوب وأبناءه أن يطلبوا العون والميرة ( من مصر ) والتي أصابها القحط أيضا لولا احتراز يوسف كما أسلفنا , فمعنى ذلك أن منطقتي سكنهما - آل يعقوب ويوسف- خضعتا لنفس الظروف المناخية , الأمر الذي يستحيل حدوثه فيما لو كان يعقوب وبنوه يسكنون في بلاد الشام كالذائع حسب التراث المزيف, فالشام وبلاد القبط بعيدان عن بعضهما ولا يخضعان لنفس الظروف المناخية وهي بلاد خصبة ترويها الأنهار . ووصْف القرآن لموطن يعقوب يناسب ما ذهبنا إليه ,فهو منطقة رعوية صحراوية كالتي يسكنها البدو عادة وليست منطقة خصبة كبلاد الشام , اسمع الله إذ يقول:"ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ( الْبَدْوِ)"يوسف 100 .     ويتضح الأمر لما نعلم أن موطن إقامة يعقوب وبنيه يقع بين مكة والمدينة ولكن أقرب لمكة منها للمدينة , وحياة الرعاة تقتضي ترحالهم المستمر طلبا للمراعي , والمسافة داخل منطقة تمتد من شمال مكة إلى جنوبها يسع المرء قطعها في نحو يوم واحد أو أكثر, وهو ما يمكن استنتاجه أيضا من الحوار الذي دار بين إخوة يوسف وأبيهم يعقوب بعد عودتهم من مصر أيام القحط وعزمهم العودة مرة أخرى إليها لجلب المزيد من الميرة , فهاهم يقولون لأبيهم يعقوب: "لولا مجادلتك إيانا لذهبنا ورجعنا مرتين"التكوين 43- 10 , وليس بالضرورة أنهم يعنون مرتين تحديدا وإنما هو قول لبيان قرب المسافة وما كانوا ليقولون ذلك لو كان مقصدهم هو مصر القبط . يبقى أن نشير إلى ما ذهب إليه فرعون لما قال :"ونَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ{الزخرف51}, "فهناك الكثير من الأنهار الكبيرة والصغيرة التي تتكون نتيجة تجمع مياه الأمطار الموسمية أو نتيجة ذوبان الثلوج المتراكمة على قمم الجبال لتنحدر هذه المياه في وديان عدة مشكلة أنهارا كثيرة يتفاوت حجمها وتدفقها , بل يوجد اليوم وفي الجزيرة العربية بحيرات ضخمة تم تكوينها ببناء سدود على وديان"بيشة" النهرية لتجميع مياه الأمطار المنحدرة من أعلى جبال السراة في عسير , وعليه يمكن القول إن الأنهار التي ادعى فرعون وجودها في مصره لم تكن بالضرورة مستديمة على مدار السنة كنهر النيل القبطي بل يمكن أن تكون مجموعة أنهار تحمل مياه الأمطار من أعالي الجبال , وهي لذلك معرضة للجفاف في حال تأخر هطول الأمطار الموسمية " ( المرجع : قسم الدراسات والبحوث –جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية -نداء السراة – اختطاف جغرافيا الأنبياء- دار كيوان للطباعة والنشر والتوزيع _ ص 343). ومن المقطوع به وجود أنهار في شبه الجزيرة العربية في الأزمنة السابقة , وتم تسجيلها على الخرائط القديمة , "منها ما يعود إلى العصر البطلمي, وكذلك في خرائط الجغرافي الشهير محمد بن علي الصفاقسي سنة 1601 ميلادية , وخريطة للعالم الجغرافي المعروف محمد الأدريسي المتوفى في سنة 1165 ميلادية , وكذلك في خريطة للبرتغالي "ديوجو هومن" سنة 1559 ميلادية ,كما ذكر هيرودوس الإغريقي في تاريخه الذي وضعه سنة 500 ق.م وجود نهر وصفه بالنهر العظيم يمتد في الجزيرةالعربية " (المرجع : قسم الدراسات والبحوث –جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية -نداء السراة – اختطاف جغرافيا الأنبياء- ص 275 , ص 305 –بتصرف ). يبقى ملحظ أخير على أن مصر نبي الله يوسف هي مصر الحجازية (الأسيوية) وليست مصر القبط كالشائع حسب التراث المزيف , هو أن يوسف قد (باعه)من التقطوه من البئر الذي أسقطه فيه إخوته , والرق لم يكن معروفا في مصر القبط ,وإن كان يتم (تسخير) أسرى الحروب ) لكن دون استرقاقهم ,وصدق اله العظيم إذ يقول :" وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ{20}يوسف, وهكذا يواصل القرآن الكريم تفنيد المزاعم التراثية المزيفة وإن كره الكارهون . انتهى المقال الخامس عشر  .بتصرف من كتابنا الإسراء بين القرآن والتراث - نبيل هلال هلال

 

اجمالي القراءات 13019