أكذوبة المسيخ الدجال

سامح عسكر في الأحد ١٣ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

هل المسيخ الدجال خرافة ؟...ما عليك إلا أن تكون شاهدت مسلسل السندباد أو فيلم لص بغداد أو جاسون وآلهة الحرب والسيكلوب بعين واحدة ، والتنين الذي ينفث النار..ثم تأمل قليلاً لتتخيل شكل المسيخ الدجال، كي تعلمه وتحذره ثم يهبك الله القوة لتنتصر عليه ، وبعدها يعم السلام والخير هذا العالَم..إنها ميثولوجيا مُخلّص آخر الزمان وأمنيات الضعفاء والحمقى بانتصارهم دون جُهد، ولا زالوا في شوقٍ لهذا المخلص الشجاع الذي سيهب الله على يديه الخير والسلام لهذا العالَم، مرات ومرات تنتكس فيها الشعوب وقد طال بها أمد الانتظار.

سنتعرض في السطور القادمة لحلقة من حلقات الغش والخداع الذي تعرضت له أمة المسلمين، ولكن الغشاشون المخادعون هذه المرة لم يكونوا صهاينة أو أمريكان، بل كانوا مسلمين ويُعرفون لديهم.."بأهل الحديث"..نسبوا عقيدة ساذجة وسطحية لرسول الله، ظنوا أن المسلمين مجرد قطيع يسمع ويُطيع، وأن هؤلاء.."الغنم"..مُصيّرون لأمرٍ واحد، أن يتبعوهم بلا عقل وبلا ضمير حتى فشا فيهم الإرهاب والجهل والنطاعة.

1-قالوا أن الرسول حذر من المسيخ الدجال ، ولكن لم يقولوا أن الرسول لم يكن يعلم من هو الدجال..هل هو ابن صياد الذي أقسم عمر بن الخطاب أنه الدجال أم أنه وحش الجساسة الذي رآه تميم الداري في الجزيرة المشهورة؟ لو قلنا أنه ابن صياد فأحاديث الجساسة مكذوبة وتميم الداري مخادع كبير أو أنه لا يعلم عن الجساسة شيئا ، ولو قلنا أنه وحش الجساسة فأحاديث ابن صياد أيضاً مكذوبة وعمر لا يعلم عنها شيئاً...الآن من الصادق ؟!!!

2- قالوا أن الدجال أعور وأن الله ليس بأعور ،ولكن لم يقولوا أن هذا تشبيه وتجسيم في حق الله، فنفي العَوَر عن الله يُجيز أن يكون الله بعينين مثل الإنسان..!!..ولم يقولوا أيضاً أن تلك عقائد المجسمة أن يُشبهوا الله بالإنسان ، ويزعموا أن له عينين ورجلين وبطن ويدين لا فارق بينه وبين مخلوقاته ، رغم أن الله في آية صريحة ومباشرة وقاطعة وحاسمة قال أنه ليس كمثله شئ..

3-قالوا أن الرسول يعلم ظهور الدجال ، ولكن لم يقولوا أن الأحاديث أظهرت النبي إنسان ضعيف ومتردد -معاذ الله- لا يعلم من أين سيظهر الدجال، هل من بحر اليمن أو من بحر الشام أو من جهة المشرق..ولم يقولوا أيضاً أن هذه الجهة التي سيخرج منها ستكون بين الشام والعراق، وهذه الجهة بالنسبة للنبي هي جهة الشمال..الآن من أين سيظهر الدجال..هل من البحر أو من الشمال أو من الشرق ؟!!

4-قالوا أن الأحاديث في شأن الدجال متواترة ، ولكن لم يقولوا أن الأحاديث زادت بطريقة مريبة منذ أن رواها مالك في الموطأ، تابعوا معي هذه الإحصائية عن أحاديث الدجال

الإسم -تاريخ الوفاة- عدد الأحاديث

ا- موطأ مالك - ت 179 هـ- روى 4 أحاديث فقط

ب-مصنف عبدالرزاق- ت211 هـ- روى 23 حديث

ج-مصنف ابن أبي شيبة -ت 235 هـ -42 حديث

د- صحيح البخاري -ت256 هـ- 51 حديث

هـ-صحيح مسلم -ت 261هـ - روى 60 حديث

الملاحظ أنه كلما تقدم الزمن كلما زاد عدد الأحاديث..ففي موطأ مالك أربعة فقط، وفي صحيح مسلم 60 حديث في شأن الدجال..فهل كان الإمام مالك يعلم ما كتبه مسلم في صحيحه ؟!...ولماذا زاد عدد الأحاديث بهذه الطريقة المريبة ؟!

5-قالوا أن الدجال يُحيي ويُميت ،ولم يقولوا أن الإحياء والإماتة صفة لله وإسم من أسمائه المقدسة اختص بها وحده دون غيره، ولم يقولوا أن الإنسان ضعيف تفتنه كرامة صغيرة مثل دعائه للمرضى بالشفاء فيشفيهم الله بإذنه، وقتها سيتبعه الناس ويُفتنون به شر فتنة..فما بالكم بالإحياء والإماتة ؟!

6-قالوا أن الدجال يعلم الغيب وأنه يعلم متى تجف بحيرة طبرية، ولكن لم يقولوا أنه لا يعلم الغيب إلا الله، وان ادعائهم بعلم الدجال للغيب يُساوي ألوهيته على الحقيقة.

7-قالوا أن الدجال سيأتي بالمعجزات ،ولم يقولوا أن المعجزات يؤيد الله بها خلقه ليؤمنون لا ليكفرون كما سيأمرهم الدجال ،فمعجزات سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وعيسى كانت ليؤمن الناس بدعوة الله ووحدانيته، أما معجزات الدجال فهي للعكس أن يكفر الناس بالله لا ليؤمنون..!!... هذه ليست معجزات والقول بها هو مخالفة لمفهوم الإعجاز في الإسلام ويعني الكرامة الإلهية في محل الصدق لا الكذب ، لأنه لا يمكن أن يؤيد الله أحداً بمعجزة كاذبة.

8-قالوا لماذا تهتم لأمر الدجال وهو عندنا من علوم الغيب ؟ ..ولم يقولوا أن مجرد قولهم بالدجال هو تشريع للكسل وعدم السعي والعمل الجاد والصالح، فقد انتشر الكسل والسذاجة بين المسلمين بسبب هذه الخرافات، وساد منطق ضرورة فساد الأرض وفساد الناس قبل يوم القيامة، وأنه لا جدوى من مقاومة الباطل طالما سيأتي آخر الزمان من يهدمه ويقيم الإسلام ويعمه في أرجاء الأرض ، هذا منطق أسطوري لأن توحيد الناس تحت دين واحد ولواء واحد لا يمكن أن يحدث، وهو مستحيل من الناحيتين النظرية والعملية..قال تعالى .."ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم "..إذن فاختلاف الناس تحت ألوية متعددة وأمم كثيرة هو في مشيئة الله، وبالتالي فالقول بأن الناس ستكون آخر الزمان أمة واحدة تحت دين الإسلام هو قول غير صحيح شرعاً.

9-قالوا أن الدجال سيمكث في الأرض أربعون يوماً.. يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كأسبوع وسائر أيامه عادية ، ولم يقولوا أن قائل هذا الكلام كان يعتقد أن الأرض ليست كروية وأنها لا تدور حول محورها وأن القول بأن اليوم كسنة يعني تباطؤ حركة دوران الأرض إلى سرعة منخفضة جداً.. لدرجة أن الأرض ستتجمد وتنعدم فيها كافة أشكال الحياة...!!!

10- قالوا كيف تستغرب أن يوم الدجال بسنة وتزعم أن حركة دوران الأرض ستتباطأ حتى تعدم الحياة على كوكب الأرض..وما قولك في أن الشمس ستطلع من مغربها وهذه من علامات الساعة ؟..قلت : أن طلوع الشمس من مغربها يعني دوران الأرض في الاتجاه المعاكس ، وهذا لن يحدث فلكياً ورياضياً قبل توقف تام لحركة الأرض، والعلم يقول أن الأرض لو توقفت عن الدوران ثانية واحدة سنطير جميعاً في الهواء حتى نموت جميعاً في الفضاء.

11- قالوا أن الدجال سيرسله الله للبشر كافة كي يفتنهم في دينهم..ولم يقولوا أن الأحداث الواردة بشأنه تدور في منطقة جغرافية ضيقة للغاية وهي الشام والعراق وسيناء وتركيا، ونسوا أن الكرة الأرضية تضم أوروبا وآسيا والأمريكتين واستراليا وأفريقيا..كل هذا خارج صلاحيات الدجال..وذاك دليل على أن واضعي هذه الأحاديث كانوا يرون العالَم محصور في منطقة محدودة هي كل العالَم لديهم ...وهي مركز نشاط الدجال المزعوم..

12- قالوا أن قبيلة بني تميم هي أشد القبائل العربية على الدجال ، ولم يقولوا أن هذه نزعة قِبلية عصبية نهى الرسول عنها ولم يأمر بها أو يُعلي من شأن قبيلة على أخرى، فالأفضلية بالتقوى والعمل الصالح لا بالانتساب للقبائل..حقيقة أن البعض لا يعلم أن أحاديث الدجال تضمنت مدحاً في قبيلة بني تميم على وجه الخصوص، والواضح أن مخترع هذه الأحاديث كان تميمياً أو من أقربائهم...الغريب أنه وبعد وضع قبيلة بني تميم أحاديث في فضلهم وشدتهم على المسيخ الدجال، وضعت قبيلة عنزة –العدو التاريخي لتميم-أحاديث أيضاً في فضلهم تقول..."نعم الحي عنزة مبغي عليهم منصورون" ..(مسند أحمد 1/139)..هكذا كان صراع القبائل قديماً وصل إلى حد وضع الأحاديث كذباً على رسول الله.

13-قالوا أن في عصر الدجال سيفتح المسلمون القسطنطينية ، حيث قالوا في الحديث المشهور.."لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق، أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ... فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون ... فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته"

ولكن القسطنطينية تم فتحها عام 1453 ولم تحدث هذه الأحداث السينمائية ، ولم يقول لنا الأشاوس أن ما يسمونه.."بفتح القسطنطينية"..هو فتحاً واحداً غير مصحوب بالفتح الثاني أو الثالث، كي لا يزعم أحد منهم أن المقصود ليس هو الفتح الأول، وهذا يعني أن مدينة القسطنطينية كانت عصيّة على الفتح في زمانهم فتخيلوا أن فتحها هو من أشراط الساعة....!

14-قالوا أن الحرب في آخر الزمان ستكون بالسيوف والرماح ، ودافع بعض المعاصرين عن هذه الفرية ، وقالوا أن الله سيُهلك الأسلحة الحديثة ومنها الطائرات والصواريخ وكافة أنواع الأسلحة المعاصرة ليعود الإنسان مرة أخرى إلى عصر السيوف والرماح..

وهذا قولُ باطل من وجهين:

ا- أن هذا قولُ صريح بزوال الحضارة من أجل فقط تصحيح قصة الدجال، رغم أن القرآن في أكثر من موضع أشار إلى أن هلاك الأرض سيكون بعد وصولها لقمة الحضارة والعُمران بما يُغري الإنسان للكُفر بنعمة الله..قال تعالى.." حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا"..وفي الآية إشارة إلى أن هلاك الأرض سيكون في ظل حضارة قائمة تقوم عليها الساعة .

 

ب-أن هلاك الأسلحة لا يعني هلاك عقل الإنسان، فالعقل الذي أبدع وأنتج هذا السلاح سيُنتج غيره، إلا إذا كان المقصود هو هلاك عقل الإنسان نفسه وهذا لا يجوز منطقياً، لأن الساعة ستقوم في ظل تكليف الله للإنسان ولا يمكن أن يهلك عقل الإنسان إلا إذا أصابه الجنون، والمعلوم أن الجنون ضد التكليف ،فإذا كان المقصود هو تخلف عقل الإنسان يكون السؤال، وهل التخلف سيصيب السلاح دون العمران، أو الزراعة أو الصناعة؟..هذه أشياء لم يفصلها هؤلاء الكذابون الوضّاعون لأن قصص الدجال ظهرت في عصرٍ كان يُحاكي ظروف الحرب القائمة في حينه، ولو فطنوا لقول بأن الحرب ستكون بالجمال وأن ركوب الحمير سيعود مرة أخرى لقالوا ذلك..!

الخلاصة: أن القول بهلاك السلاح والصواريخ لصالح أن تعود المعارك بالسيوف مرة أخرى.. هو قولُ أحمق ولا يُصدقه من كان يملك ذرة عقل، وأعترف أن هذه الجزئية بالذات كانت مُشكلَة لدي في أيام كنت أعتقد بصدق أسطورة الدجال، ولكن لعدم وفرة المعلومات لديّ لم أجد البديل .

أخيراً فإن حُجة واحدة على هذه الفرية.."العبيطة"..المُسمّاة بالمسيخ الدجال كافية للقضاء عليها وخلع جذورها للأبد، ولكن لا غرابة أن يكون المسلم في عصر الاتصالات والأقمار الصناعية أن يُصدق بأن الدجال محبوس في جزيرة مجهولة وسط المحيط، جزيرة لم ترصدها الأقمار الصناعية أو خرائط جوجل، وأن الدجال محبوس فيها لينتظر أمراً إلهياً له بالخروج لكي يهدم البيوت ويُفجر القنابل ،ويدعي الألوهية ، ويُحيي ويُميت، ثم بعد كل ذلك يركب الحمار ، ولا أعلم الحكمة من ركوبه للحمار ولديه سلطات الإله بأن يفعل ما يشاء، ياللسخرية والفضيحة، إله يركب حمار..!!...إنه لا غرابة لذلك في قلوب المسلمين ومن يُصدقون أهل الحديث، فقد اعتادت أمة المسلمين أن تتعايش مع الكذب حتى تتجرع مرارته بنفسها، وفي كل مرة تنتظر الفرج ولا يأتي...

اجمالي القراءات 111948