الباب الأول : المنهج القرآنى فى إستعمال ( قل )
الفصل السادس :أعراض مرض الكفر :

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٢ - مارس - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم  

( أقوال الرسول فى القرآن فقط ، وليس له أقوال فى الاسلام خارج القرآن )

 الباب الأول : المنهج القرآنى فى إستعمال ( قل )

 الفصل السادس :أعراض مرض الكفر :

مقدمة :

1 ـ المرض الجسدى العضوى ( عرض ) مؤقت ، يحلّ بالبشر ، قد يزول ، وقد يموت به الانسان ، وفى كل الأحوال فهذا المرض الجسدى ( العرضى ) له ( أعراض ) . وكذلك مرض الكفر ، هو (عرض مؤقت ) يحلّ بالبشر ، وقد يزول ، وقد يموت به الانسان . وفى كل الأحوال فهذا المرض الكُفرى له أعراض . وإذا كانت أعراض الكفر السلوكى واضحة فاضحة دامية تُعلن عن نفسها بقوة وببجاحة  وصراحة ، فإن أعراض المرض القلبى يمكن التعرف عليها . وقد أورد القرآن الكريم تشخيصها . ، باعتبارها ( حالة ) تعترى اشخاصا أحياء مطلوب شفاؤهم  قبل الموت  للنجاة  من الخلود فى النار .

 2 ـ ومن السهل التعرف على أعراض الكفر السلوكى الارهابى المعتدى والمتعدى ـ فهو يعلن عن نفسه بالدماء التى يسفكها وبما يعلته من أنه يقتل ويُقاتل باسم الدين . وأيضا فليس صعبا التعرف على أعراض الكفر القلبى ، من خلال الحوار ومظاهر الدين الأرضى فى تقديس البشر والحجر ، وهى أعراض عامة  ومستمرة فى كل زمان ومكان .

3 ـ وكما يقوم الطبيب بتكرار الجُرعة للمريض الجسدى  العضوى فإن القرآن الكريم يقوم بتكرار جُرعة العلاج للمريض بالكفر ، أملا فى أن يتذكر وأن يخشى وأن يتعظ وأن يهتدى وأن يُشفى . ومن سُبُل التكرار إستعمال ( قل ). ويرفض ضحايا الشيطان الشفاء القرآنى الذى لم يأت فقط بالعلاج بل جاء بتشخيص رائع لأعراض مرض الكفر . فما هى هذه الأعراض حتى يتجنبها من يبحث عن الهداية والشفاء ؟

أولا :  الأعراض العامة وتفصيلاتها :

1 ـ المرض الجسدى العضوى تظهر اعراضه على الوجه والجسد ؛ ورما ، رشحا ، سُعالا ، إحمرار أو إصفرار الوجه ..الخ . المرض الكُفرى يظهر أيضا على الوجه واللسان ، وفى السلوك وفى المواقف ، مهما حاول صاحبه ـ  بالنفاق ـ كتمانه .

2 ـ ونعطى مثلا جامعا : يقول جل وعلا  عن بعض الصحابة : ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُنْ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74) التوبة ). واضح أنهم من المنافقين المشهورين بالحلف كذبا بالله جل وعلا . ويقول جل وعلا يفضحهم : إنهم يحلفون بالله ما قالوا ، وهم فعلا قالوا كلمة كفروا ، أى أن الانسان يقع فى الكفر بكلمة يقولها ، ويكفر بها . فهنا عرض من أعراض الكفر ، وهو أن تقول كلمة كُفر ، وبها تكون عند الله كافرا بعد إسلامك . ثم يأتى ثانى أعراض الكفر وهو ( الفعل ) ، وهذا أيضا همُّوا بالوقوع فيه ولكن لم ينالوا مُرادهم . وفى قلوبهم مرض إذ نقموا أن الله جل وعلا أغناهم من فضله . هنا  حالة كفر قولية فعلية وقلبية . ولكنها حالة عرضية مؤقتة ، يمكن لصاحبها الشفاء منها بالتوبة ، فإن تاب فهو خير له ، وإن لم يتب فإن الذى يتولى عذابه وعقابه ـ ليس النبى قائد المدينة ، وليس النظام السياسى الحاكم ، ولكن الله جل وعلا هو الذى يتولى عذابهم  فى الدنيا والآخرة .

3 ـ ونتوقف مع أعراض المرض بالتفصيل دون العرض للمرض القلبى الكامن ، فهذا لا يخصّنا . نحن نتعامل مع اعراض الكُفر الظاهرية ، القولية المسموعة ، والسلوكية المنظورة . هذا لكى يتعرف كل منا بنفسه على نفسه ، وكل منا أدرى بحال نفسه مهما إخترع من تبريرات وأعذار:( بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة ).

ثانيا :  التكفير بكلمة :

1 ـ يجوز ـ بغرض الوعظ والاصلاح  ـ أن تتهم صاحبك بالكفر إذا وقع فى كلمة يكفر بها . وهو نفس الحق لصاحبك أن يتصرف معك بنفس الاسلوب ، وهو نوع من التواصى بالحق . هنا ( التكفير ) المُسالم الذى يقصد الاصلاح ، ويُبيّن أعراض المرض الكُفرى ، وينبه عليها بغرض الشفاء والاصلاح . وهذا هو المقصد من  ضرب هذا المثل لنا . يقول جل وعلا: ( وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَراً (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِي خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنْ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً (43) هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) الكهف ).  صاحب الحديقتين إغترّ بهما الى درجة أنه كفر باليوم الآخر ، فقال لصاحبه وهو يحاوره : ( أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) الكهف ) ورد عليه صاحبه يتهمه بالكفر :( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) الكهف  ). ولم يكن صاحبه المؤمن متجنيا عليه فى اتهامه بالكفر لأن الله جل وعلا عاقب صاحب الجنتين على كفره باحراق حديقتيه : ( وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِراً (43). نحن هنا أمام كلمة كفر نطق بها صاحبه الذى يؤمن بالله ولكنه كفر باليوم الآخر ، وردّ عليه صاحبه المؤمن يتهمه فى وجهه بالكفر يرجو وعظه وإصلاحه ، بدليل أنه نصحه بما يجب قوله: ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39)  الكهف ). هذا نموذج لكلمة كفر يكفر بقولها  صاحبها ، وبالتالى يجوز وعظه تنبيها له مع بقاء الصُّحبة بين الصاحبين .

2 ـ على أنّ الكفر بكلمة أكثره فى الكذب على الله والرسول بإفتراء أحاديث وأقاويل ينسبونها وحيا  فى الدين . فعل هذا الضالون من أهل الكتاب ، وفعله الضالون من المحمديين ، يقول جل وعلا  عن الضالين من أهل الكتاب : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة )، ( وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) آل عمران ).

3 ـ وأقوال الكفرة من قريش كانت تُصيب النبى بالحزن ، فقال له ربه جل وعلا : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) الانعام ) ، وكان يضيق صدره من أقوالهم الكافرة : ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) الحجر )، فأمره ربه جل وعلا بالصبر : (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ) (17) ص )وأمره بالصبر والتسبيح : ( فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ) (130) طه )،( ق 39 ) وأمره جل وعلا أن يستمر فى تذكيرهم بالعلاج وهو القرآن وهو ليس عليهم بمسيطر ولا جبّار ، وهو جل وعلا الأعلم بما يقولون : ( نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق ). وتفاصيل الأقوال الكافرة ومضمونها ستأتى لاحقا .

 ثالثا : ـ التكفير بالموقف :  

1 ـ طولب أهل الكتاب بأن يقولوا "سمعنا وأطعنا " ، فقال بعضهم العكس : "سمعنا وعصينا " هذا موقف كفر  ، يتمثل فى تحريف كلام الله جل وعلا والطعن فى دينه ، وكان الأولى بهم غير ذلك ، وهنا الوعظ والاصلاح شفاءا من هذا العرض الكُفرى : ( مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمْ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (46) النساء )

2 ـ وهنا نتذكر أن من سمات الكفر لدى المحمديين أنهم بسلوكهم يقولون ( سمعنا وعصينا ) . فالله جل وعلا نهى عن التفريق بين الرسل وأمر المؤمنين أن يقولوا سمعنا وأطعنا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )(285) البقرة ) ويرفض هذا المحمديون الذين يؤمنون بتفضيل محمد على الأنبياء ورفعه الى مستوى الشريك لله جل وعلا فى الصلاة والأذان والحج ..الخ . بأفعالهم يقولون : سمعنا وعصينا .

3 ـ وحكى رب العزة قصة أصحاب الحديقة الذين بخلوا بثمرها عن المستحقين من المساكين ، فعوقبوا بإحراق حديقتهم فى الدنيا ثم ينتظرهم عذاب الآخرة ( القلم 17 : 33 )

رابعا : ـ  التكفير بالكلمة والموقف :

1 ـ وهو الأغلب . وجاء فى قصص أهل الكتاب . قال بعضهم ( إن الله فقير ونحن أغنياء ) وقرنوا هذا بقتل الأنبياء وماتوا على هذا الكفر القولى والسلوكى ، وأمامهم ينتظرهم عذاب الحريق :  ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) آل عمران ).

وذكر رب العزة خليطا من أقوالهم الكافرة وإفتراءاتهم  على السيدة مريم والمسيح عليه السلام وقتلهم الأنبياء ، وأن الله جل وعلا لعنهم بكفرهم : ( فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمْ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) النساء ) .

وبعضهم فى عصر خاتم النبيين ساندوا المشركين وزعموا أن المشركين أهدى من الذين آمنوا  ، فاستحقوا اللعن من رب العزة بسبب هذا الموقف :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52) النساء ) .

2 ـ ويقول جل وعلا عن بعض المكذبين بالقرآن وكانت له علاقة بالنبى ، فنهى الله رسوله الكريم عن طاعته :  ( فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (15) سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) ( القلم ). نرى هنا مزيجا من الأقوال والأفعال الكافرة مرتبطة ببعضها . وقد تكرر مثيل لذلك فى سورة المدثر ( 11 : 26 )

3 ـ  وإعتاد المنافقون إقامة مسيرات فى المدينة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعرف ، مستغلين الحرية المطلقة فى الدين التى هى أساس فى الشريعة الاسلامية ، وقد توعدهم رب العزة بالخلود فى النار بسبب موقفهم وأقوالهم : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) التوبة )

 

خامسا : ـ القرآن الكريم يكشف المرض الكُفرى :

1 ـ للطبيب البشرى أجهزة يكتشف بها المرض حتى لو كانت أعراض المرض مستترة . ولمرض الكفر أيضا وسائل ومواقف تجعل أعراضه تظهر وتُفصح عن ذات المرض . والقرآن الكريم هو الشفاء ، وهو أيضا الكاشف للمرض ، لأن المريض بالكفر يرفض الشفاء القرآنى  بالقول وبالفعل فيفضح نفسه . وهذا يختلف عن موقف المؤمنين الذين إذا تُليت عليهم آيات الرحمن خروا سُجدا يبكون ( مريم 58 ) ( المائدة 83 ) ( الاراء 107 : 109 ) ويعلنون إيمانهم : ( القصص 52 : 53 )، لذا يقول رب العزة للكافرين : (فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)) ( الانشقاق ).

2 ـ ومجرد تلاوة القرآن كانت تجعل الكافرين يعلنون رفض القرآن ويطلبون من الرسول أن يأتيهم بقرآن آخر أو أن يبدّل هذا القرآن ليعترف بما وجدوا عليه آباءهم من كفر ( يونس 15 ـ ) . وهذا هو ما فعله أئمة المحمديين بمقولة ( نسخ القرآن ) أى تبديل وإبطال تشريعاته .

وبعضهم كان إذا تُلى عليهم القرآن يكادون يبطشون بمن يقرأ القرآن ( الحج 72 ) ، وبعضهم إعتاد الشوشرة على من يتلو القرآن حتى لا يصل صوت القارىء للقرآن الى آذان المستمعين ، هذا مع النهى عن سماع القرآن ، فوصفهم رب العزة بالكفر، وتوعدهم بالعذاب الشديد : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) فصلت ). وبعضهم كان يأتى ليستمع للقرآن ليجادل ، وفى نفس الوقت ينهى الآخرين عن الاستماع ويأمرهم بالنأى والابتعاد عن القرآن ، فوصفهم رب العزة بالكفر : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26) الانعام )

3 ـ ونفس الحال مع المنافقين الذين كانت تفضحهم أفعالهم حين الاستماع للقرآن ، بعضهم كان يتساءل ساخرا إذا أنزلت سورة : أيكم زادته هذه إيمانا ؟! ( وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (127) التوبة )

4 ـ على أنّ أعتى مرض للكفر هو ذلك الذى يدفع صاحبه لافتراء أحاديث ونشرها ليصد عن القرآن وحديث القرآن ، وقد تخصّص المحمديون فى الصّد عن القرآن بهذا اللهو من أحاديث البخارى وغيره . وقد توعد الله جل وعلا أولئك بعذاب أليم : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان ) ( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) الجاثية ) .

5 ـ ويوم القيامة سيتم تذكيرهم جميعا بتكذيبهم بآيات الله : ( وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (31) الجاثية )، ويتم تذكيرهم وهم يجأرون بالصراخ فى النار : ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) المؤمنون ) ( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105 ) المؤمنون )

 

سادسا : ـ ظهور أعراض المرض الكُفرى عند التمحيص والاختبار والابتلاء :

1 ـ الابتلاء تمحيص للمؤمنين يؤهلهم النجاح فيه لدخول الجنة ، وهو إهلاك ومحق للكافرين يعنى خلودهم فى النار : ( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ) ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) محمد ).

2 ـ والحرب بما تعنيه من تضحية بالنفس والمال هى المحكُّ ، وبها يظهر معدن الناس وحقيقة ما فى القلب المنافق من إيمان أو كفر . وبعض المؤمنين ضعاف الايمان رفضوا تشريع القتال الذى نزل بعد أوامر لهم بالكف عن المواجهة والصبر على الاضطهاد ، فلما كُتب عليهم القتال جأروا بالشكوى خوف الموت  ( النساء 77 ــ )

وفى موقعة الأحزاب كان الاختبار شديدا ، نجح فيه النبى والمؤمنون بينما إنكشف فيه جُبن المنافقين ( الاحزاب 10 : 12 ، 21 : 24 ) ، وكان الحال أشد فى المواقع الحربية الأخرى والتى كانت تقع فى الحرب وتتطلب الزحف فى الصحراء لمواجهة المعتدين بعيدا عن المدينة ، كما كانت تتطلب تبرعا بالأموال ، وتردد فى سورة التوبة إمتناع المنافقين عن المشاركة الحربية والمساعدة المالية ، بل كانوا ـ وهم الأغنياء ـ يسخرون من المؤمنين الفقراء الذين يتبرعون للمجهود الحربى ، ونزلت آيات القرأن تصفهم بالكفر وبالرجس وتتوعدهم بالعذاب . ( التوبة 42  : 49 ، 79 ـ ، 81 ـ )

 

سابعا : ـ التعرف على ملامح الكفر على الوجه والجسد  :

أعراض الكفر تنطق بها ملامح الوجه وتصرفات الشخص ، وهذا أوضحه رب العزة فى القرآن الكريم  درسا للناس فى كل زمان ومكان :

1 ـ هناك منافق يعجبك قوله ، يقطر لسانه حلاوة ، ويقسم بأغلظ الايمان بأن قلبه أبيض ملىء بالحب ، بينما هو خصم عنيد وفاسد عتيد ، ويظهر على حقيقته إذا نصحته بتقوى الله ، عندها تأخذه العزة بالاثم :

( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة ) . والأمر بتقوى الله جل وعلا تكرر كثيرا فى القرآن الكريم ، أمرا مباشرا للنبى وللمؤمنين ، وبالتالى فإنه عندما يقال للمؤمن : ( إتق الله ) يخشع ، بينما لو قيلت للمنافق الفاسد الجاحد المتكبر تأخذه العزة بالإثم . وعندها يظهر لك على حقيقته بالصوت والألوان الطبيعية ، أو تظهر فجأة أعراض مرضه الكُفرى الذى يخفيه بكلام معسول والقسم الكاذب بالله جل وعلا .

2 ـ ومن الألوان الطبيعية والصوت الغاضب الى ملامح الوجه التى تطفح بالكراهية تعبيرا عن الكفر بالقرآن . أتذكر أننى كنت المتحدث في ندوة فى قسم التاريخ بكلية اللغة العربية بالقاهرة  عام 1984 ، وكان معظم المستمعين أساتذة أكبر منى سِنّا ودرجة ، وتطرقت الى نفى شفاعة النبى فاحتجّ الأساتذة فانطلقت أتلو الآيات القرآنية التى تنفى شفاعة النبى والبشر ، ففوجئت بوجوههم يعلوها المنكر والغضب الشديد ، وكانت حالة لم أشهدها فيهم من قبل نظرا لعلاقات المودة بيننا . وعندها تذكرت قوله جل وعلا : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمْ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72) الحج ). لم تكن كراهية شخصية  لى ، فعلاقة المودة راسخة بيننا ، ولكنها الكراهية للقرآن . وقد سارعوا بعدها لقفل الموضوع حرصا على الوئام بيننا .

 3 ـ ومن ملامح الوجه الى عيون تقدح باشرر وتطفح بالغلّ كراهية فى القرآن الكريم حين يُتلى عليهم . ونسترجع قوله جل وعلا يصوّر حقد الكافرين على النبى وهو يقرأ عليهم القرآن ، وعيونهم تقدح بالشرر تعبيرا عن الكفر المرضى فى قلوبهم : ( وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ ) (51) القلم ). لم تكن بينهم وبينه عليه السلام عداوة شخصية ، بل كانوا يحبونه ويحترمونه . بدأ العداء حين دعاهم الى الشفاء القرآنى . كرهوا العلاج ، وظهر هذا فى ملامح وجوههم مرئيا وظاهرا للعيان .

4 ـ ويتصل بموضوع العيون أيضا موقف المنافقين فى الهلع عند الحروب ، واعينهم تدور كالذى يغشى عليه من الموت ، بالاضافة الى مظاهر أخرى كالتعويق والتثبيط عن المشاركة فى الحرب كما حدث من المنافقين فى موقعة الأحزاب :  ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (19) الاحزاب ). وكانت اعينهم ايضا تدور فى مناسبات معارك أخرى وفى مناسبة آيات يُذكر فيها القتال : ( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20) محمد )

5 ـ وبهذا كانت سيماؤهم أو ملامحهم معروفة بالممارسة والتكرار ، وحتى فى طريقة الكلام فى عهد النبى عليه السلام ، شأن المريض الذى إستحكم فيه المرض وتعايش معه ، يقول جل وعلا لخاتم النبيين : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) محمد )5

6 ـ وأولئك المنافقون لا تنتظر منهم نشاطا فى صلاتهم بل كسلا وتثاؤبا عند الصلاة يغتبرونها واجبا ثقيلا لا بد من أدائه للمُراءاة  والخداع ، وهم لا يخدعون إلا أنفسهم ، وما يشعرون :( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) النساء ) ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54) التوبة ). والتكاسل عن الصلاة والتكاسل فى أداء الصلاة عادة سيئة للمحمديين المنافقين حتى اليوم .

أخيرا :

قلنا إنها حالات مرض ، أى يمكن الشفاء منها لمن أراد الهداية وسعى لها سعيها وهو مؤمن .

1 ـ عن المرض الكُفرى حالة عرضية يقول جل وعلا يصف موقفا لبعض الصحابة :( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )  (167) آل عمران ).لم يصفهم بالمنافقين بل قال ( الذين نافقوا ) أى الوصف للفعل وقتها ، قالوا قولا كافرا جعلهم وقتها أقرب للكفر منهم الى الايمان : ( هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )  أى حين قالوا هذا كانوا وقتها أقرب الى الكفر منهم الى الايمان .

2 ـ فالكفر حالة عرضية وقتية ، لذا هو يزداد شأن أى مرض عضوى جسدى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) البقرة ) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً )( المائدة 64 ، 68 ).

وهو أيضا قابل للشفاء بالتوبة لمن يتوب .  والمنافقون الذين يموتون بلا توبة  هم فى الدرك الأسفل من النار ، أما إذا تابوا توبة حقيقية فهم مع المؤمنين : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) النساء ) .

3 ـ ولهذا تكررت جرعات الشفاء ، بعضها يأتى ب( قل ) وبعضها بدون ( قل ) ، وفى كل الأحوال فالشفاء يتوجه للمؤمنين وأهل الكتاب والمشركين والمنافقين والناس جميعا .

اجمالي القراءات 9907