مصر وإنتاج القمح رؤية لحل الأزمة

شادي طلعت في الجمعة ١٤ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

تعد مصر التي قال عنها نبي الله يوسف عليه السلام أنها "خزائن الأرض" أكبر دولة مستوردة للقمح على مستوى العالم، فهل أخذ الله من مصر منحتهُ إياها، أم أن الأنظمة المصرية المتعاقبة، هي من ترفض منحةُ الله لمصر ؟

 

حتى نتحدث عن مثل هذا الأمر، يجب أن نأخذ بالأرقام، حتى نصل إلى نتيجة، لا تسمح بالجدل من فاسد أو من مستفيد من رفض منحة الله تلك، وسنكتشف بعد أن نطلع على الأرقام طبقاً للسرد القادم في هذا الكتاب، أن هناك منظومة فساد، تقف وراء كون مصر لم تعد "خزائن الأرض".

 

وبداية علينا أن نعلم الآتي :

 

يوجد بمصر ما يزيد عن سبعة ملايين فدان زراعي، وهي أراضي تمتاز بطبيعة خصبة، وجميعها مستغل زراعياً، إلا أن القليل منه يزرع بالقمح، وقد يعتقد البعض بأن التزايد السكاني الرهيب في الدولة هو ما جعل من سبعة ملايين فدان زراعي غير كافية لتحقيق الكفاية السنوية من إنتاج القمح ! لكن حقيقة الأمر ليست كذلك.

 

أولاً/ إنتاج الفدان من القمح يساوي، 20 أردب، وحجم الأردب يساوي 150 كجم، أي أن إنتاج الفدان من القمح يساوي 3 طن متري سنوياً، في فترة الشتاء، فالقمح زراعة شتوية تبدأ من شهر نوفمبر وتنتهي بموسم الحصاد الذي ينتهي بشهر مايو.

 

ثانياً/ إذا ما تمت زراعة أربعة ملايين فدان، بالقمح سيكون الناتج 12000000 طن "إثنى عشر مليون طن متري" قمح سنوي، أي ما يساوي 12000000000 كجم "إثنى عشر مليار كجم" من القمح سنوياً، وبقسمة هذا الرقم على تعداد سكان مصر والبالغ عددهم 90 مليون نسمة، تكون نسبة الفرد من زراعة القمح أكثر من "133 كجم" في العام الواحد، أي أن نصيب الفرد في الشهر الواحد يزيد عن 11 كجم من القمح .

 

ثالثاً/ من خلال النسبة السابقة نستطيع القول، أن مصر بمقدورها تحقيق إكتفاء ذاتي من القمح، بخلاف أنها تستطيع أن تكون دولة مصدرة له أيضاً.

 

فوائد زراعة القمح :

 

أولاً/ تعطي زراعة القمح فوائد لزراعة الأرز، في فصل الصيف، وهي الفترة التالية لزراعة القمح، إذ أن الأرض تكون أكثر خصوبة مما يؤثر في الناتج والجودة.

ثانياً/ ما ينطبق على زراعة الأرز الصيفية، ينطبق أيضاً على زراعة الذرة والقطن.

ثالثاً/ توفير الأسمدة الزراعية، فزراعة القمح لا تحتاج للفدان الواحد إلا عدد 4 شكارة سماد فقط، وهي نفس الكمية المدعمة من قبل وزارة الزراعة للفدان، ومقارنة بزراعة البنجر، فإن زراعة القمح توفر 6 شكائر إسمدة.

رابعاً/ لا تتطلب زراعة القمح أيادي عاملة تكون عبئاً على المزارعين، بسبب أن القمح لا يتطلب المزيد من الجهد في زراعته.

خامساً/ توفير "الردة" والتي تستخدم لتعليف المواشي، والدواجن، والأسماك.

سادساً/ يستخدم التبن، الناتج عن زراعة القمح أيضاً في علف المواشي، وكعنصر أساسي في مزارع الدواجن.

 

أزمات زراعة القمح في مصر :

 

أولاً تخزين القمح/ تعاني مصر من سوء حالة التخزين وعدم وجود أماكن للتخزين، لذلك فإن مصر بحاجة إلى بناء صوامع جديدة لتخزين القمح.

 

ثانياً أزمة السماد/ يمنع المزارعين، من الحصول على حصصهم المدعمة من السماد والتي قيمتها 70 جنيهاً للشكارة، بحجة ضرورة سداد مديونياتهم السابقة أولاً، ومن هنا تبدأ منظومة الفساد في العمل حيث يقوم موظفوا الجمعيات الزراعية، ببيع حصص المزارعين المدعمة في السوق السوداء بسعر 120 جنيه للشكارة، ثم يأتي التجار ويبيعونها بمبلغ 140 جنيه لمن يدفع بنظام الفوري أو "الكاش" وبسعر 180 جنيه بالتقسيط، مما يتسبب في خلق مديونيات وأعباء جديدة على كاهل المزارعين، فمن لا يحصل على حصته المدعمة، يقوم بشراء الأسمدة من السوق السوداء بالتقسيط والفوائد !

 

ثالثاً/ عدم قيام الدولة بشراء القمح من الفلاحين بشكل مباشر، يتسبب في بقاء المحصول دون أن يباع حتى يفسد في نهاية الأمر، ويتحول إلى مال مهدر وعبئ جديد على الفلاحين والدولة.

 

رابعاً/ نظراً لأن الدولة تقوم بشراء القمح المحلي بسعر 2800 جنيه لطن القمح، بينما السعر العالمي 2100 جنيه لطن القمح، فإن ذلك يتسبب بقيام المستوردين بإستيراد القمح، ثم بيعه إلى الدولة أيضاً على أساس أنه محصول محلي ! مما يتسبب في نفاذ أموال الدولة المخصصة لشراء القمح المحلي، ويتسبب أيضاً في نفاذ أماكن تخزين القمح، مما ينتج عنه نفاذ صلاحية القمح المحلي نظراً لعدم شرائه وعدم قدرة الفلاحين على تخزينه بشكل جيد.

 

خامساً/ إستبدال المزارعيين زراعة القمح بزراعة البنجر، والتي يلجأ إليها الفلاحين للسبب الآتي :

-    قيام مزارع السكر بشراء محصول البنجر بشكل مباشر، ودفع قيمة المحصول مباشرة، بينما لزراعة البنجر سلبيات عديدة.

الآثار السلبية لزراعة البنجر تتلخص في الآتي :

 

1-  زراعة البنجر تجعل ناتج الزراعة الصيفية أقل إنتاجاً وجودة، ذلك لأن البنجر يستهلك الأرض الزراعية، ويقلل من قيمتها في الزرعة التالية.

 

2-   زراعة البنجر تجعل الفلاحين يطالبون الدولة، بدعم أسمدة أخرى فوق طاقة الدولة.

 

3-   إهدار الوقت والجهد في زراعة البنجر.

 

4-  تعطيل مصانع السكر ووقف إنتجها يتسبب في إفساد إنتاج محصول البنجر مما يؤدي إلى خسارة الفلاح والدولةلدورة زراعية !

 

مع ملاحظة أن كافة مصانع السكر تتبع القطاع الخاص، وفي ظل وجود منظومة فساد إداري في الدولة، يتم توجيه الفلاحين والمزارعين بشكل غير مباشر إلى زراعة البنجر بدلاً من القمح !

 

بعض الإختلافات بين زراعة القمح وزراعة البنجر تتمثل في الآتي :

 

1-   إنتاج الفدان من القمح هو: 3 طن بينما إنتاج الفدان من البنجر هو: 30 طن.

2-  سعر طن القمح لعام 2014م هو:  2800 جنيه، بينما سعر طن البنجر متوسطه هو: 335 جنيه، فنسبة السكر في البنجر هي التي تحدد سعره.

3-   سعر السماد اللازم لفدان القمح هو:280 جنيه، بينما سعر السماد اللازم لفدان البنجر هو: 1360 جنيه.

 

تكلفة ومكسب الفلاح من زراعة القمح، ومقارنته بتكلفة ومكسب زراعة البنجر :

 

أولاً زراعة القمح/

تكلفة فدان القمح هي : أربعة شكائر سماد بسعر280 جنيه،  طبقاً لسعر السماد المدعم من وزارة الزراعة  + 300 جنيه سعر التقاوي + 100 جنيه حرث + 200 جنيه ضم + 240 جنيه درس القمح وهي عملية "فصل الحبوب عن السنبلة" وتستغرق أربع ساعات سعر الساعة 60 جنيه، بهذا يكون مجموع تكلفة فدان القمح 1120 جنيه، أما إجمالي ناتج الفدان فهي : 8400 جنيه طبقاً للسعر الذي حددته وزارة التموين لعام 2014م هو: 420 جنيه للأردب أي 2800 جنيه للطن، أي 8400 جنيه للفدان + 1000 جنيه انتاج التبن = 9400جنيه، يخصم منها تكلفة الفدان 1120 جنيه، تكون الأرباح : 8280 جنيه مصري.

 

ثانياً زراعة البنجر/

يحتاج الفدان إلى 10 شكائر أسمدة، وتوفر وزارة الزراعة 4 شكائر مدعمة للفدان فقط، بسعر 280 جنيه لأربعة شكائر، ولا توفر أكثر من ذلك، مما يضطر الفلاح معه إلى شراء 6 شكائر أخرى، من السوق السوداء بسعر 140 جنيه للفوري "للكاش" وبالتقسيط يكون سعر الشكارة 180 جنيه، أي بالكاش يتكلف الفدان 840 جنيه، وبالتقسيط يتكلف الفدان 1080 جنيه للسماد، ويتكلف الحرث 200 جنيه، وتتكلف الأيدي العاملة من أول زراعة البنجر إلى حصاده الآتي : أولاً الزراعة، ثانياً عمل الدقدقة وهي عملية إزالة الحشائش من حول البنجر، ثم عملية خف البنجر عبارة عن إخلاء عيدان البنجر في المكان الواحد للإبقاء على عود واحد فقط، بعد ذلك تأتي عملية الري بالأسمدة، ثم إزالة الحشائش مرة أخرى، ثم حرث خطوط الري، ثم وضع السماد مرة أخرى، ثم ازالة الحشائش مرة أخرى، ثم فترة نقاهة، ثم تخليع البنجر ثم "الضم" ثم إزالة الأوراق، ثم تحميله لرفعه على الطريق، ثم الذهاب به إلى المصنع، تتكلف هذه الإجراءات مبلغ 1300 جنيه للفدان الواحد، + سعر النقل من الأرض إلى الطريق 130 جنيه للفدان + أدوية زراعية تتكلف في المتوسط 200 جنيه للفدان، يكون إجمالي تكلفة الفدان، 3190 جنيهاً، تخصم من إجمالي ناتج الفدان وهو 10050 جنيه - 3190 جنيه = 6860 جنيه مصري.

 

من خلال المقارنة السابقة يتبين أن أرباح المزارعين من زراعة فدان القمح، هي 8280 جنيه، وأرباح زراعة البنجر هي 6860 جنيهاً، أي أن، المزارع المصري في عام 2014م يستطيع أن يحقق فائدة أكبر من زراعة القمح تزيد عن زراعة البنجر بمقدار 1420 جنيهاً.

 

في النهاية أقول يجب أن تأخذ الدولة بالآتي لحل أزمة القمح :

 

أولاً/ على الدولة أن تقوم بخفض قيمة شراء القمح المحلي، لتتساوى مع نفس أرباح محصول البنجر.

ثانياً/ في حال قامت الدولة بعمل توازن  بين سعر شراء القمح، ليتناسب مع نفس الأرباح المحققة من محصول البنجر، فإن الفلاحين سيقومون بزراعة القمح، نظراً لأنه لزراعتة فوائد عديدة تعود على الأرض، بما يؤثر على الزراعات الصيفية التالية للقمح، سواء أكان القطن أو الأرز أو الذرة.

ثالثاً/ على الدولة أن تقوم بشراء القمح مباشرة من الفلاحين، دون السماح بدخول وسطاء بين الدولة وبين الفلاحين.

رابعاً/ على الدولة أن لا تجعل تجاراً محددين، يخصص لهم حق شراء "الردة" من شركات المطاحن، فذاك أمر يفتح باباً للفساد.

خامساً/ على الدولة أن لا تشتري القمح المستورد من التجار، وقت حصاد القمح المحلي، وأن يُفعل القانون، على الموظفين المرتشين اللذين يعطون أولوية للقمح المستورد ! مما يتسبب في نفاذ المال المخصص لشراء القمح المحلي، ونفاذ أماكن تخزينه أيضاً.

سادساً/ على الدولة أن تبدأ في خفض سعر شراء القمح المحلي، ليتناسب مع السعر العالمي، رويداً رويداً.

 

وعلى الله قصد السبيل

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 36695