المقال الثالث عشر
المغترب و.. الزوجة الأولى!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ١٢ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

الزوجة الأولى هي المصرية التي احتفظت بالأبناء وكبروا في كنفها، ورضعوا مرتين: الأولى في الطفولة، والثانية رضاعة التربية بعد أن أصبحت احتياجاتهم للأب أكبر وأشدّ، لكن الأب الغائب في الخليج والذي يظن أن الحــِـمل انتقل من كتفه الشديد البأس إلى صدر الأم هناك حيث تتحمل هي المسؤولية كاملة، ولا مانع، في مقابل ما يرسله من أموال، أن يصيح ويرغي ويزبـد في الهاتف لاثبات رجولته ولو عبر الأثير.
والزوجة الأولى هي الأوروبية التي أكلت جزءاً لا بأس به من شبابه، وانتهى التصادم الثقافي في البيت إلى الانفصال، وفي هذه الحالة فالأبناء يتحولون تلقائيا إلى المجتمع الجديد الذي شهد مسقط رأسهم.
الزوجة الأولى تحتفظ بالشقة التي تحدد هي ملامحها، وأثاثها، وديكوراتها كلما تحوّل مبلغ الشقاء والعمل والارهاق من الزوج المقيم في الخليج.
والزوجة الأوروبية يقف القانون معها لأن الزوج، غالبا وليس في كل الأحوال، يطرق خجلا من مغامراته، وازدواجيته، وخواء الحديث الممل واليومي عن الدين، وحالة الغموض التي سادت البيت ولا تجد إجابات شافية عن عُقم الحوار، فأكْلُ لحم الخنزير حرام، وشربُ الخمر حلال! والحديث عن الأخلاق واجب، والمغامرات النسائية فرصة يجعلها عنفوان الجسد حلالاً إلى حين.
قال لي دبلوماسي متزوج من سيدة عربية غاية في الجمال والأناقة والتحضر: أنا في أوروبا، فلماذا لا أتذوق اللحم الأبيض؟
 الزوجة الأولى في البلد العربي ليست حمقاء، فهي تعرف أنه سيحلل لنفسه " زوجة غربة" وهي لا تختلف عن جماع الجهاد في حروب الباطل ضد الباطل، وعن "زوجة الساعتين" في فنادق اليمن مقابل مبلغ من المال يتقاسمه صاحب الفندق والقوّاد وأهل الطفلة العروس، ولا يختلف عن "زواج تجديد الشباب" الذي تقوم به جماعات إسلامية بلغ المشيب مفرق أعضائها، وزحف اللون الفضي على رؤوسهم، فجددوا النصفَ الاسفل من أجسادهم المترهلة مع فتيات صغيرات في بنجلاديش وإندونيسيا والهند وماليزيا، وما أسهل أن ترتدى جلبابا وتطلق لحيتك فتصبح داعية عربياً بدون CV إلا تكحيل عينيك والاستشهاد بآيات قرآنية.
عرفت بعضهم، وكان أحدهم رائعا بكل المقاييس الأخلاقية، وأباً مثالياً، كما كان ظاهراً، وجعل زوجته الأوروبية تحب الإسلام والمسلمين حبا جماً. وعندما اكتشفته في فراش الزوجية مع أعز صديقاتها، كانت الصدمة شديدة عليها، فأخذت الأبناء، وكفرت بالإسلام والمسلمين والمغتربين حتى أنني ألقيت عليها التحية ذات يــومٍ فلم تردّ كما اعتادت.
وفورا لجأ صاحبنا إلى الدعوة الإسلامية، وسافر إلى بلد فقير يبيع بناته الصغيرات للدعاة مقابل مال وبركة!
مع الزوجة في الوطن الأم لا يُذكر اسم الزوج من أولاده إلا مرتبطا بالبنك وتحويل مزيد من الأموال، ومع الزوجة الأوروبية في المهجر يحتقر الأولادهم أباهم إذا تخلّىَ عنهم أو خرج من الزواج بفضيحة أخلاقية، أو اتسعت المسافة اللغوية فظلت لغته فقيرة كأنها قاموس جيب تمزقت صفحاته فبقيت فيه صفحتان غير واضحتين.
في الغرب هناك عشرات من الزيجات الناجحة بين مغتربين سُمر الوجوه لوَّحتهم شمس بلادهم قبل مغيبهم ومغيبها، وبين أوروبيات أو أمريكيات أو أستراليات عرفن الجانب المشرق والمشرّف من زوج مغترب يقدس الحياة الزوجية ويرى أن مهمته التربوية لا تنتهي قبل أن يواري الثرى جثمانه.
وفي الغرب هناك عشرات الآلاف من الزيجات الفاشلة بين اللونين الأبيض والأسمر، تنتهي غالبا بانقطاع الصلة بين الأب الذي اعتبر زواجه الأول من أوروبية نزوة طارئة، وبين أبناء لا ذنب لهم إلا أنهم سقطوا من بطون أمهات انبهرن بالمغترب فإذا هو غريب.
عرفت كثيرا حالات لا يدري الزوج عن أولاده شيئا، بل يتذكر أعياد ميلادهم بصعوبة، وإذا صادف وأن قابل ابنته مع صديقها بدا اللقاء كأنه يلتقي بابنته للمرة الأولى.
لو عرف كل مغترب قبل رحلة الهجرة تفاصيل حياته ربما أعاد النظر فيها!
ولو عرف كل مقيم في الوطن كان قد رفض الهجرة تفاصيل حياته فربما كان الآن أسعد مغترب بعيدا عن الوطن الأم.
وتظل الغربة مشهداً مجهولا لنا جميعاً!
محمد عبد المجيد
 طائر الشمال
 أوسلو في 30 يناير 2014
اجمالي القراءات 11860