الجدل حول برنامج الصندوق الأسود

مجدي خليل في الثلاثاء ٠٤ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

الجدل حول برنامج الصندوق الأسود

مجدى خليل

منذ أن بدأ برنامج الصندوق الاسود بثه لمحادثات  شخصية مسجلة ثار جدل بين مؤيدين ومعارضين لهذا البث،وقد تبرأت الحكومة على لسان رئيسها من صلتها به وكذلك وزارة الداخلية،ومما لا شك فيه فأن مقدمه عبد الرحيم على لا يملك تقنية عالية تجعله يتنصت على مكالمات الشعب المصرى،ومن ثم فأن جهة  ما نافذة فى الدولة هى التى سربت له هذه التسجيلات، ولهذا فلن يفيد النفى والإنكار فى هذه الحالة،واعتقد أنه بعد أن تهدأ الأمور سيواجه عبد الرحيم على سيلا من القضايا ووقتها ستطالبه المحكمة بالكشف عن مصدره،ولا ينطبق مبدأ "الصحفى لا يسأل عن مصدر أخباره " على حالة عبد الرحيم على،فهذا المبدأ ينطبق على معظم الأخبار فقط وليس كلها ، ولكنه أيضا لا ينطبق على حالة هذه التسجيلات وامثالها لأنه لها مصدر وحيد وهو جهة ما فى الدولة،وحتى فى حالة الأخبار هناك نوعية منها ينطبق عليها سرى للغاية تمثل خطورة على الأمن القومى،وقد سجنت صحفية نيويورك تايمز الشهيرة جوديث ميللر فى عهد بوش الأبن لأنها رفضت الكشف عن مصدر أخبارها فى موضوع يمثل خطورة على الأمن القومى الأمريكى،ومن ثم فأنه مهما إن كان سقف الحريات المتاحة فهناك مساحة ممنوع الأقتراب منها أو لا يجوز قانونيا واخلاقيا الاقتراب منها. وقد لاحظت أن المناخ الحالى الذى تبث فيه محادثات الصندوق الأسود جعل معظم الإعلاميين والسياسيين والشخصيات العامة تخشى الأقتراب بالنقد من البرنامج حتى لا يساء فهم هذا النقد وكأنه دفاع عن الاخوان أو بعض النشطاء،أو يفسر نقدهم كذلك على أنه جزء من المؤامرة الكونية على مصر أو خوفا من كشف ملفاتهم وفسادهم. وقد كسرت هذا الصمت على صفحتى على الفيس بوك وكتبت نقدا أخلاقيا وقانونيا لهذا البث ورصدت ردود الأفعال عليه،وقد جاءت ردود الأفعال فى معظمها مدافعة عن البرنامج مع قلة مؤيدة لوجهة نظرى،ولم يفلح موقفى الدائم المعارض بشدة للاخوان ولمعظم هؤلاء النشطاء الفاسدين الذين ذكرهم البرنامج فى تقبل نقدى،بل انهال عليى البعض أيضا بالاتهامات،وكان هذا كاشفا بدوره لى للمناخ الصعب الذى تمر به مصر حاليا والذى لم يدع للأخلاق أو لصوت العقل مكان،ومما يؤسف له أن معظم المسلمين والأقباط قد اتفقوا معا على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة فيما يتعلق بمحاربة الاخوان،وهى مسألة تكشف حالة الاستقطاب الحالى من ناحية وتردى المنظومة الاخلاقية فى مصر من ناحية أخرى.

يرى المؤيدون لبرنامج الصندوق الاسود أن مصر فى حالة حرب،وفى الحب والحرب كل الاسلحة جائزة كما يقولون،فكل ما يهدم الاخوان هو مشروع وكل ما ينهك عدوك هو عمل صحيح.ويقولون أن الاخوان يستخدمون وسائل غير اخلاقية فكيف نستخدم معهم وسائل اخلاقية؟،لأن معنى هذا أننا نقدم لهم مصر على طبق من ذهب.ويقولون أن أمريكا نفسها استخدمت وسائل غير اخلاقية بعد 11 سبتمبر ومنها جوانتانامو فلماذا يلام المصريين فقط؟.

وقد لخص أستاذ مرموق فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة القصة فى تعليقه بقوله " هذه التسجيلات هى للاستهلأكالمحليكجزءمنحربنفسيهوإشاعاتوشيطنهلصورةالاخوانداخلياخاصةأنالثقافةوالعقليةالمصريةليستنقديةأوعميقهوتريدأعلامسهلبسيطواصفر . مصرفيحالةحربوهذاالبرنامجموجهلجمهورمعينهوالأغلبيةمنالبسطاءللتعبئةضدالاخوان. مفبركأوكلهأكاذيبليستهذهالقضيةبلهليؤديالبرنامجالغرضفيتشويهالاخوان؟نعم".

أما معارضوا البرنامج فيرون أن هذه التسريبات كانتاختبارالمدىالتماسكالاخلاقىفىمصروقدفشلمعظمالمصريونفىالاختبار،أمافىالخارجفلاقيمةنهائيالهذهالمكالماتفهىفقطللاستهلاكالمحلى،كما أنها علاوة على عدم اخلاقيتها فهى غير قانونية كذلك،وأن احتقار القانون يتم على الهواء مباشرة فى تحد سافر لدولة القانون التى يسعى اليها المصريون. كما أنها تعيد  سيرة ورائحة وممارسات الدولة البوليسية التى ثار عليها المصريون فى 25 يناير 2011. ومن ناحية أخرى فأن ما أذيع حتى الآن مجرد تفاهاتلاقيمة قانونية لها ولا تكشف مؤامرة كما يدعون وأنما مجرد ثرثرة تمثل نمطا شائعا فى مكالمات المصريين،أماالمكالماتالخطيرةمثلاتصالمرسىبالظواهرى أو حتى اتصال ابو إسماعيل بصفوت حجازىفهىليست بالاصوات الحقيقية وليست بصوتمرسىولاالظواهرىممايرجحأنهامفبركة. المؤكدأنهناكاتصالاتلمرسىبالظواهرىولكنالدولةليستلديهاأىفكرةعنها،ولوكانلديهمشئيدينه فى هذا الصدد  لكانواقدموهاللمحكمةفورا.الاخوانليسوابهذهالسذاجةوالظواهرىلايمكنأنيتحدثفىتليفونلأنهسيدفعحياتهثمنالذلك،ولوكانتهناكخيوطاتصالفمنالمرجحأنهاكانتعبرقريبالظواهرىمحمدرفاعةالطهطاوى أو وسيط آخر أو عبر شفرات متفق عليها،وهذامعناهأنمااذاعهعبدالرحيمعلىعلىلسانمرسىمعالظواهرىهومجردفبركاتوأكاذيبلاقيمةقانونيةلهاعلاوةعلىعدماخلاقيتها . ويتسائل المعترضون لماذا لا تقدم الدولة هؤلاء للمحاكمة إذا كان لديها أدلة حقيقية ضدهم؟،ولماذا صمتت الدولة طوال هذه الشهور عليهم؟،وهل تتستر الدولة على المجرمين الحقيقيين الذين قتلوا المصريين ونهبوا اموالهم بمثل هذه الأعمال؟، بل ولماذا لم يقدموا قيادات الاخوان لمحاكمات على جرائم حقيقية ارتكبوها بدلا من المحاكمات الاستعراضية التى نراها حاليا؟،وهل فعلا هناك حرب فى مصر على الاخوان أم محاولة للعب السياسى معهم كما كان يحدث فى عهد مبارك؟،ولماذا لم تكشف لنا المكالمات الشئ الاخطر وهو العلاقات بين الشبكات الجهادية والجماعات الإسلامية فى مصر والمنطقة والعالم بالاخوان المسلمين،وحقيقة الوضع فى سيناء،والاتصالات بين قادة الاخوان وقادة حماس؟، ولماذا لم يكشفوا لنا عن علاقات السلفيين بالاخوان والاموال الطائلة التى تأتيهم من دول الخليج؟،وهل يخطط النظام القادم للتحالف مع السلفيين عوضا عن تحالف المجلس العسكرى السابق مع الاخوان؟، وهل الغاية تبرر الوسيلة لدرجة نشر الأكاذيب  والشائعات والاخبار المفبركة والتسجيلات الوهمية؟، والاهم متى يعرف المصريون الحقيقة عن الاخوانوحلفاءهموعن السنوات الثلاثة الماضية عبر احكام قضائية موثقة؟،ولماذا الأنتقائية فى هذه التسجيلات وهناك ما هو اخطر منها  مسجل على شخصيات أخرى؟، لماذا لا يكشفوا لنا المليارات التى تدفقت بعد 25 يناير 2011 على الاخوان والسلفيين وبعض الاحزاب والشخصيات السياسية والكثير من النشطاء حتى اصبح العمل السياسى تجارة رابحة بعد الثورة؟،ولماذا لا يكشفوا لنا عشرات الملايين التى حصل عليها محمد سليم العوا واحمد كمال ابو المجد من خلال السمسرة مع رجال أعمال مبارك الفاسدين وذلك فى عهد مرسى؟،ولماذا لم يكشف لنا عبد الرحيم على ثروات أعضاء المجلس العسكرى السابق وهم من قتلوا المصريين وسلموا الدولة للاخوان؟، ولماذا يستمر بعض هؤلاء النشطاء الذين ذكرهم عبد الرحيم على يكتبون فى صحف كبرى لا يمكن الكتابة فيها إلا بضوء اخضر من الأمن؟،وهل يتجرأ عبد الرحيم على ويكشف لمشاهديه ثروات مصطفى بكرى الذى تحول من شخص فقير ذو اصول عائلية شديدة التواضع إلى مليونير كبير، أو يكشف لنا كيف تحول هو من صحفى فقير فى جريدة الاهالى إلى شخص يلعب بالملايين؟، وما هى معايير البث والكشف التى اعتمدتها الجهة التى امدت عبد الرحيم على بها؟، وهل هذا البث جزء من إشاعة مناخ  الفزع والرعب والخوف تمهيدا لتدشين استبداد جديد؟، وهل امتهن مفهوم الأمن القومى لهذا الحد حتى صار توفيق عكاشة ومصطفى بكرى ومرتضى منصور وأحمد موسى ومحمد الغيطى وعبد الرحيم على هم حراسه؟، وهل يوجد أمن قومى فى ظل غياب أمن المواطن وحريته وكرامته وصون خصوصيته؟ وهل هناك وطنية اساسا بدون الدفاع عن حرية وكرامة وحقوق الإنسان الفرد؟ إلا يعتبر الكلام عن الأمن القومى والوطنية كلام تافه ومزيف وتجارة رخيصة فى ظل التحريض على انتهاك حرية وكرامة وحقوق الإنسان؟ وما هى قيمة سيادة الدولة إذا انتهكت سيادة المواطن؟،الا تعد سيادة المواطن هى أهم بل واساس سيادة الدولة وأمنها القومى؟،وهل هناك معنى للدولة من الاساس إذا امتهنت كرامة مواطنيها ونهبت ثرواتهم واضاعت حقوقهم؟. والسؤال الاخطر هل صار استخدام المنطق والعقل والحرص على دولة القانون جريمة فى هذا الزمن؟.

Magdi.khalil@yahoo.com

اجمالي القراءات 11053