خواطر حول اللحية

سامح عسكر في الجمعة ١٧ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

في البداية سأذكر موقفاً طريفا حدث لي مع زميل سلفي وهذا نصه:

قال: أن اللحية إن لم تكن فرض فهي سنة

قلت: ما دليلك؟

قال: أن الرسول أمر بمخالفة اليهود والنصارى.

قلت: لو كان كذلك فالصلاة في النعال هي من السنة أيضاً أو أنها فرض حسب فهم شيوخك للأمر في الحديث..

قال : من ادعى أن الصلاة في النعال من السنة؟

قلت: الحديث الذي تحتج به على اللحية يدور حول مخالفة اليهود والمشركين، وهناك أحاديث أخرى بنفس الصيغة والأمر تقول بوجوب الصلاة بالنعال، حتى أنه في صحيح البخاري روى أن النبي كان يصلي في نعليه..فلماذا لا تصلون في نعالكم ما دمتم تقولون أن اللحية من الدين؟!

وحدث بعد ذلك تطاول على دار الإفتاء والأزهر بمجرد ذكري للفتوى الأخيرة بأن اللحية من سنن العادات وليست من العبادات..

ولي أن أفصل ذلك في بعض الخواطر سأذكرها تباعاً:

_______________

لو كانت العلة في أحاديث إعفاء اللحية هي مخالفة اليهود والنصارى فهذا قدحُ قي رسول الله، إذ يمتنع عليه أن يُخالف بمجرد الشكل، فلو كان للإعفاء دور في سلوك البشر لأمر به الرسول.

أحاديث اللحية بالكامل موضوعة وقد وضعها الكذابون في عصرٍ انتشرت فيه حُمّى مخالفة أهل الكتاب، حتى أنه روي أحاديث تأمر بالانتعال ولبس الخف"الحذاء"من أجل مخالفة أهل الكتاب الذين كانوا يمشون حُفاةً في الشارع..

كذلك روي أحاديث تأمر بإصباغ الشعر بالألوان من أثر نفس الحمى وهي مخالفة أهل الكتاب، بالإضافة إلى وضع أحاديث تأمر بالصلاة في النعال والأحذية لأجل نفس العلة، حتى أنه اشتبه على الفقهاء أن تكون الصلاة في النعال سنة واجبة بالقياس على مذهبهم في اللحية.

_____________

أحاديث اللحية اختلف الأمر فيها بالمخالفة لثلاثة فرق:

1-أحاديث تأمر بمخالفة اليهود والنصارى وهذه مروية عن أبي هريرة
2-أحاديث تأمر بمخالفة المجوس وهذه أيضاً عن أبي هريرة
3-أحاديث تأمر بمخالفة المشركين وهذه عن ابن عمر

أي أن الأمر باللحية ثابت ولكن اختلفوا في تعيين المخالَف، ولو كان ذلك صحيحاً لاتفقوا على تعيينه.. خاصةً المجوس الذين لم يكن لهم احتكاك بالمسلمين على عهد الرسول.

وهذا يرجح أن أحاديث اللحية ظهرت بعد غزو المسلمين بلاد فارس.

_____________

في صحيح ابن حبان جاء الأمر باللحية في سياق مخالفة المجوس، وكان من رواية أبي هريرة وعبدالله بن عمر بهذا الشكل:

أبي هريرة.." إن فطرة الإسلام الغسل يوم الجمعة ، والاستنان ، وأخذ الشارب ، وإعفاء اللحى ، فإن المجوس تعفي شواربها ، وتحفي لحاها ، فخالفوهم ، حدوا شواربكم ، واعفوا لحاكم"

ابن عمر.." ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس ، فقال : "إنهم يوفون سبالهم ، ويحلقون لحاهم ، فخالفوهم" والحديث مسند عن ابن عمر في شعب الإيمان للبيهقي(13/456) وهو فريد إذ لم يُروى عن ابن عمر هذا النص سوى عند البيهقي وابن حبان .

النتيجة

يتفق الرواة على أن الأصل في الحديث هو مخالفة المجوس ،فكيف إذا ثبت أن المجوس كانوا يُطلقون لحاهم؟

من هم المجوس أولاً؟

هم اتباع زرادشت ولهم أقليات في الهند و إيران وباكستان تعيش إلى عصرنا هذا، ويمكن التأكد أنهم يطلقون لحاهم عكس ما زعم المحدثون، حتى أن زرادشت نفسه كان ملتحياً، ويمكن التأكد من ذلك عبر صورة المنتشرة في معابد هذه الديانة..

الآن..لا يوجد دليل أن المجوس كانوا يوفون لحاهم ويقصون شواربهم، وهذه قرينة إضافية تثبت أن أحاديث اللحية بمخالفة المجوس كانت موضوعة في عصر انتشرت فيه الدونية والعنصرية والمخالفة بمجرد الشكل.

_________________

يفصل البعض بين المجوسية والزرادشتية والهدف أن يكون كل ما ورد قديماً في شأن المجوس يظل مبهماً غير معروف، وبالتالي نسلم بما رواه المحدثون والمؤرخون.. كمثال مخالفتهم في شأن اللحية.

وهذا خلط يكفي أن المؤرخين والمحدثين لم يذكروا شيئاً عن الزرادشتية وهي ديانة قديمة منذ 3000 عام، وهذا يعني أن أتباع زرادشت كانوا يُعرفون لدى العرب بالمجوس، وهذه اللفظة أي "مجوس"تعني بالفارسية"مفسر الرؤى والأحلام"ولا علاقة لها بعبادة النار، لأن النار لدى أتباع زرادشت لها قدسية مزدوجة مع الماء وليس كما عرفناه أنهم يعبدون النار هكذا دون معرفة الله وهذا غير صحيح..

يمكن التأكد من هذا الكلام بمراجعة كتاب.." الزرادشتية نشأتها وفلسفتها".. لمهدي مجيد عبد الله، وكذلك كتاب .."أسرار الديانات والآلهة"..لميغوليفسكي.

ولكن لو سلمنا لهم بذلك فماذا يقولون في اليهود والنصارى والمشركين، وهل يوجد من يحلق لحيته منهم؟..فإذا لم يكن فلماذا كان الحديث بإعفاء اللحى في سياق المخالفة وهم يعفون..؟!!

هذا يعني أن القول بالمخالفة حال الإعفاء يعني خطأ منطقي، وكان الأولى أن يكتفِ المحدثون برواية قص الشارب دون إعفاء اللحى، ولكن بما أن القول هو قول موضوع عن الرسول فقد شابته هذه الأخطاء والتعارضات..

__________________

كذلك هم يزعمون أن المجوس كانوا يحلقون لحاهم فقط من أجل تصحيح ونسب هذا القول لرسول الله، حتى لو رأوا من المجوس الآن ما يخالف هذا القول فلن يقتنعوا لسبب وحيد أنهم حفّاظ مقلدون.

المجوس قديماً كانوا كثيفي اللحى حتى بات مظهراً يُميزهم عن المسلمين بعد فتح بلاد فارس، وقد حكى هذا القول ميغوليفكسي في كتابه.."أسرار الديانات والآلهة ص82"..بقوله:

"لقد كان من السهولة أن تميز الزرادشتيين الفرس بمظهرهم الخارجي عن المسلمين الفرس، فقد كانوا يرتدون قميصاً قطنياً واسعاً على سروال،ويتحزمون بحزام عريض أبيض،ويعتمرون قلنسوة من اللباد،أو عمامة....عريضو المناكب،أنوفهم كأنف الصقر، شعرهم أسود طويل مسترسل،لحاهم كثيفة"...اهـ

_________

الآن هل يمكن الوثوق في صحة هذا القول من رسول الله بمجرد المخالفة؟.. وعلى أي وضع سنقبل روايات أبي هريرة في شأن المجوس؟..وهل اللحية تمس الجوهر أم الشكل؟..فإذا كانت تمس الشكل فهل الإسلام يضع الشكل معيار؟

كثير من الفقهاء والدعاة يقولون أن الإسلام لا يهتم بالشكل ورغم ذلك يزعمون أن اللحية سنة أو فرض، وهذا تناقض يهدم دعواهم من جذورها ، ويفضح كذبهم على الناس وأنفسهم بوضوح.

أمر اللحية أصغر من أن يبحث فيه إنسان، لذلك كانت هذه مجرد خواطر أستعيض بها عن البحث وتذكرة بأن اللحية هي من علامات المتشددين والإرهابيين المنتشرة في هذا الزمان، ورغم ذلك فهي حرية شخصية من أراد أن يُطلقها فله ذلك ومن أراد أن يحلقها فله ذلك، ولكن لا هذا من الدين ولا ذاك.

اجمالي القراءات 16945