صراع الإسلاميين فى تركيا

مجدي خليل في الثلاثاء ٠٧ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

.صراع الإسلاميين فى تركيا

مجدى خليل

الإسلاميون لا يتحملون العيش بدون صراعات وحروب وقتال وعنف وكراهية ونفى للآخر،هذه هى طبيعتهم، وهذه هى ايدولوجيتهم،وهذه هى اخلاقهم وسماتهم...يكفرون الآخرين ثم بعد ذلك يكفرون بعضهم البعض،يقاتلون معا ضد العدو الكافر الأجنبى أو العلمانى أو غير الإسلامى حتى ولو كان على دينهم ومذهبهم، وبعد الأنتهاء من قتال العدو البعيد يلتفتون إلى الشريك الإسلامى القريب أو العدو القريب.لا يختلف تاريخ مجموعة إسلامية عن هذا التوصيف طوال التاريخ الإسلامى كلهمن الخلافة الراشدة إلى حلم الخلافة الاخوانية،كل مجموعة تعتقد أنها الفرقة الناجية الوحيدة وما عداها هالكون،ولهذا تحارب على يقين أنها الفرقة الناجية. فى الحديث المسرب لمرسى مع أيمن الظواهرى يحذره الأخير من خيانة السلفيين فيرد عليه مرسى بعد أتمام التمكين سنتخلص منهم يا أمير المؤمنين،هل مرسى يعتقد فعلا أن الظواهرى أمير المؤمنين أم أنه ينافقه حتى يحصل على تأييد القاعدة لحكم الاخوان والوقوف معهم ضد اعدائهم؟. كتب الصحفى الراحل الأستاذ عبد الستار الطويلة عن ذكرياته فى سجن ليمان طرة مع الإسلاميين عام 1981 أن كل الفرق الإسلامية كانت تشك فى بعضها البعض وتكفر بعضها البعض حتى أنهم كانوا يتصايحون فى نقاشهم حول هل مات خالد الإسلامبولى شهيدا أم مات كافرا؟.  فى أفغانستان حارب ما يسموا بالمجاهدين الاتحاد السوفيتى وتحالفوا مع الشيطان الاكبر وهو أمريكا فى نظرهم من آجل التخلص من السوفيت،وبعد ذلك بدأ القتال والذبح والتفجير والتفخيخ بين فرق المجاهدين المختلفة.فى السودان تحالف البشير مع الترابى ضد النظام المنتخب للميرغنى والصادق المهدى، وبعد أن استقر لهم الحكم انقلبوا على بعضهم.فى الصومال قاتلوا معا ضد أمريكا وقرصنوا  ونهبوا معا ولكن بعد تعيين رئيس إسلامى بدأ القتال يشتعل بينهم. فى سوريا دعمت قطر وتركيا الجيش السورى الحر الذى يعتبر واجهة اخوانية ودعمت السعودية المجموعات الأكثر تطرفا مثل داعش وجبهة النصرة وغيرها وعندما احسوا بتحسن اوضاعهم الميدانية بدأوا فى تصفية بعضهم البعض،ولو سقط نظام بشار الأسد غدا سوف تتحول سوريا بأكملها مسرحا للذبح والسلخ بين هذه الفرق الإسلامية الإرهابية. فى لبنان تعمل السعودية مع سعد الحريرى لتكوين مليشيا سنية متطرفة لمواجهة حزب الله،وها نحن نرى تفجير بيد سنية فى الجنوب يليه تفجير بيد شيعية فى الشمال،وإذا أستمر الوضع هكذا ستظهر مليشيا سنية إسلامية متطرفة كبيرة فى لبنان خلال عدة سنوات من الآن لمواجهة وموازنة مليشيا حزب الله الشيعية. فى السعودية النظام الحاكم ومعارضيه كلا منهما يعتقد أنه الأكثر أسلاما وايمانا وتقوى،وقد تحالفت السعودية مع أسامة بن لادن والقاعدة فى أفغانستان وكان الأمير تركى الفيصل رئيس المخابرات وقتها يرسل مساعده جمال خاشوقجى بالشنط المليئة بعشرات الملايين من الدولارات الكاش لتوصيلها لأسامة بن لادن،وبعد خروج السوفيت من أفغانستان تحول بن لادن إلى العداء للسعودية بحجة اخراج الأجانب من جزيرة العرب. العراق تحول فى سنواته العشر الأخيرة إلى مسرحا لكل أنواع الجرائم الوحشية بين الفرق الإسلامية المتصارعة بمذاهبها المختلفة.فى التاريخ الإسلامى كان محور الصراع الرئيسى والحقيقى هو السلطة ولكن الحجج التى تساق للناس هى الحفاظ على الإسلام وإدعاء كل مجموعة أنها تملك الحقيقة الإيمانية المطلقة،وبهذه الحجج الواهية قاتوا بعضهم البعض وارتكبوا أبشع أنواع الجرائم من الذبح والسلخ والتفصيص والتفليق والتوسيط، وسحق الجماجم، والشى على النار، وإجبار الضحية إلى أكل لحمه، وفتح القبور وحرق عظام الموتى ، وتبادل الرؤوس البشرية كهدايا، حتى وصل الأمر إلى فتح بطن حمار ووضع محمد بن ابو بكر داخله حيا ثم خياطة بطن الحمار عليه انتقاما منه فى المشاركة فى قتل عثمان بن عفان.عشرات الفرق والدويلات والخلافات الإسلامية قامت على الحروب بين الفرقاء ،العلويون-الامويون-العباسيون-الفاطميون-الايوبيون-العثمانيون-الأغالبة-الأدارسة-المرابطون-الموحدون-الصفويون-السلاجقة-البربر-الحفصيون-الإخشيديون- الزيديون-المهديون-المعنيون-الطولونيون- بنو قتادة-بنو زنكى-بنو حماد-بنو مرين-بنو وطاس-بنو طاهر-بنو زيان-بنو مرداس- بنو صالح-بنو زيرى....الخ. تاريخ كل هذه الخلافات والجماعات هو تاريخ أقتتال بين فرقاء بحجة حماية الدين أو بإعتقاد أنها الفرقة الناجية الوحيدة.

وها هى حرب تكسير العظام تبدأ بين رجل الدين التركى البارز الواسع النفوذ المقيم فى بنسلفانيا فتح الله غولين وبين رجب طيب إردوغان، بعد أن دالت لهم تركيا بتقليص سلطة الجيش واضعاف العلمانية واخضاع القضاء وأسلمة قطاع كبير من التعليم، وكان الطبيعى بعد ذلك أن تبدأ الحرب بينهم على سنة ومنهاج

 كل الإسلاميين.إوردوغان الذى وصل غروره إلى القمة التفت إلى ولى نعمته غولين لتقليص نفوذه فى تركيا فرد له غولين لكمة بلكمة افقدته صوابه وبدأ إوردوغان مهلوسا عن المؤامرة الخارجية الأمريكية لإسقاط حكمه،وهو يعلم جيدا أنه هو وغولين معا صناعة أمريكية،وهو يعلم أنه لولا مساندة غولين ما نجح ووصل إلى ما هو عليه، وهو يعلم كذلك أن حلمه بقيادة ما يسمى بالإسلام المعتدل فى الشرق الأوسط هو مشروع أمريكى اساسا.إوردوغان الذى احس أنه اصبح عند قادة نافذين فى الغرب ورقة محروقة، وأن مشروعه فشل منذ أن بدأ يتبجح فى وجه إسرائيل وبعد ذلك يتعثر فى سوريا ويسقط فى مصر، هو الآن يتبجح فى وجه الجميع معتمدا على غروره وشعبيته التى صنعها بين شريحة من الريفيين المحافظين فى تركيا وبين المستفيدين من البلونة الأقتصادية التركية،ولكن لا يفل الحديد إلا الحديد،وها هو رجل أكثر شعبوية منه وأكثر كرامة دينية منه بدأ فى مبادلته اللكمات لإسقاط هذه الشعبية التى ساهمت آلة غولين الإعلامية والتعليمية فى صنعها لإردوغان.

خلاصة الحرب الدائرة الآن بين الرجلين فى تركيا تقول لنا أن الحرب بين الإسلاميين هى محور التاريخ الإسلامى كله،وتقول كذلك أن المراهنة على ما يسمى بالإسلامى المعتدل هو رهان خاسر بالتأكيد، فكل إسلامى هو متطرف بحكم التعريف وبحكم المتاجرة بالدين وبالدم ،وتقول أيضا أن الغرب الذى عرف جيدا كيف يوظف الإسلام السياسى والجهادى لديه مفتاح التخلص من شخصياته عندما يرغب فى ذلك.

 التجربة التركية ليست تجربة خاصة وإردوغان ليس استثناء  فى تاريخ الإسلام السياسى فهو شرب من نفس الأبار المسممة التى شربوا منها جميعا ونهايته لن تختلف عن نهاية من سبقوه من الإسلاميين.

اجمالي القراءات 11985