مصلحة مصر أن تقطع علاقتها بقطر

سامح عسكر في الإثنين ٠٦ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مصر تمر بمرحلة انتقالية ولكن أشبه بما يكون إعداد لمرحلة هامة تعود فيها مصر أقوى مما كانت عليه منذ 40 عاما، تقديري أن الحرب الأهلية السورية والحرب العراقية على الإرهاب والأخطار على لبنان، تضع مسئولية جسيمة على مصر أن تقود هي المنطقة العربية لإعادة الاستقرار واللُّحمة في مواجهة العدو الإرهابي، الذي اشتد عوده وأصبح أقوى مما كان عليه في أواخر القرن الماضي، كذلك فالجيش المصري مُطالب بأن يكون أكثر حزماً مع قوى الظلام التي تُهدد الشعوب العربية بالفناء، حتى لو اضطر إلى خوض حرب مفتوحة مع داعمي هذه القوى خارج الحدود.

عملياً لقد أصبح ممكنا أن يجتمع العرب مرة أخرى على مائدة.."الحرب على الإرهاب والتطرف"..فالشعوب العربية لا تجد خطراً يهدد أمنها أكثر من خطر التدين الإسلامي الزائف المُفعم بروح التسلط والغدر باسم الدين، في سوريا والعراق ولبنان والأردن والجزائر ودول الخليج وفي ليبيا ..الجميع يخوض حرباً على التطرف ومعاناة يومية من القلق الديني والمذهبية، وعليه فالضرورة تقتضي أن يكون القرار العربي أكثر حزماً لطبيعة المرحلة التي لا تزال بعض الأنظمة العربية في سُباتٍ عميق عن رصدها أو تجاوز مآلاتها.

مصر هي أكثر دولة مهيئة للانتصار على الإرهاب بأقل الخسائر، فهي من أقصت الإرهابيين من سدة الحُكم، وحدث ذلك بقرار شعبي وتنفيذ عسكري حازم راعى فيه المصالح الوطنية التي تأخرت عامين ونيف بعد ثورة يناير.

أما عن قطر فهي الدولة العربية البارزة في دعم ما يُسمى.."بالربيع العربي"..مادياً وسياسياً وإعلامياً، وهي من تدعم الجماعات المسلحة في شتى المناطق التي تُعاني من الإرهاب ، ويساندها في ذلك إعلام قوي ومنتشر كالجزيرة، الذي يُستخدم بدوره في بث روح الفُرقة والشتات بين الشعوب، عبر سلاح ديني ثوري يُشابه ما كان عليه السلاح الإيراني في ثورته ضد الشاة، ومؤخراً تجاوزت العلاقة القطرية المصرية مرحلة التعاون "الحذر"إلى مرحلة.."الأنداد"..واتسمت هذه العلاقة بالفتور والخصومة إلى أن أعلنت قطر رسمياً دعمها لمظاهرات جماعة الإخوان الإرهابية في محاولة أخيرة لتصدير الجماعة كطرف مظلوم وليس إرهابي قاتل كما تتعامل معه مصر حكومةً وشعبا.

هذه السياسة القطرية مفضوحة منذ البداية ولكن على ما يبدو أن المواجهة كانت مؤجلة إلى ظروف أشبه بما عليه الآن، فمصر عملياً تعتبر أكثر دولة متماسكة مؤسساتياً وشعبياً في دول "الربيع العربي"وهي التي تحاول قطر وتركيا إحياء الفكر الإخواني والإرهابي فيها عبر دعم منظم وقوي لجماعات العنف، سواء بغطاء سياسي أو تأمين مادي كشف عن بعضه مؤخراً وثائق أمن الدولة التي تُثبت تمويل قطر لبعض الجهات المصرية الداعية للعنف.

اليوم أعلنت مصر استدعاء السفير القطري للاعتراض على بيان الخارجية القطرية الذي دعم فيه العنف في الشارع المصري عبر دعمه لمظاهرات الجماعة الإرهابية، وهذا في ذاته تطور في الصراع وإعلان رسمي عن بدء المواجهة المفتوحة والمُعلنة، والطريف أن الخارجية القطرية أرلست ما ينفي المعنى المٌُشاع من وراء التصريحات في أسلوب يُشبه أسلوب السادات الذي يحفظه الشعب المصري عن ظهر قلب.

وبناءً عليه أطالب القيادة المصرية بالمواجهة المباشرة مع قطر وقطع العلاقات معها أسوةً بما حدث مع تركيا، وأحذر أن أي تأخير في إصدار هذا القرار يُعتبر بمثابة الروح والشريان الذي يغذي الجسد القطري في صراعه مع مصر.

ومنعاً لأن تكون رؤيتي عاطفية سأطرح 15 فائدة سياسية تعود على مصر والشعب المصري من وراء قطع العلاقات، وحينها لا مفر من أن تضع مصر تحدياً مباشراً أمامها يليق بالشعب الذي دعم هذه القيادة في 30 يونيو، فمصر الآن أقوى وأشد من أن تتردد في اتخاذ مثل هذا القرار، وإليكم رؤيتي في 15 نقطة.

1-قطع العلاقات مع قطر سيكشف الحرب التي تنتهجها ضد مصر، وهي حرب من نوع خاص وناعم، تستخدم فيها قطر خطاباً إعلامياً وسياسياً شبيه بالتي انتهجته ضد سوريا وليبيا، وزي ما بيقول المثل المصري.."اللعب ع المكشوف".

2-تحجيم دور قطر خليجياً، سيدعم ذلك الموقف السعودي والإماراتي والكويتي ضد الأسرة الحاكمة في قطر، وسيلقي بظلاله على حجم قطر في مجلس التعاون.

3-مصر دولة كبيرة ولديها سطوة إقليمية وجُغرافية لا يُستهان بها، وقطع العلاقات الآن يضع النظام القادم في تحدٍ لإثبات الدور المصري خارجياً بدون قطر، خاصةً أن الدول التي يُهددها الإرهاب والإخوان كالعراق وسوريا ولبنان والأردن وجميع دول الخليج ستدعم الموقف المصري لشن حرب مفتوحة ومُعلنة على الإرهاب ومن يدعمه من العرب والأجانب.

4-سيُعيد ذلك الثقة المفقودة للدور المصري وسيُعزز هيبة الدولة في الداخل، وسيتغول معنى.."الدولة الوطنية والقومية"..بين نفوس الشعب .

5-الشعب المصري يكره قطر ، ومثل هذا القرار يُعزز صورة النظام وتتماسك الدولة أكثر في مواجهة التحديات.

6-السلطة الحالية لا تريد قطع العلاقات إلا حين صدور قرار أو تصريح رسمي من قطر يَخُلّ بالعلاقات، وتعتبر أن الجزيرة والخطاب السيادي القطري -بنقد أسلوب التعامل مع الإخوان -هو موقف لا يستدعي طرد السفير...وهذا موقف خاطئ سياسياً وندفع ثمنه منذ ثورة 30 يونيو وإلى الآن، فالجزيرة هي جزء من الخطاب السيادي القطري وهذا يفهمه رجل الشارع العادي، ويلمسه في العديد من التساؤلات التي حملت القناة على عدم نقد قطر وأوضاعها الداخلية أبداً.

دور قطر في الحرب على مصر هو إعلامي في المقام الأول، والغريب أن السلطة تعترف بأن الحرب على مصر هي من الجيل الرابع الذي يكون للإعلام فيها الدور الرئيسي..فما الذي يمنع من المواجهة المباشرة؟!

7-قطع العلاقات مع قطر ينزع من مصر الدور الغربي تماماً، وتبقى العلاقات الثنائية مع الغرب والحوار المباشر معه هو الفيصل أسوةً بالسياسة الإيرانية التي انتهجت هذا الأسلوب، مع إيران لم يكن هناك وسيط أو شعرة معاوية، بل مصالح نفطية وقوة عسكرية وإقليمية، أما مصر فلديها موقع جغرافي متميز وتدعمها غالب أعضاء الجامعة العربية وهذا ما سيجعل الدور الغربي أكثر اتزاناً شرط أن تظهر القوة المصرية، وقطع العلاقات سيُساهم في ذلك بشكل كبير.

8-سيؤدي ذلك إلى نقل تام وتحول في السياسة العربية، وربما تُصبح معه مصر طرفاً في التهدئة السورية،كخيط يمكن فهم ما يحدث في لبنان والعراق مستقبلاً، قطر عملياً تُحرض على الفتنة في العراق وسوريا ولبنان، وقطع العلاقات معها سيُبرز مصر كقوة محورية بديلة بعد الضعف والترهّل السعودي.

9-القيادة القطرية جديدة عديمة الخبرة، وهي ليست بالقوة التي تواجه فيها آثار قطع العلاقات مع دولة كبيرة بحجم مصر، لذلك هم يستخدمون أسلوب السادات-مؤقتا-بالحرب المفتوحة إعلامياً وسياسياً وطرح ما يُبهِم ذلك سياسياً، كضرب السادات لإسرائيل ثم يعود لإدانة الصهاينة ويدعوهم للسلام ويُعِرب عن احترامه لشعب إسرائيل، قطر تستخدم أسلوب السادات بوضوح، وأعتقد أن هذا الأسلوب هو من صناعة الأب المستقيل.."حمد بن عيسى"..وتنفذه الإدارة الحالية للبلاد.

10-ستعود العلاقات المصرية الجزائرية إلى سابق عهدها، فالجزائر موقفها السياسي مضاد للموقف القطري ، وذلك بسبب دعم قطر تحالف.."الجزائر الخضراء"..المعارض ذو الميول الإخوانية، وهو الذي حصد أقل من 3% من البرلمان الجزائري العام قبل الماضي...حتى التعاون الاقتصادي الأخير بين الدولتين لم يؤثر في الموقف السياسي الذي يكاد يكون على النقيض...كذلك لأن الجزائر لا تحتاج لقطر فهي من الدول الغنية التي تمتلك أكبر احتياطي نقدي في المنطقة وقدره 150مليار يورو.

11-انفتاح مصر على الجزائر سيفتح مصر على الغرب الإفريقي برمته، لأن الجزائر تعتبر هي مفتاح المغرب العربي ، ومن يتواصل مع الجزائر يستطيع التواصل مع تونس وليبيا والمغرب وموريتانيا، وعن طريق هذا الانفتاح تعود مصر قوة ضاغطة أقوى مما كانت عليه في عهد مبارك...ولكن شرط أن تتطابق الرؤيتين المصرية والجزائرية بخصوص الأزمات في العراق وسوريا وليبيا،وهي رؤية مضادة تماماً للموقف القطري.

12-ملف حقوق الإنسان في قطر ليس على ما يُرام، فطبيعة النظام القطري أميرية شمولية لا تسمح بالنقد أو التوبيخ، وهذا ما حمل السلطة القطرية على سجن الشاعر المعارض.."محمد العجمي" ..خمسة عشر عاماً بتهمة هجاء السلطات القطرية بقصيدة كلّفته السجن المؤبد ثم تخفيف الحُكم إلى 15 عاما.

هذا غير ملف الديمقراطية في تلك الدويلة التي لا تسمح بتعدد السلطات أو الفصل بينها، فالحُكم في قطر شمولي دكتاتوري، ويعتمد كذلك على فتاوى القرضاوي التي تخرج لمساعدة الأمير في مواجهة أي ضغط ديني أوعلمي تتعرض له الدولة.

وبناءً عليه ما الذي يمنع من فتح ملف حقوق الإنسان والديمقراطية في قطر؟..مصر أصبحت عملياً دولة ديمقراطية بعد تداول السلطات والدستور التعددي والبرلمان المنتخب باقتراع نزيه يُشرف عليه القضاء، ليس بنا علّة كي لا نفتح هذا الملف ونفضح قطر أمام منظمات حقوق الإنسان.

13-قطع العلاقات سيفتح ملف القواعد الأمريكية في قطر، قاعدة .."العديد".. الجوية و.."السيلية".. البرية، وطبيعة ذلك في إحجام أمريكا عن فتح ملف حقوق الإنسان في قطر، أي أن قطع العلاقات وفتح ملف حقوق الإنسان في قطر سيضرب عصفورين بحجر، وتُصبِح ورقة ضغط مصرية تلعب بها متى شاءت.

14-غير ملف حقوق الإنسان هناك ملف.."العمالة الأجنبية"..الذي اشتهر في الآونة الأخير استعباد السلطات القطرية للأجانب في بناء منشآت المونديال، وهو ملف خطير سيفتح باب جهنم على الاقتصاد القطري وكونه يقوم على البرجوازية المتطرفة واستغلال الفقراء.

15-مصر أعلنت مؤخرا رغبتها في علاقة قوية ومتزنة مع إيران ، تُراعي في المقام الأول أمن الخليج والعلاقات الثنائية، وقطع العلاقات مع قطر سيؤخر علاقتها مع إيران على الأقل مرحلتين ويُخرجها من رتبة.."المحور الإقليمي"..إلى رتبة.."الطرف المشاكس".

أخيراً فقد طرحت هذه الرؤية على صديق وعلّق بقوله أن في قطر عمالة مصرية تقدر ب 200ألف مصري، وهذا سيُجبر مصر على عدم قطع العلاقات كي لا تتضرر تلك العمالة ويتضرر معه الاقتصاد المصري،قلت أن ليبيا والعراق كان بهم ملايين المصريين، وعندما عادوا لم يجوع الشعب المصري..هؤلاء ليسوا مبرراً لهدم الدولة المصرية، قطر لم ولن تشتري الشعب المصري بأموالها...لازم يكون فيه موقف واضح وقوي..لأنك تحارب بشر عديمي العقل والأخلاق والضمير.

ثم أن التخلص من هذا العدد الضخم من العمالة ليس بالأمر الهين على قطر، فلديها مصالح من وراء تلك العمالة، ومسألة البديل ليست صعبة على المصريين، خاصةً ومن المتوقع أن ينتعش الاقتصاد المصري فور انتهاء خارطة الطريق وتنفيذ بنود الاتفاق الثوري وبدء مرحلة جديدة سيكون الشعب المصري فيها أكثر تعاوناً ووطنية، وفي هذه الظروف ينهض الاقتصاد لكثرة التحديات والحركة الميكانيكية المواكبة لنشاط الحكومة والشعب.

مسألة قطع العلاقات المصرية مع قطر ليست جديدة، فتقريباً العلاقات المصرية مع قطر متوترة منذ الانقلاب الأميري في منتصف التسعينات، وزاد ذلك تحريض أبواقها الإعلامية وتدخلها في الشأن المصري بمنتهى الاستخفاف بمشاعر وعقول المصريين، فقطر عملياً تدعم انتشار الفكر الإخواني في مصر، وقد أنفقت من أجل ذلك المليارات، وبعد ضربة 30 -6 أصبحت قطر مُطالبة بكشف الحساب وإعادة حقوق المصريين، وهي تبدو في حل من ذلك ، فلا يكفيها التحريض على العنف وتمويل الإرهاب، بل تحمي قياداتهم في الدوحة وتُنفق عليهم ببذخ من أجل حمايتهم.

وما كان خطاب النائب العام لقطر بتسليم القيادي الإرهابي عاصم عبدالماجد إلا حلقة تكشف عن دعم هذه الدويلة للإرهاب في العالم العربي، وعليه فالمواجهة مطلوبة ليس فقط سياسياً، بل على السلطات المصرية أن تفهم كيف أن قطع العلاقات المصرية مع قطر هو مطلب شعبي آن وقت تنفيذه.

اجمالي القراءات 11943