الأرضية التاريخية التى نبتت فيها أساطير الشفاعة
( 5 ) صناعة شخصية زائفة لابن حنبل : الجزء الأول

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٥ - نوفمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الثالث : تتبع موضوع الشفاعة فى تاريخ المسلمين الدينى
الفصل الخامس: الأرضية التاريخية التى نبتت فيها أساطير الشفاعة :
( 5) صناعة شخصية زائفة لابن حنبل : الجزء الأول
أولا : تاريخ احمد بن حنبل بين الحقيقة والافتراء
1 ـ هناك شخصيات تاريخية تخلق الأحداث ، وهناك شخصيات تخلقها الأحداث وتحملها الأحداث . وابن حنبل كان شخصية عادية مسالمة من عوام المحدثين ، ولكن خلقته الأحداث وحملته فى طريقها ، ثم إستمرت بعده حيث جعلته الدعاية السنية رأسا لحركة الحنابلة التى تسيّدت الشارع العباسى بالعنف والتشدد ثلاثة قرون بعد موته عام 241 الى عصر المؤرخ ابن الجوزى المتوفى عام 597 حين حلّ التصوف دينا شعبيا مُسالما محل الدين الحنبلى المتشدد المُشاغب .
2 ـ واشاع الحنابلة روايات شفهية عن سيرة ابن حنبل تخالف شخصيته الحقيقية ، وكان ابن الجوزى المؤرخ الفقيه المحدث القصّاص الحنبلى أبرز من قام بتجميع وتدوين تلك الروايات فى كتابه ( مناقب الامام احمد بن حنبل ) ، وهو مطبوع ومنشور . بالاضافة الى رصد تاريخ ابن حنبل والحنابلة فى العصر العباسى فى تاريخه ( المنتظم ) .وقد جعل ابن الجوزى لهذه الروايات المصنوعة عن سيرة ابن حنبل إسنادا ( أى روى فلان عن فلان ) كأنه ينقل أحاديث نبوية فى دينهم السّنى . وسبقه البيهقى ت ( 384 : 458 ) فى كتابه عن مناقب أحمد بن حنبل . ولكن ابن الجوزى هو الأكثر شهرة والأجرأ على الكذب . والعادة فى ( تاريخ المنتظم ) أن ابن الجوزى ينقل الأحداث السابقة على عصره مما كتبه الطبرى فى تاريخه . ولكنه يكتب أحداثا أخرى ماضية لم يذكرها الطبرى وغير الطبرى ، أى إنفرد ابن الجوزى بذكرها ، وعندئذ يقوم إبن الجوزى بعمل إسناد لها عن رواة عاصروها . ولأنه أول من يذكر تلك الأحداث التى حدثت قبل مولده بقرنين فلا بد أن يلحقها الشّك خصوصا وأنه غير محايد ، بل هو متعصب للحنابلة وضد المعتزلة والصوفية والشيعة . لذا يقوى الشّك في رواياته التى تتعلق بأهل الحديث وخصومهم من المعتزلة والشيعة والصوفية . ويتأكّد كذب ابن الجوزى حين يحكى منامات وكرامات ينسبها لأشياخه السنيين ، ويزعم فيها أن الله جل وعلا قال كذا فى هذا المنام أو أن النبى عليه السلام رؤى فى المنام فقال كذا يمدح هذا الشيخ السُّنى الحنبلى أو يذمّ هذا المعتزلى .
ثانيا : الهدف من صناعة هذه الصورة الزائفة لابن حنبل
1 ـ الحنابلة فى طموحهم السياسى فى العصر العباسى إتخذوا من هذه الشخصية المزيفة المصنوعة لإبن حنبل رمزا للكهنوت السّنى المتشدد الذى يزايد على السلطة السياسية القائمة على الدين السُّنى . وظل هذا ساريا من العصر العباسى وحتى عصرنا البائس . ومثلا فإنّ ابن تيمية قام بإحياء الحنبلية وواجه بها المماليك سياسيا فى العصر المملوكى ، ثم تبعه ابن عبدالوهاب فى أواخر العصر العثمانى ، والذى قام بتجديد الحنبلية ، وبالوهابية قامت الدولة السعودية ثلاث مرات وسقطت مرتين .
2 ـ والدولة السعودية الراهنة واجهت وتواجه حركات معارضة متشددة من داخل الوهابية ، تستخدم الوهابية نفسها فى المزايدة على الأسرة السعودية ، وتعتبر الوهابية الحنبلية هى مصدر السلطة وبالتالى فلا بد أن يكون لعلماء الكهنوت الوهابى النصيب الأكبر فى السلطة والثروة ، بينما يرى البيت السعودى أنهم مصدر السلطة ، بالضبط كما كان يعتقد البيت العباسى فى الخلافة العباسية ، فالمعارضة الوهابية فى السعودية تكرر نفس ما كان الحنابلة يفعلون ضد الدولة العباسية التى تأسست على الكهنوت السّنى .
3 ـ ويتفق الاخوان المسلمون مع السعودية ودول الخليج فى إعتناق الوهابية ، ولكن يعتقد الاخوان أنهم الأحق بالحكم من تلك الأسرات الحاكمة فى السعودية والخليج ، لأن الاخوان يعتقدون أنهم الممثلون الحقيقيون للوهابية التى هى عندهم مصدر السلطة ، وقد أضفوا عليها إسم الاسلام زورا وبهتانا .
4 ـ كل حركات المزايدة السنية والتشدد والتزمت والتطرف والارهاب حملت إسم ابن حنبل ، بحيث صار لقب ( حنبلى ) فى الثقافة الشعبية رمزا للتزمت والانغلاق والتطرف والتعصب والارهاب . منبع هذا كله من تلك الصورة الوهمية المصنوعة لابن حنبل فى العصر العباسى والتى تخالف شخصيته الحقيقية .
5 ـ وإستمرت هذه الصورة النمطية لابن حنبل باستمرار الهدف من تصنيعها . فالهدف هو تصنيع شخصية تكون رمزا مُلهما لأصحاب الكهنوت فى تحدّى السلطة والمزايدة عليها ، فطالما أن الدولة الدينية تستمد سلطتها السياسية الزمنية من هذا الكهنوت فلا بد أن يكون لرجال الكهنوت الموقع الأعلى فى الدولة ، وإلا فلهم حق الثورة عليها . وقد أشرنا الى علاقة الدولة الدينية بكهنوتها وحاجتها الى هذا الكهنوت ، ومزايدة الكهنوت على تلك الدولة وقت ضعفها للحصول على قدرأكبر من السُّلطة والثروة .
ثالثا : ضربوا إبن حنبل فأدخلوه التاريخ ، ولو لم يضربوه ما عرفه أحد
1 ـ عرفنا كيف أوسع المأمون قلبه وقصره للمثقفين والعلماء والفقهاء وأهل الحديث ، لأنه كان مثقفا يحب مجالسة المثقفين أكثر من مجالسة النساء والمُغنّيين ، وإستثمر المثقفون العقليون ( المعتزلة ) ميل المأمون لهم فترجموه إلى نفوذ سياسى أثار حقد الفقهاء وأهل الحديث ، والتفت المأمون يتقرب لأهل الحديث ويُفسح لهم فى قصره فحاولوا أن يستغلوا هذا فى النّيل من خصومهم المعتزلة . وعرفنا أن الكراهية كانت متبادلة بينهما ، فاطلق أهل الحديث والفقهاء على أنفسهم ( أهل السّنة ) وأطلقوا على المعتزلة لقب ( المبتدعة ) بينما أطلق المعتزلة على انفسهم (أهل العدل والتوحيد ) وأطلقوا على أهل الحديث (الحشوية ).
2 ـ وعندما فشل أهل الحديث علميا أمام المعتزلة وأيقنوا من أن المأمون فى صف المعتزلة وقفوا فى وجه المأمون فى قضية خلق القرآن . فتحوّل الأمر الى محنة ومواجهة سياسية . واستخدم الخليفة سلطانه ، وسلّط عليهم ( محاكم التفتيش ) فأسرع شيوخ الفقهاء والقضاة وشيوخ أهل الحديث الى موافقة المأمون خوفا على مكانتهم ، ولم يبق إلا موافقة عوام الفقهاء والمحدثين ، ومنهم ابن حنبل الذى لم يكن معروفا ولا مشهورا وقتها ، ولكن لمع إسمه فجأة عندما فاجأ شيوخه والجميع بتمسكه بمخالفة الخليفة . لم يكن لديه ما يخسره ككبار الفقهاء والقضاة والمحدثين ، فصصم على رأيه ، فتعرض للضرب بالسوط ، وبهذا دخل التاريخ . ولولم يضربه المعتصم ما كان سمع به أحد . ولو مات مثل رفيقه فى ارفض ( محمد بن نوح ) لظل مجهولا بين سطور التاريخ مثل ( محمد بن نوح ) . ولكن إستمرار محاكمته وضربه بين يدى الخليفة المعتصم أوسع له مكانة فى عصره ، حيث كان العوام من أهل الحديث فى حاجة الى زعيم ، وهم الذين إمتهنوا الحديث ليصلوا به الى نصيب من السلطة والثروة ـ.
رابعا : رفض ابن حنبل أن يكون زعيما بعد شهرته لأنه لا يصلح أن يكون زعيما
1 ـ وفى حياته وبعد أن صار معروفا مشهورا خيّب ابن حنبل آمال من يريدون زعيما وإماما ، فبعد إطلاق سراحه إعتزل الناس ـ وكان يرفض حضور صلاة الجمعة والجماعة ، وأغلق عليه باب داره . وإختفى ابن حنبل حين جاء الخليفة الواثق يفتح من جديد قضية خلق القرآن وما نشأ عنها من قتل أحمد بن نصر الخزاعى ومقتله عام 231 . ثم عاد للظهور عندما شعر بالأمن بعد تحالف المتوكل مع السّنيين.
2 ـ وزادت شهرته فى عصر الخليفة المتوكل ، ولكن لم يستفد ابن حنبل من هذه السلطة والحظوة التى نالها السّنيون الناشطون فى خلافة المتوكل، فالقادة فى الكهنوت لا بد أن يكونوا خبراء فى المداهنة وفى التعامل السياسى مع السلطان ومراكز القوى داخل القصر ، وهذا ما لا يعرفه ابن حنبل ، فظلّ مع شهرته والتقدير الذى حظى به فى أواخر عمره بعيدا عن النفوذ السياسى ، لأنه كما يذكر ابن الجوزى فى مناقبه كان يؤثر العُزلة والوحدة وستر الحال ويكره الشُّهرة، وهذا هو عنوان الباب رقم 54 ( فى إيثاره العُزلة والوحدة ) وعنوان الباب 55 ( فى إيثاره خمول الذكر وستر الحال ) .
3 ـ بهذا لا يمكن أن يتأقلم مع البروتوكول العباسى ومكائده ، كما كان بضيق أفقه وتمسكه بنصوص الأحاديث التى يحفظها لا يصلح للتعامل السياسى مع خليفة ماجن سكير كالخليفة المتوكل ، ولا يستطيع التعامل مثلا مع محظية المتوكل ( قبيحة ) أم المعتز ولىّ العهد وصاحبة النفوذ فى عصر المتوكل ، ولا يستطيع التعامل مع قادة العسكر الأتراك المتحكمين فى خلافة المتوكل ، والذين ـ فيما بعد ـ قتلوا المتوكل وهو يسكر مع صديقه الفتح بن خاقان .
خامسا : عبد الله بن احمد بن حنبل أول من رسم شخصية مزورة لأبيه
1 ـ عبد الله بن أحمد بن حنبل هو مصدر الروايات الخرافية عن أبيه . وعبد الله هو الذى أرسى تلك الشخصية الوهمية عن أبيه بالروايات الى صنعها عنه ونشرها بين الناس فى عصره ، وتناقلها الناس بعده الى أن تم لها التدوين مع زيادات فى الكاذيب ، كالمعتاد . عبد الله ابن أحمد بن حنبل إستثمر محنة أبيه ، فأخذ يروى عنه أقاصيص ظل الفقهاء السنيون والقّصّاص يتداولونها ويزيدون فيها ، الى ان تم تدوينها فى العصور التاريخية ضمن تاريخ ومناقب أحمد بن حنبل ، صيغ بعضها فى صورة منامات يرتفع فيها أحمد بن حنبل الى مقام التأليه . وقد حظيت هذه الخرافات بتصديق الناس حتى الان بدليل أن كتاب مناقب احمد بن حنبل لابن الجوزى لا يزال يجد من يصدقه ويطبعه وينشره .
2 ـ وقد مات عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل عام 290 . ومن أهم الخرافات التى أذاعها وأشاعها أنه جعل أباه من كبارعلماء الحديث ، ولم يكن ابن حنبل إلا من ضمن عوام المحدثين . ولكن تأسس على تلك الفرية أن جعلوا ابن حنبل رأسا من رءوس الحديث ، بل جعلوه صاحب مذهب فقهى ، ولم تكن له علاقة بالفقه على الاطلاق . السبب أن عبد الله بن أحمد بن حنبل كتب ( مسند أحمد )وغيره بعد موت أبيه ونسب هذه الكتب لأبيه إفتراءا وكذبا .
سادسا : ابن حنبل لم يكن ناشطا سياسيا ، ولم يؤلف كتبا فى الحديث
1 ـ الذى كان له علم بالروايات الحديث المنتشرة فى عصره لم يكن أحمد بن حنبل بل إبنه عبد الله . قال ابن الجوزى فى ترجمة عبد الله بن أحمد بن حنبل : ( ‏ وقال ابن المنادي‏:‏ لم يكن في الدنيا أحد أروى عن أبيه منه) ، أى إن عبد الله هو مصدر الأخبار عن أبيه ابن حنبل ، ويقول ابن الجوزى عن عبد الله بن حنبل : ( لأنه سمع ‏"‏ المسند ‏"‏ وهو ثلاثون ألفًا و ‏"‏ التفسير ‏"‏ وهو مائة وعشرون ألفًا سمع منها ثمانين والباقي إجازة وسمع ‏"‏ الناسخ والمنسوخ ‏"‏ و ‏"‏ التاريخ ‏"‏ و ‏"‏ حديث شعبة ‏"‏ و ‏"‏ المقدم والمؤخر في كتاب الله تعالى ‏"‏ و ‏"‏ جوابات القرآن ‏"‏ و‏"‏ المناسك الكبير والصغير ‏"‏ وغير ذلك من التصانيف وحديث الشيوخ ‏.‏ ) . أى إنّه هو الذى سمع من أبيه الكتب التى تمت نسبتها فيما بعد لأبيه . أى لم تكن مكتوبة ومدونة فى حياة أبيه ، بل تم تدوينها بعد موته ، فقد كان ابن حنبل يكره تدوين وكتابة الأحاديث . وقد خصّص ابن الجوزى الباب 29 ضمن مناقب أحمد بن حنبل ليؤكّد أنه كان ينهى عن كتابة ورواية كلامه . والعنوان يقول : ( ذكر نهيه أن يكتب كلامه أو أن يروى ). وفى أخر الباب يقول ابن الجوزى : ( وكذلك كان أحمد رضى الله عنه ينهى عن كتب كلامه ، وقدّر الله أن دُوّن ورُتّب وشاع ) . فمن الذى رتّب ودوّن وأشاع كلامه ؟ أو بمعنى أصح من الذى كتب الكتب المنسوبة لأحمد بن حنبل ونشرها وأشاعها ؟ إنه إبنه عبد الله .
2 ـ و يروى ابن الجوزى ما قيل عن عبد الله : ( ‏ وما زلنا نرى أكابر شيوخنا يشهدون له بمعرفة الرجال وعلل الحديث والأسماء والكُنى والمواظبة على طلب الحديث في العراق وغيرها ، ويذكرون عن أسلافهم الإقرار له بذلك ، حتى أن بعضهم أسرف في تقريظه إياه بالمعرفة وزيادة السماع للحديث على أبيه ‏.‏ ) ، أى إن بعضهم وصفه بأنه كان أعلم من أبيه .!!. ولكنه إختار ان يختبىء خلف إسم أبيه ليستثمر محنة أبيه فيزداد بها مكانة وثراءا. فكتب كتبا ونسبها لأبيه ، ومنها ( مسند أحمد ) الذى لم يكتبه أحمد بن حنبل ، بل وضعه ونشره ابنه عبد الله باسم أبيه زورا وبهتانا .
3 ـ وقد حاول ابن الجوزى فى مناقب ابن حنبل التوفيق بين نهى ابن حنبل عن كتابة آرائه وأحاديثه فقال فى باب 27 ( ذكر مصنفاته ): ( كان الامام أحمد رضى الله عنه لا يرى وضع الكتب وينهى أن يكتب عنه كلامه ومسائله ، ولو رأى ذلك لكانت له تصانيف كثيرة . ولنقلت عنه كتب .) بعدها مباشرة يناقض ابن الجوزى نفسه فى نفس السطر فيقول :( فكانت تصانيفه المنقولات ( أى الحديث ) ، فصنّف المُسند ، وهو ثلاثون الف حديث ، وكان يقول لابنه عبد الله : إحتفظ بهذا المُسند فإنه سيكون للناس إماما )، أى إستأمن إبنه عبد الله على هذا المُسند الذى سيكون للناس إماما بدل القرآن الكريم .؟!! واستطرد ابن الجوزى فى تعداد الكتب الأخرى المنسوبة لابن حنبل، ثم يعود ابن الجوزى يناقض نفسه فيقول عن ابن حنبل : ( وكان ينهى الناس عن كتابة كلامه ، فنظر الله الى حُسن مقصده فنُقلت ألفاطه وحُفظت ، فقلّ أن تقع مسألة إلّا وله فيها نصُّ من الفروع والأصول . ).
4 ـ الخطورة هنا أن ابن الجوزى يجعل ربّ العزة جل وعلا واسطة بين ابن حنبل والناس ، فإذا رفض ابن حنبل تدوين علمه فإن رب العزة يتدخل ليتم نقل كلام ابن حنبل لأنّ رب العزة قد نظر الى ( حُسن مقصد ابن حنبل ) .. فمن أعلم ابن الجوزى بهذا ؟ وهل يصح أن يفترى مُسلم صحيح الايمان بهذا الافتراء الذى يُهين رب العزة ويرفع بشرا أعلى من خالق السماوات والأرض ؟ ثم أن يكون هذا التبرير السقيم من أجل قضية تافهة هى الزعم بأن تلك الكتب من تأليف ابن حنبل .
5 ـ هذا مع أن الكذب واضح والتناقض بين العبارات أوضح . وأن المؤلف الحقيقى لهذه الكتب ليس ابن حنبل بل ابنه عبد الله. يكفى هنا زعمهم بأن ابن حنبل قال لابنه عبد الله (إحتفظ بهذا المُسند فإنه سيكون للناس إماما )، فكيف ينهى عن كتابة ما يقول ثم يأمر ابنه أن يكتب عنه ( المسند ) وأن يحتفظ به لأنّ هذا ( المسند ) سيكون للناس إماما ؟. الواضح أن عبد الله هو الذى كتب ( المسند ) ثم نسبه لأبيه ، وزوّر هذا الكلام عن أبيه . والواضح أيضا أنه ليس ابنه عبد الله فقط الذى أسند لأبيه هذه المؤلفات ، بل أسند الحنابلة الكثير من آرائهم لابن حنبل بعد موته فى مسائل فقهية كثيرة حتى قال ابن الجوزى عن تلك الآراء: ( فقلّ أن تقع مسألة إلّا وله فيها نصُّ من الفروع والأصول . ). وبهذا صار ابن حنبل إماما لمذهب فقهى منسوب اليه ( المذهب الحنبلى ) .بسبب هذا المنسوب اليه من الفقه .
6 ـ وضمن هذا التزوير ما يرويه ابن الجوزى فى مناقب أحمد فى ( باب 9 )( بيان غزارة علمه.. ) ومنها قول أحدهم:( رأيت أحمد بن حنبل كأن الله قد جمع له علم الأولين والآخرين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك عما شاء ‏.‏ ) أى يعلم غيب الماضى وغيب المستقبل .!! وفى ( باب 8 : ذكر حفظه وقدر ما كان يحفظ )، يروى ابن الجوزى : ( كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث ). لو صدقنا هذا التخريف فإنّ هذا الحفظ الهائل لمليون حديث وهذا العلم الهائل الذى يجمع علم الأولين والآخرين ، أى من بدء الخليقة الى قيام الساعة يستلزم من صاحبه التفرّغ التام .
7 ـ ولكن عبد الله بن حنبل لا ينسى أن يُرصّع تاريخ أبيه بالتفرّغ أيضا للعبادة ، فيقول ( ‏ وكان أبي يصلي كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة.. وكان يقرأ في كل يوم سبعًا وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي ويدعو عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة ثم يقوم إلى الصباح يصلي . وحج خمس حجات ثلاث حجج ماشيًا واثنتين راكبًا ‏.‏ )( المناقب باب 58 : فى ذكر تعبده )، فهل إتّسع وقته للعلم والعبادة بهذا الشكل ؟ .
8 ـ ثم إن تحصيل مليون حديث كان يستلزم الرحلة من العراق الى مصر واليمن والحجاز. وقد ذكروا رحلاته ، وتناسوا أن هذه الرحلات تستلزم مالا ، فكيف يتسق هذا مع فقره الشديد الذى تردد فى تاريخه ؟ إذ كان فقره يدفعه الى التقاط فضلات الطعام ، والى أن ينسخ الكتب بالمال :( المناقب باب 40: فى ذكر ماله ومعاشه : فصل : وكان أحمد ربما إحتاج فخرج الى اللقاط . فصل : وكان أحمد ربما إحتاج فنسخ بأجرة . )
سابعا : ابن حنبل كان من عوام أهل الحديث المقلدين
1 ـ الدليل على ذلك أنه كان يرى العلم محصورا فيما يراه عوام ( المسلمين ) أو أكثرية الناس . فكان يتمسك بقول منسوب لابن مسعود : ( ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيء ) أى يجعل رب العزة ملتزما برأى الأغلبية من الناس ، مع أن الله جل وعلا يصف أكثرية البشر بأنها لا تؤمن ولا تعقل ولو أطاعها خاتم النبيين فسيضلونه عن سبيل الله . وبغض النظر عن الناحية الايمانية هنا ـ مع خطورتها. إلا أن هذا القول يفضح منهج ابن حنبل القائم على التقليد ومحاربة الاجتهاد ، 2 ـ ويعزّز هذا أن ابن حنبل وسائر قطيع السنيين كانوا يتهمون من يجتهد بأنه ( مبتدع ) . أى أصبح الابتداع والاجتهاد فى فهم القرآن وتدبره بالرأى ( بدعة )، وأطلقوا على المعتزلة مبتدعة .
3 ـ ولا تزال كلمة ( بدعة ) بغيضة لدينا ، ومازال بعضنا يجترُّ شعار السنيين ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار ) . وبسبب حرب السنيين للإجتهاد توقف الاجتهاد عند ما كتبه أئمة الفقه والحديث فى القرن الثالث الهجرى ، ولا يزال أولئك الأئمة أئمة حتى عصرنا دون أن يوجد من يبنى على عملهم ويطوّره ، بل أصبح التقليد سيد الموقف ، بل وتحول التقليد الى جمود وتأخر ينعُم به المحمديون حتى اليوم . ولقد وصل الغرب بالاجتهاد والابتداع والاختراع والاكتشاف الى ما نحن فيه الآن .ووصلت بنا السلفية الوهابية الحنبلية الآن فى عصر العلم والتكنولوجيا الى الاختلاف فى رضاعة الكبير والتداوى ببول الابل و النقاب و جهاد المناكحة .!.
4 ـ وحتى الآن لا تزال كتب السلفية الأكثرمبيعا ، وحتى الآن يزال السلفيون يقولون عن ( مُسند أحمد ) المنسوب زورا لأحمد بن حنبل :( وضع الإمام أحمد هذا الكتاب ليكون مرجعاً للمسلمين وإماماً وجعله مرتباً على أسماء الصحابة الذين يروون الأحاديث كما هي طريقة المسانيد، فجاء كتاباً حافلاً كبير الحجم، يبلغ عدد أحاديثه أربعين ألفاً تقريباً، تكرر منها عشرة آلاف حديث ومن أحاديثه ثلاثمائة حديث ثلاثية الإسناد (أي بين راويها وبين النبى ثلاثة رواة). وقد رتب كتابه على المسانيد فجعل مرويات كل صحابى في موضع واحد، وعدد الصحابة الذين لهم مسانيد في مسند الإمام أحمد (904) صحابى .و كان ابن حنبل يحفظ الف الف حديث عن ظهر قلب، وقد انتقى المسند من هذا العدد الهائل من محفوظه .!.).
والمجانين ..فى نعيم .!
وللحديث بقية عن ملامح الشخصية المزورة لابن حنبل .  

اجمالي القراءات 12999