النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الشفاعة هى للملائكة التى تحمل العمل الصالح : ب 1 ف 4

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )
الباب الأول : الشفاعة فى الاسلام .
الفصل الرابع : الشفاعة هى للملائكة التى تحمل العمل الصالح :
شفاعة الملائكة هى مجرد تفصيلة فى قصة كبرى ، نتعرض لها سريعا هنا :
أولا : بين يوم الدنيا ويوم الدين
1 ـ يوم الدنيا هو ( اليوم الأول ) ، ويوم الدين هو ( اليوم الآخر ) . يوم الدنيا هو هذا العالم الذى نعيش فيه الفترة المقررة لنا ثم نموت وتننقل فيه أنفسنا الى البرزخ ، وبعد أن تأخذ كل نفس إختبارها فى هذا اليوم الدنيوى يتم تدمير هذا الكون بأرضه وسماواته ومستوياته البرزخية ليأتى يوم الدين .الدين فى هذه الدنيا نتصرف خلاله بحريتنا المطلقة فى الايمان والكفر بالطاعة او المعصية ، ثم يأتى يوم الدين حيث نفقد حريتنا وتتم محاسبتنا على ما عملناه فى يوم الدنيا .
2 ـ الحيز المكانى لليوم الأول يوم الدنيا يشمل الأرض والسماوات ومابينهما من عوالم البرزخ والنجوم والمجرات . الأرض لها سبع مستويات : الأول ، المستوى المادى الذى نعيش فيه ، ولها ستة مستويات برزخية تتداخل فى المستوى المادى وتعيش فيها الجن والشياطين والملائكة . وللسماوت سبع مستويات عليا برزخية تتنقل بينها الملائكة ، ولا تدخلها الجن والشياطين . بمعنى آخر الحيز المكانى لهذا العالم أو لليوم الأول أو لهذه الدنيا ينقسم الى مستوى مادى ( الأرض التى تعيش فيها ، والأجرام السماوية من كواكب ونجوم ومجرات ) ومستويات برزخية تعلو هذا المستوى المادى تبدأ هذه المستويات البرزخية بستة مستويات للأرض تعيش فيها الجن والشياطين والملائكة ـ وتوجد فيها جنة ( المأوى ) حيث نعيم الذين يُقتلون فى سبيل الله ، وهى الجنة التى كان فيها آدم وحواء قبل هبوطهما الى المستوى الأدنى وهو الأرض المادية . وفى إحدى مستويات البرزخ الأرضى يوجد عذاب البرزخ لفرعومن وقومه وقوم نوح . أعلى من هذه المستويات البرزخية الأرضية توجد السماوات السبع البرزخية . السماوت والأرض وما بينهما من أكوان ومستويات برزخية هى(الكرسى للرحمن ) ، اى مجال التحكم والسيطرة :( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) البقرة ) أو ( العرش ) أى مجال ملكوته الذى يتحكم فيه الرحمن : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) طه ) .
ثانيا : رب العزة يتحكم فى يوم الدنيا بملائكته
1 ـ هذا العالم الحالى لا يتحمّل تجلى رب العزة، وهو جل وعلا يدبّره بأوامر تنفذها الملائكة،وتتنزل هذه الأوامر من رب العزة اليهم خلال السبع سماوات والسبع أرضين:( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (12) الطلاق ) . وبهذا التحكم يحيط رب العزة بكل شىء علما ، ويكون شهيدا على كل شىء ، ويمارس قيوميته على مخلوقاته ، ويتم تسجيل أعمالنا .
2 ـ عرفنا الحيّز المكانى لعرش الرحمن ( السماوات السبع والأرضين السبع ) . أما الحيّز الزمانى فهو زمن متحرك من البداية الى النهاية يتوجه الى الأمام، تصحب فيه الملائكة والروح هذا العالم الدنيوى صاعدة الى الرحمن فى هذه رحلة زمنية مدتها خمسون ألف عام بتقدير الرحمن . وبانتهائها ينتهى هذا العالم وهذا اليوم الدنيوى وتقوم القيامة ويأتى يوم الدين . نفهم هذا من قوله جل وعلا ردّا على من يستعجل عذاب الآخرة وموعد الساعة : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (6) وَنَرَاهُ قَرِيباً (7) المعارج ).
3 ـ الملائكة تصحب هذا العالم تحمل أوامر الرحمن بالحتميات التى تحدث لنا والتى لا شأن لنا فى إختيارها ولا يمكن لنا تجنبها اوالفرار منها ، وهى الميلاد والموت والرزق والمصائب من خير وشرّ. وفى ليلة محددة ( ليلة القدر ) من كل عام تهبط الملائكة بالروح ( جبريل ) بإذن الرحمن تحمل للعام الجديد أوامره التى يجب تنفيذها خلال العام القادم ، وهى ليلة القدر التى نزل فيها الكتاب القرآنى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) القدر ). سبحانه وتعالى هو الذى ( يدبر الأمر) فإذا قال (كن فيكون)،والملائكة عليها التنفيذ الفورى ، ويستغرق هذا (يوما) ما بين التدبير والتنفيذ وصعود النتيجة للرحمن. هذا اليوم الالهى مقداره ألف عام بزمننا:( يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) السجدة ). هذه الملائكة هى رسل الرحمن فى تنفيذ أوامره ، وقد خلقها رب العزة بسرعات رهيبة لتخترق العوالم والعالمين، وسرعتها لا يمكن تخيلها بعقلنا البشرى، لذا فإن رب العزة يعبّر عن قياس سرعة طيرانها بالأجنحة فى صورة مجازية حتى نفهم ، يقول جل وعلا : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) فاطر ).
4 ـ وتتنوع وظائف الملائكة فيما يخص البشر فى هذا اليوم الدنيوى . فهناك ملائكة كانت تنزل بالوحى والرسالات السماوية لتنذر مقدما بمجىء يوم الدين : ( يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2) النحل ). وملائكة تُسجل عملنا وتحفظه:(وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)الانفطار)وملائكة الموت:( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29) النحل )(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32)النحل). ويوصفون أحيانا بالرسل ، يقول جل وعلا عن ملائكة الموت:(حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ )( الأعراف 37 )، ويقول عن ملائكة تسجيل الأعمال : (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ )(الزخرف 80 ).
5 ـ ويأتى اسناد الفعل لله تعالى باعتباره الآمر و للملائكة باعتبارهم من ينفذ الأمر . فعن الوحى يقول جل وعلا يسند الوحى لذاته : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ )(النساء 163 )( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) آل عمران ) . ويأتى أحيانا ذكر ملائكة الوحى : (يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ ) ( النحل 2 )(وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) ( الشعراء 192 ـ ).
ونفس الحال عن كتابة الأعمال ، يأتى مرة منسوبا لله جل وعلا صاحب الأمر :( وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ )( النساء 81 )، ويأتى عن صنف الملائكة المكلف بكتابة أعمال البشر: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ )(الانفطار 10 ـ )( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ )(الرعد 11 )(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) ( الزخرف 80 )، ويأتى إسناد الكتابة لمن يتخصص بكل فرد : (إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ )( الطارق 4 )(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ( ق 16ـ ).
ونفس الحال مع الموت . فيأتى إسناد الفعل لله جل وعلا المحيى المُميت : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) ( الزمر 42 ). ويأتى إسنادة للملائكة المختصّة بالبشر : ( حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ )( الأعراف 37 ). ويأتى بنسبة ذلك للملك الموكّل بكل فرد:( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) ( السجدة 11 ).
6 ـ وفى كل الأحوال فهو جل وعلا القاهر فوق عباده والمتحكم فيهم بحتمياته ، والذى يسجل بملائكته كل أعمالهم ويحفظها ، وهو الذى يرسل ملائكة الموت : (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ )( الأنعام 61 ). وهو جل وعلا الحفيظ على كل شىء :( إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ )(هود 57 )(وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ )( سبأ 21) . لذا فهو ( الوكيل ) أى المسيطر، وليس النبى وكيلا عن أحد أو شفيعا لأحد: ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ )( الشورى 6 ) فليس عليه سوى التبليغ للرسالة فقط : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ )( الشورى 48)(قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) ( الأنعام 104 ).
ثانيا : فى يوم الدين يأتى رب العالمين بعد تدمير هذا العالم بسماوته وأرضه وما بينهما
1 ـ بإنتهاء مهلة اليوم الدنيوى يتم تدمير هذا العالم بكل مستوياته وزمنه المتحرك ليأتى عالم جديد خالد بزمن خالد آبد لا ينتهى . وعن تدمير هذه السماوات والأرض وخلق سماوات بديلة مختلفة وبروز الناس للقاء رب العالمين يقول جل وعلا : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً )(21) ابراهيم ). ( يوم الدين ) هو الذى يستطيع تحمل التجلّى الالهى حين يجىء الرحمن والملائكة صفا صفا ، ويتم خلق جهنم الخالدة وخلق الجنة الخالدة، ولم يكن لهما وجود قبل ذلك . يقول جل وعلا عن مجىء رب العزة يوم الدين : ( كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22)الفجر ). ويقول جل وعلا عن خلق الجنة والنار وظهورهما مرة واحدة :( وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى)(36) النازعات)(وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (90) وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91) الشعراء )، ( وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ )(23) الفجر)
2 ـ وردّا مقدما على المشركين الذين ما قدروا الله جل وعلا حق قدره وهم أصحاب الأحاديث الضالة عن شفاعة النبى والبشر يقول رب العزّة يصف هول يوم القيامة ومجيئه جل وعلا متحكّما فى يوم الدين ، وحيث ستشرق الأرض الجديدة الخالدة بنور ربها ويتم الحساب ويؤتى بالنبيين والشهداء : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69)الزمر)
3 ـ وبهذا يتحقق ما أنذر به جل وعلا فى دينه ورسالاته السماوية ، إذا يأتى يوم الدين يوم لقاء الرحمن حيث سيكون المُلك والتحكم التام للواحد القهّار، وحيث لا يوجد للظالمين المشركين شفيع أو صديق حميم، يقول جل وعلا يربط بين رسالاته السماوية ويوم الدين :( رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ )( غافر 15 : 20 )
ثالثا : دور الملائكة يوم الدين
1 ـ تأتى فيه الملائكة مع رب العزة:( وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22)الفجر)،تحتل الملائكة أرجاء السماوات الجديدة والأرض الجديدة ، أو عرش الرحمن الذى تكون فيه السيطرة الكاملة له جل وعلا يوم الحساب، حيث لا حرية للمخلوقات، أو بتعبير رب العزة فى أسلوب مجازى : (وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)الحاقة ). وعن نزول الملائكة يوم القيامة فى العالم الجديد يوم الدين وعن تمام هيمنته جل وعلا يقول رب العزة:( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26) الفرقان ).
2 ـ والملائكة فى يوم الدين نوعان : نوع أدرك يوم الدنيا ، ونوع سيتم خلقه فى يوم الدين لتؤدى وظائف خاصة بيوم الدين ، منهم ملائكة العذاب الغلاظ الشداد الذين سيتم خلقهم مع النار ، تلك النار التى سيكون إشتعالها ذاتيا بأجساد أصحابها المشركين ، لأن وقودها الناس والحجارة ، وهذا ما حذّرنا منه رب العزة فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم ).
3 ـ وبالتالى تختلف وظائف الملائكة يوم الدين عنها فى اليوم السابق ( يوم الدنيا ) . يبرز هنا دور ملائكة النار بالذات ورئيسهم (مالك ) الذى سيناديه أصحاب النار يتمنون الموت:( وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78) الزخرف ). هذه الملائكة تطارد أصحاب النار إذا أرادوا الفرار ، فهم يدورون صعودا وهبوطا مع نار جهنم والسائل المسمى بالحميم ليستمر إشتعالهم بالنار:( هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)الرحمن) ويحاولون الفرار فتقمعهم ملائكة العذاب بمقامع من حديد: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)الحج ) (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)السجدة). فى المقابل هناك ملائكة للترحيب بأهل الجنة:( جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد ).
4 ـ فى يوم الدين يبدأ فزع يعمّ الجميع الخلق فى السماوات والأرض إلا من شاء الله جل وعلا ، ويتعين حشرهم للقاء رب العالمين . ( وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) النمل ) . وينجو من هذا الفزع المؤمنون ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) النمل ) إذ تقوم الملائكة بالتسرية عنهم وطمأنتهم : ( لا يَحْزُنُهُمْ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمْ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103)الانبياء).أما المشركون فيهربون عند الفزع فلا يستطيعون:( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) سبأ ). فهناك ملائكة تنظّم حشرهم فى صفوف وأفواج وهم فى طريقهم لإلقائهم فى جهنم:( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) النمل)( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) فصلت ).
5 ـ وضمن تفصيلات يوم الدين تأتى شفاعة الملائكة التى تحمل عمل من كان صالحا فى الدنيا .
رابعا : شفاعة الملائكة يوم الدين وكتاب العمل
1 ـ والشفاعة مأمور بها الملائكة بعد إذن الرحمن ورضاه :( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) النجم ). وتقوم الملائكة بتسجيل عمل كل فرد ، ويتفرع من كتاب العمل الجماعى والفردى نسخ ، يتم نسخها : (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)( الجاثية 28 : 29 ). ومنها نسخة يتسلمها صاحب العمل ليكون حسيبا على نفسه : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ) ( الاسراء 13 : 14 ). وبهذا يتم لكل منّا فى يوم الحساب معرفة ما قدّم وما أخّر: ( إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ) ( القيامة 12 : 13 )، ويكون كل فرد منا رهينا أو أسيرا بعمله ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) المدثر ) (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) الطور). عندها يرى المجرمون بكل حسرة اعمالهم تُعرض عليهم بالصوت والصورة ( والألوان الطبيعية ) ، يقول جل وعلا عن كتاب الأعمال الجماعى : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )(الكهف 49 ) 2 ـ هذه بعض تفاصيل قرآنية عن تقديم العمل يوم القيامة بعلم الله جل وعلا . فإذا كان العمل صالحا ، فالله جل وعلا يعلمه لأنه الشهيد عليه، لذا يتقدم به الملك الذى يحفظ العمل،بعد إذن الرحمن ورضاه . وهذا هو معنى أن تكون الشفاعة مرتبطة بإذن الرحمن وبعلمه كما جاء فى الآيات السابقة : (مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ )،( وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ )(23) سبأ )،(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)،( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا )( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26) النجم ). أما صاحب العمل السىء فليس مأذونا له فى أن يكون شفيعا لصاحبه.فهناك شفاعة غير نافذة ، وشفاعة نافذة بالإذن والرضى .
3 ـ وبالتالى أيضا تصبح أوهام الشفاعة البشرية لدى المشركين مجرد ذكريات مؤلمة يتذكرونها فى حسرة وهم فى النار ،يسألهم أهل اليمين:( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) المدثر ) فتكون إجابتهم :( قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) المدثر ) ويأتى التعليق :( فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48) المدثر ) ويقول جل وعلا عن ظهور الجحيم مرة واحدة أمامهم : ( وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ) ثم يقال لهم بالسخرية والتقريع والتأنيب أين شفعاؤكم واين من ينصركم وينقذكم ؟( وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ) ثم يتم إلقاؤهم فيها مع أوليائهم من الشياطين ( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ). ويلعن الضعفاء العوام الأولياء الذين كانوا يقدسون قبورهم ويعتبرونهم ( أولياء الله أصحاب المدد والكرامات ). يقول الضعفاء لهم : ( قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) ثم يلتفت أولئك الضعفاء الى الفقهاء وأئمة الضلال وهم معهم فى النار ويقولون لهم : ( وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ). فأولئك الفقهاء و( العلماء ) والدعاء خدعوا البسطاء بأساطير الشفاعة البشرية التى لا وجود لها ، لذا يقول أولئك الضعفاء وهم فى النار : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) ، ويتمنون فرصة أخرى يعودون بها الى الدنيا :(فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ( الشعرهء 90 ـ ). وبينما تتقلب وجوههم فى النار يصرخ اولئك الضعفاء باللعنة على أسيادهم : (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنْ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) الأحزاب ).
خامسا : شفاعة (أو شهادة ) الملائكة تنفيذا لأوامر الله تعالى .
1 ـ كل نفس بشرية يسجل عملها رقيب وعتيد ، ويوم البعث يتحولان الى سائق وشهيد ، احدهما يسوقه والاخر ( يشهد عليه) أو ( يشهد له) على حسب عمله ،فإذا كان عمله صالحا كانت شهادة له او شفاعة له : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ )( ق16-22 ). صاحب العمل السىء يقوم الملكان المكلفان به ( سائق وشهيد ) بتنفيذ أوامر الله جل وعلا بإلقائه فى النار : ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ). ويكون معه قرينه الشيطانى الذى أضلّه فى الدنيا . ويدافع قرينه الشيطانى عن نفسه عن نفسه : ( قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ) ، ويأتى الرد من رب العزة ( قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ). ( ق 23 :ــ )أى لا تبديل للحكم الالهى العادل فمن يصدر عليه الحكم بدخول النار لن يخرج منها ، ولا شفاعة إلا للعمل الصالح طبقا لهذا الحكم الالهى العادل .
2 ـ إن شفاعة الملائكة هى شهادة بالحق طبقا لسجل كتاب الأعمال الحق المسجل لصاحب العمل الصالح فى الدنيا ، وهذا معنى قوله تعالى عن شهادة الملائكة (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) ( الزخرف 80 ) ثم يقول فيما بعد فى نفس السورة عن شفاعة الملائكة (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )( الزخرف 86). فالملائكة التى تحمل العمل هى وحدها التى تشهد بالحق الذى عمله الانسان الصالح وهى التى تعلمه ، ودور الملائكة هنا الزام عليها لابد ان تؤديه لأن الله عهد اليها بذلك ، والعهد فى مفهوم القرآن الكريم هو الامر الواجب التنفيذ (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا )( طه 115) (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ )( يس 60 : 61) لذلك يقول الله تعالى عن الامر الالهى للملائكة بالشفاعة اى تقديم عمل الصالحين (لا يملكون الشفاعة الا من اتخذ عند الرحمن عهدا :مريم 87).
3 ـ والعادة ان كل انسان يأتى فردا (إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا )(مريم 93 : 95) ليجادل عن نفسه (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ )( النحل 111) والشفع هو الذى يؤيد الفرد ، فاذا كان الفرد الواحد صالحا كان عمله الصالح الذى تحمله الملائكة هو شفعه او شفيعه الذى يؤيده وينصره يوم الحساب ، الا ان شفاعة الملائكة لا تأتى الا بعد إذن الرحمن تعالى ورضاه وعلمه بصاحب العمل الصالح ،وهذا معنى الاستثناء فى آيات الشفاعة بالإذن والرضا من الرحمن .
4 ـ ولأن الملائكة مأمورة فى تقديم الشفاعة بأذن الرحمن جل وعلا وتبعا لرضاه فأن الشفاعة لله وحده ( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا )( الزمر 44).وهو جل وعلا الولى الشفيع :( مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ )( السجدة 4)، وهو سبحانه و تعالى وحده الذى لا تملك الملائكة مخالفة اوامره : ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ )(يونس 3 ).
5 ـ فمتى نتذكر ؟
 

اجمالي القراءات 15145