مآسي الاعتقال
الحلقة الثانية من يوميات سجين سياسي في سوريا

محمد مهند مراد ايهم في الخميس ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

في صبيحة يوم الأحد بتاريخ 12 / 10 أكتوبر تشرين الأول / 1980 تم اعتقالي من مدينة بيروت على يد المخابرات السورية قد يتساءل البعض كيف من بيروت وأنت من مدينة حلب السورية وكيف اعتقلتك المخابرات السورية وأنت في بيروت أي في لبنان ما علاقة كل ذلك بما ذكرت ؟؟؟!!!!!

إليكم التفصيل

بعد اعتقال شقيقي محمد حلاق  وزوج أختي محمد عثمان جمال بتهمة الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ( أذكر أنهما قتلا في مجزرة تدمر الكبرى في سجن تدمر العسكري بتاريخ 27 حزيران عام 1980) المهم أنه بعد هذا عانينا من مضايقات الأمن السوري أيما معاناة وتمت مداهمة بيتنا مرارا على يد الأمن السوري وتم سرقة محتويات البيت عدة مرات مما خف حمله وغلا ثمنه بعد هذا سافر والدي والذي كان من رجال الأعمال في سورية وهو صاحب مصانع ومحلات تجارية , ولكن لكثرة المضايقات والتهديد بالاعتقال ذهب إلى السعودية برفقة أخي الذي يكبرني سنا ( فقد كان يخشى عليه من الاعتقال لأنه كان أقربنا للاعتقال تعسفيا ) طبعا معظم المداهمات حصلت بعد سفر والدي ثم سافر أخي الأكبر خارج البلاد وبقيت برفقة والدتي وشقيقتيي اللتين تصغراني بالسن كنت آنذاك في الخامسة عشرة من عمري فوجدت نفسي فجأة مسؤولا  عن أسرة  ,

  لم يطل الأمر كثيرا فقد تمت مداهمة بيتنا يريدون اعتقال شقيقيي المتبقيين وقد كنت وقتها مسافرا إلى المحافظات السورية لتحصيل الديون التي كانت لوالدي في ذمة التجار.

حين سأل الأمن عن شقيقيي وعلم أنهما خارج القطر طلبوا والدتي الإخبار عن مكاني فلم يبق سواي في سورية , أخبرتهم والدتي بأني مسافر لتحصيل ديون والدي فطالبوها بأن تعلمهم وقت وصولي .

المهم بعد وصولي طلبت مني والدتي مغادرة البلد بأي وسيلة خوفا علي من الاعتقال رغم أني لا أعلم شيئا عن سياسة ولا حتى عن دين .

بالفعل سافرت إلى بيروت وذهببت هناك إلى بيت أقاربي وبقيت عندهم مدة لحين تحديد موعد لسفري الى السعودية .

بعد عدة أيام وصلني جواز سفر وتوجهت إلى مطار بيروت للسفر إلى الأردن ومنها إلى السعودية حيث كان والدي يقيم هناك .

في مطار بيروت لم يسمح لي الأمن اللبناني بالسفر بحجة أن وثائقي غير سليمة فعدت أدراجي إلى بيت أقاربي .

وكان ذلك في يوم السبت 11/10/1980

في اليوم التالي أتى الأمن السوري إلى البيت الذي نسكن فيه وتم اعتقالي مع أقاربي من قبل فرع المخابرات الخارجية فرع الرملة البضاء

أثناء مداهمة البيت وجد الأمن بالبيت الذي نسكن فيه شهادة ثانوية تخص أحد المطلوبين في سورية ووجدوا مسدسا من عيار 9 ملم يخص أحد أقاربي .

في فرع الرمل الشمالي أنكر الجميع معرفتهم بالأوراق والمسدس ونسبوها جميعا إلي

المهم أنهم أفرجوا عن أقاربي ( قسم منهم من فرع الرملة البيضاء والباقي من الفرع 293 في دمشق بعد دفع مبالغ طائلة لتبرئتهم ونسبة ما وجد في البيت إلي ) .

بعد هذا تم نقلنا إلى سجن المصنع في الأراضي اللبنانية على الحدود السورية اللبنانية ( السجن يديره الأمن السوري ) ومنه إلى الفرع 293 في مدينة دمشق .

في الفرع 293 (هو فرع المخابرات العسكرية في دمشق )تم التحقيق معي وتعرضت لأشد أنواع التعذيب لإنكاري ما نسب إلي من انتمائي لجماعة الأخوان المسلمين ( بعد أن كنت اعترفت به في لبنان تحت التعذيب والضغط والإرهاب )

التحقيق كان يجري معي بين الحين والآخر, بعد  ذلك لزيادة الضغط علي رموني في زنزانة منفردة  وكان يتم تعذيبي بشكل يومي  بعد منتصف الليل دون تحقيق حيث كانوا يفتحون باب الزنزانة وينهالون علي بالسياط , كدت أفقد عقلي حينها خصوصا حين قطعوا علي النور فلم أعد أرى حتى يدي أمامي

استمر هذا الحال شهرا كاملا وقبل أن يخرجوني من الزنزانة بأسبوع واحد استدعاني معاون رئيس الفرع 293 وعلى ما أذكر كان اسمه (كمال يوسف ) وأخبرني بأنه متأكد من براءتي بيد أن شهادة الشهود أقوى من إنكاري وأخبرني أنه سيتم تحويلي إلى محكمة ( لم يذكر صفة هذه المحكمة ) وأنه يأمل أن تحكم المحكمة ببراءتي .

ذكر فيما ذكر وخلال الحديث أنه كيف يمكن تصديقي وعدد كبير من عائلتي متورطون مع جماعة الأخوان المسلمين .

حقيقة لم أكن أعي  تماما ما يقول ولم أفهم كلامه هذا إلا بعد مدة , كنت آنذاك طفلا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى , لم أكن قد بلغت الحلم , كنت أبكي وقتها بكاء الأطفال , لم أكن أعي لم أعذب ولم يتم التحقيق معي على هذا النحو ,

بعد هذه المقابلة بشهر واحد تم تحويلي إلى سجن تدمر العسكري وأثناء خروجنا من الفرع 293 كانت السياط تنهال علينا من كل حدب وصوب وكان برفقتي آنذاك 16 سجينا .

تم نقلنا في سيارة أشبه ما تكون بقبر مغلقة من كافة الجوانب , حقيقة كدنا نموت خنقا في هذه السيارة وقد دام سفرنا 5 ساعات من دمشق إلى تدمر.

كنت أصغر المسجونين سنا وفي الطريق دافعني البول وكدت أموت من احتباسه وخشيت أن أبول في ثيابي خوفا من العواقب ( في النهاية أخرجت كيسا كنت أضع فيه بعض حاجياتي وبلت فيه ورميته في جانب مخفي من السيارة .

المهم أننا بعد هذا العذاب وصلنا إلى سجن تدمر وهناك كانت المفاجأة القاتلة

للحديث بقية وفيه ( حفلة الاستقبال في سجن تدمر العسكري )


اجمالي القراءات 12076