ملحق (1) مُضاف لكتاب الشورى
علمانية الاسلام ودولته

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٢ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الاشكالية الكبرى أن الدولة الاسلامية الحقيقية تجدها أقرب الى النظم السياسية الغربية التى تتصور الاسلام عدوا لها، وأن الذى يناقض الاسلام ودولته المدنية هو نظم المسلمين السياسية الدينية كما فى السعودية وايران والحركات الساعية للحكم  كالاخوان المسلمين.  لذا لا بد من تحديد المفاهيم أولا ، فنحن نتحدث عن الاسلام وليس عن المسلمين. والاسلام عندنا هو القرآن الكريم فقط ، وليس المصادرالبشرية  المزورة التى نسبها أئمة المسلمين لله تعالى ورسوله محمد باسم الحديث النبوى أو الحديث القدسى . الاسلام ليس له علاقة بالسنة أو النتشيع أو التصوف ، هذه كلها فرق وطوائف انتشرت بين المسلمين ، ونسبت أقوالها بالتزوير لله تعالى ورسوله عبر منامات وأحلام وعنعنات واسنادات لا تصمد للمنهج العلمى.

اذا نحن هنا نتحدث عن الاسلام كما جاء فى القرآن ، ومنهجنا فى فهم القرآن هو المنهج الموضوعى فى فهم أى كتاب بشرى؛ فنحن لا ندخل على القرآن الكريم بأفكار مسبقة نريد اثباتها بالقرآن عن طريق انتقاء ما يوافق هوانا من الآيات ، بل نقرأ كل الآيات المتصلة بالموضوع ونستخلص منها حقائق القرآن ونقبلها سواء اتفقت أو اختلفت مع السائد فى أفكارنا ومعتقداتنا ، بل نضحى بهذه الأفكار انحيازا منا للاسلام والقرآن . كما أننا لا ندخل على القرآن ونفهمه بمصطلحات التراث المختلفة فيما بينها والمختلفة عن مصطلحات القرآن. ان للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة التى يمكن معرفتها بمراجعة تلك المصطلحات خلال سياقها القرآنى. باختصار هذا هو منهجنا فى فهم حقائق الاسلام ، وتناقض تلك الحقائق مع معظم ما يقوله المسلمون.

 وقد درج المسلمون التراثيون على  تكفير العلمانية لمجرد أنها منتج غربى.  وبالرجوع للقرآن الكريم تبين لنا ان للاسلام نوعيته الخاصة من العلمانية ، يمكن أن نسميها العلمانية المؤمنة.

على ان العلمانية الغربية ليست مذهبا واحدا بل هى مذاهب واتجاهات مختلفة ، ولا يزال فيها متسع للاجتهاد والاختلاف والتجديد مع وجود حراك فكرى مستمر فى الغرب الذى يرفع شعار حرية الفكر والمعتقد ، ويمارس من خلالها كل صور النقد والنقاش للثوابت حتى ما كان منها متصلا بالعلمانية أو بالكنيسة.

حسنا . لسنا هنا فى معرض المقارنة بين علمانية الاسلام وعلمانية ـ أو علمانيات ـ  الغرب . انما هدفنا هو توضيح عاجل للعلمانية الاسلامية المؤمنة كما جاءت فى القرآن الكريم . تلك العلمانية الاسلامية الى نزلت وحيا قرآنيا منذ أربعة عشر قرنا فى العصور الوسطى المظلمة ، فى عصور الاستبداد السياسى والدينى والسيطرة الكنسية فى أوربا المسيحية.

أسس العلمانية الاسلامية المؤمنة

1: الانسان هو سيد هذا العالم الدنيوى.

فالله تعالى قد خلق كل هذا العالم للانسان، ليكون ذلك اختبارا لنا فى الحياة الآخرة.( هود :7 ) .

العالم هنا يشمل السماوات والأرض وما بينهما أى الأرض بما فيها من نبات وجماد وحيوان ومن مادة وطاقة. ومابين السماوات والأرض يعنى كل الكون المادى من كواكب ونجوم و مجرات وسدوم، تبلغ المسافات بينها بلايين السنين الضوئية. وفى نفس الوقت فان تلك النجوم والمجرات ليست الا زينة لما لا نعلمه وهو السماوات .( الواقعة  75 ، 76 ) ( الصافات 6 )

خلق الله تعالى كل هذا الكون الحالى المرئى منه وغير المرئى لمجرد اختبار الانسان فى هذه الحياة الدنيا. وحين ينتهى الوقت المعين لهذا العالم ويأتى موعد حساب الانسان ( القيامة ) يقوم الله تعالى بتدمير هذا الكون بالأرض والسماوات وما بينهما، ويخلق الله تعالى بدلا منها أرضا جديدة وسماوات جديدة خالدة لا تفنى بما فيها من جنة للفائزين ونار للخاسرين.( ابراهيم 48 ). كل هذا الكون قد سخره الله تعالى للانسان ( الجاثية 12& 13 ). والتسخير يعنى ان الله تعالى أخضع هذا الكون للانسان ليستغله كيف شاء، وهو مسئول عن ادارته لهذا الكون المسخر له. وموعد المساءلة هو يوم القيامة. وحريةالانسان فى هذا الكون ومسئوليته عما يفعل تعنى "الأمانة "فى مصطلحات القرآن الكريم ( الأحزاب : 72 ) .

 الله جل وعلا جعل هذا الكون مسخرا للإنسان ، ولكن لم يسخّر الانسان لعبادة الخالق جل وعلا ، بل ترك له الحرية فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو العصيان ، ليكون مسئولا عن إختياره بعد تدمير هذا العالم ومجىء العالم الآخر أو اليوم الآخر . وهنا تتحقق علمانية الاسلام بأن يكون (الدين) لله جل وعلا وحده يحكم فيه بين الناس ( يوم الدين ) فيما هم فيه مختلفون ، والناس دائما فى الدين مختلفون ، وبالتحديد هم ( خصوم مختلفون ) يزعم كل منهم أنه على الحق فى رؤيته الدينية ، وفى رؤيته للخلق وللخالق ، وإذن يجب تأجيل الحكم للخالق ليحكم هو وحده بين أولئك الخصوم .

2 ـ لا سيد للانسان الا الله تعالى وحده:

ليس فى الاسلام اله الا الله تعالى وحده، وليست هناك واسطة بين الانسان وربه جل وعلا :( البقرة 186 )  العبادات اتصال مباشر بين الخالق والمخلوق. و" التقوى " هى قمة السلوك البشرى فى الأخلاق والعقيدة ، وهى تعنى خشية الله تعالى وحده ومراعاة أوامره فى السر والعلن، وحسن الصلة به عبر العمل الصالح والايمان الخالص. ولأنه ليست فى الاسلام واسطة بين الله تعالى والناس فانه ليست فى الاسلام مؤسسة دينية أو دولة دينية أو رجل دين أو كنيسة أو كهنوت. فى الاسلام فقط " أولى الذكر" (النحل 43 )  أو "الذين أوتوا العلم " ( المجادلة 11 ). وهو مجال مفتوح لكل انسان أن يتخصص فيه حسب ذكائه واجتهاده وتحصيله العلمى. ثم انه لا يعبر عن الاسلام وانما عن رأيه الخاص الذى يقبل النقاش والأخذ والردّ والرفض والقبول.

3 ـ المساواة بين كل البشر( ذكر وأنثى ، غنى وفقير ، ابيض وأسود ..الخ ) .

 ومعنى أن يكون الانسان عبدا للخالق وحده ان يتساوى البشر جميعا باعتبارهم عباد الله تعالى وحده ، وليست هناك مؤسسات كهنوتية تمثل الله تعالى فى الأرض وتتسلط على الناس باسم الله تعالى ، بل إن عقيدة الاسلام تمنع وجود واسطة بين الناس ورب الناس ،  لذا فقد أكّد الله تعالى على المساواة التامة بين البشر فى النشأة والانتماء، فقد خلق البشر جميعا من أب واحد وأمّ واحدة ، أى هم اخوة ينتمون لنفس الأب ولنفس الأم، وقد جعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا لكى يتقاتلوا ، والتعارف يعنى المعرفة والصداقة ؛ معرفة التنوع البشرى فى الجنس والعنصر واللغة والثقافة واللسان والاستفادة منه فى اثراء الحضارة الانسانية . وهذاالتعارف بمعنى الصداقة لا يكون الا بالاتصال السلمى والعلاقات السلمية. وبعد المساواة بين البشر فى الأصل والانتماء أكّد الله تعالى على أن أفضل البشر عنده ليس بالثروة أوالجاه أو الجمال أو الشباب أو القوة والصحة أو الذكورة أو الأبيض أو الأسود أو الأعلم او الأذكى ، بل الأفضل عند الله تعالى هو الأكثر تقوى لله تعالى ( الحجرات 13 ) والتقوى تتحدّد فى الآخرة يوم الحساب ، وهى تأتى نتيجة عمل الصالحات والايمان الخالص الذى يدفع ابن آدم للتمسك بالقيم الانسانية العليا.

4 ـ  التوازن بين الفرد والمجتمع

العلمانية الشيوعية تسحق الفرد لمصلحة المجموع ، ويتكشف الأمر على أن المجموع ليس سوى القائد الأعلى للحزب الذى احتكر السلطة والثروة والمجتمع. العلمانية الغربية تربى الفرد على أساس الاستقلالية والأنانية وتجعل الفرد هو اللبنة الأولى فى المجتمع وتبالغ فى ذلك الى درجة تفكك الرابطة الأسرية ، حيث أن من حقه البحث عن السعادة حتى لو كانت على حساب شقاء الآخرين  .

 العلمانية الاسلامية تجعل الأسرة هى اللبنة الأولى للمجتمع ولذلك فان التفصيلات القرآنية لم تأت إلا فيما يخص الأسرة حتى تتأسس فى جو صحى ، وحتى ينشأ فى ظلها أفراد أصحّاء. ومع ذلك فإن القرآن الكريم يوازن بين الفرد والمجتمع ، فطبقا للقرآن الكريم فالانسان يولد فردا ويموت فردا ويأتى يوم القيامة للقاء ربه فردا لاينفعه ولا يضره يوم الحساب الا عمله ان كان صالحا أو فاسدا ، وفى كل الأحوال فانه ان عمل صالحا فلنفسه وإن أساء فعلى نفسه ولن ينفع الآخرين يوم القيامة ، كما أنه ليس مسئولا عن أوزار غيره ، فليس له إلا ما سعى أثناء حياته ( 6 / 94 ) ( 19 / 80 ) ( 41 / 46 ) ( 17 / 15 ) ( 35 / 18 ) ( 53 /  39 ـ )

 ولكن هذا الانسان الفرد مطالب فى الاسلام بالعمل الصالح النافع للمجتمع ، وأن يكون متقيا لله تعالى بمعنى أن يكون مخلصا فى عقيدته لله تعالى وأن يكون فاعلا بالخير للناس، إيجابيا كريما رحيما ، وأن يكون آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر ليس بمعنى التسلط ولكن بالنصيحة، وبالتالى لا بد أن يكون هو قدوة للآخرين وإلا كان من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم ( 2 / 44) و كان من الذين يقولون ما لا يفعلون وتلك خطيئة تستوجب مقت الله تعالى ( 61 / 2 ـ3 ). وبالتالى فالفرد مع مسئوليته الشخصية أمام الله تعالى فان من ضمن مسئوليته أن يكون عنصر خير فى المحيط الذى يعيش فيه بدءا من أسرته وزوجته واولاده ووالديه وأقاربه وجيرانه و محيط عمله الى المستوى الأعم الذى يشمل كل المجتمع والانسانية.

5 ـ عدم استغلال الدين فى السياسة والمطامع الدنيوية

المتقون هم أفضل الخلق عند الله تعالى ، ولكن لا يصح للمؤمن أن يصف نفسه بالتقوى ، لأن تزكية النفس بالتقوى معصية لله تعالى ( النجم 32 ).ومعرفة من هو المتقى لن تكون الا لله تعالى يوم القيامة والحساب، حين يساق الذين كفروا الى جهنم زمرا ، ويساق الذين اتقوا الى الجنة زمرا (الزمر71 & 73 ) وحتى يأتى هذا اليوم فلا مجال لأحد أن يزايد على الناس بالتقوى ،أو ان يتظاهر بالتقوى ليخدع الناس متخذا عهدا الله تعالى وسيلة للوصول للتحكم السياسى أوأى متاع دنيوى زائل ( النحل 94 &95 )(آل عمران 77 : 80 ). خصوصا وانه ليس فى الاسلام كهنوت أو مؤسسة دينية او دولة دينية او حزب دينى أو رجال دين.

6 ـ حرية البشر المطلقة فى العقيدة والايمان والكفر

القرآن الكريم كله كتاب فى الهداية ، وحوالى الف آية من آياته تؤكد بطريق مباشر أو غير مباشر حرية الانسان المطلقة فى عقيدته ومسئوليته أمام الله تعالى فقط يوم الدين على ما اختاره من عقيدة وسلوك. ويلفت النظر تركيز آيات القرآن على العذاب ونعيم الجنة تأسيسا على تقرير مسئولية الانسان بعد اعطائه الحرية الكاملة فى الرفض والقبول. ليست فى الاسلام عقوبة جنائية فيما يخص حقوق الله تعالى، وهى الايمان به وحده وتقديسه وحده وعبادته وحده. انما العقوبة فقط فيما يخص حقوق البشر والمجتمع، فمثلا فان من انتهك حقوق الآخر فانه يعاقب عما ارتكبه . الا انه اذا سب الله تعالى فليست عليه مؤاخذة عقابية فى الدنيا ، ويكفى ما سيصير اليه حاله فى الآخرة اذا لم يتب.

6 ـ الدولة الاسلامية دولة علمانية:

 لأنها دولة الديمقراطية المباشرة التى تقوم على رعاية حقوق الانسان والموازنة بين الحرية والعدل ، والموازنة بين الفردية والتفاعل مع المجتمع، وتكفل للمواطن حقوق المواطنة بالعدل المطلق بغض النظر عن عقيدته ودينه. هى دولة الدين لله والوطن للجميع : بمعنى حرية التدين المطلقة بدون تدخل من أحد ليكون كل فرد مسئولا عن اختياره أمام الله تعالى وحده يوم الدين ، وحتى لا يجد حجة بالاضطهاد أو مصادرة الحرية. وهى دولة الوطن فيها للجميع على حد سواء وفق عدل الله تعالى المطلق.وهى دولةيكون(الآخر) فيها ليس المختلف فى الجنس أو العقيدة أو المذهب أو اللغة أو الفقير، بل (الآخر ) فيها هو المجرم الارهابى الخارج عن القانون الى أن يتوب ويعطى حق المجتمع.وهى دولة لا تكره ولا تمقت ذلك ( الآخر) المجرم المعتدى ، وانما تسعى لاصلاحه وتهذيبه، تكره فعله واجرامه دون أن تبغضه هو. بل ان عملها على اصلاحه يعنى حرصا عليه وحبا فيه باعتباره انسانا قبل كل شىء, ولذلك فانها تعطيه فرصة أخرى ليتوب . وبالتوبة ترتفع عنه العقوبة. وكل العقوبات فى الشريعة الاسلامية تسقط بالتوبة أمام عين المجتمع .

6 ـ الشريعة الاسلامية شريعة علمانية توازن بين الفرد والمجتمع

الوطن فيها هو المواطن الفرد، واذا صودرت حقوق المواطن الانسانية والثقافية والدينية ولم يستطع المقاومة تحتم عليه الهجرة الى بلد آخر اذا استطاع.( النساء 97 ـ )

الفرد فيها هو الملك المتوج فالانسان يولد فردا، ويتم تكليفه بمسئوليته الفردية ، فلا تزر وازرة وزر أخرى ، ومن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها ، ومن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضل فانما يضل على نفسه. الفردية الشخصية هى مدار الهداية والضلال على اساس الحرية المطلقة فى الاختيار.

وفى نفس الوقت فان الفردية ترتبط بالتفاعل الايجابى بالمجتمع وفق فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهى وظيفة مفروضة على الجميع من رجال ونساء وليست مرتبطة بطائفة واحدة أو طبقة معينة أو مجالا للتوظيف . وفى نفس الوقت لا تعنى الاكراه والاجبار والتدخل الرسمى فى حياة الآخرين ، بل هى هى مجرد نصح قولى وتوجيه يقوله كل شخص للآخر اذا وجده مستحقا للنصح والارشاد. والمعروف هو كل القيم العليا المتفق عليها ، والمنكر هو كل الشرور والرذائل المنهى عنها.(آل عمران ـ 104 ) (الشعراء 215 : 216 )( سورة العصر). وفى نفس الوقت فان الحرية فى الشريعة الاسلامية تسمح بوجود حرية مطلقة للجماعات التى تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف ( التوبة: 68 & 71 ).

7 ـ الشريعة الاسلامية العلمانية تعطى المجال الأكبر للتشريع البشرى .

تشريعات القرآن الكريم محدودة لا تتجاوز مائتى آية، بكل التفصيلات والتكرار فى أوامرها وقواعدها ومقاصدها. تفصيلاتها تحتكم الى العرف أو المعروف فى التطبيق . وتأتى أحيانا قواعد عامة بدون تفصيلات تحتكم للعرف فى وضع تفصيلات قانونية ومذكرات تفسيرية للتطبيق. وفى جميع الأحوال فان القيم العليا هى الغاية التشريعية أو المقصد التشريعى لتفصيلات التشريع القرآنى وقواعده. وكل قانون يراعى القيم العليا فهو قانون اسلامى فى أى زمان ومكان لأن غاية التشريع الاسلامى ومقاصده هى التيسير والتخفيف ورفع الحرج وحفظ حقوق العباد أو حقوق الانسان.

8 ـ الشريعة الاسلامية العلمانية مجالها محدود فى الزام الفرد وفى عقابه.

لأن تطبيق الشريعة الاسلامية تقوم به الدولة الاسلامية ذات الحكم الديمقراطى المباشرفان الأفراد هم الذين يحكمون أنفسهم بأنفسهم ، وما يسمى بالحاكم ليس سوى خادم للمجتمع بعقد معين ، وهو مسئول أمام المجتمع الذى يملك عزله ومحاكمته ومكافأته. ومن هنا فان الفرد شريك فى السلطة وفيما يصدر عنها من تشريعات ، وهو أولى الناس بالالتزام بما يشارك فى اصداره من قوانين تحمى حقوق الأفراد وتحفظ حق المجتمع. ومع ذلك فان الدولة لا سلطة لها فى علاقة المواطن بربه فيما يخص العبادات والعقائد ، وليس لها سلطة الالزام فى شىء سوى الجانب العقابى الذى يحفظ حقوق الفرد فى الحياة وفى السمعة والعرض والمال والكرامة. وحتى فى الجانب العقابى فان العقوبات  ـ أو الحدود ـ تسقط بالتوبة التى تعنى الاعتراف بالذنب والتعهد بالكف عنه ، ورد الحقوق لأصحابها. ( البقرة 178 ) ( المائدة 33: 34& 38: 39 ) ( النور 2: 5 ) ( الفرقان 70 : 71 )

9 ـ الايمان باليوم الاخر هو الفارق الأساسى بين العلمانية الاسلامية والعلمانية الغربية

فى كل الجوانب الأخلاقية والتشريعية المأمور بها الفرد المسلم فإن خلفها الايمان باليوم الآخر الذى سيكون فيه الانسان مسئولا ومحاسبا أمام الله تعالى. وهذا هو معنى التقوى الذى يجعل المسلم ـ الحق ـ يخشى الله قبل أن يخشى الناس ، ويجعله يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه ربه ، ويجعله حتى فى سريرته قبل علانيته يتحسب لما يفعل . وبهذه العقيدة الحية فى اليوم الآخر الذى لا مكان فيه لشفاعة بشر فان تطبيق الشريعة الاسلامية الحقة يخضع أولا وأخيرا لضمير المسلم المؤمن لأنه حريص على رضى الله تعالى ويخشى إغضابه جل وعلا. وبينما تؤمن العلمانية الغربية بالضبطية القضائية ويكون فيها المتهم بريئا الى أن تثبت إدانته فان المسلم الذى يتقى ربه ويعمل لليوم الآخر يهتم بضبط نفسه وكبح جماحها فى السر والعلن. ناهيك عن دول المسلمين الاستبدادية حيث يكون فيها البرىء متهما الى أن تثبت بالتلفيق إدانته.

وبعد

هذا هو الاسلام القرآنى العلمانى ! .

وقد طبّقه خاتم النبيين محمد عليه وعليهم السلام. وكان تطبيقه مخالفا للسائد فى العصور الوسطى. ولذلك مالبث أن عاد منطق العصور الوسطى وطغى على هذه الدولة الاسلامية العلمانية وأقام مكانها نظم حكم ديكتاتورية ثيوقراطية على النسق السائد فى أوربا وقتها وأنسى مبادءها القرآنية فى طوفان أكاذيب التراث والأحاديث والسند والعنعنة والخلافات الفقهية والكلامية الفلسفية. ثم صحت أوربا والغرب وأعتمدت العلمانية والديمقراطية بعد كفاح دموى امتد بضع قرون،

 كانت مصر على وشك اللحاق بهذا التطور الغربى مبتعدة عن ثقافة العبيد للعصور الوسطى ، وكادت أن تنجح لولا ظهور الدولة السعودية ببترولها و بوهابيتها التى استعادت أردأ ما فى العصور الوسطى من فكر وثقافة، ونشرتها فى مصر والعالم العربى والمسلم على أنها هى الاسلام. ووقفت موقفا معاديا للغرب وثقافته معتبرة أنه "غزو فكرى" ، مع أن الفكر السلفى الوهابى الرجعى الدموى هو الذى يغزو الغرب والمساجد الاسلامية فيه، ويسعى لتحويل الأقليات المسلمة فيه الى طالبان غربية أسوة بطالبان الأفغانية.

 وقد نجحوا فى ذلك بسبب عوامل مختلفة محلية وأقليمية ودولية، وبهم أصبح الاسلام متهما بالتطرف والارهاب.

وأصبح مثيرا للدهشة أن نكتشف الآن ـ بعد خمسة عشر قرنا من الزمان ـ أن الشورى الاسلامية هى الديمقراطية المباشرة وأن الاسلام دين علمانى.!!

اجمالي القراءات 15919