معجزة اختيار اللفظ في القرآن:مدخل لعلم قرآنى جديد:( الجزء السادس )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٠ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

خامس عشر :

( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ ) (  فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )

لو كان الوارث سفيها لا يُحسن التصرف فى التركة ، يقول جل وعلا فى شأنه يخاطب المجتمع فى الحجر عليه مع رعايته والانفاق عليه :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) ثم يقول جل وعلا عن تعيين وصى على اليتيم  الوارث : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (6) ( النساء ).

ما هو وجه الاعجاز فى (( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ )( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ )؟

1 ـ نبدأ بالتوقف مع قوله جل وعلا (  وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ) وهو يؤكد أن الثروة هى ملك للمجتمع . وهذا ما غفل عنه أئمة الشرع السّنى ، وكل ما ركزوا عليه هو التعامل مع اليتيم الوارث إذا كان سفيها، وحينئذ يحكم بالحجر عليه.. وهو ما يزال معمولا به حتي الآن في القانون . ولم يفهم فقهاء العصور الوسطي الحكم الشرعي السياسي  في الآية ، وحتى لو فهم بعضهم فلم يكن ليجرؤ علي التصريح  بهذا، حيث كانوا يعيشون في ظل خليفة يعتقد أنه يملك الأرض ومن عليها، وأنه يمتلك ثروة المجتمع يمنح منها ويمنع . وهذا ما تطفح به سيرة الخلفاء الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين ، تلك السيرة غير العطرة التي تداعب أحلام الدعاة لإقامة الدولة الدينية في عصرنا البائس.

إن الآية الكريمة تؤكد في صراحة أن الشعب هو الذي يملك ثروته ، وقد فوض الله الشعب ـ أو الأمةـ القيام على تلك الثروة ورعايتها ، وللفرد حق تملك هذه الثروة بالوراثة إذا أحسن القيام على تنمية الثروة ،  فإذا كان سفيها لا يحسن القيام على ثروته التي ورثها فإن المجتمع هو الذي يحجر عليه ويستثمر هذه الثروة لصالحه في مقابل أن يعطيه كفايته من ريع هذه الثروة.

والمعني السياسي للآية أن الشعب هو الحارس علي ثروته وموارده التي خول الله له القيام عليها وتنميتها ، ومن واجب هذا الشعب ألا يسمح لحاكم بأن يسيء استغلال هذه الثروة حسب هواه ومطامعه، فإذا كان ممنوعا علي الفرد أن يسيء استغلال ما ورثه  أو أن يكون سفيها في إنفاقها وإدارتها، فمن الأولي يكون ممنوعا علي فرد واحد أن ينفرد باستغلال ثروة الأمة أو أن يتصرف فيها في سفاهة.. عندها يكون هذا المجتمع قد خالف أمر الله تعالي حين أعطي السفهاء أموال الأمة التي أوكلها الله لذلك المجتمع.

وتجارب التاريخ تثبت أن الظلم في ممارسة السلطة واحتكار الثروة يؤدي إلي اشتعال الثورة وسفك الدماء، والأمثلة كثيرة من قتل عثمان إلي ثورات الخوارج والزنج والقرامطة إلي ثورات العصر الحديث في الثورات الفرنسية والشيوعية والانتفاضات الشعبية العربية من أجل الخبز.

وتأمل حال المسلمين فى السعودية وليبيا القذافى وعراق صدام وعرب الخليج وغيرهم من الشعوب التى تسلّم ثروتها للسفهاء ، وفى النهاية ضاعت مئات البلايين التى هربها القذافى ومبارك و بن على ، وأضاع صدام البلايين فى حروب عبثية دمّر بها بلده وبلادا أخرى ، وستضيع أيضا بلايين آل سعود وغيرهم . والآن يدفع هؤلاء السفهاء أموال شعوبهم للغرب ليشتروا بها اسلحة يقومون بتخزينها لتصدأ ، وحين يتم إستعمالها تكون للقتال فيما بينهم فقط !.. هل هناك سفاهة أكثر من هذا ؟ وهل يقع اللوم على الحاكم المستبد السفيه وحده أم على الشعب الخانع للسفيه ، والذى يرى الحاكم المتغطرس يركع للغرب يكتنز فى بنوك الغرب الثروة التى ينهبها ، ويضع مصيره فى يد أسياده فى الغرب ، ويستجدى منه البقاء فوق ظهر الشعب ؟ ألا يستحق هذا الشعب الخانع كل ما يجرى له ؟ .

ومن هنا لابد من الرجوع إلي المبدأ الأصلي فى الشريعة الاسلامية القرآنية الحقيقية فى الدولة الاسلامية الحقيقية بشعبها القوى الذى لا يركع ولا يخضع إلا لله جل وعلا وحده. وهذا المبدأ الأصلى المقصود هنا معمول به فى الغرب ، وهو ملكية الأمة لثروتها وقيام البرلمان بالحفاظ على هذه الموارد ومحاسبة الحكومة علي إدارتها علي أساس العدل والنزاهة والشفافية والمحاسبة ، بحيث يحاسب ممثلو الشعب المسئولين ، وينال كل مجتهد نصيبه في سعيه لتنمية ثروته بالجهد وبالعرق الشريف ، وينال كل عاجز حقه من الرعاية ، وأن يتم التوازن بين العدل والحرية بعيدا عن أحلام الطامعين في استرجاع حكم الخلفاء الجائرين .

2 ـ أما وجه الإعجاز فى الايتين فيتضح فى قوله جل وعلا : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ ) ،( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ). فالثروة التى يرثها السفيه هى ملك للمجتمع ، قال عنها جل وعلا (أَمْوَالَكُمْ  ) طالما لا يُحسن القيام عليها وتنميتها ، ويجب على المجتمع أن يقوم برعايتها وتنميتها:(الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً ). أما إذا تبيّن بإختبار اليتيم حين يبلغ الرشد أنه يُحسن التصرف فى ميراثه ، حينئذ يكون المال ماله : ( فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ).

سادس عشر :

(وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ) ، ( فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ  )

قلنا إنّه لو كان الوارث سفيها لا يُحسن التصرف فى التركة ، يقول جل وعلا فى شأنه يخاطب المجتمع فى الحجر عليه مع رعايته والانفاق عليه :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) النساء ) . قال جل وعلا : (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا )، ونقارن هذا بقوله جل وعلا فى نفس السورة : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8). ، حيث قال جل وعلا : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ  )، وهذا عند حضور الأقارب من غير الورثة واليتامى والمساكين توزيع التركة ، والأمر بإعطائهم رزقا منها.  

فماهو الاعجاز فى إختيار اللفظ هنا ؟

1ـ ونرجع للآيتين :( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (5) ( النساء )، (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8) ( النساء )، لنرى ما بينهما من إتفاق وإختلاف :

يلاحظ هنا إتفاق الآيتين فى أن الموضوع يخص التصرف فى التركة أو الميراث ، وفى إعطاء الوارث السفيه/ والأقارب غير الورثة واليتامى والمساكين قدرا من الميراث ، وأن يقال له / ولهم قولا معروفا .

أمّا الاختلاف فهو مفهوم ضمنيا فى حضور للوارث السفيه ، وأنه حتى لو لم يحضر فإن الحكم يصدر بحقه فى الانفاق عليه ورعايته وكسوته مع أن يقال له قول معروف . أما الآخرون من غير الورثة  فالحكم لهم معلق ومقيد بحضورهم توزيع التركة فقط : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ  ) فإن لم يحضروا فلا شىء لهم .

الاختلاف الصريح فى قوله جل وعلا عن السفهاء الورثة : (وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ) وقوله جل وعلا عن أولى القربى واليتامى والمساكين من غير الورثة : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ). فى حالة السفهاء الورثة يكون رزقهم ( فى ) الميراث ، أى فى ريع التركة ، أى يستمر حصولهم على الريع مع الكسوة والرعاية ، بأن يقوم الوصى باستغلال وتنمية التركة لصالح الوريث السفيه ، ويأخذ السفيه رزقا من هذا الريع وكسوة وليس من أصل التركة . وهنا يأتى العطف بالواو : ( وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ ) . أما فى حالة الذين يحضرون القسمة فهم يأخذون ( من الميراث ) أى من ( أصل الميراث ) وقت توزيعه شيئا ، ويتم هذا مرة واحدة ، وبسرعة ، لذا جاء إستعمال ( الفاء ) : (  فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) .

 سابع عشر

( وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94) التوبة )

( وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) التوبة )

فى الايتين الكريمتين إتفاق وأختلاف فى الكلمات ، يمكن ان نلاحظه بسهوله . ولكن السياق يوضح إختلاف المعنى وروعة الإعجاز فى إختيار اللفظ هنا .

ألاية رقم 94 من سورة التوبة جاءت فى سياق حديث طويل عن المنافقين الذين رفضوا الخروج مع النبى والمؤمنين فى موقعة ذات العُسرة وتعللوا بأعذار شتى ، فى نفس الوقت الذى حرص فيه الضعاف والفقراء على التطوع بالخروج ، وفى نفس الوقت الذى سارع فيه القادرون من المؤمنين على الخروج مع النبى والجهاد معه بأنفسهم وأموالهم . وهذا هو ما تخبرنا به الآيات التالية : ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنْ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ (92) )

بعدها يقول جل وعلا عن الأغنياء المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج مع إستطاعتهم ، ثم بعدها جاءوا يعتذرون : ( إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (94) )

أى إن الحديث هنا فى إطار التانيب لهم وعدم قبول إعتذارهم وعدم الايمان لهم ( أى عدم الثقة بهم ) ، وقد أنزل الله جل وعلا الوحى فاخبر بما قالوه وعملوه ، وهذه إشارة الى  قوله جل وعلا : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  )، وبالتالى فليعملوا ما شاءوا ، وسيرى الله جل وعلا ورسوله عملهم ، ثم سيكون مآلهم الى الله جل وعلا يوم القيامة فينبئهم بحقيقة أعمالهم .  لم يقل هنا جل وعلا : ( وسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) لأن الآية بعدها أمرت المؤمنين بالإعراض عنهم إحتقارا : ( سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)التوبة ). ولم يقل لهم جل وعلا ( إعملوا ) إحتقارا لشأنهم ، فهم الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا مع الخوالف من النساء والعجائز والأطفال ، وهذا عار على من يتثاقل من  القادرين عن القتال والجهاد الدفاعى .

أما الآية 105 من نفس السورة ، فقد جاء فيها كلمة ( إعملوا ) وكلمة ( المؤمنون ) الذين سيرون العمل : (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) التوبة ). لماذا ؟ لأنها تتحدث عن مؤمنين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، وجاءوا للنبى عليه السلام يعترفون بذنوبهم تائبين ، فكان المطلوب منهم (عمل الصالحات ) ومنها التبرع بالصدقة تطهيرا وتزكية حتى يصلى عليهم النبى يطلب الرحمة لهم تأكيدا لتوبتهم ، والله جل وعلا هو الذى يقبل الصدقات وهو جل وعلا الذى يقبل التوبة وهو الغفور الرحيم ، لذا جاء الأمر لهم بأن يعملوا العمل الصالح ليراه الله جل وعلا ورسوله وإخوانهم المؤمنون ، ثم يوم القيامة سينبئهم الله جل وعلا بما كانوا يعملون . نقرأ الآيات فى سياقها الخاص : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104) وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) التوبة ).

ودائما : صدق الله العظيم .!! 

اجمالي القراءات 11019