رسالة مفتوحة إلى السيسي!

محمد عبد المجيد في الخميس ٢٥ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

رسالة مفتوحة إلى السيسي!

السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع،
الفروسية ليست نياشين تتراقص فوق الصدر، أو نجوماً تنام مستريحة فوق الكتفين، أو رتبة عسكرية يرتعش لسماعها كل من في الثكنة، لكنها مواقف تتراكم كلها ليفتخر بعدها الوطن بأ...ن الفارس صناعة وطنية، وأنه لا يعرف أنصاف الحلول إذا تعلق الأمر بأمن وسلامة ومستقبل وحرية واستقلالية مسقط الرأس.
أعترف لكَ بترددي الشديد في تأييدك رغم أنني كتبت مرات كثيرة أحرّض البطل القادم على أن يُطل علينا بعد غياب دام طويلا، فالمشهد كان كئيبا، وقاتماً، وكارثياً ينتقل من يــدٍ تسرق الوطنَ ثلاثين عاماً رغم أن اللص بطل الضربة الجوية، إلى يده اليمنى.. المشير الذي اشترك معه في جرائمه لأكثر من عقدين ثم حاول طوال عام ونصف العام اخفاء معالم كل الجرائم، وأضاف إليها ماسبيرو وكشوف العذرية وانتهاك حرمة فتيات مصر والتعذيب في المعتقلات وشهادة الزور في محاكمة سيده السابق، وقام بعد ذلك بتسليم السلطة إلى جماعة ارهابية بثمن بخس ليعتلي عرشَ أمِّ الدنيا نماذجٌ من البشر زعمتْ أنها تحمل رسالة من السماء، فإذا هي أدعية الشيطان، وأهينت أعرق دولة في المنطقة بوصول أكثر الجماعات تخلفاً إلى الحُكم.
من يصل إلى السُلطة تتبعه جماعات تأكل فتات طعامه، وترقص له، وتطبــِّـل لكلماته، وتعمل( عجين الفلاحة) ثم تبدأ الركوع له، فالسجود، فالعبودية المختارة تحت أسماء مختلفة، وأخيرا تظن أنها صاحبة قضية، وطنية أو دينية أو قومية، فتدافع عنها بالروح والدم وهي لا تدري كنهها وماهيتها وأصولها وجذورها.
عام كامل، سيدي الفريق أول وزير الدفاع، ومصر تفتح ذراعيها لقوى الارهاب، وتهريب الأسلحة، وتمكين المجرمين من وثائق الدولة وأسرارها ومعاهداتها، فجعلت حدودها مع حماس وليبيا وسيناء تهديداً لكل مصري يفكر في عكس أوهام الحالمين بخرافة الخلافة.
ثم تحولتْ مصر إلى مأوى للخارجين عن القانون، والمسجــَــلين خطراً، والهاربين من السجون والمعتقلات بمساعدة أفشل رئيس حــَــكــَــم مصر منذ بــُــناة الأهرام، ولم يعد المصري آمنا على نفسه وأهله في البيت أو خارجه.
نحن كنا أمام عصابة من القتلة تكره الوطنية والعــَــلــَــم المصري والنشيد وتعتبر الدين، بمفهومها الأقرب إلىَ البغض، سابقاً للوطن، وأن الوطن طــُـزٌّ كبيرة يلوكها لسان مرشدهم، وأن قيمة الجندي المصري تساوي قطعة قماش يتكفن فيها قبل أن يوَدّعه أهله، وتدعو عليه الجماعات الدينية لأنه يخدم الدولة الكافرة.
لست مُتسرعاً في أن أنحني أمام البطل، فالبطولة إذا مدحتها لا أتراجع بعد وقت قصير أو طويل، وشروطي عصيــّــة على فهم العسكر، فأنا أطالب بحبل مشنقة حول رقاب مبارك وزوجته وابنيهما، وحبل أغلظ حول عــُـنق المشير، وحبل مغروزة فيه مسامير وهذا محجوز لمرسي وعاكف وبديع وصفوت حجازي ووجدي غنيم وأبي اسلام والبلتاجي والعريان والكتاتني و .. كل من اعتبر روح الجندي المصري أرخص من حبة تراب في سيناء.
ستجد يوم الجمعة عشرات الملايين، ربما ضــِــعف عدد الذين خرجوا في 30 يونيو، وسيندهش العالم برُمته من قدرة جنرال مصري، هاديء الطبع، خفيض الصوت، مُريح في قسمات وجهه، يلجأ لأول مرة في التاريخ إلى الشعب لتفويضه، وهي أذكى رسالة مُوجهة لأمريكا والغرب ومنظمات حقوق الإنسان والمنظمات الدولية التي ستلطم وجوهها الناعمة حسرة على اختفاء جماعة ارهابية كانت تتحدث بلسان عربي، وقلب عبري، وعقل أجوف، ومشاعر مزيفة لا تعرفها تعاليم السماء ولم يأت بها الرسل والأنبياء.
استبقتَ بذكاءٍ لم نعهده من العسكر منذ وصول مبارك إلى الحُكم بكاء البيت الأبيض على الديمقراطية في مصر وذلك بدعوتك شعبك للخروج، رغم أن قناة ( الجزيرة) بتصوير محترفين ستجعل أربعين مليونا من المصريين في الشوارع والميادين كأنهم عشرة آلاف أو أقل!
شرعيتك، السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسي، تبدأ من استتباب الأمن، وتتثبت عندما يأمن جندي مصري على نفسه وهو يسير بمفرده في منتصف ليلٍ غير قمري على مقرُبة من جبل( الحلال)!
شرعيتك تتمصر عندما تــُــنهي إلى غير رجعة أقل تواجد مسلح مع أصغر عضو في جماعة دينية، حتى لو كانت مطواة قرن غزال وضعها تحت لحيته.
شرعيتك أمام العالم في عشرات الملايين الذين سيستجيبون لكَ، وأما في عيون المصريين فهي، أي الشرعية، جيش قوي ووطني ومستقل، ومصانع أسلحة، وهيمنة مصرية على كامل تراب الوطن، والغاء أي اتفاق ظالم كنا نبيع بموجبه غازنا وبترولنا ثم نعيد شراءه بخمسة أضعاف سعر البيع.
شرعيتك تتحقق عندما تختفي من المشهد المصري كل الوجوه التي عملت مع المخلوع الأول، ومع المشير، ثم مع المخلوع الثاني.
سنهتف لك بغض النظر عن تسميته انقلابا عسكريا أو شعبياً، فالشرعية مصدرها العدل، لذا فإن صندوق الانتخاب في مصرنا الحبيبة هو الشقيق التوأم لإبليس، وهو القادر على أن يعيد انتاج مبارك وطنطاوي ومرسي في صور جديدة لامعة يظن من يراها أنها صناعة وطنية، فإذا بها انتاج استعماري.
ويبقى الختم الأخير وبدونه لا أعترف بأي زعيم ولو زعم أنه موحــَـىَ إليه، إنه القصاص للشهداء الشباب ومفقوئي العيون.
السيد الفريق عبد الفتاح السيسي،
توكل على الله، واشهق شهقة من أنفاس شعبٍ يدعمك، وخذ حذرك من غضبة المصريين على العسكر إذا خذلتهم فتجاربنا لأكثر من ثلاثة عقود تساوي بين قسوة صاحب اليونيفورم وغباء الداخل في الجلباب، وازفر زفرة من رئتي فارس شجاع لن يتسلم وسام الفروسية قبل أن تختفي من سماء مصر وترابها كل آثار مبارك والمشير ومرسي، فثلاثتهم وجوه مختلفة لدراكيولا واحد.
لو خضتَ بنا صحراء سيناء ومسحت وجه الحياة فيها، بعد اخراج الآمنين والضعفاء والنساء والأطفال، فستنبض قلوبنا بشرعيتك في حياتك و.. بعد رحيلك.
والآن هل تسمح لي بتأجيل تهنئتي إياك حتى عيد الأعياد .. استقلال مصر من قوىَ التطرف والتزمت، وحينئذ ستسمع مني ما لا أتراجع عنه من تأييد وتعاطف ودعم وولاء.
أما الآن فأنت في حاجة إلى يوم الجمعة، وأربعين مليونا من المؤيدين في شوارع وميادين مصرنا الحبيبة، ودعاء يصل إلى سدرة المنتهى بأن يحفظك الله.
أخشى التهنئة المبكرة فابتسامة الجنرال بريئة في أولها، صارمة في منتصفها، طنطاوية في نهايتها.
وأحذية العسكر تضرب الأرض في أولها، وتضرب المثل في منتصفها، وتضرب المواطن في نهايتها.
قلبي معك، وعقلي متردد، وتجاربي مع العسكر في حيرة بين الاثنين!
أستريح لكَ، حتى الآن، وأخاف من أن أحب حباً جماً، فأسنان الجنرال تتأنيب، وأظافره تتبرثن، وأجنحته تتقرّوَن، وطيبته تذوب على بساط القصر مع سلطة مطلقة.
أدعو اللهَ أنْ ينصرك في معركة مصر ضد قوى الارهاب المتستر بالدين، وحينئذ سيهتف باسمك تسعون مليوناً تسمعهم الكرة الأرضية والكواكب السيارة.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 25 يوليو 2013
اجمالي القراءات 9876