ثبات المعنى في السياق القراني

أبو مراد اليمني في الأربعاء ١٠ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

هناك نظريتين عند تناول تفسير القران الكريم من خلال لفظه العربي المبين.

الأولى: تقتضي بأن المعنى يختلف حسب السياق في الآية حتى لو كانت الكلمة هي نفس الكلمة.

مثال على ذلك: كلمة فتى في قوله تعالى: "سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم" يقال هنا بأن فتى فئة عمرية وهو الشاب الصغير.

وفي قوله تعالى: "مما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات" فتيات هنا يتم تفسيرها على أنها الجواري المملوكة.

وبسبب هذا الاختيار فإن المجال للاختلاف كبير جدا في تحديد المعنى.

النظرية الثانية: تقضي هذه النظرية بأن الوصف واحد للكلمة لا يتغير بتغير السياق القراني في الآيات. ويتم استنباط الموصوف فقط من خلال السياق القراني أما الصفة فثابتة. وهذا يعني أن الكلمات ذات الجذر الواحد لا تختلف في الوصف أبدا إلا ما اقتضاه اختلاف تفعيلتها.

ما معنى هذا الكلام. سأقوم بضرب أمثلة حتى يتبين للقارئ مقصدي.

المثال الأول: كلمة يتدبر في قوله تعالى: "أفلا يتدبرون القران" .. الشائع أن معنى الكلمة هنا هو التفكر .. لكن إن قمنا باستخراج جذر الكلمة نجد أنه د ب ر وهو مشترك مع الدبر في قوله تعالى:"واتبع ادبارهم" و قوله:"ومن يولهم يومئذ دبره".

إذا يدل الجذر في معظم الآيات على مؤخرة الشيء وهذا يعني أن أفلا يتدبرون هي بمعنى أفلا يتبعون فالتدبر أقرب إلى التتبع وليس إلى التفكر وإن كان التأمل الفكري هو نوع من التتبع وكذلك التطبيق العملي.

المثال الثاني:

معنى كلمة انشزوا الشائع في معناها الخروج.. ولكن إن قمنا بمقارنة الجذر في جميع الكلمات في الايات الأربع التالية:

1-      "وانظر الى العظام كيف ننشزها"

2-      "واللاتي تخافون نشوزهن"

3-      "وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا"

4-      "وإذا قيل انشزوا فانشزوا"

فإنه وبمقارنة الآيات الأربع لوصول إلى صفة الجذر الموحدة لـ ن ش ز فإن الذي يجمع بين العظام والزوج والزوجة و المجالس هو التصلب والثبات وليس الخروج (لأن الإعراض في الآية الثالثة يدل على الابتعاد) والأقرب هو أن التصلب أو الثبات هو المشترك للصفة وهذا يعني أن النشوز عكس الفسح بالضبط.

يعني يكون مراد الآية الرابعة أنه إذا قيل لكم اثبتوا مكانكم فاثبتوا والإشارة بعدها "يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" تعني أن هؤلاء لا ينبغي مزاحمتهم في المجالس ويجب أن يقال لهم اثبتوا في أماكنكم.

وهذا يعني أن القران الكريم في غنى عن قواميس العرب وقادر على تمييز كلماته بالمقارنة بين الآيات.

مثال ءاخر:

كلمة "بغي" هل تدل على الزنا؟؟ عند توحيد الصفة بين الآيات القرآنية التي تأخذ نفس الجذر فإن الصفة تدل على التجاوز. وليس بالضرورة أن يكون الزنا. فيكون معنى "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء" ليس بالضرورة الزنا ولكن التجاوز وقد يدل على أن زواج الفتيات بالإكراه بغاء.

مثال ءاخر: وهذه المرة من القاموس القرءاني في هذا الموقع.

كلمة وضع :

بالمقارنة بين الآيات فإن الصفة الموحدة في جميع الايات التي وردت فيها كلمة "وضع" ومشتقاتها فإن معنى كلمة وضع أقرب للإنفصال. فيكون معنى: "والأرض وضعها للأنام" أي فصلها في إشارة إلى قوله تعالى: "كانتا رتقا ففتقناهما" . وأيضا "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا" تعني تم فصله وتخصيصه عن باقي الأرض كأول بيت. وفي قوله: "رب إني وضعتها أنثى" يعني فصلتها عني. وفي قوله : "أكواب موضوعة" أي مفصولة عن بعضها. وهكذا.

ستظهر الكثير من التساؤلات والكلمات التي يعتقد البعض أنها لا تمت بصلة لبعضها رغم أنها كلمات واحدة ولكن بالتأمل الكبير والتحليل للتوصل إلى صفة الجذر المكتملة سيكون هناك فرق كبير.

اتبع الخطوات التالية للتوصل إلى الوصف الموحد للكلمات ذات الجذر الواحد:

1-      قم بالبحث عن جميع الآيات التي تحتوي على الجذر ومشتقاته.

2-      قم بالتفكير في معنى الكلمة الواحد بحيث تحدد وصفا واحدا للكلمة لا يتعارض مع أي من الآيات الكريمة المشتركة في الاشتقاق.

3-      لا تنسى أن هناك فروقات متعلقة بالتفعيلات فمثلا: يكتسب تفرق قليلا عن يكتسب.

وعند التبني لهذه النظرية  فإنه سيكون مهم جدا إعادة النظر فيما يسمى الصرف والاشتقاق على أساس من القران الكريم وسنتوصل إلى أبواب جديدة بهذا الخصوص تجعل علم البيان في القران مختلف تماما عما عهدناه من كلام العرب.

ويحتاج إثبات هذه النظرية أو نقضها إلى تعاون كبير من قبل الجادين الدارسين لطرق استنباط القران الكريم على أسس منطقي وعقلاني يختلف عن الطرق التقليدية المستندة إلى لسان العرب أكثر منها إلى القران الكريم.

اجمالي القراءات 21119