القتل والقتال فى سبيل الشيطان

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٥ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة  :

جاءنى هذا السؤال المركّب عن : الإختلاف المذهبي والعقائي والطائفي هل يبيح القتل أم لا ؟ ومن المسؤل عن العنف المذهبي والطآئفي الموجود الأن ؟ هل هي الدولة أم المرجعيات الدينية ؟ آلا تقول الآية الكريمة : ( لكم ودينكم ولي ديني ) بما يعني أن كل حر في شأنه والله المحاسب؟ ألا  يلعب الإعلام في بعض الأحيان دورا تحريضيا على ذلك؟ أم آنه الحصاد الذي يحصد من خلال ما تم تدريسه لنا ؟ آين الخلل ؟ هل هو في المدرسة  أم المسجد أم الإعلام أم الدولة ؟ وما دور الدولة في ذلك ؟ ألا يجب على الدولة توفير الحماية للمواطنين  وعدم التطرق لديانتهم ؟هل يضعف أم يؤثر فى هيبة الدولة ؟ ألا يعطي هذا  انطباعا خاطئا عن الاسلام ؟ . وأعطى الاجابة عامة فيما يلى  :

 أولا : هناك نوعان من القتل والقتال الإجرامى  :

1 ـ هناك قاتل ( علمانى )  مجرم عادى يقتل الآخر بسبب دنيوى محض ، وبلا تبرير دينى وبدون أن يتمسح بالدين  . هذا مصيره السجن ، وجريمته لها عقاب قانونى . وهناك مستبد يندفع الى الهجوم على دول أخرى يقتل الآلاف بل والملايين من شعبه والشعوب الأخرى كما فعل هتلر وهولاكو وصدام والقذافى وستالين ..ولكن هذا المستبد العاتى لا يرفع لواء الدين ، بل شعارات أخرى دنيوية تسقط بالتقادم .

2 ـ جريمة القاتل العلمانى القاتل لفرد وأفراد ، وجريمة المستبد العلمانى القاتل لشعب وشعوب لا تُقارن بجريمة القاتل ( الدينى ) الذى يقتل الأفراد تحت زعم أنه جهادا فى سبيل الله ، وهو فى الحقيقة قتال وقتل فى سبيل الشيطان .

3 ـ هذا القاتل الدينى فى سبيل الشيطان هو هيئة معقدة ، تبدأ بكهنوت دينى يزعم كذبا الحديث باسم الله جل وعلا ، وأنه الممثل لله جل وعلا على الأرض ، ويُصدرالفتاوى بالقتل للأفراد والجماعات والأمم . وهذا الكهنوت إما أن يكون دولة دينية بنفسه  أو أن  يكون كهنوتا تابعا يحتمى بدولة مستبدة ، يؤيد بفتاويه  للمستبد  قتل المعارضين والهجوم الحربى على الشعوب الأخرى . وأسفل قمة الهيئة الكهنوتية من المستبد وكهنته نصل الى أدوات القتل ، أى ينتهى هذا القاتل الدينى بأفراد ( إرهابيين ) ينفذون جرائم القتل وهم يهتفون ( الله أكبر ) وبجيوش للمستبد الدينى تقاتل معتدية على شعوب أخرى وهى تعتف ( الله أكبر ).!

4 ـ هذا القاتل الدينى هو الذى يتحكم فى الاعلام وفى التعليم وفى المساجد ، بما يجعله قادرا على صياغة العقول لتقتنع بأكاذيبه على أنها هى الاسلام وما عداها كفر ، وأن من عداهم هم كفرة يستحقون القتل ، وأن القتلة المجرمين والارهابيين هم مجاهدون مصيرهم جنات النعيم والتمتع بالحور العين .

ثانيا : الفارق بين نوعى القتل ( العلمانى والدينى ) 

1 ـ القاتل العلمانى الفرد يمكن أن يتوب لأنه يعرف أنه يرتكب جريمة . أما الارهابى الذى يقتل الناس عشوائيا فلا يمكن ان يتوب لأنه يعتقد أنه ( يجاهد فى سبيل الله ) و أن ( الجهاد ) الذى يفعله بتفجير نفسه سيُثاب عليه بالحور العين ، وأن ( الجهاد ) هذا هو ( ذروة الأمر وسنامه ) .

2 ـ المستبد العلمانى الذى يهاجم الدول الأخرى فاتحا غازيا بلا شعارات دينية ينتهى الى زوال ، إذ تسقط شعاراته الدنيوية بالتقادم . رفع هتلر شعار النازية وتفوق الجنس الآرى ، وانتهى هذا الشعاروأصبح جريمة فى موطنه الأصلى . رفع ستالين شعار الشيوعية وهو يقتل عشرات الملايين من الشعوب الخاضعة للاتحاد السوفيتى، وانتهت الشيوعية وسقط الاتحاد السوفيتى . رفع عبد الناصر وصدام والقذافى شعار القومية العربية ، وباسمها تم قتل الملايين فى الداخل والخارج وانتهت القومية العربية .

 أما القتل الذى لا يزال مستمرا فهو القتل الدينى المستند الى شعارات دينية . ومنه على سبيل المثال ذلك الصراع المسلح بين السنة والشيعة ، بدأ من مذبحة كربلاء ولا يزال مستمرا ، وسيظل مستمرا طالما ظل الكهنوت السّنى والكهنوت الشيعى يتحكمان فى الدول وأنظمة الحكم . وفى موقعنا كتاب ( حد الردة ) الذى صدر عام 1993 ، وفيه تدبّر قوله جل وعلا (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )(32) ( المائدة )، وقلنا أنها تعنى ليس مجرد القتل لنفس واحدة ولكن تعنى الافتاء بقتل النفس البريئة خارج القصاص الشرعى ، فالذى يفتى بالقتل خارج القصاص تظل فتواه تحرّض على القتل باسم الدين ، أى تكون فتواه قنلا للناس جميعا وفسادا فى الأرض  ، والذى يواجه هذه الفتوى يبرىء دين الله منها إنما ينقذ الناس جميعا .

ثالثا : فى مواجهة هذا الوباء القاتل

1 ـ هذا الوباء القاتل يصل الى وضع الأمة والشعب على حافة حرب أهلية ، وهذا ما نراه الان .

2 ـ هذه الحرب الأهلية أو ( الاهلاك ) حذرنا منها فى موقعنا ( اهل القرآن ) فى كتاب منشور عن ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) . وهذه الحرب الأهلية قد تنتهى بسقوط النظام الذى يتورط فيها . وقد يرثه نظام آخر مستبد أو نظام ديمقراكى حقوقى علمانى إصلاحى . يتوقف هذا على حيوية الشعب ، أو ( ما سيتبقّى من الشعب ).

3 ـ يبدأ العلاج باصلاح تشريعى يزيل كل القيود التى تعوق حرية الفكر وحرية الدين ، والتى تؤكد عدم تدخل الدولة فى حريات الأفراد والجماعات فى حريتهم الدينية والفكرية ، بحيث يُباح للجميع وعلى قدم المساواة حرية التفكير وحرية التكفير وحرية التبشير وحرية الجدل ، ويتاح للناس إعتناق ما يشاءون بلا إكراه فى الدين ، سواء فى العقيدة أو العبادة أو الدعوة ، مع التأكيد على أن الهداية مسئولية شخصية ( كما جاء فى القرآن الكريم ) وأن مسئولية الدولة ليس إدخال الناس الجنة ولكن خدمة الأفراد وحمايتهم وتوفير مناخ الحرية والعدل لهم على قاعدة المساواة المطلقة .هذا مع التأكيد بتجريم التكفير الذى يصاحبه تحريض على القتل باسم الدين، وأن هذا التحريض بالقتل يجعل قائله شريكا فى أى جريمة قتل تحدث بعدا ، حتى تكون حرية التكفير وحرية التفكير لارساء مبدأ ( لا إكراه فى الدين ) ، وأن تقترن باحترام حرية الآخرين فيما يختارون لأنفسهم من عقائد ومذاهب وأديان .  بعد هذا الاصلاح التشريعى ( الدستورى والقانونى ) يأتى اصلاح التعليم الرسمى بأن يتيح المعرفة ويُعلّم الطالب النقاش والبحث وليس التلقين ، وأن تكون مادة التربية  الدينية لتعليم الأخلاق والمثُل العليا وثقافة السلام والتسامح والمواطنة ، بلا دخول فى العقائد والمسائل الخلافية . وطبعا هذا يحتاج الى تأسيس دولة علمانية حقوقية ديمقراطية ، وهذا ما لا يسمح به أى نظام مستبد .فالاستبداد العلمانى يحتاج الى كهنوت دينى يجعل الناس قطيعا يركبه المستبد . أما الاستبداد الدينى السياسى فهو أنكى وأضل سبيلا . ويتمتع العرب والمسلمون بنوعى الاستبداد باعتباهم شرّ أمة أُخرجت للناس .. ومصر الآن على وشك الخروج من هذا النفق الظلم ..ونرجو لها أن تخرج منه بأقل قدر ممكن من الخسائر ، حتى تحذو حذوها بقية الشعوب العربية والمسلمة . وهذا يستلزم إصلاحا تشريعيا بعد خلع الرئيس الاخوانى محمد مرسى . المؤسف إن أعوان مرسى من الاخوان يقتلون المصريين جهادا فى سبيل الشيطان .!

4 ـ ومع وجود هذا المناخ الفكرى المفتوح ، فسينجح فيه أهل القرآن الذين يواجهون بالقرآن ومن داخل  الاسلام كل دُعاة الاقتتال الطائفى وأئمة الارهاب . وفى هذا المناخ المفتوح ستسقط  خرافات وإفتراءات أئمة الاقتتال الطائفى والارهاب باسم الدين لأنهم يعتمدون على السلطة الحاكمة المستبدة فى البقاء . لا يستطيعون المواجهة الفكرية الدينية إلا بسلطة الحاكم المستبد وبقوانينه التى تعوق حرية الفكر والتى تقيهم من النقاش .

5 ـ وواضح إن تحقيق هذا يستلزم أن تنجح ثورات الربيع العربى فى الوطن العربى ، وأن تنجو من محاولات إختطافها وتحويلها الى إقتتال طائفى . لذا قإن المتاح الآن هو استغلال الانترنت فى التنوير الدينى الذى يواجه هذا الظلام . وهذا ما يقوم به موقعنا( أهل القرآن ) . تبقى مسئولية الأحرارمن العرب والمسلمين فى أن ينشروا ما نقول و يطلبون الرد علينا . 

اجمالي القراءات 11981