حوار لم يتم نشره فى إحدى الصحف الخليجية

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٥ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة : بعثوا لى بأسئلة الحوار ، فقمت بالاجابة عليها فورا. فطلبوا أن أسمح لهم بالحذف حتى يمكن نشر الحوار فوافقت . ولكن مرّ الوقت بلا نشر . ولأنه حوار سياسى وفيه أسئلة عن الوضع المصرى المتفجر حاليا فكان لا بد من الاسراع فى النشر . لذا أبادر الآن بنشر الحوار كاملا .. وهذا من حقى طبعا .

المحور الرئيسي: الثورة المصرية ومستقبل مصر.

أولا : يعبر الكثير من المصريين عن إحباطهم لانحراف مسار الثورة المختطفة التي أدخلت مصر في نفق مظلم، وحادت عن شعار الثورة "الحرية.. العدالة.. الكرامة الانسانية"، بعد أن حل الاستبداد الديني محل الاستبداد السياسي، ليحل شتاء مصر القارس، فهل ذهبت أحلام الربيع مع الريح؟ أم تتوقع أن تؤتى ثمارها بعد حين بثورة ثقافية فكرية؟

وتقول أن الثورة المصرية "نجحت في إسقاط مبارك، ولكن المجلس العسكرى سارع باستلام السلطة وخدع الثوار، لينفرد مرسى وعشيرته بكل السلطات".. ليغدو الصراع اليوم ضد تمكين الاخوان صراع وجود يقوم على "المعادلة الصفرية، إمّا مصر وإمّا الاخوان" على حد وصفك.. كيف تكون المعادلة صفرية؟ وما هي توقعاتك لمستقبل مصر في حال تمكنت"الديمقراطية"الاستقوائية الانقضاضية التي تفصل الدستور حسب المقاسالسلطوي،وتطبق سياسة الغلبة والاستحواذ لا المواءمة والمشاركة؟

الاجابة :

مصر تجتاز فترة مخاض عسير ، وتتوقف النتيجة على مدى صمود القوى الحية المصرية وتكاتفها لانقاذ مصر من الضياع أو الوقوع فى حرب أهلية . وفى مؤتمر صحفى عقدناه فى واشنطن وقت آخر إجتماع بين مبارك واوباما تحدثت عن إحتمال حرب أهلية فى مصر ، لو ظلت بلا إصلاح ، وحمّلتُ أوباما المسئولية لأنه حنث بوعده فى مساندة التيار الديمقراطى فى مصر . ألان تقترب مصر ممّا حذرت منه .

كان لا بد من إعطاء الاخوان والسلفيون فرصة السيطرة لإظهارهم على حقيقتهم ، وهذا مع ضرورته فهو لعبة خطرة . فمصر بعد تدميرها خلال 30 عاما من حكم مبارك أصبحت جسدا مريضا يحتاج الى كونسلتو من الأطباء لعلاجه ، ولقد قام مبارك خلال ثلاثين عاما بتجريف الوعى المصرى ومنح الوهابيين من اخوان والسلفيين السيطرة على العقل المصرى ، بما يجعل العلاج ضروريا و صعبا فى نفس الوقت . ومن العبث أن يتصدى للعلاج الاخوان والسلفيون ، وهم مرضى أو هم من أسباب المرض . لذا فحتمى فشل الاخوان . وبفشلهم سيرجعون الى متحف التاريخ الماضى الذى قدموا منه . ولكنهم واتباعهم لن يتخلوا عن الحكم بسهولة . وبالتالى ففشلهم الحتمى لا يعنى إنصياعهم الطوعى للتنازل عن السلطة . كما أن النخبة السياسية الحالية تجمع بين الفساد والخمول والتردد ، بعد أن أفقر مبارك مصر من مبدعيها ، ولم يعط الفرصة للمعارضة الحقيقية الواعية الرشيدة . القوى الحية التى يتركز عليها الأمل هى فى الشباب الذى قام بالثورة المصرية ، ودفع الثمن بعدها سجنا وتعذيبا وملاحقة بوليسية من المجلس العسكرى والاخوان . صمودهم هو الكفيل بإنقاذ مصر من الاخوان والعسكر والنخبة السياسية الفاسدة الخاملة المرتعشة المترددة .

بعد سقوط وزوال المجلس العسكرى فالعسكر الموجود الآن من صناعة مبارك لأنه لم يكن متاحا لآى ضابط الترقى إلا بعد التأكد من موالاته لمبارك ومشاركته فى الفساد . إصلاح مصر يستلزم ايضا اصلاح الجيش المصرى ، وتحديد دور العسكرية المصرية ، وإخضاعها للحكم المدنى كما يحدث فى الدول الديمقراطية . وليس هذا سهلا ، ولكنه حتمى . وجود الاخوان حتى الآن هو بسبب صفقة بينهم وبين العسكر . ولقد أخذ العسكر الغنائم التى يريدونها مقابل السكوت على قيام الاخوان بتلفيق الدستور والتلاعب بالقانون . وهذا الصراع ممكن أن يحسمه الشباب إذا تماسك ، وصمد ووقفت معه واحد على عشرة من الأغلبية الصامتة . 

ولو نجح الشباب فى ثورتهم القادمة واسقطوا الاخوان والسلفيين وسائر التنظيمات المتطرفة ما ظهر منها وما بطن فإن بداية الاصلاح تكون بتنقية القانون المصرى من كل القيود التى تكبل حرية الفكر والدين والعمل السياسى وإعتماد دستوريؤسّس دولة ديمقراطية حقوقية مرجعيتها المواثيق الدولية لحقوق الانسان ، والتى هى فى نظرى كمفكر اسلامى أقرب الكتابات البشرية للشريعة الاسلامية القرآنية الحقيقية .

ثانيا : أين أحفاد الطهطاوي ومحمد عبده وطه حسين وغيرهم من رواد النهضة؟ تلك الأجيال التي انتصرت لقيم الحرية في ثورة 1919 بشعارها "الدين لله والوطن للجميع"، أين أبناء هذه الأجيال وكيف تبدلت ثقافة المجتمع؟

الاجابة :

1 ـ مصر كانت ـ ولا تزال ـ رائدة التنوير . بدأ محمد على باشا بالنهضة عسكريا وصناعيا وتعليميا ، ومالبث أن إمتدت النهضة الى تثبيت ملامح من الديمقراطية فكان فى مصر أول مجلس نيابى فى عهد الخديوى اسماعيل ، وامتد شعاع النهضة لينير جنبات الفكر الدينى ، فظهر الامام محمد عبده . ولكن تلميذه رشيد رضا ما لبث أن صار عميلا لعبد العزيز آل سعود ، ومهندس إقامة الجمعيات السلفية بمصر ، وكان منها مؤخرا ( الاخوان المسلمون ). وقد أوضحت هذا فى بحث منشور بموقعنا (اهل القرآن ) عن شجرة الاخوان المسلمين التى زرعها عبد العزيز آل سعود فى مصر . وأدت الظروف المصرية والاقليمية والدولية الى انتشار الوهابية وتنظيماتها السياسية والدعوية فى مصر وخارجها . فكان أن ظهر التيار القرآنى يبنى على ما أسسه الامام محمد عبده ، ويقيم صرح الفكر الاسلامى الاصلاحى الذى يواجه الوهابية وغيرها من داخل الاسلام ، ويبرّىء الاسلام من دعاوى الارهاب والتطرف والتزمت والتخلف التى ألصقها به الوهابيون .

2 ـ ونجح أهل القرآن برغم ضعف إمكاناتهم فى إحداث تغيير نوعى فى تفكير المسلمين ، ليس فقط فى أن تشجع المترددون على مناقشة المسكوت عنه ، وليس فقط فى إنفضاض كثيرين عن معتقداتهم الوهابية ، ولكن بعض أساطين الفكر السّنى  نفسه بدأ فى تغيير الخطاب ليواجه المتغيرات الجديدة التى أحدثناها ، لأنه بعد ظهور أهل القرآن لم يعد المثقف المسلم العادى  يتقبل بسهولة ما كان يتقبله من قبل بلا مناقشة . قبل ظهور أهل القرآن ، كان أقصى ما تصل اليه المناقشات هو عن حديث الذبابة أو حديث اليهودى الذى سحر النبى فى ( صحيح البخارى ) دون مساس بالبخارى نفسه . الآن تجاوزالنقاش هذا ، إنتهى خلال النخبة تقديس البخارى ، ووصل التساؤل والنقد الى هل هناك (سُنة ) أصلا أم لا ، وهل تتفق الشريعة السّنية وأقوال أئمتها مع الاسلام أم تتناقض معه ، وهل يصح تقديس الصحابة الكبار أم لا ، وهل تتفق الفتوحات (الاسلامية ) مع الاسلام أم لا ، وهل بها يكون كبار الصحابة مع الاسلام أم ضد الاسلام .!!. نقلة هائلة فى التفكير ، نحن الذين قمنا بها .

3 ـ  وعجز خصومنا عن الردّ علينا إلا بالاضطهاد الذى ساعدنا أكثر وأكثر ، فالفكر القرآنى الان أصبح منتشرا فى ربوع العالم بالعربية والانجليزية والفرنسية والايطالية والفارسية والأوردية ، والمركز العالمى للقرآن الكريم والذى أتشرف برئاسته فى أمريكا يقود هذا التيار القرآنى على مستوى العالم . وهناك مراكز أخرى وتجمعات قرآنية أخرى سارت على الطريق بعد أن قمنا بتمهيده وتعبيده وإزالة الألغام ليصبح سهلا ميسرا لمن يلحق بنا . كل هذا نجحنا فيه ، وأصبح لدينا عشرات الألوف من المثقفين القرآنيين فى ربوع العالم ، معظمهم فقراء ، لأنه لا تجتمع الثروة مع التبحر الثقافى والاستقلال الفكرى فى بلاد المسلمين . ونحن لا نملك سوى موقعنا ( اهل القرآن ) بالعربية والانجليزية ، وهناك موقع جديد لآهل القرآن ظهر حديثا بالايطالية ، ويريد كثيرون تأسيس مواقع بلغات أخرى ، ونتمنى أن تكون لنا قناة فضائية تنويرية ، ونتمنى أن تكون هناك شركة إنتاج درانى تنتج أعمالنا الدرامية فى تاريخ المسلمين ، ونتمنى أن تتعاون معنا أى قناة فضائية فى انتاج برامج على منوال برنامجنا ( فضح السلفية ) المنشور فى موقعنا وعلى اليوتوب . كل هذه أمنيات تنتظر الامكانات التى نفتقر اليها . ولكن لو تحقق جزء منها فسننقذ العرب والمسلمين من شرور قادمة .

ثالثا : هل تعتقد أن الاخوان خطر حقيقى يتجاوز مصر ؟

الاجابة  :

1 ـ عانى مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز من المزايدة عليه من قبل ( الآخوان النجدييين ) الذين أنشأهم عبد العزيز آل سعود على الوهابية وجعلهم جنوده الأشداء ، تحت قيادة فيصل الدويش وابن بجاد وابن حثلين ، وهم الذين أسسوا له مُلكه ، وهم الذين هاجموا الكويت وعاثوا فيها فسادا . ثم إنقلبوا علي ( ابن سعود ) لأعتقادهم أن مصدرية السلطة هى فى الوهابية نفسها وليست من الأسرة السعودية . وبعد جدل سياسى وفقهى بدأ من عام 1925 ومؤتمرات صلح فاشلة ، حاربهم عبد العزيز آل سعود وقضى عليهم فى معركة السبلة ( 1929 : 1930 ) . ومنذ بداية متاعبه معهم اسّس عبد العزيز آل سعود جمعياته السلفية فى مصر ليجعل مصر عمقا له وليس خطرا عليه ، وأسّس فى مصر جماعة الاخوان المسلمين بديلا مسبقا للإخوان النجديين ، وحظر علي الاخوان المسلمين ( المصريين ) العمل داخل مملكته ، وشجعهم على الانتشار فى مصر وخارجها ما عدا المملكة السعودية  .

2 ـ وأدت الظروف المحلية فى مصر الى أن يقود الاخوان حركة الاحتجاج المصرية قبل ثورة 1952 متفوقين بذلك على الحركات الشيوعية مثل ( حدتو ) والتنظيمات المصرية الشوفونية العنصرية مثل  ( مصر الفتاة ). ونجح حسن البنا فى إنشاء 50 الف شعبة فى العمران المصرى ، وفى انشاء التنظيم العالمى للاخوان المسلمين بقيادة الأخضر الورتيلانى الجزائرى ، الذى نجح بدوره فى قيام ثورة الميثاق باليمن وقتل أمامها الذى كان خصما لدودا للسعوديين ، كما نجح حسن البنا فى انشاء الجهاز السرى الذى إغتال النقراشى وماهر رئيسى الوزراء والقاضى الخازندار وحكمدار البوليس فى القاهرة ، مما أدى فى النهاية الى الصدام بين الاخوان والنظام المصرى وإغتيال حسن البنا  وحلّ الجماعة. ولكن الاخوان كانوا قد نجحوا فى التسلل الى الضباط الأحرار ، وكان معظمهم منتميا للاخوان من عبد الناصر اعبد الحكيم عامر وأمين والسادات وكمال الدين حسين ..ماعدا قلة منهم خالد محيى الدين . ونجح الانقلاب العسكرى فى يولية 1952 ، وكان الاخوان هم الظهير الشعبى للضباط الأحرار ، وأرادوا ليس فقط المشاركة فى الحكم ولكن السيطرة ، فأوقع بهم عبد الناصر ، ففرّ معظمهم الى السعودية فاضطرت لايوائهم والاستعانة بهم فى اجهزتها التعليمية والدعوية .

3 ـ ولأن الاخوان المسلمين منذ أن تأسس تنظيمهم على يد ( حسن البنا عام 1928 ، وهم متخصصون فى الخداع والمكر والغدر بمن يتحالف معهم حتى لو كان مثلهم مؤمنا بالوهابية فقد تآمروا على السعودية نفسها . لم تسلم السعودية من غدر الاخوان المسلمين ، فهم سبب وأساس المعارضة الوهابية التى قامت بها اللجنة الشرعية بزعامة المسعرى والفقيه بعد حرب الخايج ، والتى تمخضت فى النهاية عن ظهور بن لادن والقاعدة . السعودية إستضافت الاخوان بعد أن عصف بهم عبد الناصر ، واثناء إقامتهم فى السعودية أحيوا فيها أن مصدرية السلطة ليست من آل سعود ولكن من الفكر الوهابى نفسه ، وبالتالى يكون من حق المخلصين للفكر الوهابى الاستيلاء على السلطة دون الأسرة السعودية . وبهذا تشجع المثقفون الوهابيون داخل المملكة على المعارضة والنقد ومناقشة ( ولى الأمر ) والخروج على المبدأ السعودى القائل ( الشيوخ أبخص ) أى أن البيت السعودى والملك هو الأدرى ، هو وحده مصدر الأمر والنهى .

4 ـ وبالتالى فالاخوان هم خطر ماحق على اى دولة خليجية لاعتقادهم أنهم الأحق بالسلطة الثروة من حكام تلك الدول . وإذا كانوا كذلك مع الذين يتفقون معهم فى التوجه الوهابى السلفى فكيف بغيرهم ؟

رابعا :منذ ربع قرن وأنت تنتقد استبداد نظام مبارك وتحالفه مع قوى الاسلام السياسي؟ وعانيت من النظام القديم وقمعه لحرية التعبير والفكر، ومن جماعات الاسلام السياسي التي حاربتك (والتي كررت بعد سنوات ما كنت تردده محذرا منهم )؟ فهل كانت لك تجارب مشابهة بعد الثورة؟ وما هو حال المفكرين الاصلاحيين النهضويين؟

1 ـ لا أوافق على وصفهم بالاسلام السياسى . هم ليسوا إسلاميين بل هم وهابيون حنابلة سنيون . نحن الاسلاميون وليسوا هم . نحن الذين نقوم بتبرئة الاسلام من ارهابهم وطغيانهم واستغلالهم الاسلام العظيم مطية للوصول للحكم وحطام الدنيا ، نحن الذين نؤكد أن الاسلام هو دين القيم العليا من الحرية والديمقراطية المباشرة والعدل والقسط والتسامح والرحمة وحقوق الانسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية، وهم الذين ينتهكون هذه الحقوق باسم الاسلام ، وهو منهم برىء . نحن المتمسكون بالسّنة الحقيقية لخاتم المرسلين والذى أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين ( الأنبياء 107 ) وهم الذين جعلوا سنة رسول الله أرهابا للعالمين .!

2 ـ وحين سيطروا على الشارع المصرى أصبح الآن  أسوأ حالا بالنسبة لأهل القرآن والمصلحين الاسلاميين . ولكن دعوتنا السلمية الاصلاحية تصل الى أعماق مصر برغم أنوفهم عن طريق الانترنت . وفى النهاية سننتصر بعون الله جل وعلا، لأن الزمن فى صالحنا ، ولأننا منذ ظهورنا ونحن ننتصر برغم السجون واالتعذيب والمطاردات . بل إن الاضطهاد هو دليل ضعفهم ، وهو الذى يشجع على انتصارنا . ثم إن ظهورهم السياسى والاعلامى هو الذى فضحهم أمام الشعب المصرى والعالم كله ، وأصبح المثقفون المتابعون يعترفون بأننا كنا على حق عندما حذرنا منهم ومن عقلياتهم وتراثهم .

خامسا : وسط مزايدات الجماعات الاسلامية حول القضايا الفقهية والسياسية والمعيشية، كيف ترى الخلاف بين تلك الجماعات المختلفة؟ هل سيقبلون بحكم من يختلف عنهم فقهيا؟ وما هو حال الأقليات والأقباط وسط هذه المزايدات؟ وما هو مصير المعابد والكنائس والمؤسسات المدنية والقضاء المدني والتعليم؟

الاجابة

1 ـ العادة فى حكم التيار الدينى أن يصل منهم أولا للحكم هو من ينافق الناس ويزعم الاعتدال ، ولكن سرعان ما تبدا المزايدة عليه من المتشددين فى الداخل ، وينتهى الاختلاف بالنزاع وبالشقاق والصراع الذى يتحول الى تكفير ودماء .

2 ـ المزايدة تكون حول التعامل مع المرأة والعلمانيين والغرب وأمريكا واسرائيل ، ولكن تتركز المزايدة حول حقوق الأقليات الدينية والمذهبية. الذى يزعم الاعتدال يؤجل الصدام مع الأقليات الى حين يتمكن من زمام الأمور . المتشددون المزايدون يجدونها فرصة لإحراج الحاكم الدينى المنافق المعتدل .

3 ـ وتدفعهم المزايدة الى ارتكاب عمليات ارهابية ضد الأقليات لإحراج الحاكم الدينى المعتدل . وهكذا فالصراع الداخلى بين أجنحة التيار الدينى يدفع ثمنها الأقليات إن عاجلا أو آجلا .

4 ـ وعموما فالخلافات الدينية بينهم لا تعرف غالبا الحلول الوسط لأن كل فريق يتمسك بتفسيراته وتأويلاته للنصوص ، ويريد فرضها على الآخر.

سادسا : تمر هذا الاسبوع ذكرى اغتيال صديقك شهيد الكلمة د. فرج فودة، الذي تكالبت عليه الجماعات الاسلامية، وقد دافع "الشيخ" الغزالي أثناء المحاكمة عن القاتل الذي لم يرتكب جريمة بنظره سوى "إفتئاته على السلطة"، كما تم إطلاق سراح قاتله بعد الثورة؟ ما هو تقييمك لهذا الأمر، وما هو تفسيرك له؟

الاجابة

1 ـ خسر التيار العلمانى فى مصر والوطن العربى فرج فودة ، الذى كان عبقرية لا تتكرر . كان سابقا لعصره ، بدليل أن كلماته تنطق عن حال عصرنا بعد أكثر من عشرين عاما من إغتياله ، مما يؤسف له أنه لم يظهر على الساحة الثقافية والسياسية فى مصر والمنطقة من يصل الى رُبع قامة فرج فودة . لذا كان إغتياله أكبر مكسب للاخوان والسلفيين الوهابيين ، ولذا كوفىء قاتله بالافراج عنه .

2 ـ واعتقد أن إغتيال فرج فودة كان بضوء أخضر أو بمشاركة من نظام حسنى مبارك للأسباب التالية :كان مبارك يحقد على كل صاحب إبداع فى أى مجال ويخشى مقدما من أى مثقف أو سياسى يحظى بالشهرة ويتكون حوله تيار ثقافى أو سياسى ، وهذا ما حدث لفرج فودة . الذى ظهر نجما صاعدا فى حزب الوفد ، ثم تركه وبدأ يتحرر من التبعية للوفد ورجعيته واستكانته لمبارك ، وركّز فرج فودة على مواجهة الوهابية فأضاف سببا آخر لأن يبغضه مبارك  لأن مبارك كان يحتاج الفكر السلفى ويدعّمه  لتثبيت حكمه . مبارك كان يحتاج ايضا الى وجود الاخوان ليخيف بهم أمريكا والعلمانيين والأقباط ، ولهذا أضطهد أهل القرأن لأنهم الخطر الأكبر على الاخوان والسلفية . القشة التى قصمت ظهر البعير وأدت الى السماح أو المشاركة فى إغتيال فرج فودة أنه قبيل إغتيال فرج فودة تردد إسمه بقوة فى الاعلام الغربى ، وأعتبروه الزعيم العلمانى المنتظر والبديل لمبارك والذى يحظى باحترام الغرب . ولهذا تقاعس الأمن فى حماية فرج فودة ، بل جعلوا الحراسة التى خصصوها له تتفنّن فى مضايقته والتجسس عليه ، فحقّق غرضهم بأن طلب هو منهم رفع هذه الحراسة عنه ، فأصبح بلا حراسة بينما تلاحقه الاتصالات التليفونية بالقتل . وعندما إغتالوه بكل سهولة أمام مكتبه تقاعس الأمن المنتشر فى المنطقة فى ملاحقة المجرمين ، وأفلت واحد منهم ، ومع العلم بشخصيته فقد سافر خارج مصر عدة مرات ، ثم عاد وشارك فى محاولة إغتيال نجيب محفوظ . وفى المحاكمة كان يبدو واثقا من نفسه يتوعد نجيب محفوظ بمعاودة الكرّة . أى كان واثقا من الافراج عنه . ولم يصل التحقيق مع المتهمين بإغتيال فرج فودة الى معرفة المشاركين فى الاعداد وفى التحريض . ثم كانت محاكمة المجرمين مأساة أتضح بها أنها محاكمة للضحية وتكفير له ، ودعاية للوهابية و( حدّ الردة ) وتشويه سمعة فرج فودة . بل أقول طبقا لما وصل الى من معلومات وقتها ، أنه كان ممكنا إنقاذ فرج فودة وهو تحت الجراحة بعد الطلقات التى اصابته ، ولكن هذا لم يتم ، لأن الرغبة كانت فى التخلص منه . وستكشف الأيام القادمة عن المزيد من جرائم مبارك والاخوان والسلفيين .

3 ـ قبيل إغتيال فرج فودة كنت أنا وهو على وشك تأسيس حزب المستقبل ( المعارض ) ، وقد قوبل الاعلان عن تأسيسه بتأييد جارف وقتها من الأقباط والعلمانيين والمسلمين الراغبين فى الاصلاح ، لذا جاءت سريعا  فتوى ( ندوة العلماء ) بالدعوة لاغتياله وإغتيالى معا . ونشرتها جريدة ( النور ) الاخوانية لصاحبها الحمزة دعبس . وكان مقررا أن يسافر فرج فودة وقتها الى باريس وهولندة ، وناقشنا معا تأثير الفتوى يوم الاربعاء السابق ليوم إغتياله ( الاثنين ) ، ونصحته بعدم الرد عليها حتى لا تثير جلبة فكرية واعلامية تؤثر على حياته . وتركته لقضاء العيد فى بلدتى ، وهناك عرفت بنبأ إغتياله قبل سفره لأوربا .

4 ـ و ( ندوة العلماء ) التى أصدرت الفتوى كانت بزعامة د عبد الغفار عزيز ومعه د عبد الرحمن البر ، مفتى الاخوان حاليا . وبعد موت عبد الغفار عزيز تحولت الى ( جبهة علماء الأزهر ) التى ناصبت شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوى العداء . ويريد الاخوان تولية عبد الرحمن البر مشيخة الأزهر لتكتمل الفاجعة . والجهاز السرى للأخوان حاليا هو الذى يغتال شباب الثورة ويلاحقهم بالقتل ، وله علاقة وثيقة بجهاز الأمن ، منذ أن إخترق الاخوان والفكر السلفى مؤسسات الدولة المصرية فى الأمن والجيش والمخابرات .

سابعا : لماذا تعيد الشعوب العربية انتاج الاستبداد؟ ولماذا تستعصي الديمقراطية على دولها؟ وهل من الممكن أن يأتي الاصلاح السياسي دون القيام بالاصلاح الديني؟ ولماذا، كما يقول الفيلسوف سبينوزا، "يناضل الشعب من أجل عبوديته وكأنها الحرية؟"

 

الاجابة

 

1 ـ رياح الحرية والديمقراطية وصلت لأفريقيا وأمريكا اللاتينية ودول آسيا ، ولكن هناك حائل سميك يعوق وصولها لبلاد العرب والمسلمين ، لأن ثقافتها مؤسسة على أديان أرضية تنتسب زورا للاسلام كالسنة والتشيع والتصوف . تخلصت أوربا من هذه السيطرة الدينية ، واعتمدت العلمانية بديلا عنها فارتقت . 

2 ـ الاسلام دين علمانى لا مجال فيه للكهنوت والسلطة الدينية بل هو مؤسس على الحرية الدينية المطلقة والحرية والعدل ، وبرغم ذلك فقد تم تغييب الاسلام لحساب الاستبداد وتحالفه مع الكهنوت الدينى السّنى أو الشيعى أو الصوفى . لذا تتم محاربة من يدعو الى إصلاح المسلمين من داخل الاسلام بالاحتكام الى القرآن . والاحتكام الى القرن فريضة غائبة يجب تفعيلها .

3 ـ الاصلاح الدينى هو قلب ولُبّ الاصلاح السياسى . فالذى يُحنى رأسه راكعا أمام شيخ صوفى أوشيعى أو سنّى ، يحنى راسه أمام الحاكم المستبد الذى تنحنى أمام رءوس الشيوخ الراقصين فى موكبه . المسلم الحقيقى لا يركع إلا لله جل وعلا ، وليس فى عقيدته تقديس لبشر ، أى بشر ، فكيف يقدس حاكما ؟ المسلم الحقيقى لا يخشى ألا الله ، وهو يؤمن بأن حتميات الحياة من قضاء وقدر هى بيد الله جل وعلا وحده ، فالله جل وعلا وحده هو المتحكم فى حتميات الولادة والموت والرزق والمصائب . ولا يملك أى حاكم أيا منها بل هو خاضع لها كبقية المحكومين ، لذا فالمؤمن لا يخشى سوى الله ، ويؤمن أن لا أحد يستطيع أن يميته قبل الأوان أو أن يؤجل موعد موته ، وأن ما قدره الله جل وعلا  له من رزق وما كتبه عليه من مصائب لا يمكن الافلات منها ، أو الزيادة فيها أو تقليلها . بهذه العقلية يستحيل على المسلم الحقيقى أن يخضع للإستبداد ، وبالتالى فإن الاصلاح السياسى يحتاج الى إصلاح إسلامى حقيقى بالرجوع الى القرآن الكريم والاحتكام اليه والاهتداء به بعيدا عن تفسيرات التراث وعبث ( المفسراتية ).

 

ثامنا : كيف يمكن للشعوب العربية أن تتجه صوب المستقبل بينما هي متعلقة بالماضي، وبينما تفشل في المواجهة مع التراث، وهي المواجهة التي حدثت في عصري النهضة والتنوير في أوروبا، والتي دفعت شعوبها الثمن دما ودموعا؟

الاجابة

 

1 ـ الحل بسيط جدا . تقرير الحرية المطلقة فى الفكر والابداع والرأى والدين . لا تتدخل الدولة فى مجال الدين والفكر والرأى إلا بالتاكيد على ضمان الحرية للجميع ، من سلفيين وشيعة وصوفية وبهائيين وملحدين وعلمانيين وقرآنيين ..الخ .. وبتقرير هذا المبدأ الاسلامى يتاح لكل فرد أن يقول ما يشاء وأن يختار ما يشاء. وعندها لن تصمد السلفية وغيرها لأنها لا تستطيع الصمود بنفسها. هى تحتاج الى قوة الدولة لتفرضها على الناس وتقيها شرّ النقاش .

2 ـ تقرير الحرية المطلقة فى الفكر والرأى والابداع والدين قد يسبب لهم البلبلة ، وهى تؤكد عدم وثوقهم من معتقداتهم ، وأن أفئدتهم هواء كما يقول رب العزة ، وأنها سرعان ما ( تتبلبل)  وتهتز وتتداعى أمام أى نقد ، لذا فلا بد من منع (البلبلة ). ولكن البلبلة حتى لو كانت شرّا عندهم فهى النجاة من حمامات دم قادمة ..   .

3 ـ يبقى السؤال : الى متى يظل أهل القرآن يواجهون وحدهم وبسواعدهم العارية ثقافة الارهاب والتطرف . والى متى يظلون وحدهم يعانون فى جهادهم السلمى لاصلاح المسلمين والدفاع عن الاسلام وتبرئته من تهم التطرف والارهاب والتزمت ؟

4 ـ تذكروا هذا جيدا .  الخليج ( العربى ) بكل ما فيه من ثروات وملامح إزدهار وتقدم ، فهو يقبع فوق قنبلة موقوتة ، هى الفكر السلفى ، السنى والشيعى . وقد تنفجر فى أى وقت لتدمر كل شىء . والسبيل هو تقرير الحرية المطلقة فى الفكر والرأى والابداع والدين ، ومساعدة المصلحين المسلمين المسالمين على أداء واجبهم .

5 ـ اللهم بلغت ..اللهم فاشهد  .. و .. تذكروا هذا جيدا ..!!

اجمالي القراءات 10161