روز اليوسف
التطرف والتشدد فى الفكر الدينى!

في الخميس ٢٠ - يونيو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

 

فى بداية تسعينيات القرن العشرين أثارت كتابات د. فرج فودة جدلاً فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة، وأن الدولة المدنية لا علاقة لها بالدين، وكانت النتيجة أن تم اغتياله فى 8 يونيو 1992 نتيجة لفتوى من شيوخ جماعة الجهاد بردته ووجوب قتله.

 

 

وقد جاء ذلك أيضاً فى شهادة الشيخ محمد الغزالى فى أثناء محاكمة القاتل والذى يصفه البعض بالاعتدال، وفى المحاكمة سألوا القاتل: «لماذا اغتلت فرج فودة؟ قال: لأنه كافر فى كتاباته، سألوه: ومن أى من كتبه عرفت أنه كافر؟ فقال: أنا لا أقرأ ولا أكتب».

وكثيراً ما يتردد أن عقوبة الردة تهدف إلى الحفاظ على المجتمع وإقامة هيبة للدين حتى لا يتطاول عليه أصحاب القلوب المريضة، فهل صحيح أن هيبة الدين يمكن أن تهتز برأى؟ أو بارتداد فرد أو أفراد؟

إن القرآن الكريم ليس فيه حد للردة، مما يخالف ما يقال عن وجوب قتل المسلم إذا اعتنق ديناً آخر أو اختار الإلحاد استناداً إلى أقوال منسوبة إلى النبى عليه الصلاة والسلام منها: «من بدل دينه فاقتلوه»، مع أنه لم يثبت من سيرته عليه الصلاة والسلام قيامه بتطبيق عقوبة ضد من يغيرون دينهم، مع ثبوت ردة عناصر كثيرة عن الإسلام فى عهده ومعرفته عليه الصلاة والسلام بهم.

وحد الردة هو من ضمن مجموعة من الحدود وضعها بعض الفقهاء، ورأيهم مبنى على أن معتنق الدين الإسلامى لم يجبره أحد على اعتناقه ومن ثم فلا يجوز له أن يخرج منه بإرادته.

مع أن هذا الرأى يخالف ما جاء فى القرآن: (كَيْفَ يَهْدِى اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ..) آل عمران 86 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) النساء 137 فالآيتان ليس فيهما أى أمر بعقوبة للردة.

كما أن القرآن الكريم ليس فيه أى إشارة تصريحاً أو تلميحاً إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام أو قتله إذا رفض، لأن حرية الاعتقاد مقصد مهم من مقاصد الشريعة فى الإسلام.

فعندما يعلن أى فرد ارتداده عن الإسلام لا يصح أن نعتبر أن الدين قد تمت إهانته، ولا أن نعتبر أن الفرد حر فى دخول الإسلام ثم يفقد حريته ولا يستطيع الخروج منه، فأى قيمة تلك التى ستعود على الإسلام والمسلمين من شخص تم الضغط عليه ليبقى بالقهر فى دين لا يريده؟.

ومن الآيات نجد أن من يرتد عن دينه بعد الإيمان ليس له عقوبة دنيوية وإنما حسابه ومرجعه إلى الله تعالى.

وحد الردة بالمعنى المعروف يعنى قتل المرتد عن الدين إذا ما تمت استتابته ولم يتب، وفى أحيان كثيرة لا يكون هذا المرتد قد ترك الإسلام فعلياً، وإنما اعتبروه مرتداً لأنه قال برأى أو فكر مخالف، أو جاء بمفهوم جديد مضاد لما تم الاصطلاح عليه بالمعلوم من الدين بالضرورة.

مع أن القرآن الكريم لم يأمرنا بالحكم على المخالفين لنا والمختلفين معنا بالقتل، حتى وإن كانوا كفاراً أو مشركين، فكيف نحكم نحن بالقتل على من هم على دين الإسلام؟.

لقد أعطى تعالى الناس الحرية فى الإيمان أو الكفر، وفى المقابل سيحاسبهم تعالى على اختيارهم يوم الحساب: (وَقُلِ الْحَقّ مِن رّبّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ..) الكهف .29

إن الله تعالى هو مشرع الدين ومالك يوم الدين وهو وحده جل جلاله الذى يحكم على البشر إن أحسنوا فى العقيدة أو أساءوا، ولم يعط الله تعالى أحداً من البشر الحكم على الآخرين بالكفر، بل أمر بالحوار بالحكمة والموعظة الحسنة مع تأجيل الحكم إلى الله تعالى يوم القيامة.

وقد كان البعض يسارع إلى إعلان الكفر، ويحزن الرسول عليه الصلاة والسلام ولكن ليس عليه معاقبتهم: (يَأَيّهَا الرّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوَاْ آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ) المائدة ,41 والله تعالى يقول للنبى عليه الصلاة والسلام: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ. وَللّهِ مَا فِى السّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَآءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ) آل عمران 128-.129

والقتل ليس بالموضوع السهل ليرى أى إنسان أن من حقه القيام به: (..أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً..) المائدة 32 (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنّ النّفْسَ بِالنّفْسِ..) المائدة ,45 أى ليس هناك مبرر لقتل النفس إلا إذا قتلت نفساً أى فى القصاص.

والله تعالى جعلها قاعدة تشريعية: (.. وَلاَ تَقْتُلُواْ النّفْسَ الّتِى حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ ذَلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام ,151 وسنة النبى عليه الصلاة والسلام هى التطبيق العملى لتشريع القرآن ولا تتناقض معه.

فالذين يعتقدون أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يميل إلى التفتيش فى الضمائر ومطاردة الأفكار، أو يرتاح إلى إزهاق الأنفس وإراقة الدماء، عليهم قراءة قوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ..) آل عمران ,159 (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم) القلم ,4 فأصحاب الفكر المتشدد يرفضون الاعتراف بحق الإنسان فى حرية التعبير عن الرأى، كما يرفضون التعامل مع المخالفين لهم بالرحمة.

إن إنكار دور العقل وتغييبه أمام تشدد الفكر الدينى الذى يريد أصحابه أن يفرضوا تفسيراتهم معتمدين على أساليب الترهيب والتهديد، أدى ذلك إلى اعتبار أن من يحاول أن يجتهد لينتج فهماً جديداً للنصوص الدينية، بناءً على منهج منطقى يتفق مع تطور أدوات ووسائل المعرفة، فإنه يتهم بالتكفير والعلمنة ويكون جزاؤه القتل مثل فرج فودة.

لقد أسس الإسلام ضمن مبادئه حرية الاعتقاد الدينى والتى تتضمن حرية الإنسان فى الإيمان أو الكفر، وحد الردة يناقض ما أراده الله تعالى للإنسان من الحرية فى اختيار معتقداته.

 

بقلم محمد نوار

اجمالي القراءات 11712