حشرجات مصرية

كمال غبريال في الأحد ٢٦ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

قبل الثورة كان الشائع هو استرخاص دم الأقباط، الآن صار الدم المصري كله بلا ثمن، هو عصير هنيء للأهل والعشيرة يشربون منه حتى الثمالة. . كل ما يحدث الآن طبيعي ومنطقي ومتدرج، أن نأتي للحكم بالذراع السياسي للإرهاب العالمي، فيتم الإفراج عن الإرهابيين واستقدام الآلاف منهم من الخارج، فيبدأوا في السيطرة على سيناء وتحدي الدولة المصرية، والخطوة المنطقية الطبيعية القادمة أن ينتقل التحدي والفعاليات إلإرهابية إلى قلب القاهرة وسائر مدن مصر. . بعدها بفترة سنشهد الاقتتال بين فصائل الإرهاب وبعضها البعض، فهذا ما حدث في أفغانستان والصومال وفي كل مكان سيطر عليه هؤلاء.
• مسكين الكاتب الكبير/إبراهيم عيسى، هو نموذج لأزمة الكثيرين، هو الآن ضد الإرهاب الموجه لمصر، والكارثة أنه من عشاق حماس الإرهابية بدعوى المقاومة، أو على الأقل لم يقدم يوماً على محاولة صرف الناس عن هذا "العشق الحرام"، ووصلت مأساته ذروتها في حلقة أخيرة من برنامجه "هنا القاهرة"، حين قال أن ما تفعله حماس مع إسرائيل مقاومة أما حين توجه مثله لمصر فهذا إرهاب. . هل نعتبر هذا نكتة سخيفة، أم هي أزمة أمة بكاملها توحدت مع الإرهاب وجعلته عقيدتها المقدسة، لكنها عندما اكتوت بناره وقعت في حيص بيص؟!!


• المنتمون لمختلف الجماعات الدينية كأفراد هم جزء من الوطن لا يمكن استئصالهم، وأمامهم الوقت ليرعووا ويتفرغوا للعمل الدعوي، أو للعمل السياسي المحض بدون متاجرة بالدين، أما السماح لهؤلاء بتشكيل أحزاب سياسية تشارك في لعبة الديموقراطية التي يعادونها مبدئياً فهو جريمة دستورية وقانونية وسياسية أيضاً، وبالطبع سمح لهم بهذا الدستور غير الشرعي الحالي، بعدما كان يحرمها الدستور السابق. . نقطة البداية للعمل الديموقراطي الشرعي هو إلغاء هذه الأحزاب، والمشاركة في أي انتخابات في وجود هذه الأحزاب هو تكريس للاشرعية، وانجرار إلى هاوية قد لا نخرج منها قبل عدة عقود. . لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين.

• من يرفض ثورة يناير من حيث المبدأ فهذا يعني إما أنه راض تماماً عن كل ما كان، وإما لا يرى الشعب المصري مستحقاً لأفضل ولو قليلاً مما كان، وبالطبع من هذا رأيه هو حر فيه، وقد يكون على شيء من الحق إذا كان من أصحاب الرأي الثاني، أما من وجد أن الوضع المصري كان راكداً ويحتاج لتغيير رفض نظام مبارك أن يسمح به، فإنه لا يرى بد من الثورة، أما ما تلا ذلك من انحراف ثم سقوط فهذا لا يرجع للثورة في حد ذاتها، وإنما إلى موازين القوى في الساحة المصرية، والتي هي وليدة عصر مبارك وما قبله، وهذه الموازين لا يمكن أن تتغير إلا من خلال ما يحدث حالياً من صراع مجتمعي وسياسي طال أمده أم قصر. . أما من يتناولون الأمر بتبسيط لا يتناسب مع خطورة تناول مستقبل شعب كالشعب المصري، فيحصرونه في حدود المقارنة بين الحال في عهد مبارك والحال في ظل حكم إخواني، ليخلصوا من ذلك إلى أخذ جانب عصر مبارك تحت شعار "آسفين يا ريس"، فإن المقاربة هكذا لابد وأن تعني القعود عن التغيير خوفاً وجبناً عما قد يتحتم على الأفراد أو الشعوب مواجهته، وهو المنطق الذي لو كان الإنسان البدائي الأول قد اتبعه، لبقي مع القردة على الأشجار، خوفاً مما قد يواجهه من كوارث إذا ما غامر بالنزول إلى الأرض. . هو مستنقع مظلم موحل علينا عبوره لنصل إلى شاطئ النور والحداثة. . أثق أن الشعب المصري قادر على إنجاز هذه الرحلة ولو بعد حين.

• جهل الشعب ليس هو المقياس الأهم، فلا أظن أن عموم الشعب المصري أشد جهلاً من عموم الناس في الهند، فالكارثة تتبدى بأوضح صورها في النخب المثقفة، التي لم تعتنق على مر العصور سوى أسوأ الأفكار والأيديولوجيات، بداية من الشيوعية مروراً بالاشتراكية الناصرية والعروبة وانتهاء بفكر الظلام والكراهية والقتل، بينما منيت الدعوات الليبرالية من قبل رموز قليلة في النصف الأول من القرن العشرين بالفشل الذريع. . هل هذا جريمة النخب، أم هي نخب عضوية تجسد روح الشعب المقيتة والعاجزة بغض النظر عن المستوى الثقافي والاقتصادي؟. . ما نعنيه بـ"روح الشعب" هو المعادلة البيولوجية التي تحكم ميوله وسلوكه التلقائي وخياراته الحرة، مع ذلك لدى مصر عدد لا بأس به من الرجال الأكفاء الوطنيين، لكن المخادعون وحدهم هم الذين يتواجدون على الساحة، ويمتلكون مقومات الشهرة بين جماهير لا تملك من أمرها سوى الانسياق أو مصمصة الشفاه!!. . الشعب المصري متسق مع نفسه أسير لما هو فيه، فرغم ثورته المفاجئة لم يأت بفكر جديد، فانقسم بين مؤيد لتخلف الظلاميين، وبين مؤيد لمسخ يقلد بطل النكسات العروبجي.

• العلمانية رؤية للحياة تعتمد العلم كضابط للعلاقات بين مكونات العالم، وتسخره لتحقيق آمال الإنسان في حياة أفضل، والعلمانية لا تكون فقط صفة لنظام دولة، وإنما أيضاً لابد وأن تكون ثقافة تطبع رؤية الشعب وتوجه سلوكياته.
يتصور البعض أن "الليبرالية" هي "لاأدرية" سياسية، وأنها تقف في نقطة وسطى بين جميع الأفكار والتوجهات، لتكون هكذا أشبه بالماء الفاتر عديم اللون والطعم والرائحة، والأمر بالطبع غير هذا تماماً، نعم هي لا ترى الحياة عبر مطلقات تكفر أو تشيطن كل ما عداها، لكنها أيضاً منهج حياة ذو مواصفات خاصة توفر البيئة المناسبة لتفجر ملكات الإنسان الإبداعية، كما أنه في البيئة الليبرالية حيث تسود البرجماتية لا تكون كل الأفكار سواء، فالواقع العملي ونتائج التطبيق ستفرز الصواب من الخطأ، هذا بالإضافة إلى أن الملعب الليبرالي يفرض على اللاعبين شروطاً وقوانين، ومن يخل بها يحصل على درجات عقاب متعددة تصل إلى الطرد من الملعب، وربما حرمان نهائي من المشاركة في اللعبة. . الليبرالية يا سادة يا كرام ليست ساحة للفوضى، وليست خرابة تسكنها الشياطين والعقارب وتستتر في جحورها الذئاب!!
kghobrial@yahoo.com
 ايلاف 

اجمالي القراءات 6719