سمو الدين وسمو السياسة

سامح عسكر في الخميس ٠٢ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

النظرية: الدين والسياسة يسموان بذواتهما كممارسات قابلة للصحة والمرض ، فكلاهما سلوك يجتمعان في طبيعة واحدة عنوانها ..(الاعتقاد والعمل).. ويفترقان في إسقاطين عنوانهم..(المجتمع والدولة)..فالطبيعة سلوكية بنائية تكشف ماهية الاعتقاد والعمل وأهليتهم للتعايش والإصلاح...أما المجتمع والدولة فكلاهما تقدميين ويخضعان للمتغيرات الكونية -العلمية منها والنفسية- باستمرار.

الشرح: الدين هو علاقة تنظيمية بين العبد وربه يتفرع منها علاقته بنفسه وبالآخرين، لذلك فالدين يشمل علاقة العبد بربه وبنفسه وبالناس..وهي علاقة متكاملة وهي أساس الفكر والسلوك الإنساني بوجهٍ عام،أما السياسة فهي ممارسة سلوكية إدارية تنظيمية.. تخضع للدين من وجه شمولية وتكامل العلاقة بين العبد والغير..لذلك فأنا أؤمن بأن الدين والسياسة واحد وليسا اثنان..وما يشوب هذا الفصل من أوهام هو الخلط بين مفهومي..(السياسة والدولة)..فالأول سلوك أما الثاني فهو كيان..ولنا في ذلك وقفة عند التعرض لإسقاط المجتمع والدولة..

في تقديري أن الفصل بين الدين والسياسة ضروري حين الخلط بينهم، بحيث يجري إهمال إسقاطات المجتمع والدولة..فالعقول التي تنتبه لماهية هذه الإسقاطات تكشف ماهية الدين والسياسة على حقيقتهم، أما التي لا تنتبه –وهم الأغلبية-فهي تمارس السياسة من إطلاقية الدين، وبالتالي أصبح كل معارض مشكوك في دينه من وجه أنه يعارض تلك الإطلاقية وهذه الصورة الدينية السَمِحة التي يتصورها..وهذا التصور غير صحيح، لأن المعارض- في الغالب -هو يصنع رأيه من حقوقه التي يرى الآخر أنه سَلَبها أو انتقص منها...لذلك فالآخر يراه من سلوكه..أما هو فيرى الآخر من دينه وهُنا يجري إهمال السلوك والذي هو أصل الدين والسياسة معاً.

بمعنى أوضح أن الإنسان يخلط بين الملاحظة والتجربة.. أنا الآن بإمكاني أن ألاحظ أي إنسان بأنه.."قِرد"..ولكن هل هو قرد؟!..بالتجربة أستطيع استبيان ذلك إما بالخطاب أو باللمس أو بالمراقبة..ولكن لا تكفي العين للتجربة فقد تخدعك عينك وتظن عباءة القرد هي حيواناً حقيقياً...وهذا ما قصدته بأن الفصل ضروري حين يتجاهل المرء إسقاطات المجتمع والدولة، فيعمل على مُلاحظة الآخر والحُكم عليه من تلك الملاحظة وليس من التجربة، لأن التجربة لديه حينها تعني الشك في دينه، والعامة بالعموم وأغلب المثقفين لا يشكون، لذلك فالفصل بين الدين والسياسة لهؤلاء هو واجب للتعريف أولاً بأهمية الفصل بين السياسة والدولة..ثم بيان ماهية وطبيعة كل مفهوم على حِدا..وفي تقديري أن ضرب الأمثلة الحية من الواقع هو الطريق الأمثل لشرح هذه المفاهيم. 

أما المجتمع فهو مجموع الناس التي تعيش في إطار دولة أو تنظيم أو منطقة ويحققون فيها مصالحهم وثقافتهم..أما الدولة فهي كيان إداري يُنظم حياة الناس ويعملون عن طريقه لتحقيق مصالحهم داخل إطار حدود جغرافية أو ثقافية معروفة..ومن هذه التعريفات نرى أن كلاهما كيان يعمل على تحقيق مصالح الإنسان وتنظيم شئون حياته...وأحياناً ما نرى مجتمع بدون دولة، أو دولة متعددة المجتمعات والثقافات، بل وحتى متعددة الحدود الجغرافية..وهذا ما دفع الإنسان للبحث عن مؤسسات إدارية تجمع هذه الحدود بداخلها بحيث يسهل السيطرة عليها..

هذه الكيانات مهما بلغ الخلاف حولها وحول تعريفاتها وفهمها هي كيانات غير نسبية، أي أنه لا يصلح أن تكون دولة هي دولة أخرى بل هي مُطلقة في ذاتها، لها قوانينها وحدودها الخاصة، وحين تتغير فتُصبح ذاتاً أخرى غير الأولى..ولا يجوز أن أرى مجتمعاً أو دولة بمعلومات مسبقة تنزع صفاتهما عنهم..مما يعني ذلك بأن تلك الكيانات هي كيانات ثابتة في ماهيتها وليست متغيرة، ولكنها تخضع للتغيير من حيثية عقل وسلوك الإنسان والذي هو عماد المجتمع، فيقوم الإنسان بتغيير طبيعة وشكل هذا المجتمع أو الدولة بسلوكه....ومن هذه الحيثية لابد فيها من الفصل بين الدين-كاعتقاد وسلوك-وبين هذه الدولة-ككيان إداري.

بمعنى أن سلوك الإنسان نسبي في ذاته من حيثية إدراكه وتبصّره للحقيقة، وبهذا يجوز أن يمنع حقوق غيره المتعددة، فهو لا يراها حقوق، ولكنه يراها لوازم لإدارة وتشكيل دولته، ومن هنا يفترق الدين عن الدولة، وأن الفصل واجب لئلا يمنع هذا حقوق الآخرين، وأن عمليات إدارة وتشكيل الدولة لا يجب أن تحدث بتجاوز الحقوق، بل بالفصل بين الاعتقاد الديني –ومنه السلوك-وبين الدولة ككيان جامع مانع للظُلم وراعي للمصالح ومُنظّم لشئون الجميع.


الخُلاصة: أن سمو الدين من سمو السياسة، لأن السياسة دين، والدين سياسة..ولكن بسلوك الإنسان ينزع نحو الطمع والسيطرة، ومن هذا السلوك لابد وأن يكون الاعتقاد الديني منفصل -كعقيدة وسلوك- عن أي عمليات إدارية أو تنظيمية داخل إطار الدولة..وأن لا تكون أي مؤسسات في الدولة لها الصفة الدينية لأن عملها هو بالأصل عمل بشري قابل للتطبيق الخطأ والذي قد يكون مبنياً أيضاً على الفهم الخطأ...وأن الفصل بين الدين والدولة هو واجب لحماية تعدد الثقافات التي تضمنها تعريف المجتمع والدولة، فالثقافة تتضمن الأفكار والأديان والمذاهب والأيدلوجيات جميعاً، ورعاية وتطوير هذه الثقافة يتطلب عدم تفضيل مبدأ على آخر أو فكرة على أخرى..بل يجب تضمين الجميع داخل إطار الدولة ورعاية مصالحهم.
اجمالي القراءات 7299