أأسباب نهاية الدكتاتوريات العربية

د. شاكر النابلسي في الجمعة ٠٥ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

قبل عامين تقريباً، كان العالم العربي يعيش فترة استقرار وهدوء. لم يكن أحد قادر على التنبؤ بما سيحصل بعد أيام من ذلك التاريخ. وحتى أكثر الأجهزة الأمنية قوة وخبرة، لم يكن لديها ما يشير إلى احتمال نشوب ثورة هنا أو هناك، في أنحاء متفرقة من العالم العربي. وبلغ الأمر في ملامة أوباما لجهاز المخابرات الأمريكية  CIAعلى تقاسه وعدم قيامه بالتنبؤ اللازم في الوقت الصحيح.

-2-

وهذا يدل على تطور جديد في "علم الثورات"، الذي أصبح أكثر غموضاً من "علم البراكين"، حيث توصَّل العلم الطبيعي إلى معرفة موعد انفجار بركان ما، لكن "علم السياسة"، لم يصل حتى الآن إلى معرفة وقت انفجار الثورة في بلد ما. ولكن تظل هناك ارهاصات، ومقدمات، واشارات، ودوافع، لا بُدَّ من أن تؤخذ بعين الاعتبار، منها:

1-           أن الثورة التونسية في ديسمبر 2010 سبقها حكم ديكتاتوري، طارد المعارضة وسجنها، وأفلت أيدي الفساد والنهب غير المشروع في طول البلاد وعرضها. وكان الشعب يتألم من جرَّاء ذلك كله، وينتظر ساعة الانفجار.

2-           أن الثورة المصرية في يناير 2011، سبقها تزوير للانتخابات التشريعية، وحجز ومطاردة المعارضة، وخاصة التيار الديني، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين. كما سبقها فساد مالي واستيلاء على مساحات واسعة من أراضي الدولة، وازدياد نسبة الفقراء والمعدمين، وانتشار الأمية، وسوء الخدمات التعليمية، والصحية. وكان الشعب البسيط والطائع، يعلم كل هذه المصائب، ويستبطنها، وينتظر فرصة الثورة التي قام بها في 25 يناير 2011.

3-           أما الشعب الليبي، فقد كانت حكايته مختلفة وحزينة أكثر. فهو قد ابتُلي بحاكم مجنون، منذ أكثر من أربعين سنة (1969-2011) وبعائلته المستغلة السارقة لثرواته الوطنية، إضافة إلى مساندته للإرهاب الدولي، وصرف الأموال الطائلة على تمويله، ومساندته، ودعمه، وانتشار الفساد المالي والسياسي، ومطاردة المعارضة ووصفها بـ "كلاب الشوارع الهائمة". وكانت في ليبيا ارهاصات، وإشارات، وتوقعات، ولكنها لم تصل في صدقها ومستواها إلى ما وصلت إليه الثورة على أرض الواقع.

4-              وفي اليمن كان ما كان، وما زالت الثورة اليمنية تسعى إلى تحقيق أقصى ما تستطيع تحقيقه.

5-              أما في سوريا، فحدث الآن، ولا حرج. فهناك الحزب الأوحد الحاكم (حزب البعث) الذي سيكون العامل الأساسي في سقوط الحكم هناك، كما كانت أحادية الحزب الشيوعي، وانفراده بالحكم الدكتاتوري المطلق سبباً في سقوط إمبراطورية الاتحاد السوفيتي.

                                        -3-

وقد استطاع المستشرق الألماني كارستين ويلاند، من خلال معرفته، وقراءاته، وزيارته لمنطقة الشرق الأوسط وسوريا خاصة، ومن خلال مقابلته لعناصر وناشطين سياسيين سوريين من مختلف المشارب كتابة كتابه (سورية: الاقتراع أم الرصاص؟ ) عام 2004 (الطبعة الألمانية). وقال في مقدمة كتابه، أن هذا الكتاب "عهدٌ لجميع الأشخاص في خارج وداخل بينية السلطة السورية الذين يعملون من أجل التغيير التقدمي في سورية رغم الظروف المعاكسة. والذين لم يفقدوا الأمل من أن هناك ما هو أكثر من مجرد أحجار يجري طبخها." (ص32).

-4-

ورصد كارستين ويلاند إرهاصات، وإشارات الثورة السورية العارمة الآن، من خلال المعطيات التالية:

1- إضاعة بشّار الأسد – سلفاً - السلطة، التي كانت بمثابة إرث أبيه، إلى حد أنه أصبح من المستحيل بالنسبة له أن ينهض بالإصلاح. (ص55). وهذا ما أثبتته الأيام، حيث من المستحيل، أن يتم أي إصلاح في سوريا. وهو الدرس السابق، الذي تعلمناه من انهيار الاتحاد السوفيتي عندما حاول جورباتشوف الإصلاح من خلال مشروعه لإعادة البناء (البروسترويكا)، ففشل. وأدت هذه المحاولة إلى انهيار الاتحاد السوفيتي. فما بُني على باطل فهو باطل. ولا إصلاح لبناء باطل، وأساسه غير سليم. ويتحكم به حزب دكتاتوري واحد، لا معارض له.

2- تورط سوريا في اغتيال رفيق الحريري، كما يشير ويلاند في كتابه (ص63). ويقول إن هذا التورط، لا زال لغزاً من ألغاز علم النفس السياسي. وكانت لحظة الصدام بين الحريري والأسد، هي التي حدثت فيها الكارثة. وإذا ما صحت الرواية فإن بشّار الأسد يحمل كامل مسؤولية اغتيال الحريري. (ص 63).

3- كانت "الحملة الأمريكية"، على العراق عام 2003 ، سبباً في الإجماع العام، على أن هذه الحملة ستقوي النظام السوري وتزيده صلابة ومتانة. وكانت هذه الشهادة السياسية من أصدقاء وأعداء النظام السوري على السواء. فقد قال يومها المعارض السوري اليساري الفيلسوف صادق جلال العظم: "إن هذه الحرب ستقوّي موقع النظام السوري، إذا ما غرق العراق في الفوضى والمقاومة والحرب الأهلية." (ص99). ولكن جاءت الرياح الثورية – على ما يبدو، وكما يقولون – بما لا تشتهي سفن النظام السوري. فرغم ما يقال عن الفساد والفوضى والسرقات في العراق، وحكم الحزب الواحد (حزب الدعوة) هناك، إلا أن هذا كله لم يُفد النظام السوري، بل عكس عليه نتائج كارثية من الغرب، ومن أمريكا خاصة، للمساهمة الواضحة في نشر الإرهاب في العراق من قبل النظام السوري. وكانت إيران تغطي مثل هذه المخالفات والتصرفات السياسية التي أدت إلى حالة الفوضى والإرهاب في العراق. وعرف الشعب السوري أخيراً حقيقة الأمر.

4- لم تكن سوريا تنعم بالاستقرار، منذ أن استولى حزب البعث على الحكم عام 1963، "بل كانت سورية – كما قال المعارض السوري ميشيل كيلو – في أزمة مستقرة." (ص 105).  ففقد النظام ارتباطه بالشعب وبآماله. ولم يتحقق شيء من وعود السلطة بالإصلاح والاستقامة، بعد حكم دام أكثر من أربعين عاماً (1970- 2012). وبذا فقد النظام مصداقيته، وفقد الشعب الصبر على إهمال النظام، وتفشي الفساد، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، في الوقت الذي ازداد فيه عدد الأغنياء، الذين أثروا من الاحتكارات، والمحسوبيات. 

5- وأخيراً، انهيار ما أُطلق عليه "ربيع دمشق"، عام 2001. وفشل دائم لإقامة المجتمع المدني التي نادى بها المعارضون السوريون من خلال بيان "99" وبيان "1000". وكانت تلك هي نقطة الذروة بالنسبة لحركة المجتمع المدني التي يمثل المثقفون والأكاديميون مكوناتها الأساسية. (ص108).

ولعل هذه الأسباب، وغيرها من الأسباب الأخرى، هي التي دقت الناقوس الشعبي السوري، وأعلنت النهاية لنظام الحكم السوري، وكان لسوريا في ثورتها، أسبابها المختلفة عن باقي الدول العربية.

اجمالي القراءات 8219