في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرآن الكريم
في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرآن الكريم - الجزء الثاني – مفردات – مفردة صلى

غالب غنيم في الثلاثاء ٢٦ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرآن الكريم - الجزء الثاني  – مفردات – مفردة صلى 

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :

هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.

وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

أنوه بداية إلى أنني قمت بكتابة سلسلة مقالات سابقة لهذه الدراسة بعنوان "القرآن الكريم فقط وكفى"
(1)وهي دراسة قديمة لي، في مسألة الصلاة وما يحيط بها من تساؤلات، وقد مرّ عليه زمن ومن ثمّ ارتأيت أنه آن الأوان لكي أحدّثها حسب تطوّر فهمي الخاص ومعلوماتي وعلمي عن الصلاة من القرآن الكريم!
ومنه أنا أعتبرها دراسة قديمة عفى عنها الزمن، وحدث بعض التطورات عليها، لم أقم بتغيير المبدأ بل تطوير مفاهيم جديدة عليه ليس أكثر!
ومن المؤكد أن هذه الدراسة غير مطلقة الصحة وأنها ظن ورأي من شخص يجتهد في فهم الكتاب، لكي ننهي نقاش من سيجادلنا في كون دراستي هي من تنُمُّ عن الحقيقة، فنقول له أن الحق لله تعالى وحده وأنه هو الحقّ تعالى، وما هذه غير دراسة قام بها غالب غنيم واستقى بعض المفاهيم والأفكار ممن حوله من الباحثين عن الحقيقة، ولا أنادي باتباعها بل بقرائتها وعرضها على القرآن الكريم ثم اتخاذ القرار الشخصي بما يرضاه الشخص لنفسه، فكل نفس بما كسبت رهينه.

وقبل ان نخوض في تفصيلات تتعلق بالصلاة من القرآن الكريم، علينا ان نحدد مفهوم المفردة التي سيدور عنها البحث، ومدى فهمنا لها، وهل لها مدلول واحد ام عدة، حسب البناء الذي وقعت فيه، وهل كلمة صلاة اتت برسم واحد في القرآن الكريم أم تم نسخها بعدة صور؟
وهنا اشكر أخا عزيزا علي، اليزيد، على ما بذله من جهد في تدبر المفردة، وفي الواقع، ارتكزت على بحثه فيها اكثر مما بحثت (2). كما أنوه أنني قمت بكتابة بحث خالص من القرآن الكريم عن مفردة السجود، والتي لن اتعرض لها هنا مرة أخرى، وعلى من يريد الإستزادة أكثر العودة للبحث (3).

______________

تفصيل مفردة الصلاة :

احببت أن أبدأ بالمعجم هذه المرة، لكي يكون لنا أساس لغوي قبل أن أشرح الأساس التفصيلي الإلهي لهذه المفردة. وفي المعاجم حين نبحث عن مفردة صلاة نجد أكثر من فعل مثل (صلا  صلل  صَلَ  الصَّلاَ )!
وحين تبحث في معجم لسان العرب فستخرج كالعادة تائه حيران لا تعرف ما مدلول هذه المفردة!
وخلاصة الأمر أن المعجم يفسر كلمة الصلاة بعبادة الصلاة! يسميها بصفات قد تحملها من رحمة ودعاء وغيره! ولم أجد هناك ما يفيدنا منها!

وأبدأ من المفردات القريبة على الصلاة والتي يتنازع عليها الكثيرين مثلا مفردة – وَصْلْ  :

- وصل :
أقرب ما يفصل لنا هذه الكلمة من كتاب الله تعالى العزيز هي قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ) هود – 70 ، والتي بكل بيان نفهم منها أن الوصل هو أن يتم القرب من الشيء، او الإقتراب منه، أو أن يتم تقريبه الى أحد ما كما قال تعالى (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) القصص – 51
فالله تعالى وصَّلَ لهم القول اي تم تبليغهم به بأن سمعوه أو رأوه، من التقريب للشيء، والقول إن اقترب من الإنسان فهو يسمعه، وليس مثل ضيوف لوط، الذين لم تقترب أيديهم من الطعام بالرغم من قدرتهم الوصول إليه وقربه منهم.
فالوصل ليس الصلاة، بل الصلة، أن تصل الشيء، بأن لا تقطعه! وليس عكسه الهجر كما قيل في المعاجم! فالهجر من المقاطعة والبعد اكثر منه من عدم الوصل كما بيّن تعالى في إبراهيم حين هجر قومه ولم يعد إليهم أبدا! فالهجر فيه اعتزال كامل.

فوصل الشيء عكسه قطعه، قطع اليد عن الطعام، وقطع وصول القول للأذن. ومنه، نرى كم كلمة "القرب" من الشيء تدل على مفردة الوصل، حيث يصلون ما امر الله به ان يوصل ولا يقطعونه!

وأفرب معجم شرح الوصل هو مقاييس اللغة حيث قال "
الواو والصاد واللام: أصلٌ واحد يدلُّ على ضمِّ شيءٍ إلى شيءٍ حَتَّى يَعْلَقَه"

ومن هنا، العلاقة بين مفردة الصلاة والصلة هي علاقة ارتباطية، وهو أمر خاض الكثيرون فيه، بلا رجوع لتفصيل الله تعالى في القرآن الكريم:
فالصلاة وصل،
 والوصل قد يكون صلاة،
 وليس كل وصل صلاة
.
وهذا سنناقشه في المقالات القادمة بإذن الله تعالى.

والآن، نأتي إلى مفردة الصلاة، وسنرى لاحقا إن كان لها علاقة بالصلة والوصل، لسانا، فكلمة الصلاة اصلها " صلو ".
وبشكل عام، كتبت كلمة الصلاة في القرآن الكريم بشكلين، منها ما هو كما نكتبه لغة " صلاة "، ومنها مفردة أخرى، هي " صلوة "، وهذه الطريقة في نسخ الكلمة في القرآن الكريم ليست عبثية وليست اعتباطية بل للدلالة على وجود نوعين من هذه العلاقة – التي هي في نهاية الأمر عبادة -  والتي نسميها صلو.

فما معنى كلمة "صلّى" (2) ؟

إن قمنا بتدبرالآيتين 31 و 32 من سورة القيامة  حيث قال عز وجلّ في الذي لا يؤمن بلقاء ربه :
 فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ  (30)  وَلَٰكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ  (31)  

نلاحظ أن كلمة صَدَّقَ يقابلها كلمة كَذَّبَ، وأن كلمة صَلَّى يقابلها كلمة تَوَلَّىٰ

وكأننا لغة نقول  على سبيل المثال أنني لم آكل التفاحة بل امتنعت عن أكلها، أو أنني لم أذهب البحر بل ذهبت البر، وأنا افهم هنا ان هذا التقابل لا يدل على مفهوم الكلمة، ولكن استنباط المفهوم من المقابلة يستخدم كثيرا في القرآن الكريم! فكما هنالك خير هنالك شر، والآيات هنا "خاصة" تتكلم عمّن لا يؤمن ولا يرجو لقاء ربه!  اي تتم مقابلة مفردات كان عليه القيام بها ولكنه لم يقم بها بل قام بعكسها أي بما يقابلها في الإتجاه الآخر.

من هنا نستطيع أن نفهم أن من صلى هو الذي "لم يتولى" والعكس صحيح, أي من تولى هو الذي "لم يصلي"، فلو أنه لم يتولّى ولم يكذب ما كان وقع في الظلم ولكان من اصحاب اليمين.

 ومن الممكن أن نفهم أن من صلى هو الذي جعل صلة وعلاقة وواجه ما هو أمامه
أما الذي تولى، فهو الذي قطع الصلة والعلاقة و أدار ظهره.

ولكن يبقى سؤال، عن ماذا يتولى ؟ ويتولى ليعمل ماذا ؟ فإذا علمنا أعمال المتولي، سنعرف أعمال المصلي، وهذا المعنى للتولي نجده مثلا في سورة طه :

قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)

فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ (60)

ومن القصص نرى أنهما اتيا فرعون وحذراه بأن العذاب على من كذّب وتولى، وأخبراه وجادلاه ولكنه رأى ان يؤجل اللقاء بينهما إلى موعد آخر جحودا منه بالايات، ومنه نرى أن عكس تولى هو أتى. ومنه، من صلى هو الذي أتى ليربط علاقة و صلة مع الآخر.
انتهى النقل بتصرف.

ثم حاء الأخ علي مرعي ببحث لم أجده يخالف التفصيل القرآني لهذه المفردة إجمالا، وتفصيله يعتمد على الصوت اللساني لحروف الكلمة حيث قال من ضمن ما قاله – بتصرف - :

الفعل " يصلى" منه اللازم ومنع المتعدى لمفعول، لو فهمنا المتعدى لفهمنا الأخر :

وَيَصْلَى سَعِيراً [الانشقاق : 12]
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ [الحاقة : 31]

هذه من الأمثلة للفعل المتعدى، فكيف يصلى سعيرا ؟ وكيف يصلوه الجحيم ؟
حرف الصاد يشرحه لنا الفعل الذى منه وهو "يصيد ، صاد، صائد، صيد" ، والصيد هو مقابلة الشىء والإمساك به. فانت تصيد السمك على سبيل المثال، بأنك تلقى ( السنارة محملة بالطعم) تجاه حتى يمسك السمك الطعم فتصطاده بذلك، وقد يحمل معنى المقابلة والإحاطة معا.

اللام : لام ، يلوم ، لوما : اللوم ما هو الا شعور داخلى ناتج عن حركات تتجمع وتلتحم في داخلك كردّ فعلٍ على شيء فعلته أو لم تفعله وتتمنى عكسه – كما فصلنا أعلاه ما يقابله - ( أي أن تكون فعلته أو أن تتمنى انك لم تفعله).  فأنا ألوم نفسي على تدخيني للفافة تبغ مثلا متمنيا لو لم أدخنها – على سبيل المثال فقط

فاللام كما فهمنا تدل على حركات تتجمع وتلتحم ومنه لام الليل واللباس واللوم كما هنا وغيرها .

صلو: هنا حركات تتقابل متجمعة ملتحمة بمكان في مقابل شيء ما.

نضوج اللحم عندما يَصلى نارا، يكون نتيجة هذا التجمع من حركات اللحم وإلتحامها بالنار أو العكس بأن تكون الحركات صادرة من النار تجاه اللحم، هو أشبه بالتفاعل بين اللحم مع النار.
فهناك شيء يقابل شيء – نار ولحم – ويكون بينهما صلو وينتج عن هذا نضج اللحم.

هذا التفاعل فى الفعل اللازم يحدث داخل المصلى بينه وبين نفسه، حين يقابل ويتجه لربه، وهذا ينتج من إقامة الصلاة بمفهومها الخاص من قيام وسجود وقراءة قرءان وتسبيح وإستغفار.

الوقوف بين يدى الله ، هذه الخصوصية ، وأنت تقرأ القرءان فيقشعر منه جلدك خشية الله فتلين لذكره ، هذه الخصوصية تصل بك الى عمومية اللفظ بأن تنهى نفسك عن الفحشاء والمنكر خشية لله وتقواه.

فى الصلاة الخاصة أنت أنضجت جوارحك وذللتها لتكون جاهزة لإقامة الصلاة بالمفهوم العام لتترك معصية الله ( الفحشاء والمنكر) .

ومن فهمنا لتدبر الأخ علي مرعي الفاضل نخرج بنتيجة وهي أن صلى  تفيد التجميع والإلتحام وتولى تفيد الجهد على الإنتشار.

______________

تفصيل مفردة أتى :

 مفردة "أتى" مستقلة، وردت في عدد قليل من الآيات الكريمة، حيث وردت ست مرات فقط، وبقية مرورها كان تصريفات مختلفة لها، ومنها الأكثر بيانا في مفهوم الحركة إتجاه شيء ما، كما أعلاه حين حاولنا فهم مفردة صلّى، ومنها كذلك قوله تعالى :
(وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ ) طه – 69
حيث نرى أنها تعني حيث وصل من مكان آخر، وهذا ما نستدل عليه من مساقات وآيات تفصل كون فرعون حين حشر في المدائن فنادى بكل ساحر من هذه المدائن، ومنه هنا نستشعر حركة السحرة إلى موقع الحشر حيث أتوا.

ونبدأ في البحث عن تفصيلات اكثر عمقا وبيانا لهذه المفردة.

نحن نرى الله تعالى لا يتحرك نحونا مكانيا كما يتخيل البعض من خلال فهمه لقوله تعالى           ذوجاء ربك والملائكة صفا صفا، فمجيئه هو الغاية من كل الأمر فهو ليس غائب لكي يأتي!
قال تعالى :
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) البقرة – 210
وهنا يستنكر الله تعالى على اليهود ظنهم وفكرهم بأن يأتي سبحانه إليهم كما يتصورون، أي انهم حصروا إيمانهم بأن يأتي الله تعالى إليهم وهذا من ضرب الكفر :

وهنا اورد تدبر الأخ علي مرعي الفاضل للآيات بقوله (2) :

هل ينظرون إلا ؟ سؤال إستنكارى لحصرهم الأيمان بأن يأتى الله والملائكة
وقضى الأمر
والى الله ترجع الأمور

قضاء الأمر وإرجاعه الى الله، تدل على أنه لا أيات حسية البتة، لا تلك ولا غيرها فما ينظرونه ما هو الا خبل، لهذا نقرأ فى الأية التالية لهذه الآية خطاب الله تعالى للرسول على شكل أمر بالسؤال :
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) البقرة – 211 ، فالله أتى بنى اسرائيل ايات كثيرة ورغما عن ذلك كفر منهم من كفر.

وتوضيح أن الإيمان لا يكون بالأيات لأنها لم تنفع السابقين ، منها قوله تعالى على سبيل المثال لا الحصر :
( وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفا )  الإسراء – 59

الصيغة فى أية البقرة 210 صيغة إستنكارية فقط ولا تعنى بأية حال أن الله يتحرك ويغير مكانه ليأتى سبحانه وتعالى ، وداخل فى الإستنكار ظنهم أن الله يتحرك بأن يأتى ويذهب ‘ فهذا ما ينظرونه هم وليس الواقع، ولنقرأ هنا قوله تعالى :
(هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ) الأنعام – 158

الملائكة لا تأتى لتخاطب الناس ورب الملائكة لا يأتى كذلك ، لهذا كان التعقيب على قولهم هو قوله تعالى " يوم يأتى بعض أيات ربك " وتجاهل الخيارات الأخرى لأنها خارج الحسابات ولا تناقش معهم.

وما يظنونه ويطلبونه ليس بجديد فقد طلبه غيرهم من قبل:
( هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) النحل – 33

انتهى النقل بتصرف.

ومن هنا نبدا بفك الإختلاف الذي يحدث عند البعض في فهم مفردات القرآن الكريم، بخروجنا بفهم واضح مبني على تفصيل الله تعالى لآياته البينات. ومن كل هذا نرى أن مفردة أتى تدل على الحركة من مكان إلى آخر. والآن، وبعد ان تبين لنا ألفرق بين مجيء الله تعالى وأنه لا يأتي بل يجيء، نتأكد من الفرق بين المفردتين، وعودة إلى الآيتين بداية المقال :

( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الصافات – 83:84

(وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ  * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) الشعراء- 78:89

هنا نصين :  جاء ربه بقلم سليم ، وأتى الله بقلب سليم، فما الفرق بينهما؟ وكيف نميزه ؟
في مورد الشعراء المساق يتحدث عن يوم القيامة، يوم تاتي كل نفس خالقها، وعملية إتيانهم تكون ببعثهم ثم نشرهم ثم حشرهم، هي حركة بيّنة واضحة مفصّلة في القرآن الكريم بكل دقائقها، ينفخ في الصور فيبدا الإنشاء لهم ثم حين يتمّ الإنشاء يخرجون من الأجداث ثم ينتشرون كالفراش المبثوث ثم يؤتى بهم فيحشرون ويبرزون للخالق القهار !
وهي لا بد تدلّ على الحركة من مكان إلى مكان حتى يحشرون للحساب فيتم الإتيان لله تعالى، وفي ذلك اليوم، لا ينفع مال ولا بنون إلا من تم إتيانه الى الله تعالى بقلب سليم بما عمله من عمل قبل موته ويكون محضرا أمامه .
أما في مورد الصافات فالمساق لا يدلّ على بعث أو حركة بل هو قصص عن شخص إبراهيم الحاضر بين اهله وقومه وعن مجيئه بقلبه إلى الله تعالى خالصا من الشرك من بعد أن بحث عنه غيبا بلا رسالة وصحف ولا رسول ولا علم إلا ملكوت السماوات والأرض من نجوم وشمس وكواكب، بحث من خلالها عن الله فوجده فاطر لها، فهو جاء ربه مؤمنا به، أي بما حمل في داخله من إيمان خالص لا إشراك فيه وتوحيد له.

وفي نهاية البحث نورد آية ورد فيها المفردتين لكي ننهي الفقه لهما، كما قال تعالى :
(قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) الأعراف – 129
هذه الايات نزلت في القصص عن بني إسرائيل وموسى، من بعد حادثة حشر فرعون للسحرة، ومن فهمنا لقصص موسى، نرى ان قومه يقولون له أنهم أوذو من قبل ان يأتيهم بعودته حاملا رسالة الله تعالى في طريقه من مدين عائدا إلى مصر، أي هي عن حركته من مدين آتيا مصر، وحين أتى مصر جائهم برسالة، فأوذوا أيضا بعد مجيء الرسالة والآيات البينات، فموسى جائهم بآيات بينات من عصى ويد رأوها بأعينهم.
فهو أتى من مدين إلى مصر وجاء برسالة اليهم في مصر.

______________

خلاصة :

أتى : تفيد حركة مكانية متغيرة من مكان إلى آخر.

صلى : أتى ليربط علاقة وصلة مع الآخر كما تفيد واجه ما هو أمامه. وعكسها تماما تولّى.

وفي البحث القادم سنتعرض لكل الآيات التي وردت فيها مفردة " صلوة " في محاولة لفهم الفرق بين مفردة " صلوة " ومفردة " صلاة " كما رسمتا في القرآن الكريم.

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه – فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم.
(1) القرآن الكريم فقط وكفى :
الإصدار الأول :
http://www.alquran-forall.com/index.php?option=com_content&view=article&id=4645:2012-02-19-10-47-38&Itemid=64
الإصدار الثاني :
http://www.alquran-forall.com/index.php?option=com_content&view=article&id=4724:2012-03-02-15-54-26&Itemid=64
الإصدار الثالث والأخير :
http://www.alquran-forall.com/index.php?option=com_content&view=article&id=4766:2012-03-11-11-13-52&Itemid=64


(2) هم مجموعة أخوة افاضل استفدت من دراساتهم وبحوثهم هدانا الله تعالى وإياهم إلى الحق منهم الأخ الزيد والأخ علي مرعي وأخت فاضله لا اعرف اسمها والأخ مروان برينيس.


(3) تفصيل مفردة السجود من القرآن الكريم :
http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=10368

اجمالي القراءات 16525