دراسة للواقع السوري منذ الاستقلال حتى الوقت الراهن
سورية بعد الاستقلال بين مطرقة العسكر وسندان الاصوليين ونار العلمانيين(مقدمة)

محمد مهند مراد ايهم في الجمعة ٠١ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد نهاية الدولة  العثمانية التي جعلت من سوريا دولة متخلفة , يسيطر عليها الاقطاع والاعيان ورجال دين متخلفون فكريا وعقليا, وتهجير معظم العقول والكفاءات المهنية قسريا إلى الاستانة , ونفي واعدام من رفض الانصياع للاوامر السلطانية وظهور اتفاقية سايكس بيكو التي كان من المقرر فيها تقسيم سوريا إلى دويلات  (بعد تقسيم بلاد الشام )تعاقب  على حكم سوريا عدد كبير من العائلات التي  حاولت الاستئثار بالسلطة وتهميش الكفاءات  الفكرية والعلمية , ومعظم من تولى زمام الحكم فيها كان إما من العسكريين أو من الذوات الذين لم يكن لمعظمهم أدنى خبرة في السياسة , ومن كانت لديه الخبرة السياسية فقد كان من الطبقة المخملية التي كانت بعيدة كل البعد عن الطبقات الدنيا من الشعب والتي كانت تشكل الأغلبية , ولئن تعرضنا إلى فترة الوحدة  بين سورية ومصر وما جرته من ويلات  لسورية من تسلط الجهزة الأمنية على مقاليد الحكم وظهور محاكم التفتيش فيها  ,فإنا لا ننكر فضلها في جعل الطبقة المسحوقة من الشعب أكثر وعيا ,غير أن هذا الوعي تم توجيهه باتجاه  عبادة الفرد الحاكم  وتقديس شخصه وجعله يسبح بحمد الزعيم الملهم المغيب عن الواقع ويقدس عبقريته الغبية ويذكر مكرماته على  الشعب المسكين الذي لم ينل من مكرماته حتى لقمة العيش التي كان يجدها بشكل أوفر في عهد الاقطاعيات والبرجوازيات الناشئة  رغم الظلم العظيم الذي كانت تمارسه تلك الاقطاعيات والبورجوازيات.
معظم الرؤساء ورؤساء الوزراء الذين تعاقبوا على حكم سوريا كانوا إما من العسكريين (الذين كانوا منعدمي الثقافة في معظمهم منعدمي الخبرة السياسية)وإما كانوا من النخب البورجوازية والإقطاعية  ,وإما من الذين أبهرتهم التكنولوجيا المتمثلة بالغرب فتقزموا أمامها فلم يعوا منها سوى إنكار الشخصية العربية والشرقية فغلب عليهم التصور  أن الشخصية الأوربية  المتقدمة في كل المجالات كان الباعث فيها الانحلال الخلقي والتمزق الجتماعي.
ولا ننكر هنا أن بعض من تولوا زمام الحكم ,كانوا على درجة من الوعي ,وقد حاولوا أن  يقدموا انموذجا متطورا للحكم ,غير أنهم بمعظمهم غالبتهم العاطفة القومية والدينية فأدخلوا البلاد في متاهات وظلمات جرت الويلات لهذاالشعب.
من المفارقات أن من تولى زمام الحكم في سورية , إما أنه قام بتهميش أبناء القرى والمناطق المتطرفة للمدن بالنسبة للنخب المخملية من جهة , أو أنه قام بزرع كراهية أهل المدن في نفوس القرويين(بذريعة استغلالهم )بالنسبة للقيادات العسكرية من جهة أخرى , وهذا ما ولد الحقد المديني القروي
ولئن كان كثيرا من الليبراليين والشيوعيين والعلمانيين قد حاولوا القيام بدور فعال في نهضة الشعوب ,غير أنهم اصطدموا بواقع مر لم يفكروا حتى بالتعايش معه على أنه واقع بل أمعنوا في تصويرالباعث للتقدم الذي صوروه على أنه (التخلي عن الخلفية الدينية التي كانت تسيطر على المجتمع وخلع عباءة الأخلاق الشرقية) أو على الأقل لم يستطيعوا نفي هذا عن توجهاتهم التي كان من السهل على النخب الدينية تصويرها لعامة الشعب.
كل ذلك أدى إلى انحسار النفوذ المديني وظهور التسلط القروي (بمباركة من القيادات العسكرية والتي كانت في  أعلى مستوياتها في ظل حكم البعث )فتسلط القرويين وفي مقدمتهم أبناء الساحل  والذين كان يغلب عليهم (الطائفة العلوية)والتي عانت على مر عقود من فقر واستعباد واضطهاد خصوصا في ظل الحكم العثماني.
 ولئن كان أبناء الريف من غير الطائفة العلوية قد أحسوا بإعادة اعتبارهم إلا أن هذا الاحساس لم يدم مع رؤيتهم لتسلط الطائفة العلوية واستئثار آل الأسد ومن كان مقربا منهم بالمكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وكان مما خلفه حكم آل الأسد , بورجوازيات جديدة ظهرت فجأة بعد أن كانت في طور العدم لتحاول الاستئثار بكل منابع الثروة من خلال ممارسات مافيوية وإصدار قوانين تعجيزية تسهيلية
وظهور قيادات عسكرية لا تعرف من العسكرية سوى الاذلال والابتزاز الذي تمارسه على من كان تحت سلطتها
كما أن حكم آل الأسد الذي كان يتغنى بفصل الدين عن السياسة لم  يلبث أن قام بتنشيط الدعوات الدينية التشييعية إرضاء لإيران (التي كانت الداعم الأساسي له )كما قام بممالأة المرجعيات الدينية المعتدلة(على حد زعمه) لكسب ولائها كما قام بفسح المجال أمام الدعوات المتطرفة لكشف التوجه الديني المتطرف في البلاد والقضاء عليه (وهذا ما جعله أكثر انتشارا بسبب الاسلوب القمعي في التعامل معه)

وظهور نخب سياسية لا تعرف من السياسة شيئا سوى ترديد شعارات فارغة والقاء خطب مطولة خالية من أي وعي سياسي واجتماعي ومع بداية الربيع العربي حاول بعض النخب السياسية التصدي للواقع المؤلم الذي تعيشه سورية شاركهم في هذا أبناء الطبقات الكادحة وأبناء الريف المهمش وكثير من مثقفي شبابها ممن لم يجدوا لهم مكانا في ظل الحكم الجائر
ولئن كانت الثورة بدأت بسبب أطفال كتبوا شعارات لم يكونوا حتى على دراية بمعناها إلا أن هذا أشعل احتجاجات انتشرت على مستوى واسع بسبب القمع الشديد الذي تعرض له المحتجون ولم يكن نتيجة ذلك إلا عسكرة للثورة بسبب العقلية الثأرية القبلية التي تطغى على المجتمع السوري غير أن بعد معظم المحتجين عن أي وعي سياسي دفع بالثورة المسلحة إلى ظهور تكتلات قبلية ودينية وأسهم في ذلك دخول العناصر الجهادية من خارج سورية بمباركة خليجية لضمان المد الوهابي  كل هذا يدفعنا لتساؤل ماذا بعد سقوط الأسد؟

هذا إن اتفقت المصالح الدولية على اسقاطه

اجمالي القراءات 9372