كتاب الحج ب 3 ف 1 (الشقاق والاختلاف فى الأديان الأرضية )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠١ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الثالث : الحج فى الدين الصوفى

الفصل الأول : الشقاق والاختلاف فى الأديان الأرضية

أولا : عمق الشقاق فى الأديان الأرضية

1 ـ فى  الباب الثانى عرضنا للتواتر الحق فى ملة ابراهيم فيما يخص فريضة الحج ، وكيف أعادت قريش التواتر الباطل لأغراض إقتصادية ، ثم كيف استمر هذا التواتر الباطل بقريش بعد الاسلام ، وختمنا الباب بصناعة الدين السّنى لمناسك الحج والذى أعاد التواتر الجاهلى القرشى عبر أحاديث مفتراة ومتناقضة . أى نحن هنا أمام دين أرضى واحد ، ومع أئمته الصانعين له ، ومع ذلك نجد شقاقا بينهم فى مناسك الحج ، بل إن التناقض تجده أحيانا فى الكتاب الواحد بل فى الحديث الواحد ، أى إن الشقاق والاختلاف يصل الى عمق الصناعة نفسها ، صناعة الدين السّنى لدى أئمته الأوائل .

2 ـ وبتكاثر الاختلافات تحوّل الدين السّنى الى أديان فرعية أرضية ، أو ( مذاهب ) مختلفة ، بقى منها اليوم أربعة مذاهب.  ومعنى ( مذهب ) أى أن الإمام المؤسس ( ذهب ) الى هذا الرأى وإختاره ،أى هذا هو ( مذهبه ). ولأنها صناعة شخصية ورؤية بشرية فهو يخالف نفسه أحيانا ، وبالتالى يخالفه أقرانه ( فيذهبون ) الى (مذاهب) أخرى بشرية ، ولكن جاء أتباع لهذا الامام أو ذاك فإختاروا أن يسيروا خلف هذا أو ذاك ، فأصبح جمهور لتلك المذاهب ، وقد تكاثر عبر السنين وتكاثرت معهم خلافاتهم بحيث تستعصى على الحصر، وبهذا الاختلاف والشقاق تكونت المذاهب الأربعة الحالية داخل الدين السّنى .

3 ـ ومع أنها ( مذاهب ) مصنوعة بالبشر ، ومع أن مصطلح ( المذاهب ) هذا ليس من اللسان القرآنى ، ومع تسليم أتباع المذاهب بأن أئمتهم بشر من بنى آدم عاشوا وماتوا كبقية البشر ، إلا إن نسبة أولئك الأئمة أراءهم للنبى عله السلام واعتبارها وحيا قد جعل تلك المذاهب ( شريعة الاهية ) بالإفك والبهتان ، وهذا ما يعتقده الوهابيون اليوم . ومن هنا تصبح تلك المذاهب أديانا أرضية صنعها البشر ، ونسبوها لله جل وعلا زورا وبهتانا ، ثم إختلفوا فيه وتنازعوا ـ ولا يزالون .

4 ـ ويتعمّق الاختلاف ويتمدّد داخل الدين السّنى على مستوى ( الأحاديث )، فأول كتاب فيها وهو موطأ مالك يمتلىء باختلافات بين روايات النسخ الى أملاها مالك لتلاميذه ، ثم تتعدد التناقضات داخل الأحاديث نفسها فى الرواية الواحدة ، ثم جاء الشافعى بكتابه ( الأم ) فكان يختلف مع نفسه  فى الصفحة الواحدة ، واختلف معه المزنى راوى كتاب ( الأم ) فى تعليقاته على كتاب ( الأم ) . وليس لأبى حنيفة كتاب مدوّن إذ قتله الخليفة المنصور عام 150  قبل أن يسود عصر التدوين، وجاء تلميذاه (الشيبانى) و(أبو يوسف ) شيخا المذهب الحنفى فتناقضا مع شيخهما أبى حنيفة فى كل شىء تقريبا.

 ولم يكن ابن حنبل فقيها بل كان من أصحاب الحديث ، و( مسند أحمد ) تم ترتيبه حسب الرواة باعتباره محدّثا وليس فقيها ، ولم يرتبه حسب أبواب الفقه كما فعل البخارى ومسلم . لكن إضطهاد الدولة العباسية له أسفر عن شهرته وتكوين ( حركة ) الحنابلة المتشددة ، فجعلوا له مذهبا فقهيا .

5 ـ وهذا التشابك بين ما هو ( حديث) وما هو (فقه) عمّق الاختلافات أكثر بين أصحاب الحديث واصحاب الفقه، خصوصا مع إدمان الفقهاء بتعزيز آرائهم الفقهية بأحاديث منسوبة للنبى عليه السلام ، وتعارض كل تلك الأحاديث مع بعضها، فحاول أرباب الحديث عبر ( الجرح والتعديل ) تدارك الأمر بفحص مدى صدق الرواة فى ( الاسناد ) أى فى نسبة الحديث الى النبى عبر عنعنات من الرواة ( روى فلان عن فلان عمن فلان..أن النبى قال ) . وهل هذا الراوى صادق أم كاذب ، وكما شرحنا فى بحث ( الاسناد ) إختلفوا وتنازعوا أكثر وأكثر ، ولم يجتمعوا على رأى واحد فى أن هذا الراوى صادق أم كاذب .

6 ـ هذا كله فى دين ( السّنة ) فيما يخصّ التشريع . وهناك فرع من دين السّنة يخص العقائد مثل صفات الله جل وعلا والقضاء والقدر..إلخ ، أو ما كان يعرف بعلم الكلام . وقد بدأ هذا العلم على يد المعتزلة الذين تأثروا بالفلسفات اليونانية وعملوا على التقريب بينها والاسلام ، فتصدّى لهم الفقهاء السنيون المحافظون الرافضون لأى فكر ( وافد ) ، وقد إنشقّ أبو الحسن الأشعرى عن المعتزلة موافقا الفقهاء ، وتكونت طائفة ( الأشاعرة ) السّنية فى العقائد المخالفة للمعتزلة ، وتبعتها طائفة (الماترودية) أتباع أبى منصور الماتوريدى الذين خالفوا أقرانهم الأشاعرة فى مسائل كثيرة . والمضحك أن الحنابلة يكرهون الأشاعرة ويختلفون معهم فى مسائل كثيرة برغم أن الأشعرى إنشق عن أقرنه المعتزلة موافقا أهل الحديث والفقه.

7 ـ وفى القرنين الرابع والخامس من الهجرة كان قد تأسّس لدى المسلمين مئات الفرق والملل والنحل والطوائف الدينية ، وبرز علم جديد متخصّص فى ( الملل والنحل ) منها ما يهاجم بقية الملل معبرا عن وجهة نظره كالملطى ( السّنى ) فى كتابه ( التبيه والرّد ) ، ومنها ما كان يكتفى برصد الخلافات بين تلك الملل والنحل كما فعل أبو الحسن الأشعرى ت 330 فى كتابه ( مقالات الاسلاميين ) وابن حزم الاندلسى ت 456 فى كتابه ( الفصل فى الملل والنحل ) والشهرستانى ت 548 فى ( الملل والنحل ). ثم تشعبت الملل والنحل فى العقائد وفى التشريعات بإزدهار التصوف وانتشار الطرق الصوفية .

8 ـ مع كل هذه الاختلافات بين ( أُمّة المسلمين) فإنّ من المضحك فى عصرنا أن تؤمن ملايين الحيوانات الأليفة بأسطورة (الاجماع )، وتزعم أن ( الأمة قد أجمعت على كذا وكذا ). يعنى أنّه تم عقد إجتماع للأمة المسلمة كلها فى العالم كله من عصر  الخلفاء الى عصرنا ،تم تجمعوا كلهم فى وقت واحد وفى (إستاد ) ضخم  يفوق إستاد القاهرة ، وأخذوا رأيهم فى كذا ، وسألهم المغنى ( فهد بلّان):( صح يارجال ؟ ) فهتفوا جميعا بالفم المليان : أيوه صح .!!. وبهذا حصل ( الإجماع ).. والمجانين فى نعيم .!!

9 ـ وإذا تركنا الدين السّنى الأرضى وذهبنا الى دين أرضى آخر كالتصوف وجدناه ( طرقا صوفية ) تتعدّد وتتكاثر وتتشعب ، منها ما يزدهر ثم يندثر ، ومنها ما يتشعّب ويتكاثر بتكاثر الأشياخ وبالتنافس حول المريدين وتنازع ورثة الأولياء على النذور والقرابين . ودين التشيع الأرضى هو الأخر مبلىُّ بالاختلافات والإنشقاقات من عهد عبد الله بن سبأ الى عصرنا ، من الإمامية الاثنى عشرية فى ايران الى الزيدية والحوثيين فى اليمن والعلويين فى سوريا وشتى طوائف الاسماعيلية. ونفس الحال لدى النصارى والمسيحيين ، من ديانة الأقباط ( الأرثوذكس ) الى ( الملكانيين ) و الكاثوليك قبل الاسلام ، ثم التشعب  فى كل طائفة ، ولا يزال المسلسل مستمرا . ونفس الحال فى اليهودية من الصدوقين والقرّائين ..الخ .. وهذه أديان أرضية تم تأسيسها على أنقاض الدين السماوى بغيا وعدوانا على رب العزة . وهناك أديان أرضية أخرى فى آسيا وأفريقيا نعتقد أنها أيضا تأسست بنفس البغى على رسالات سماوية لا نعرفها .

10 ـ أى أننا أمام حقيقة مرعبة : أن كل تلك الأديان الأرضية المختلفة والمتناقضة مع نفسها ومع غيرها تتفق جميعا على : البغى على الدين السماوى وعقيدته ( لا اله إلا الله ) ، وأنها كلها تقدّس البشر والحجر ، وأنها تصنع دينا بوحى شيطانى وتنسبه لله جل وعلا ظلما وزورا، وأنها تقوم على الهوى بينما يقوم الدين الالهى على ( التعقّل ) ، وأنها مؤسّسة بكهنوت يساند الظلم والاستبداد والفساد ، وأنها تخدع العوام بالدين لتسرق آمالها وأحلامها فى العدل والحرية والكرامة الانسانية . يجمعها كلها أنها ضد دين الله جل وعلا ( الاسلام ) الذى نزلت به كل الرسالات السماوية بألسنة مختلفة، تؤكّد بأنه لا اله إلا الله ، وتدعو للعدل والاحسان والسلام وحرية الدين والانتظار الى يوم الحساب للحكم بين البشر فيما هم فيه يختلفون .

ثانيا :  البدايات ( أ ) : تاليه الرسل هو البداية فى الشقاق

1 ـ لا يجرؤ إنسان مهما بلغ كفره على الزعم بأنه خالق البشر والسماوات والارض والكون الذى بينهما بمجراته ونجومه . لذا يؤكّد رب العزّة أنه لا اله ألا الله ، لأنه وحده خالق كل شىء سواه . يقول جل وعلا :(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ )( فاطر 4)(أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) النحل) ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) الطور ) (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16) الرعد ). وطالما نؤمن فعلا بأن الله وحده خالق كل شىء فكلنا سواء من حيث أننا مخلوقات، وأنه لا يصح لأى مخلوق أن يوضع الى جانب الخالق. وبالتالى فإنّ الايمان الحق بأنه (لا اله إلا الله) تساوى بين البشر فى عبوديتهم لخالقهم ، سواء كان هذا المخلوق نبيا مرسلا أو بشرا عاديا . وبالمساواة فى عبودية البشر للخالق وحده فلا مجال للاختلاف بينهم فى الدين.

2 ـ  ولكن يبدأ الاختلاف فى الدين برفع مخلوق الى جانب الخالق جل وعلا . وهذا يبدأ أيضا بالتفريق بين رسل الله برفع واحد منهم فوق مستوى الآخرين وتمييزه عليهم . ولأنّ الرسل والأنبياء هم صفوة الخلق ، فإن رفع رسول منهم فوق الرسل الآخرين يعنى تأليهه ووضعه ـ وهو المخلوق ـ الى جانب الخالق جل وعلا، ويتولّد بهذا دين أرضى على أطلال الدين السماوى وينتمى هذا الدين الأرضى الى الاله الذى تم صنعه تحت إسم الرسول .  فعل هذا ( المسيحيون ) الذين رفعوا عيسى فوق مستوى الرسل وألّهوه ، ودخل أبناؤهم الى الاسلام بعد الفتوحات العربية ، فمالبثوا أن أضافوا لمحمد نفس صفات التأليه تقريبا الذى أضافه آباؤهم للمسيح ، فأصبحوا  ( أمّة محمد ) مقابل ( أمّة المسيح ) أى أصبحوا ( محمدين ) مقابل ( المسيحيين).

جعل (المسيحيون) المسيح هو (المخلّص   الذى يفتدى البشر ) وجعل المسلمون المحمديون ( محمدا ) هو الذى يقوم بالشفاعة العظمى فيخلّص البشر من هول الانتظار يوم القيامة . لم يجرؤ المسلمون على القول لفظا بأنّ محمدا هو ( ابن الله ) كما يقول المسيحيون ، ولكنهم قالوها بالمعنى، فى عقيدة ( الحقيقة المحمدية ) التى تجعل محمدا نورا أزليا منبثقا من النور الالهى ، وأنه قبل خلق العالم وقبل خلق آدم ، وصاغوا فيها أحاديث مثل : ( أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ) ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ، وكنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين ).

2 ـ بعد هذه البداية فى تأليه النبى والتفريق بين الأنبياء يتبعها إضافة أصحاب النبى وآله وأهله الى دائرة الألوهية ، فعل هذا المسيحيون مع الحواريين ، وفعلها المسلمون مع الصحابة. ثم تأتى الخطوة الثالثة وهى تقديس الأحيار والرهبان والأئمة والشيوخ والأولياء وإتخاذهم أربابا .ومع التحذير الذى جاء فى القرآن الكريم ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)( التوبة) فقد سار المسلمون على نفس الطريق يؤلهون الأئمة والعلماء مخترعى أديانهم الأرضية . ثم ينتهى الأمر بتأليه أنفسهم بزعمهم أنهم ابناء الله وأحباؤه ، هكذا قالت اليهود والنصارى:( وَقَالَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ )ويرد عليهم رب العزّة : ( قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)(المائدة).وهكذا قال الصوفية المسلمون عن أنفسهم بأن النور الالهى إنتقل من محمد الى الأولياء والأقطاب ..الخ .

3 ـ وبهذا يتحول دين الله الواحد الى أديان أرضية متنافرة ، يتعدد فى كل دين منها آلهته الخاصة به ، ويعتقد كل فريق أنهم  أنهم دون غيرهم أصحاب الجنة، وهكذا يعتقد السنيون والشيعة والصوفية ، وقالها قبلهم النصارى واليهود:( وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى )البقرة (111)، ويرد عليهم رب العزة:( تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) البقرة ). يعتقد كل فريق أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن غيرهم فى ضلال مبين: ( وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) وهى عادة سيئة فى كل دين أرضى سبقت اليهود والنصارى، يقول جل وعلا ( كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ (113) البقرة).وسلك المسلمون بأديانهم الأرضية نفس الطريق، يقول الشيعة أن السّنة ليست على شىء، ويقول السنيون أن الشيعة والصوفية فى ضلال مبين  ، والمرجع لله جل وعلا يوم القيامة (فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة ). وفى كل الأحوال فلن يرضى أصحاب اى دين أرضى بالدين الحق وأصحابه حتى يتبعوا ملتهم ، فهكذا كان موقف اليهود والنصارى من خاتم النبيين، يقول له ربّه جل وعلا :( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ  )(120) البقرة ) ويأمر رب العزّة رسوله أن يقول لهم بأن الهدى فى كتاب الله:( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ) ويحذّر النبى من أن يتّبع أهواءهم:( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) ( البقرة ) . ونفس الحال اليوم مع أصحاب الديانات الأرضية من المسلمين ، فالسنيون لا يقبلون النقاش مع من يؤمن بالقرآن وحده حديثا إلا بعد أن يعلن لهم تسليمه بالسّنة، والشيعة والصوفية يرفضوننا طالما لا نؤمن بأئمتهم وأوليائهم. وكلهم يرفض الهدى القرآنى القائم على أنه لا اله إلّا  الله . 

4 ـ الأساس يبدأ بتأليه المسلمين للنيى محمد خلافا للقرآن الكريم، إذ يعتقدون بأن محمدا هو ( أشرف المرسلين ) وأنه ( سيّد الأنبياء ) وهو المفضّل على الأنبياء بكذا وكذا ، وأنّه صاحب الشفاعة العُظمى يوم القيامة، وأنّ مالك يوم الدين ليس رب العزة ـ بل هو ( محمد ) الذى يأمر رب العزة فيطيع .! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . هذا الضلال الفاحش فى التفريق بين الرسل وقع فيه الكافرون من أهل الكتاب فقال لهم رب العزة يأمرهم بالايمان ليس بأشخاص الأنبياء والرسل ولكن بكل ما نزل على الأنبياء وعدم التفريق بينهم وبأن يسلموا وجههم لله جل وعلا وحده لا إله غيره:( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136). وجعل ربّ العزّة هذا أساس الهداية وجعل التفريق بين الرسل أساس الشقاق والاختلاف، يقول جل وعلا بعدها يخاطب رسوله : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة).

ونفس الأمر جاء بنفس الكلمات تقريبا لخاتم النبيين ولنا : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) آل عمران ) ثم يؤكّد رب العزة فى الآية التالية أن هذا هو الاسلام المقبول عنده جلّ وعلا يوم القيامة ، وأنّ من يقع فى التفريق بين الرسل فقد إيتغى غير الاسلام دينا:( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران ). ويؤكّد نفس المعنى فى قوله جل وعلا :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ )، وأن محكّ وميزان الايمان الحق للمؤمن أن يعلن طاعته بعدم تمييز رسول على رسول :( وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة ).

وبالتالى فإنّه يكون كافرا بعقيدته ذلك الذى يفرّق بين الله ورسله ، كما يفعل المسلمون مع (محمد) ، إذ يميزونه بذكره مع الله رب العزة فى الشهادة ، فلا ينطقون ( لا اله إلا الله ) إلا ومعها ( محمد رسول الله ) أى يجعلون شهادة ( الوحدانية ) مثنّاة، ويرفعون محمدا فوق بقية الرسل ، ثم يرفعونه مع الله جل وعلا فى الأذان وفى الصلاة وفى الحج .أولئك ـ إن لم يتوبوا ـ ينطبق عليهم قوله جلّ وعلا :(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (151) النساء ) وفى المقابل يقول جل وعلا عن المؤمنين الذين يؤمنون بالرسل جميعا دون نقريق بينهم : ( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152)(النساء). والعجيب أن ينزل الله جل وعلا كتابا سماويا على رسول من الرسل يؤكّد على أنه ( لا اله إلا الله )، ويجاهد هذا الرسول ويعانى ثم ينتصر ويموت ، فلا يلبث بعد موته أن يتحوّل بالبغى الى إله مع الله .

ثالثا : البدايات( ب ):كان البشر أمة واحدة فأصبحوا (أمة المسيح )( أمة محمد ) و (أمة فلان وفلان)  

1 ـ كان البشر جميعا فى البداية أمة واحدة تحت شعار ( لا اله إلّا الله ) وكلهم سواء فى العبودية له ، وتمسكوا جميعا بالكتاب السماوى الذى جاء به الرسل ، وكانوا يحتكمون الى هذا الكتاب فى أى خلاف يطرأ بينهم ، ولكن بداية الاختلاف كانت بالبغى والافتراء على العلم الالهى أو الرسالة السماوية التى تنزل بالبينات . عن البشر جميعا يقول ربّ العزة : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ). (213) البقرة ).

2 ـ وفى الوحى الذى نزل على جميع الرسل جاء التأكيد على أنهم جميعا ( أمّة واحدة ) مع إختلاف الزمان والمكان والزمان والظروف . ولكن يبدأ الشقاق والخلاف ويتفرّق الناس الى أحزاب ، ولكل حزب كتابه المقدس أو كتبه المقدسة ، وهذا ما حدث فى تاريخ بنى اسرائيل والمسيحيين والمحمديين . عن الشقاق بين أتباع الرسالات السماوية يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) الأنبياء ) هذا هو الوحى الذى جاء للجميع ، ولكن يطرأ الشقاق ويتفرقون الى أحزاب ، ويتحول الكتاب الالهى كتاب مهجور ن ويستعيض كل فريق عنه بكتب أو ( زُبر ) : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) المؤمنون ). ويقول جل وعلا أيضا يكرّر هذه الحقيقة : ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)(الأنبياء ).

3 ـ كانوا ( أمة ) واحدة فى عهد الرسول ولها كتاب مقدس واحد هو الرسالة السماوية ، ثم تحولوا بعده الى أحزاب وطوائف ، أى الى ( أمة فلان وأمة فلان )، وتكاثرت كتبهم المختلفة المتناقضة ، وكلها يفرح بها أصحابها برغم أنها رجس من عمل الشيطان ومن وحيه وإفترائه .حدث هذا قبل نزول القرآن ، ونزل القرآن ، وفيه يحذّر رب العزة مقدما أهل القرآن مما وقع فيه السابقون من الاختلاف ، فأمرهم بالاعتصام بالقرآن ونهاهم عن التفرق، يقول جل وعلا:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(103) آل عمران)،(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)آل عمران).

4 ـ ولكن مالبثوا أن تفرقوا من بعد ما جاءتهم بينات القرآن الكريم . أصبحوا ( أمة محمد )،  ثم أنقسمت ( أمّة محمد ) الى ( أمّة السّنة ) و (أمة الخوارج ) و( أمة التشيع ) و (أمة التصوف )..الخ ،  وكل أمة تتجزأ ، فأمة السنة منها أمة الحنفية وأمة المالكية وأمة الشافعية وأمة الحنابلة . ثم تقسيمات فرعية ، فأمة الحتبلية تتجزّأ ، وتتشعب الى يتولد منها مخلوق شائن قبيح فى عصرنا هو (الأمة الوهابية التيمية الحنبلية السنية المحمدية ) ، وهكذا التشرذم فى بقية الأمم ( المحمدية )..!!

رابعا : البدايات : ( ج ) الوحى الشيطانى الظالم الباغى على الكتاب السماوى   :

1 ـ سبق الاستشهاد بقول ربّ العزة : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ).(213) البقرة)، فبداية الاختلاف كانت بالبغى على العلم الالهى أو الرسالة السماوية التى تنزل بالبينات .  

2 ـ إن الشرع الالهى واحد فى أساسياته فى الدعوة لإقامة الدين أو تطبيقه وفى عدم التفرق :( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ  ) (13) الشورى )،ولكن يطرأ الشقاق والتفرّق بالبغى على كتاب الله جل وعلا :( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ )(14) الشورى ). لذا يأمر رب العزة خاتم النبيين بأن يستقيم مع القرآن الكريم مؤمنا بكل الكتب السماوية بلا تفرقة بينها وألا يتّبع أهواء أصحاب الشقاق والخلاف : ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) الشورى). وهنا إشارة هامة الى دور الوحى الشيطانى الباغى الظالم ، والذى يحمل الشقاق والهوى فى عقائد أهل الديانات الأرضية، وأن المرجع الى الله جل وعلا فى الحكم فى هذا الشقاق والخلاف .

3 ـ  وفى نفس المعنى يقول جل وعلا عن تفرق أهل الكتاب بعد نزول بيّنات الكتاب : ( وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)البينة ). وقال جل وعلا عن بنى إسرائيل :( وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية )، أى بغوا على الدين الالهى الذى نزل بالعلم الحقيقى فاختلفوا وتفرقوا ، والحكم لله جل وعلا عليهم يوم القيامة . ثم يأمر الله جل وعلا خاتم النبيين بألا يتبع أهواءهم.: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(18) الجاثية )، وهنا أيضا تلازم البغى على الدين الالهى بمولد الدين الأرضى بالشقاق والهوى ، وأن مرجع الحكم عليهم لله جل وعلا يوم القيامة. 

4 ـ وفى نفس الموضوع جاء سياق آية ( التشهّد) المفروض قولها فى الصلاة دليلا على دين الاسلام و ( لا اله إلا الله )، وهى آية :( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران ) فهذا هو الاسلام ، دين الله الحقّ كما جاء فى الآية التالية :( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ )19 ) آل عمران). جاء هذا فى سياق وقوع أهل الكتاب فى الاختلاف بينهم حين بغوا على الحق الالهى كفرا بآيات الله ، يقول جلّ وعلا فى نفس الآية الكريمة :( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ  (19 )(آل عمران).أى إختلف أهل الكتاب بغيا وظلما وتعديا على الكتاب السماوى الذى نزل بالاسلام دين الله جل وعلا .

وجدير بالذكر أن المسلمين فى أديانهم الأرضية صنعوا اسطورة المعراج وصاغوا فيها ( التحيات ) ونسبوها فى صيغ مختلفة الى الصحابة ، ووضعوها مكان التشهّد القرآنى فى الصلاة ، وهو قوله جلّ وعلا :( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18). سلكوا مسلك ( أهل الكتاب ) وبعد أن كانوا ( أمة واحدة ) صاروا أحزابا ، كل حزب بما لديهم فرحون .

5 ـ الشيطان هو اللاعب الحقيقى هنا . فالوحى الالهى بالرسالة السماوية يواجهه وحى شيطانى يضلّ الناس ويوقع بينهم الفرقة والشقاق والبغضاء . ومن هنا فإنّ لكل نبى عدوأ من شياطين الإنس والجنّ الذين يفترون أحاديث وينسبونها ظلما وبغيا لله جل وعلا ولرسوله . يقول جل وعلا عن هذه الأحاديث الشيطانية ومخترعيها ومروّجيها من اعداء الأنبياء : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) الأنعام ) ويقول بعدها عن الاحتكام  الي القرآن الكريم فى تلك الأحاديث الضالة : ( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) (114) الانعام ) . وتكرّر وصف رب العزة بأن أظلم الناس هم الذين يفترون على الله كذبا ويكذّبون بآياته . ومع هذا فإنّ اولئك الذين وصفهم رب العزة بالظلم والبغى هم الأئمة المقدسون لدى أتباع الديانات الأرضية من المسلمين . يكفى أن قلب القارىء يرتعش ويرتعب حين نؤكّد أن من بين أولئك الظلمة الفجرة : البخارى ومسلم والشافعى ومالك وابن حنبل ..الخ .. هذا الرعب من ذكر أسمائهم دليل تقديسهم وعبادتهم الذى عشنا عليه قرونا .!

خامسا :  تحذير أهل القرآن من التفرق والشقاق  الذى وقع فيه أهل الكتاب

1 ـ سبق أن ذكرنا بعض الآيات التى تحذّر خاتم النبيين من إتّباع أهواء أهل الكتاب من أهل الشقاق . ولقد تكرّر هذا أمرا ونهيا للنبى عليه السلام وللمؤمنين ، أمره رب العزة بأن يقيم وجهه للدين حنيفا ، وأمرنا ألّا نكون من المشركين الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا وأحزابا وطوائف دينية : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم ).

وأمر الله جل وعلا خاتم النبيين بالتبرؤ ممّن يقع فى التفريق فى الدين ، وأنّ مرجعهم الى الله جل وعلا يوم القيامة ليحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون : ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الانعام ). وفى نفس السورة جاءت الوصية العاشرة من الوصايا العشر أمرا بالتمسك بالقرآن وحده صراطا مستقيما ونهيا عن إتّباع غيره لأن إتباع غيره من الكتب يورث الفرقة والاختلاف  :( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) الانعام ).

2 ـ وعلاجا للشقاق أوجب الله جل وعلا الاحتكام للقرآن الكريم فى كل زكان ومكان،فهو الرسول أو الرسالة التى حفظها رب العزة لتظل الرسول بعد موت الرسول محمد عليه السلام : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) النساء) . لذا يقول رب العزّة عن النجاة من الاختلاف وهذا البغى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) الشورى ). وسبقت الاشارة الى وجوب الاحتكام الي القرآن الكريم فى تلك الأحاديث الضالة:( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(114) الانعام )

3 ـ إننا نعيش إختبارا فى هذه الدنيا ، ولكل فرد حريته فى الايمان أو الكفر ، فى الطاعة أو المعصية ، ثم سيكون حسابنا على هذه الحرية يوم القيامة . إن الله جل وعلا لم ينزل مع الكتاب السماوى ملائكة العذاب ، بل جعل الدين حرا فى هذه الدنيا ، وجعل يوم الدين للحساب على موقف الناس من الدين . وأنزل الكتاب السماوى للناس ، وهم أحرار فى الايمان به والتمسّك به ، وإن فعلوا فلا سبيل للشقاق والاختلاف طالما يحتكمون الى القرآن وهم فعلا يؤمنون به ويخافون اليوم الآخر (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ )(59) النساء ) .

أمّا إذا لم يكونوا مؤمنين فعلا بالله جل وعلا وباليوم الآخر فسيتلاعبون بالقرآن ويزدادون به خسارا ، أمّا المؤمنون فيزدادون بالقرآن هدى ورحمة : (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء ). ولهذا يمتلىء تراث الأديان الأرضية للمسلمين بالتلاعب بألايات القرآنية التى تعبّر عمّا فى قلوبهم من زيغ :( فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) آل عمران ). وبالتالى يزدادون بالقرآن خسارا وإختلافا وأنقساما وشقاقا.

4 ـ الاحتكام للقرآن الكريم فى هذه الخلافات هى أن يبحث المؤمن عن الحق القرآنى بدون رأى مسبق بل طلبا للهداية ، وأن يتمسك بالحق ، ويعلن هذا الحق دون أن تأخذه فى الله جل وعلا لومة لائم ، وينتظر الحكم عليه وعلى الناس يوم القيامة .

ختاما :

1 ـ سبق أن عرضنا لخلافات الدين السّنى فى مناسك الحج ، وشريعة الحج فى الدينين  الصوفى والشيعى تنقلنا الى ميدان جديد ومختلف ، حيث السائد فيهما هو تقديس البشر والحجر والحج اليها وعبادتها وتقديسها على حساب رب العزة وكتابه الكريم وبيته الحرام .

2 ـ  وندخل بهذا على ( الحج فى دين التصوف ) .

اجمالي القراءات 13065