كتاب الحج ب 2 ف 10 عودة التواتر الباطل فى مناسك الحج بعد موت النبى عليه السلام

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٤ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الثانى : الدين السّنى وصناعة تشريع الحج .

 الفصل العاشر :عودة التواتر الباطل فى مناسك الحج بعد موت النبى عليه السلام     

 أولا : إستغلال الحرم وفريضة الحج فى الترويج للأنحلال و للتجارة القرشية( طواف العرى )

1 ـ بكل دهاء التجّار ومكر المتاجرين بالدين قامت قريش بإستغلال الحرم وفريضة الحج فى الترويج للإنحلال الخلقى خدمة للتجارة القرشية حيث يتحول الحج الى ( سياحة جنسية ) بتعبير عصرنا والى رواج تجارى للبضائع القرشية . ويمكن تلخيص هذه ( الوصفة ) القرشية فى الجمع بين التوسل بالأولياء والأوثان ورمى الجمرات ولعن ابليس ، ضمانا مقدما للغفران من أى ذنب ، والتشجيع على الوقوع فى الفواحش بالذات لأنها عندهم دين ، وشفاعة الأولياء جاهزة لتقربهم الى الله جل وعلا زلفى مهما عصوا ، لذا كان  طواف العرى فى الحرم أهم وسيلة لعرض للأجساد والتعرف على ( البضاعة ) ، أى جعلوا البيت الحرام للعرض ، أما الممارسة فهى خارج الحرم ، فى حانات مكة وأسواقها ، حتى لا يصيبهم ما أصاب ( أساف ونائلة ) التى زعمت أساطيرهم أنهما رجل وامرأة زنيا فى الحرم فمسخهما الله جل وعلا ، فأصبحا وثنين يمثلان الشيطان ، ومن مناسك الحج رجمهما بالجمرات . فالرجم هنا لعن للشيطان عندهم ، وتذكير لهم بالابتعاد عن الزنا فى الحرم ، فيكفى فيه طواف العرى ، ولكن أسواق مكة ومواخيرها هى التى تستقبل الزبائن ، وأبواب الغفران مفتوحة لهم مقدما .

لم تكن مكة مركزا لأى إنتاج زراعى أو حيوانى أوصناعى ، فهى فى واد جبلى بلا زرع ولا ضرع . ولكن كانت خيرات العالم تأتى اليها ـ ولا تزال . أو كما قال جل وعلا بالتعبير بالمضارع  ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا (57) ( القصص )، أى يتم فى كل وقت الإتيان بكل أنواع الثمرات الى مكة ، وهذا يحدث الآن ، ففى مكة كل بضائع العالم من الشرق والغرب ، وهكذا كان الحال تقريبا فى عصر نزول القرآن حيث تكفلت بذلك رحلة الشتاء والصيف بالتجارة العالمية بين الهندوالصين شرقا ، وأوربا غربا ، فعلى هامش هذه التجارة وتبادلها كان هناك جزء يتم تسويقه داخل مكة بإرغام الحجّاج على شرائه . لذا كانت قريش تمنع الحجاج القادمين من المجىء بطعام معهم ليشتروا طعامهم من أسواق مكة ، والطعام المشترى من أسواق مكة، لا بد من استهلاكه فيها ، ورمى الباقى فيها . وكانت تمنعهم من الطواف بملابسهم ، وتجبرهم على شراء ملابس الحرم من ثياب من متاجرها بزعم أنها ثياب ( أهل الحرم ) أو (الحمس من قريش ) وهى وحدها التى يجوز الطواف بها . ومن يمتنع يتعين عليه أن يطوف بالبيت عاريا ، وبعد الطواف يلقى بتلك الثياب ولا يجوز استعمالها أو بيعها وشراؤها حتى يستمر شراء الحجاج ملابس الاحرام من تجار مكة..  وأجبرت قريش بكل سطوتها العرب على هذا فطاف العرب عراة بالبيت ‏‏.‏‏ وكانت المرأة تستر عورتها بقطعة قماش ، بعد أن تخلع كل ثيابها ، فقالت امرأة من العرب ، وهي كذلك تطوف بالبيت ‏‏:‏‏ (اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله )

2 ـ هذا هو المفهوم مما قاله ابن هشام فى السيرة ، قال : (  إبتدعت قريش رأي الحمس ( الأحمس هو المتشدد في الدين ) فتركوا الوقوف بعرفة والأفاضة منها وهم يعرفون ويقرّون انها من المشاعر والحج ودين إبراهيم ، ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها ، إلا انهم قالوا نحن اهل الحرم فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها كما يعظمها نحن الحمس .. " ثم أبتدعوا في ذلك أموراً لم تكن لهم ، حتى قالوا لا ينبغي للحمس ان يأتقطوا الأقط ( نوع من الطعام من لبن الغنم ) ولا يسلئوا السمن ( أي لا يطبخون بالسمن ) وهم حرم ولا يدخلون بيتاً من شعر ولا يستطيلوا إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرماُ ، ثم رفعوا في ذلك فقالوا لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم إذا جاءوا حجاجاً او عماراً (أي معتمرين ) ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس فإن لم يجدوا منها شيئاً طافوا بالبيت عراة ، فإن تكرم منهم متكرم من رجل او إمرأة ولم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل القاها إذا فرغ من طوافه ثم لم ينتفع بها ولم يمسها هو ولا احداً غيره أبداً ، فكانت العرب تسمي تلك الثياب ( اللقى ) فحملوا على ذلك العرب ، فدانت به ، ووقفوا على عرفات وافاضوا منها ، وطافوا بالبيت عراة،  اما الرجال فيطوفون عراة ، واما النساء فتضع احداهن ثيابها كلها إلا درعاً مفرجاً عليها ( المفرج هو المشقوق من قدام ومن خلف ) ثم تطوف فيه ، فقالت أمرأة من العرب وهي كذلك تطوف بالبيت : ـ

اليوم يبدو بعضه أو كله    وما بدا منه فلا أحله

فكانوا كذلك حتى بعث الله محمداً (ص) فأنزل عليهم حين احكم له دينه وشرع له سنن حجه "ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) البقرة . " يعني قريشاً ، والناس العرب فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها والأفاضة منها . وأنزل الله عليه فيما كانوا حرموا على الناس من طعامهم ولبوسهم عند البيت حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الحل من الطعام "يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ .. (32) الأعراف  " فوضع الله ( أى أبطل ) امر الحمس وما كانت قريش أبتدعت منه على الناس بالإسلام حين بعث الله به رسوله ( ص )( سيرة ابن هشام 1 / 199 ، 202 : 203 ).

ومن النص السابق نفهم ان قريش فرضت تحريفها على العرب ، ورفعوا انفسهم فوق الآخرين بأعتبارهم أهل الحرم ، وذلك بدافع أقتصادي في أجبار الحجاج على أرتداء ثياب الحمس من قريش ، ونفهم سبباً من أسباب وقوف تجار قريش ضد الدعوة الإسلامية وذلك ما جاء صريحاً في القرآن "وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة " فقد كانوا يجعلون من موسم الحج تجارة يبيعون فيها ثيابهم للحجاج ويبيعون لهم الطعام إذ كانوا يحرمون على الحجاج أن ياتوا معهم بطعام من خارج مكة .. ثم في النهاية كشفوا عورة الحجاج من رجال ونساء ليشجعوا على الانحلال بعد تقديم هذا العرض الحىّ العارى فى البيت الحرام . إذن هي عنجهية ارتبطت باطماع أقتصادية .

3  ـ وما ذكره ابن هشام في السيرة رددته كتب الحديث .ينقل مسلم في صحيحه " كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس ، والحمس قريش وما ولدت ، كانوا يطوفون عراة إلا ان يعطيهم الحمس ثياباً فيعطي الرجال الرجال و النساء النساء ، وكانت الحمس لا يخرجون من المزدلفة وكان الناس كلهم يبلغون عرفات ، قال هشام فحدثني أبي عن عائشة قالت : الحمس هم الذين أنزل الله فيهم " ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ (199)البقرة" قالت : كان الناس يفيضون من عرفات وكان الحمس يفيضون من المزدلفة يقولون : لا نفيض إلا من الحرم . فلما نزل : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ..(199) .. رجعوا إلى عرفات " وفي رواية أخرى لعائشة " كان قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة وكانوا يسمون الحمس وكان سائر العرب يقفون بعرفة فلما جاء الإسلام أمر الله عز وجل نبيه (ص) أن ياتي عرفات فيقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله عز وجل : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )( مسلم 4 / 43 : 44 ). ويروي البخاري : ( كان الناس يطوفون في الجاهلية عراة إلا الحمس والحمس قريش وما ولدت يحتسبون على الناس ، يعطي الرجل الرجل الثياب يطوف فيها ، وتعطي المرأة المراة الثياب تطوف فيها ، فمن لم يعطه الحمس طاف بالبيت عرياناً.. وقد  استمر طواف العري إلى أن حظره الرسول حين نادى أبو بكر في الناس :ألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان )(البخاري 2 / 188 ، 200 ).

ننقل هذا على أنها أخبار تاريخية تحكى واقع الجاهلية القرشية فى إستغلال الحرم وفريضة الحج فى الترويج للإنحلال و التجارة القرشية ، تأكيدا لما أورده القرآن الكريم .

4 ـ ونعود للقرآن الكريم : يقول سبحانه وتعالى يخاطب البشر جميعا بنفس الخطاب العام فى موضوع الحج للناس جميعا : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ..)(31) الأعراف )، ويقول ردأ على قريش ومن يسير على تواترها وسنّتها فى تحريم الحلال : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ (32) الأعراف ) ، وتأتى الآية التالية تؤكّد المحرّمات فى شرع الله جل وعلا  والتى جعلتها قريش دينا ، وهى الفواحش العلنية والسّرية وتسلطها على الناس إثما وبغيا ووقوعها فى الشّرك ، ثم التقوّل بالافتراء على الله جلّ وعلا  فى تشريع هذا الفسوق والعصيان:( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (33)(الاعراف ). ونلاحظ أنّ قوله جل وعلا :( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ..)(31) الأعراف ) جاء بدون كلمة ( قل ) المعتادة فى التشريع ، أى هو خطاب مباشر من رب العزّة الى جميع بنى آدم  بأن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد . والمسجد الحرام أولى بإن يتخذ المسلم عنده كامل زينته في لباسه وفي هيئته . ولكنهم اخترعوا زياً للإحرام يزري بمن يرتديه ويكشف عورته جزئياً وربما أكثر . والمؤسف : أن يحدث ذلك في بيت الله الحرام .  

ثانيا  : عودة طواف العُرى فى التشريع السّنى

1 ـ رجع في صورة جزئية فيما يعرف بزي الإحرام حيث يتجرد المحرم من المخيط فلا يلبس ثوباً ولا قميصاً ولا بُرنساً ولا يغطي رأسه ولا يلبس خفاً ولا حذاء . وإذا فعل أوجبوا عليه فدية .. وذلك كله لا أصل له في الإسلام ، بل هو ردة إلى طواف العري الجاهلي . عاد طواف العري فيما عرف بالأضطباع أو الطريقة التي احدثوها في ارتداء زي محدد للأحرام. بدأ بها شباب قريش فى العصر الأموى مخالفين للاصلاح الذى حدث فى عهد الرسول عليه السلام . لذا كان طاووس الفقيه العابد يقول محتجّا على فتية من قريش يطوفون بالكعبة : ( إنكم تلبسون لبوسا ما كان آباؤكم يلبسونها، وتمشون مشية ما يحس الزفانون أن يمشوها )(طبقات ابن سعد 5 / 395 ).اذن أعادت العنجهية القرشية تواترها بالأبتداع في الزي .

2 ـ ثم ما لبث ذلك الأبتداع في الزي أن وجد مسوغاً شرعياً بالأحاديث التي راجت ثم تم تدوينها في العصر العباسي . وسنعرض لها فى المقال القادم .

ثالثا  : في رمي الجمرات : ـ

1 ـ لم يرد في القرآن أدنى إشارة لما يعرف برمي الجمرات، بل وردت في القرآن الطريقة المثلى في التعامل مع الشيطان وهي الأستعاذة بالله من شره ، ولكن يبدو أن الشيطان يصمم على أن يذكره الناس وهم يؤدون فريضة الحج ، وعلى أن يكون له نُصُب في بيت الله الحرام بأي شكل كان .

إن ذكر الله في الحرم من أهداف الحج العظيمة ، ولذلك فإن الله تعالى يدعو الحجاج الذين تركوا خلفهم الأهل والوطن إلى أن يذكروا الله أكثر من ذكرهم آباءهم وذلك بعد أن ينتهوا من مناسكهم ، يقول سبحانه وتعالى : ( فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً )(200 البقرة ) ولكن الذي حدث ان الشيطان اوعز اليهم  قبل وبعد نزول القرآن أن يضيفوا بعد انتهاء المناسك وبعد الوقوف بعرفة ( رجم ) مشهد إبليس.

2 ـ لقد كانوا في الجاهلية يقدسون صنمين لأساف ونائلة ويرمونهما بالجمرات وينحرون عندهما ، يقول ابن هشام : ( وأتخذوا أساف ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما ، وكان أساف ونائلة رجلاً وامراة من جرهم فوقع أساف على نائلة في الكعبة فمسخهما الله حجرين . قالت عائشة : ما زلنا نسمع أن اساف ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم أحدثا في الكعبة فمسخهما الله تعالى حجرين.)( سيرة ابن هشام 1 / 82 : 83 ).ويقول ابن عباس: ( ان أسافا رجل من جرهم يقال له أساف بن يعلي ، ونائلة بنت زيد من جرهم كان يتعشقها في أرض اليمن فاقبلوا حجاجاً فدخلا الكعبة .. فوجدا غفلة من الناس وخلوة في البيت ففجر بها في البيت فمسخا حجرين فاصبحوا فوجدوهما مسخين فاخرجوهما فوضعوهما موضعهما فعبدتهما خزاعة وقريش ومن حج من العرب )( ابن القيم : أغاثة اللهفان 2 / 215 .)

كانت قريش فى تواترها الباطل ترى فى رجم صنمى أساف ونائلة نوعا من التطهير السطحى والتشجيع على ممارسة الفجور. أى رجم رمز الانحلال داخل الحرم وجعله من مناسك الحج تكفيرا عما يحدث من إنحلال فى أسواق مكة . وجاء الإسلام وفتح الرسول عليه السلام مكة وحطم الأصنام التي حول الكعبة . ومنها صنما اساف ونائلة ولكن عادت إلى رسوم الحج رمي الجمرات على موضع أساف ونائلة . خصوصا وأنه فى العصر الأموى عاد الانحلال الخلقى حتى داخل الحرم وأثناء الطواف .

 رابعا : لمحة عن الانحلال الخلقى فى مكة والحرم فى العصر الأموى

1 ـ يكفينا هنا قراءة سيرة الشاعر القرشى المكّى عمر بن أبى ربيعة ت 93 ، وقد عرضنا له فى حلقة خاصة فى برنامج ( فضح السلفية ) ضمن حلقات خاصة عن زىّ المرأة وزينتها.

2 ـ (عمر بن أبى ربيعة )هو أشهر شعراء الغزل والمجون فى العصر الأموى ، عاش فى مكة يلهو بالنساء القادمات للحج ، يستعد للقائهن بأن يلبس لهن لباسا خاصا ويلتزم بطقوس معينة فى استقبالهن قبل مكة ثم يصطحبهنّ الى مكة ، ثم عند البيت كان يطارد الحسناوات حتى اللائى لهن أزواج ، وكان يسعى للقاء المشهورات من النساء من البيت الأموى والهاشمى ، وكنّ يسعين للقائه ليذكرهنّ فى شعره ، حيث كان الشعر وسيلة إعلامية هائلة وقتها. وفى سبيل هذه الشهرة تمت التضحية بقدسية البيت الحرام والحج اليه ، خصوصا وأن الدولة الأموية شجعت الانحلال الخلقى فى مكة والمدينة لشغل أبناء المهاجرين والأنصار عن الطموح السياسى ، وللهدف نفسه شجعت الشعراء فى أغراض المدح والهجاء والفخر والتفاخر والتعصّب القبلى ..والمجون . وجمع ابن أبى ربيعة بين الشعر والمجون لذا تمتع باحترام قريش أحبّه الناقمون منهم على الأمويين كابن عباس الذى كان معجبا بشعر ابن أبى ربيعة الماجن ، و أحبّه الأمويون وتغاضوا عن غزله أو تشبيبه بأميرات البيت الأموى .

3 ـ ـ : ومثلا ، يقول عمر بن أبى ربيعة متفاخرا بلقائه بمحبوبته فى الطواف حول الكعبة :

أبصرتها ليلة ونسوتها  يمشين بين المقام والحجر

ما إن طمعنا بها ولا طمعت حتى التقينا يوما على قدر

بيضا حسانا خرائدا قطفا يمشين هونا كمشية البقر

قد فزن بالحسن والجمال معا وفزن رسلا بالدل والخفر

ينصتن يوما لها اذا نطقت كيما يشرفنها على البشر

قالت لترب لها تحدثها لنفسدن الطواف فى عمر

قومى تصدى له ليعرفنا ثم اغمزيه يا اخت فى خفر

قالت لها قد غمزته فأبى ثم اسبطرت تسعى على اثرى

من يسق بعد المنام ريقتها يسق بمسك وبارد خضر )

4 ـ وقد أصبح الطواف بالبيت وسيلة للإحتكاك بالنساء ، فقال شاعر :

ياحبذا الموسم من موقف   وحبذا الكعبة من مسجد

وحبذا اللاتى تزاحمننا      عند استلام الحجر الأسود

فقال خالد القسرى والى مكة فى العصر الأموى : أما إنهن لا يزاحمنك بعدها أبدا . ثم أمر بالتفريق بين الرجال والنساء فى الطواف .( مروج الذهب للمسعودى ج 2 136 ).

خامسا : في الحج إلى المدينة :

1 ـ أوجبوا زيارة ما يعرف بقبر الرسول في المدينة . وجعلوا المدينة حرماً يضاهئون به حرم الله في مكة .. ومعلوم أن ذلك لا يمكن أن يكون من شعائر الحج التي عملها الرسول في حياته . فليس معقولاً أن يكون الرسول قد حج إلى المدينة ، او أن يكون قد زار قبره .. بل أنه عليه السلام لم يكن ليعرف أين سيكون مدفنه لأن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ )(34) لقمان ". ومع ذلك وضعوا حديثاً يقول " ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة "ولا ندري متى قال ذلك ؟ أقاله بعد موته أم قبل موته ؟؟ .

2  ـ ولم يعرف الصحابة الحج إلا إلى الكعبة حرم الله في مكة . ولم يحدث ان قاموا بزيارة ما يعرف بقبر النبي  بعد موت النبى عليه السلام ، لأن هذا القبر لم يكن موجودا ، حيث تم دفنه عليه السلام فى حجرة عائشة كما يقولون ، وظلت تعيش فيها الى أن ماتت فى خلافة معاوية ، ولا يقال إن السيدة عائشة كانت تعيش فى قبر النبى ، فلم يكن ثمّة قبر للنبى بل حجرة تعيش فيها السيدة عائشة . وعندما هدم الخليفة الوليد بن عبد الملك مسجد المدينة والبيوت المحيطة به ومنها حجرات أمهات المؤمنين وأعاد بناء المسجد على مساحة كبرى ، لم يعد أحد يعرف اين هو بالتحديد الموضع الذى كانت فيه حجرة عائشة ضمن المساحة الكبرى لمسجد المدينة الجديد . ثم طرأت تحسينات وإضافات وتوسعات إستحال معها معرفة مكان حجرة السيدة عائشة .

3 ـ لذا فإن أقدم كتاب في الفقه وفي الأحاديث وهو (موطا مالك ) لم يرد به أدنى ذكر لزيارة المدينة أو القبر ضمن مناسك الحج . بل ان الشافعي فى تفصيلات كتابه ( الأمّ ) لم يذكر شيئا عن مناسك زيارة القبر في المدينة . والشافعى هو المؤسس الحقيقى للدين السّنى والذى بدأ بتقعيده فى ( الرسالة ) ووضع تفصيلاته شرحا لموطأ مالك ، فى كتاب ( الأم ) .

4 ـ ولكن لأن السّنة دين ارضى يصنعه أئمته لتلبية أهواء الناس وتعبيرا عن ثقافتهم فإنّ ماكينة إنتاج الأحاديث وتصنيعها أستمرّت بعد الشافعى تنتج آلاف الأحاديث ، وتضيف المزيد من تفصيلات الفقه السّنى وشرائعه ، ومنها ما يخصّ الحج الى قبر النبى ، بعد أن قام أهل المدينة فى القرن الثالث الهجرى بتحديد موضع قالوا إنه قبر النبى . وكان هذا تلبية ( لحاجة السوق ) ولانعاش المدينة إقتصاديا ، إذ كان الناس متشوقين لمعايشة ورؤية ولمس ومعاينة أى شىء مادى ملموس منسوب للنبى. فصنعوا لهم وثنا يأتون اليه بالنذور والقرابين ، ومن وقتها صار الحج لهذا الوثن ضمن معالم الحج ( للمسلمين ). !! . وبالتالى بدأت كتب الأحاديث فى البخارى ومسلم وغيرهما تتحدث عن فضائل المدينة واتخاذها حرماً ثم فضيلة الزيارة لقبر الرسول وشد الرحال إليه .

5 ـ  ثم عمّت البلوى بإنتشار التصوف والتشيع ، وهما يقومان على تقديس الأحجار والقبور ، فبدأت كتب التصوف والفقه والتشيع تتحدث عن رسوم وطقوس في زيارة قبر النبي وقبور الصحابة وآل البيت .هذا مع انهم يرددون الحديث القائل " من أحدث في ديننا شيئاً فهو عليه رد " وزيارة القبر والمدينة على أنها مناسك دينية تعتبر ابتداعاً في دين الله لم يعرفه الرسول في حياته ولا يمكن أن يكون من أصول الدين السّنى وفق المقاييس المعروفة لديهم ، ولم يعرفه الخلفاء الراشدون وأعلام الصحابة والتابعيون لهم في القرن الأول الهجري . ومن الطريف أن عمر بن الخطاب كان يقول " ولا تشد الرحال إلا إلى البيت العتيق " وذلك ما كان أبو الهذيل يسمعه من عمر:(البخاري 3 / 19 : 29 ، مسلم 4/ 112 : 127 ،طبقات ابن سعد 6 / 79 ). ولكنهم جعلوه حديثاً نبوياً بعد ان أضافوا مسجد المدينة والمسجد الأقصى ...

6 ـ وقبل الإسلام كان العرب يعرفون الحج للأنصاب والقبور المقدسة والتى حرّم رب العزة الأكل مما يقدّم لها من ذبائح . وبعض هذه الأنصاب كانوا يسمونها ( كعبات ) تشبيها لها بالكعبة ، وكانوا يحجّون إلى تلك الكعبات بجانب حجهم الى الكعبة ، وكان لتلك الأنصاب والكعبات حمى أو حرم ، بل كانت مراسيم الحج لتلك الأنصاب تماثل الحج لبيت الله من الذبائح أو الهدى الى الطواف .يقول ابن القيّم : ( وكانت العرب قد أتخذت من الكعبة طواغيت وهي بيوت تعظمها كتعظيم الكعبة ، لها سدنة وحجاج ، وتهدى لها كما تهدى للكعبة ، وتطوف بها كما تطوف بالكعبة وتنحر عندها كما تنحر عند الكعبة ، وكان لبني الحارث ابن كعب كعبة بنجران يعظمونها وهى التي ذكرها الأعشى في قوله :

وكعبة نجران ختم عليك      حتى تناخي بأبوابها ..) ( أغاثة اللهفان 2 / 219 ).

كما يقول ابن هشام فى السيرة عن ( ذي الكعبات ) : (أنه كان لبكر وتغلب ابني وائل واياد بسندان وفيه يقول الأعشى : ـ

بين الخوريق   والسدير وبارق    والبيت ذو الكعبات من سندان "  ( سيرة ابن هشام 1 / 88 .)

7 ـ والحج للأولياء والأضرحة أو المشاهد أى ( الأنصاب )أبرز طقوس الدين الصوفى والدين الشيعى حتى اليوم . بل تتعدّد الأوثان أو الأنصاب المقدسة لنفس الشخص ، ويتشارك الشيعة والصوفية فى تقديسها مثل مشاهد الحسين ومشاهد السيدة زينب . ولكن يظل القبر المنسوب للنبى عليه السلام هو الأكثر تقديسا ، ولذا جعلوا زيارته أو الحج اليه ضمن معالم فريضة الحج .. يشترك فى ذلك كل أتباع الديانات الأرضية من سنّة وشيعة وصوفية ،هذا مع أنه طبقا للقرآن الكريم هو رجس من عمل الشيطان ، بما يدلّ على التناقض الهائل بين الاسلام والمسلمين فى عقيدة ( لا إله إلّا الله )، كما يدُلّ على العداء الهائل بين أولئك المسلمين والنبى عليه السلام الذى كانت دعوته أنه لا اله إلا الله :(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ  ) (19) ( محمد )ولهذا جاهد وعانى وأوذى عليه السلام ، فجاء هؤلاء يجعلونه هو شريكا مع الله جل وعلا فى الصلاة  والأذان والذّكر وفى الحج بل وفى شهادة الوحدانية الاسلامية ( لا إله ألّا الله ).

اجمالي القراءات 14836