مخالفة القرآن الكريم ، ومخالفة العلم الحديث ، والتفريق بين المسلمين فى الصوم
رؤية الهلال بين القبول والرفض لعنة الأهلة

أحمد أبو إسماعيل في الأحد ١٧ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من دكتور من فرنسا

إلى الشيخ أحمد أبو إسماعيل

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله فاطر السماوات والأرض، سبحانه القائل في محكم كتابه : "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب. ما خلق الله ذلك إلا بالحق، نفصل الآيات لقوم يعلمون". سورة يونس10/5.

رمضان شهر كريم، شهر التضامن، شهر الرحمة والغفران. رمضان عند الله هو شهر المغفرة والائتلاف والتسامح.

هذا ما أقره الإسلام ليكون الوجه الأمثل لرمضان. لكن المسلمين أرادوه خلاف ذلك. فما هيالواجهة غير المعلنة بها عن هذا الشهر ؟

اقتراب رمضان هو هاجس الفقراء والمساكين لأنه إيذان بالغلاء والتهاب الأسعار والمواد الأساسية المستهلكه. حلول رمضان هو إعلان عن الاستنفار والتعبئة العامة لاحتواء الذخيرة والاحتكار ونشاط السوق السوداء. رمضان عند المسلمين، باختصار، هو عنوان الشره، فلماذا يتغير نمط الاستهلاك عندنا بحلول رمضان ؟ 

حلول رمضان هو كذلك تأجيل لأهم المواعيد والأشغال وتجميدها لما بعد رمضان. إنه عنوان الخلود إلى الراحة. و"برحيله" تعود المياه إلى مجاريها، وكأن الجميع يتنفس الصعداء. ونحن بسلوكنا وتصرفاتنا نؤكد للعالم أجمع  أن رمضان عنصر رئيسي في قلة المردودية والإنتاج.

لماذا لا نتأقلم مع رمضان وينصهر ضمن أشغالنا ؟ لقد أسأنا المعاملة مع هذا الشهر الكريم حقا.

والأخزى من كل هذا أن يكون رمضان رمز الاختلاف والشقاق والتنافر بين المسلمين. وهو صميم موضوعنا.

كلما أقبل رمضان أو عيد إلا وتساءلنا : عيد بأية حال عدت يا عيد *** بما مضى أم لأمر فيك تجديد ؟

هل يعقل ونحن نستقبل العيد أو رمضان ولا ندري في الليلة نفسها هل نصبح مفطرين أم صائمين ؟ ولا علم لنا هل الغد يوم عطلة أو يوم شغل ؟ جميع حركاتنا تتوقف أياما قبل وبعد العيد ومواقيت مواعيدنا تتعطل حتى نتأكد من ثبوت الهلال. وكأن شيئا لم يتغير منذ أربعة عشر قرنا.

الأمة التي لا تحترم الوقت في مثل هذا العصر الرقمي غير جديرة بالاحترام، والأمة التي لا وجود عندها لما يصطلح عليه بالبرمجة الزمنية لا مكان لها في هذا العالم، ولا وجود. فالجدولة والبرمجة والتعامل بجدية مع الوقت هو رمز من رموز الحضارة. فنحن منذ ألف وأربعمائة سنة لا نملك ما يسمى بنتيجة محددة وواضحة للتقويم الهجري.

ما من رمضان أو عيد يمر إلا وسالت من جرائه الأقلام في مسألة كان بالإمكان أن تطوى منذ عقود بفضل التقدم العلمي الفلكي. وإن كان الخلاف ليس وليد اليوم، وسيظل قائما ما لم نحتكم إلى العلم.

في سنة 2005/1426على سبيل المثال، صادف عيد الفطر يوم الإربعاء الثاني من نوفمبر في ليبيا ونيجيريا؛ ويوم الخميس الثالث منه في 30دولة، مثل الجزائر ومصر والسعودية وجزء من الولايات المتحدة؛ ويوم الجمعة 4نوفمبر في 13دولة مثل إيران وكندا وجنوب إفريقيا وجزء آخر من الولايات المتحدة الأمريكية؛ ثم كان أخيرا عيد الفطر يوم السبت 5نوفمبر في جزء من الهند.  

فارقُ أربعة أيام للاحتفال بنفس المناسبة بين المسلمين في العالم، بينما الفارق الزمني الأقصى بين تلك الدول لا يصل إلى 12عشر ساعة. فأين الخلل ؟ هذا إذا تمسكنا بالموقف الرسمي لكل دولة وإلا فقد نجد في الدولة نفسها فارق ثلاثة أيام بين مدينة وأخرى أو بين قرية وأخرى بل حتى بين بيت وآخر من الحي نفسه. ذلك نحو تكريس مبدأ لكل بيت علم ... وهلال. وإذا أراد الله إهلاك القرى *** جعل الهداة بها دعاة شقاق.  (شوقي).

إذا فالإشكال لا ينحصر في الفارق الساعي أو اختلاف المطالع فحسب، بل هو خاص بالتأويل الشرعي للمسألة.

بمقدورنا تقليص هذا الفارق في العالم كله إلى يوم واحد فقط أو يومين على أقصى تقدير إذا استنجدنا بالحسابات الفلكية والتي هي مؤهلة لتقديم خدمة جليلة في سبيل وحدة المسلمين ورد الاعتبار للتاريخ الهجري المهجور الذي لا يعمل به. حيث أصبح هذا التاريخ مقترنا بالأعياد أو المناسبات الدينية بينما عندما يرتبط الأمر بالبرمجة والحياة العملية اليومية فلا أحد يخاطر بضرب المواعيد بهذا التاريخ المضطرب والكل يتفق ويلتف حول التاريخ الميلادي.

أما عن التأويل الشرعي الذي أشرنا إليه وكان موضع خلاف بين المسلمين فهو ينحصر في فهم النصوص وتأويلها خاصة الأحاديث النبوية. وإذا التفتنا إلى القرآن الكريم نجد أن الإشكال غير قائم بل وفيه دعوة إلى الإجتهاد. فنجد فيه ضبط لقواعد وإرشادات عامة دون التطرق إلى الكيفية، لكنه في نفس الوقت وضع أسسا للمنهج القويم والتفكير السليم.

-"يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج". 2/189.

-"فمن شهد منكم الشهر فليصمه".2/185.

-"هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا، وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب. ما خلق الله ذلك إلا بالحق، يفصل الآيات لقوم يعلمون".10/5.

أما الحديث الذي هو محور الإشكال فنصه : "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فاقدروا له". وقد ورد بأسانيد متعددة وصياغات مختلفة. وهذا النص طبعا يطرح أكثر من إشكال والأخذ بصريح الحديث يجعل الأمة في مأزق.

أولا: هل متن الحديث هو رواية بالمعنى أم باللفظ ؟ لأنه بتقديم حرف أو تغييره قد يعطي للنص تأويلات أخرى دون أن يضعها الراوي في الحسبان.

ثانيا: عندما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه صوموا لرؤيته ... هل بإمكانه أن يخاطبهم بلغة أخرى؟ وهل ثمة وسائل أخرى وقتئذ غير الاعتماد على البصر؟ وخطابه موجه إلى بدو أميين. وهو القائل في حديث آخر "نحن أمة لا تكتب ولا تقرأ ...". هل عدم التصريح بشئ يعني تفنيده ؟ فتلك رؤية بصرية وأخرى رؤية علمية. وعندما يقول سبحانه وتعالى "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر" (17/70) أو عندما يقول "هو الذى يسيّركم فى البر والبحر" (5/22)، فبإمكانه أن يحدثنا كذلك ضمن السياق عن التسخير الجوي ولو في إطار الإعجاز الغيبي لكنه آثر غير ذلك. و لو كان الإنسان الغربي حبيس النصوص لما اخترق يوما تلك السحب بطائراته وصواريخه.

ثالثا: هل هي رؤية بالعين المجردة فحسب مثل ما كانت عليه العادة ونص عليه الحديث أم هي رؤية بالنظارات والتلسكوب مثلما هي عليه العادة ؟ إذا أردنا التمسك بصريح اللفظ، فالاستعانة إذا بمثل هذه الوسائل بدعة مستحدثة، فلماذا استحسنها الجميع وخاصة المتمسكون بصريح النص ؟ 

رابعا: هل الغمام وحده يمنعنا من رؤية الهلال ؟ أبدا. فتلوث المحيط أو كثرة الأضواء قد تمنعنا كذلك من رؤيته. والحديث لم يشر إلى مثل هذه العوامل، بطبيعة الحال، لأنها لم تكن واردة حينها. دعونا نتخيل أن شخصا قام باعتلاء ناطحات السحاب أو أن طيارا قام بنفسه- أو برفقة صاحب لمن يشترط عدلين- باختراق تلك السحب وعاد إلينا بنتيجة إثبات، كيف ستكون ردود الفعل ؟ قد يعتبرها البعض أمثلة ساذجة، لكن لا تعدو أن تكون فقط أمثلة لترويض العقل للتفكير السليم. لأن هذا العقل أخذ للأسف إجازة مفتوحه. فأين مرونة الشريعة التي تتلاءم مع كل عصر ؟

خامسا: إذا كان التقويم الفلكي لا يجزي عن غيره ولا يجوز الأخذ به، فلماذا نبيح لأنفسنا العمل بالتاريخ الميلادي القائم على الحساب العلمي ؟ قد نتسارع إلى الاجابة بالقول إن ذلك عندما لا يتعلق الأمر بالمسائل الدينية. لكن فلنعلم أن مواقيت جميع صلواتنا الخمس قائمة على الحسابات الفلكية خاصة في المدن الكبرى البعيدة عن البوادي والصحاري. وبالتالي فإننا نصوم اليوم ونفطره تبعا لتلك الحسابات. فلماذا مثلا لا نؤجل الفطور عند الغمام قياسا على الحديث باعتبار تعذر تبين الخيط الأسود من الأبيض ؟ أو العكس عند الإمساك.  

أخيرا: هناك من يحاول التوفيق والجمع بين العلم والنص، استئناسا بالعلم وإحياء للسنة. لكن ماذا لو تعارض الدليل القطعي مع الدليل الظني ؟ جمهور العلماء يتفق على أن الأحاديث الأحادية دلالتها ظنية. ومجموع الأحاديث المتواترة تعد على الأصابع. بينما العلم في مثل هذه المسألة دلالته يقينية وليس موضع تخمينات أو تكهنات، بل نتائجه تستند إلى حقائق علمية. إذا، ماذا لو تعارض الدليل القطعي مع الدليل الظني ؟ هل يمكن أن نثبت الرؤية البصرية إذا كان العلم ينفيها ؟ والعكس كذلك صحيح، فإذا لم تر الهلال فسلِّم للعلم إذا أثبته. ولقد حدث ذلك للأسف عدة مرات، مثل سنتي 1997و1998أين بلغ اللاوعي ذروته و كانت حينها كل الدلائل العلمية تتفق على استحالة الرؤية البصرية. إنه، باختصار، إهانة للعلم والعلماء.

ولو سلمنا فرضا أن الحسابات الفلكية ليست حقائق علمية يقينية ثابتة %100وقد تحتمل الخطأ، فإن نسبة الخطإ فيها لا يمكن أبدا مقارنتها بنسبة الخطإ عند إعتمادنا على الرؤية التقليدية. ولقد قام الباحثان ك. مزيان و ن. قسوم بنشر مقال سنة 1999في المجلة العلمية الفرنسية(La Recherche )أظهرا فيها بالبراهين العلمية والتاريخية أن الجزائر ومنذ سنة 1963إلى غاية سنة 1994بلغت نسبة الخطأ عند إثباتها للهلال أو عدمه، حسب التقديرات والمعايير المتبعة، ما بين 50إلى 80بالمائة. (« La visibilité du croissant lunaire et le Ramadan », La Recherche ,n° 66, janv. 1999, pp. 66-71)) وهذه النسبة تزداد كلما اتجهنا نحو المشرق. حيث كانت نسبة الخطأ في الأردن مثلا حوالي 90بالمائة في دراسة مشابهة قام بها الباحث م. عودة. ويوضح المقال أن هناك حالات أخطر من ذلك حيث تم فيها إعلان دخول رمضان أو حلول العيد في حين أن الإقتران لم يتم أصلا أو أن القمر غاب قبل غروب الشمس.  

ولا أحد ينكر تلك التخبطات التي تقوم بها السعودية من حين لآخر أثناء إعلاناتها الرسمية الخاطئة لموعد عيد الأضحى المبارك وما يتبعه من احتجاجات واستنكارات خاصة من قِبل علماء الفلك. ففي السنة الماضية مثلا، ارتكبت السعودية خطأ جليا بإعلان رؤية الهلال يوم الأحد 9ديسمبر/ كانون أول 2007، وأن الإثنين هو أول أيام شهر ذي الحجة وأن أول أيام عيد الأضحى هو يوم الإربعاء التاسع عشر من الشهر، بالرغم من أن كل الحقائق العلمية تشير إلى استحالة رؤية الهلال في تلك الليلة. وأعرب مجموعة من الفلكيين في بيان عن أملهم أن تتراجع المملكة عن إعلانها كما تراجعت عام 1416هـ، حيث إنالعيد يوم الخميس وليس يوم الإربعاء. ولقد استنكر البيان الذي وقع عليه 22عالم فلك، كما نقلته جريدة "الحقيقة الدولية" الأردنية، استمرار تجاهل مجلس القضاء الأعلى في السعودية للحقائق العلمية الخاصة بقضية رصد بدايات الشهور الهجرية ونهايتها.

ويتمحور الجدل حول الآلية التي تعتمدها السعودية في تحديد بداية الشهر، والتي تعتمد على شهود يؤكدون رؤية الهلال، فيما تؤكد حسابات وحقائق علمية فلكية إستحالة رؤية الهلال. وهذه ليست المرة الأولى التي تختلف فيها الحسابات الفلكية مع "شهادات الشهود العدول". واستمرار مجلس القضاء الأعلى في السعودية قبول شهادات غير موثقة علميا لا يدل إلا على عدم الإلمام التام بثوابت علمية أضحت الآن من المسلمات.

وأكد البيان أن الليلة التي أعلن مجلس القضاء السعودي أنه تم رصد هلال ذي الحجة فيها "كان القمر غير موجود في السماء أصلا"، وأضاف: "فمن المعلوم أن تحري الهلال يتم بعد غروب الشمس قريبا من المنطقة التي غربت عندها الشمس، حيث يتواجد الهلال الجديد بالقرب من الشمس دائما، فإن ثبتت رؤيته كان اليوم التالي أول أيام الشهر وإلا كان اليوم التالي هو المتمم ويبدأ الشهر الجديد في اليوم الذي يليه، فأما بالنسبة لوضع القمر يوم الأحد فقد غاب القمر قبل غروب الشمس في جميع مناطق العالم الاسلامي، فعلى سبيل المثال غرب القمر في عمّان والقدس الشريف قبل 29دقيقة من غروب الشمس، وفي القاهرة والمنامة قبل 27دقيقة، وفي أبو ظبي والدوحة ومسقط قبل 26دقيقة، وفي الرباط قبل 25دقيقة، وفي مكة المكرمة قبل 22دقيقة، وفي نواكشوط قبل 13دقيقة، وجميع هذه القيم تعني استحالة رؤية الهلال يوم الأحد من جميع هذه المناطق لعدم وجود القمر في السماء بعد غروب الشمس".

بعد هذا فنحن نتساءل لماذا نحن ملزمون باتباع السعودية عند ممارسة شعائر عيد الأضحى ؟ فما هو السند الشرعي لذلك ؟ ولماذا لا يصلح هذا الدليل للعيدين معا ولصيام رمضان ؟ وما علاقة غير الحاج بالحج ؟

أما القول بوجوب الرؤية البصرية بالعين المجردة إحياء وانتصارا للسنة فلا محل له في مثل هذه الإشكالات التي فصل فيها العلم اليقيني. لنتصور ذلك – مجرد تصور بريء-  في الحرب القائمة مثلا بين إسرائيل و حزب الله ؟ ماذا لو قرر هذا الأخير تحديد يوم في كل شهر ليضع فيه أسلحته الثقيلة وكل ما له علاقة بتكنولوجيا الأسلحة فيُشهر، بدلا عنها، النبال والسيوف والسهام وذلك إحياء للسنة ؟ كيف سيكون مصيره ؟ أكيد، سيكون حاله حال الهنود الحمر حين واجهوا الرجال البيض في غزوهم لأمريكا.

حال المسلمين يدعو إلى التأسف والتحسر، و أحيانا -بدافع الغضب- إلى التهكم والتندر. ولا أدري لماذا يصرون على أخطائهم مع علمهم بها دون اعترافهم علنا. لقد من الله على الانسان وفضله على الحيوان بأن وهب له عقلا ليميز به فيتطور بفضل ذلك التراكم المعرفي من الحسن إلى الأحسن ويتجنب أخطاء من سبقوه بفضل التجارب والخبرات.

الدعوة إلى الأخذ والعمل بالحقائق العلمية ليست حديثة العهد كما يعتقد البعض. فلقد سبق من العلماء قديما من نادى بوجوب احترام علم الفلك. ذلك أمثال ابن طارق، الخوارزمي، البتاني، الطبري، ابن يونس وغيرهم. وذهب السبكي الشافعي إلى حد القول "لا عبرة برؤية إذا كان العلم ينفيها". ومن المعاصرين نجد كذلك محمد شاكر في دراسة قام بها سنة 1939وكذلك حديثا السيد م. الزرقا والسيد القرضاوي.

وقد يقول قائل إن المسألة اجتهادية فمن أخطأ فله أجر ومن أصاب فله أجران. لكن ما حكم الاصرار على الخطأ؟

في سنة1999كنت ممن حظي بمشاهدة الكسوف الكلي للشمس وبوسائل متطورة. ذلك المشهد البديع، والذي أعلن عنه قبل سنوات بالدقائق والثواني في كل شبر من الأراضي التي تشهد هذه الظاهرة. لكن ما أثار انتباهي هو عند تأكيد الفلكيين أن ذلك المشهد لن يتكرر في بعض النواحي وبنفس تلك المعطيات قبل سنة2081.

لا يختلف اثنان أن العلم في مثل هذه المسائل دلالته يقينيه، اللهم إلا إذا كان هناك خلل في الكون حاشا لله. فهي يقينيات كونية. فمهما دققت النظر علك تجد هفوة أو ثغرة في هذا الكون وأعدت الكرة ثانية وثالثة "يرجع إليك البصر خاسئا". لقد صرح يوما ابراهام لانكولن قائلا "لا أفهم ذلك الانسان الذي ينظر في ملكوت السماوات والأرض كيف يكون ملحدا". ولم يخلق سبحانه وتعالى ذلك عبثا. "ربنا ما خلقت هذا باطلا". فما يعلنه علماء الفلك ليست بتكهنات.

إذا لماذا نصدق الفلكيين في الخسوف والكسوف ولا نعتد بهم في الرؤية ؟ تتخذ السلطات التدابير الوقائية بمجرد الإعلان عن الكسوف، ولم نسمع بأي صوت يعارض هذا "التنبؤ" إلا عند قدوم رمضان أوالعيد.

ماحدث مثلا من تعديل لميعاد وقفة عرفات سنة2005، وذلك بإعلانيوم الخميس عيد الأضحى بدل الجمعة، هو استخفاف بالإسلام والمسلمين. نصحو لنجد أن السعودية قد قررت تعديل يوم أربعة من شهر ذى الحجة ليصبح يوم خمسة، هكذا وبعد مرور أربعة أيام من الشهر. والجزائر وفي بيان "تصحيحي" عن وزارة الشؤون الدينية، تعلن التبعية.

إنها ليست مسألة توقيت ورؤية هلال وتحديد عيد ووقفة فحسب، كما صرح أحد النقاد، إنها قبل ذلك منتهى المهانة للعلم وللمنهج العلمى فى التفكير، إننا بهذا التخبط نعلن للعالم أجمع أن المسلمين قوم لا يحترمون العلم ولا الوقت.

نترك الأمور لذوي الأهواء يتشاءمون أن يحل أول أيام العيد يوم جمعة كما فسر البعض تراجع السلطات السعودية التى يتطير بعض كبارها ووجهائها من مجئ الجمعة كبداية عيد أضحى. ورغم ذلك ستظل السعودية تملي علينا قراراتها وأحكامها ... ولن نغير من أحوالنا شبرا.

هذا بغض النظر عما تكبدته وكالات الحج من خسائر مادية فادحة، حسبما أوردته جريدة الشرق الأوسط، جراء ذلك التحول والتي قدرتبـ 40مليون ريال سعودي أي ما يعادل 8.25مليون أورو. (الشرق الأوسط، عدد 9546، 16/01/2005).

ومن المصادفات الغريبة أنه في نفس السنة من الشهر بل من الأسبوع نفسه تعلن فرقة بحث أمريكية اكتشافها كوكبا عاشرا بفضل التقديرات الفلكية. ويقدر هؤلاء الباحثون قطر الكوكب بثلاثة آلاف كيلومتر على أقصى تقدير، أما على أقل تقدير فهو أكبر من كوكب بلوتو. ويعتبر الكوكب الجديد المكتشف أكبر جسم اكتشف في المجموعة الشمسية منذ اكتشاف كوكب نبتون عام 1846، و قد شوهد للمرة الأولى عام 2003ولم يتم التأكد من أنه كوكب كامل إلا في شهر جانفي من سنة 2005. ويبعد الكوكب الجديد عن الأرض بمسافة تبلغ ضعف المسافة التي تفصل الأرض عن كوكب بلوتو، في نهاية المجموعة الشمسية. و يدور حول الشمس مرة كل560عاما.

لكن بين علماء الفلك وعلماء الدين يبدو أن الهوة لا تزال شاسعة في المنهج والتفكير. فعندما كان الإنسان الأمريكي يضع قدمه على سطح القمر لا زال على سطح الأرض من المسلمين، ممن يتصدر الإفتاء، يكفر كل من يعتقد أن الأرض كروية وأنها تدور.

هل تعلم أن كوكبين من كواكب المجموعة الشمسية وهما نبتون وبلوتو قد تم إكتشفا تحديد مكانهما بواسطة الحساب الفلكى قبل المناظير الفلكية ؟

وهل تعلم أيضا أن أهم سؤال في امتحانات كلية الشريعة في دمشق - في احدى السنوات - كان عن حكم الشرع في رجل يحمل قربة فساء ... هل يبطل وضوءه أم لا ؟ وان نصف الطلبة أنذاك رسبوا لانهم لم يجيبوا على هذا السؤال المصيري ! وان احدهم فصل فصلا نهائيا من الكلية لانه رفع يده - خلال الامتحان - ليسأل المراقب وهو في حالة من الدهشة : " كيف استطاع هذا الرجل أن يحشو القربة بالفساء ؟"

لا زال بعض علماء الفقه والدين يرتكز اهتمامهم على مسائل غريبة ويتفننون فيها بدل الانكباب على قضايا مستحدثة لمواكبة العصر الذي يعيشون فيه. وكأن هناك من يتعمد تسريبها لشغل أذهان الناس بكل ما هو تافه مثل مسألة إرضاع الكبير أو غيرها من المسائل التي تستغلها وتنعشها بعض المنتديات والفضائيات.

عندما كنت في مرحلة الطلب، سنوات الدراسة الجامعية، تلك السنوات العجاف في العلوم الإسلامية، أتذكر أنني حضرت حصصا لأستاذ وكل موضوعه يتمحور حول حكم الشرع في شرب أبوال الإبل و التداوي بها وهل هي نجسة أم لا ؟ وما هي فوائد ألبان وبول الإبل ؟فأخذ يصول بنا حصصا ويجول ليقدم لنا عصارة فكره ويعرض لنا أقوال واجتهادات الفقهاء في هذه المسألة الفقهية التي تدل على اهتمام علمائنا و فقهائنا بهذه المسائل المستعصية على المسلمين.

مَع كل ما يحمل هؤلاء من ألقاب فخرية فمبلغ ما ينقلونه لنا من علم هو مدى فائدة بول البعير وحُكم الشرع فيمن يحمل قربة فساء! لقد عودنا هؤلاء كل مرة بـ"خرجة" إعلامية مضحكة تسلي الثكالى وتؤنس المساجين وتخفف من آلام المرضى. بالاضافة الى هذا فإنهم يقومون بوظيفة أخرى أخطر وهى التعتيم على القضايا الهامة وشغل الرأي العام بفتاوى مدهشة ومثيرة فتتلقفها القنوات الفضائية وتعقد حولها الندوات بين مؤيد و معارض وينسى الجميع أهم القضايا الاجتماعية والإقتصادية التي تنتظر حلولا استعجالية.

لماذا لا نجتهد في إنعاش شريعة الحياة حسب القضايا المستحدثة لمسايرة العصر وتحدياته ؟

أظنه، حتى لا نستطرد أكثر، وكخطوة أولى لتقريب الرؤى، يجب تقرير مادة علم الفلك في المدارس لجميع المستويات وإنشاء تخصص في الجامعات. وعلى علماء الشريعة أن يتفتحوا على العلوم الأخرى وأن يقوموا بتربصات وبدورات تكوينية و"بخرجات ميدانية".

ثم إن إثبات الهلال ليس من مهام علماء الشريعة وحدهم بل يجب استشارة أهل الإختصاص واحترامهم. إننا لا بد أن نحترم علم الفلك ولا نحدد بدايات شهورنا إلا بناء على هذا العلم. ثم ماذا لو رفع رجال الدين والسياسة أيديهم عن هذه المسألة وتركوا الأمر لأولي الأمر من أهل الإختصاص ؟

و لا ننسى ما للمسألة من بعد حضاري فيالتأثير على سلوكاتنا اليومية في احترام النظام وقيمة الوقت. فئة من المسلمين في فرنسا كانت تسعى وتطالب بحقها في عطل الأعياد الدينية الإسلامية، بينما ليس بوسعنا أن نضبط التقويم الهجري ولو لمدة سنة ؟ بل ويذهب السيد ن. قسوم المتخصص في الفلك إلى أبعد من ذلك ليقترح نظاما هجريا موحدا لجميع دول العالم وذلك على غرار التاريخ الميلادي.لكنني شخصيا لا أراه من الأولويات ويصعب تطبيقه لأنه يصطدم بواقع وحقائق مثل اختلاف المطالع. وكذلك أظنه لا يجب تعميم القول بتوحيد الرؤية في الدولة الواحدة، فمثل هذه النظرية لا تصلح لدولة مثل روسيا. فيجب مراعاة الأحوال الظرفية والمكانية. وهذه المسألة تحتاج إلى تفاصيل أكثر ربما في مناسبة أخرى.

أخيرا، هلسيكون لنا لقاء آخر في السنة المقبلة وفي نفس الموضوع ؟... للهالأمر من قبل ومن بعد.


رمضان كريم وكل عام وأنتم ... بخير.

والسلام عليكم.

 

_bendrissou2002@yahoo.fr

اجمالي القراءات 13019