ابتسامة عصام العريان

سامح عسكر في الأحد ٢٧ - يناير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

يُمثل الدكتور عصام العريان لدي حالة عسيرة في الفهم، فلم أكن أدرك يوماً بأن الرجل سينقلب في أفكاره وأطروحاته عن الآخر لهذه الدرجة، بل ولم أكن أتوقع بأنه سيتمادى في سلوك من سبقوه من الانتهازيين وأصحاب الرؤى الضيقة في التفسير..كانت بداياتي مع الرجل عندما كنت في الجماعة وأقرأ له كثيراً، خاصة في رؤاه التنويرية عن الديمقراطية والآخر، أو في محاضراته في الثمانينات عن العلم الشرعي وضرورة طلبه من مصادره، حينها رسمت له في ذاكرتي صورة أقرب إلى صورة مارتن لوثر بنُسختيه القديمة والحديثة، فالرجل ذو طراز تجديدي يحمل في مضمونه خُلق المعارضة الحية والنابضة..ومن الطبيعي في شخص يمتلك هذه المواصفات أن تستخدمه الجماعة في تلميع وتبييض وجهها الأسود عند الكثيرين.

شخصياً لم ألتقِ به إلا مرة واحدة في مسجد الحُصري بمدينة 6 أكتوبر، وكانت بمناسبة عُرس نجله على إبنة الدكتور سناء أبو زيد القيادي الإخواني البارز، حينها وددت أن ألتقِ به وجهاً لوجه وأقوم بمُصافحته، ففوجئت بالرجل وهو قصير القامة-إلى حدٍ ما-يتجاهل طلبي بمصافحته وكأن طولي تسبب لي في هذا الموقف المُحرج..التمست له العُذر والغريب أن الدكتور سناء كان يصر على مصافحة من لم يصافحه عصام العريان..كان هذا هو الموقف الوحيد الذي بدأت أتلمس فيه شخصية الرجل، وأنني عندما رأيته وجدت فيه شخصاً انطوائياً على عكس كتاباته المُنفتحة على الآخر، ابتسامته في وجوه المدعوين لا تكفي إلا عند كبارهم..فالرجل له ابتسامة خفيفة يقوم بإخفائها عن صِغار القوم من أمثالي، وعندما يضحك تبدو نواجذه وكأنها حبات دواء تدفعه إلى الوراء.

رغم معارضتي للرجل ونقدي له –مؤخراً-إلا أنني أذكر وأن دافعت عن رؤيته بشأن عودة يهود مصر، وقلت في نفسي أن دعوته في مضمونها هي دعوة سلام وأمن وعدل -على غير عادته هذه الفترة- وأنه لا يستقيم أن نطالب بعودة أقباط المهجر وفي ذات الوقت نمنع يهود مصر من عودتهم إلى ديارهم، وأنه ينبغي لنا بأن نُعامل أي إنسان بما هو إنسان وليس بما هو دين أو هوية..وأنه لا ينبغي أن نُحاسب الناس على نواياهم ، وأن أسرار العلوم وغاياتها تتطلب دعم هذه الرؤية لا مُحاربتها كما يفعل البعض نكاية في الرجل وجماعته..لن أُطيل كثيراً في هذه القضية لعلمي بأنها قضية خلافية ومن أبرز الأدلة على بُطلانها-عند البعض-هو اختلاط الولاءات وعدم وجود ضمانة حقيقية لإخلاص هؤلاء اليهود للشعب المصري بعد عقود من هجرتهم، وأرى أن هذا الدليل قوي لتبرير الرفض ولكن لو اتفقنا على جواز المبدأ فربما نتفق في تفاصيله بعد ذلك.

آراء الدكتور عصام العريان يمكن تقسيمها لمرحلتين..الأولى وهي قبل ثورة 25 يناير كان فيها الرجل معدود ضمن إصلاحي الجماعة وروادها من التنويريين، حتى أن الكثيرين كانوا يتوقعون انفصاله عن الجماعة بعدما ترك زُملائه من نفس مدرسته –الفكرية- التنظيم كالدكتور حبيب والدكتور أبو الفتوح ، وأنه وبهذا السلوك سيكون الدور عليه للهرب من "جحيم الإخوان ودونيتهم"!..أما بعد الثورة فقد ظهر الرجل وكأنه أكثر إخوانية من المُرشد نفسه!..حتى تورط في تصريحات استفزازية للمعارضة ولم يكتفِ بذلك بل أقدم على إهانة رموز كبار في العمل الصحفي كالمفكر السياسي الكبير "محمد حسنين هيكل"..ومع هذا السلوك الردئ من الرجل فلم ألحظ عليه خفوت ابتسامته في شعور نفسي وكأنه يطمس أشياءاً بداخله..

هي ابتسامة مُعبرة عن وجدان الجماعة، وأن السُلطة لديهم أصبحت غاية وليست هدفاً كما كانت في الماضي..فالرجال يشعرون بأن الله قد منّ عليهم بالسُلطة كجزاء حسن لصبرهم ، وأن كافة ما كتبه سيد قطب في الماضي كان صحيحاً، وأن المُشابهة بين واقع الرسول وواقع الجماعة لا يُنكرها إلا جاحد!!

هذه الابتسامة تُثبت صحة نظريتي التي توقعت فيها تغير آراء الإخوان بالتأثير على دوافعهم..وهنا أسوق بعضاً مما كتبته منذ أقل من عام راصداً ومتوقعاً منهجية الجماعة في التفكير.." أن الدافع وحده ليس كافياً لثبات الرأي والأيدلوجيا، فهو محكوم بحلقة ذاع صيتها وقوتها في الوعي الإنساني خاصة في السنوات العشرين الأخيرة ،وأن الرأي سينكمش بفِعل التأثير علي الدافع ..وأن الضامن الوحيد لثبات الرأي والأيدلوجيا هو الاستقلال الكامل والتام بما يسمح بصناعة حضارة مختلفة ومتمايزة عن الآخر وتستقل عن تلك الحلقة كمصدر ثابت وأصيل للقوة..وأن الصدق وحده ليس كافيا لصناعة رأي سليم ، فالصدق إن لم يكن له مجال تجريبي يقف علي واقعيته فلا مجال إذا لأهليته.."...

اجمالي القراءات 7609