قافلة أسيادنا الإخوان

في الخميس ١٠ - يناير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كان اقتراح المستشار نائب سيادة رئيس جمهورية مصر للشئون القانونية مضحكاً أو مبكياً، أن يجب علينا تمرير الدستور على ما هو عليه، ثم نتفق بعدها على تعديلات له، وهو الأمر الذي لا أتصور له مثيلاً في أي من بلاد العالم، أن نذهب للشعب نستفتيه على دستور ونحن نعلن نيتنا تعديله، أي ندعو الناس للموافقة على بنود لكي نخالف بعد ذلك إرادتهم عمداً ومع سبق الإصرار والترصد، لنعود بالتأكيد بعد عدة شهور لنستفتيهم على عكسها أو حذفها، هذا بالطبع بافتراض حسن النية لدى من أطلق هذه الترهات، وأن الأمر ليس مجرد "ضحك على ذقون" هي جديرة بالفعل بالضحك عليها، نقول جديرة بالضحك عليها ليس من قبيل إلقاء الاتهامات جزافاً، فها نحن نرى الآن "أكابر" المعارضة أو "جبهة الإنقاذ الوطني" يحدثوننا عن مسودة للتعديلات الدستورية المأمولة والموعود بها، ونسمع التكرار الممل لشروط حوار وشروط دخول معركة برلمانية، لنجد أنفسنا أما صيغة العبارة التي صارت شهيرة للفنان أحمد زكي في أحد أفلامه: " السؤال هو عمرك شوفت سذاجة أكثر من كده؟!!"
الحادث هو أن قافلة أسيادنا الإخوان وأذيالهم تسير الآن بثبات وإصرار، والمعارضة تلهث خلفهم نابحة كالجراء الصغيرة التي ترتعش من البرد، فيما تتلقى من الأسياد حيناً بعض الركلات الهينة، وحيناً آخر وعوداً بالتنازل وإلقاء بعض الفتات لهم خلال حوارات قادمة، وفيما تنتحي بعض الجراء جانباً لتدخل إلى معطف الإخوان الدافئ تحت مسمى التوافق، هروباً من زمهرير النباح على قارعة الطريق، فإن جراء أخرى تشترط على الأسياد شروطاً لتجلس إلى مائدة لتتلقى الفتات الموعودة به، والأسياد بحنان ضار يبتسمون، فتنفرج الشفاه عن أنيابهم المخضبة بالدماء، ويَغُزُّون السير في ذات طريقهم، ساحبين النابحين خلفهم إلى حيث يخططون. . كم من الوقت سنسير هكذا خلفهم، قبل أن نجد أنفسنا قد وصلنا بالفعل "ساحة التمكين"؟!!

ما نحن فيه الآن لم يحدث فجأة، ولا هو من صناعة رئيس واحد مثل السادات أو مبارك، فالأمر أبعد كثيراً، وإن لم تنتف أدوار هذين أو سواهم، علينا أن نذهب في البحث إلى أكثر من مائتي عام مضت، لنجد أسباب تعثر رحلة الحداثة المصرية التي بدأها محمد علي، ولماذا ذهبت محاولات التنوير طوال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين أدراج الرياح، ثم اتخذنا مساراً عكسياً بداية من ثلاثينات القرن مع حسن البنا وجماعته، الذين بعكس ما حدث مع دعاة التنوير، وجدوا لدى شعبنا قابلية عالية لاعتناق مقولاتهم ورؤاهم، حتى وصلنا للحظة الانكفاء الراهنة. . لماذا ذهبت سدى محاولات محمد عبده وقاسم أمين وهدى شعراوي وسلامة موسى وأحمد لطفي السيد وتوفيق الحكيم ولويس عوض وطه حسين وسواهم، مقابل هذا النجاح الباهر لحسن البنا وزمرته؟

ليس أمر التيار الديني وحده، فكلنا منكفئون عاجزون عن مسايرة ركب الحضارة العالمية، كلنا كما لو كنا قد سقطنا من عربة الزمن!!. . بالطبع هناك فارق بين الإخوان والسلفيين وبين ما يمثله أمثال عمرو حمزاوي وحمدين الصباحي وحمدي الفخراني والسيد البدوي وعبد الغفار شكر ممن يمثلون الآن التيار المدني، لكن هذا الفارق لا يستدعي تكبد مشاق الثورة على الإخوان، فالانغلاق والعجز عن تمثل روح العصر واحد، ومن "داهية لمصيبة يا قلبي لا تحزن"!!
كالعادة كلما شرعنا في البحث عن أسباب فشلنا وتخلفنا يقفز أمامنا "عفريت" المؤامرات الخارجية، ليقينا أو يحمل عنا مشقة مواجهة مناحي قصورنا وتقصيرنا. . هناك دائماً الاستعمار والصهيونية ومؤامرتهم، ولا نعدم شواهد عملية تدعم وجهة نظرنا الأبدية، أننا لسنا أكثر من "أحجار على رقعة شطرنج" تحركها أصابع "شيطان أعظم"، لكننا إذا تركنا تاريخ مسيرة التنوير الفاشلة وركزنا على اللحظة الراهنة، فإننا قبل أن نلوم الإدارة الأمريكية أو نصب عليها اللعنات لاحتضانها جماعة الإخوان المسلمين بعد أحداث 25 يناير 2011، وإنفاقها ما قيل أنه مليار ونصف المليار دولار لتصل بها للسلطة في مصر، علينا أن نلحظ أنها فعلت ذلك لأمرين، أولهما الشعبية التي بدت كاسحة لها في استفتاء التعديلات الدستورية والانتخابات التشريعية، والثاني أن البديل المطروح في الساحة هو شرازم العروبجية واليسار أصحاب العقول المأفونة والأيديولوجيات المعادية للغرب والمفارقة للعصر، رغم أنه لو كان هؤلاء الأخيرين هم الأكثر جماهيرية لتعاملت معهم الولايات المتحدة ذات التعامل، ولحاولت ترويض شعاراتهم الحنجورية الملتهبة، ولوجدنا هؤلاء يفعلون مثلما يفعل الإخوان الآن تماماً، يعادون الإمبريالية والصهيونية على المنابر، ويعملون خدماً في بلاطها خلف الكواليس. . أليس هذا ما كان ينتهجه بالفعل بطل جبهة الممناعة والتصدي العربية بشار بن الأسد؟!!

من العبث الآن تصور إمكانية تغيير الوضع المصري خلال بضعة أسابيع أو شهور أو حتى سنوات قليلة، كما أنه من الخبل القعود والاستسلام ومصر الوطن توغل يوماً فيوماً في الغرق في أوحال الدولة الدينية وفشلها الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. . هي مسيرة طويلة تحتاج لرجال أشداء يؤمنون بقضية التنوير والتغيير الحقيقي والعميق، مسيرة لبناء دعائم جديدة لثقافتنا وحياتنا، لنهجر كل القيم والأفكار والثوابت التي أعاقتنا طوال أكثر من مائتي عام عن استيعاب الحضارة وتفعيل الثورة العلمية في حياتنا، وليس اجترار العلوم واستظهارها دون وعي أو استيعاب لنتائجها الثقافية والمجتمعية. . الآن على الشباب التطهر من السير خلف أصحاب الحناجر العظيمة وإرسالهم إلى ساحة النفايات التاريخية، والتوجه نحو فكر حر معاصر منفتح على العالم، عندها سنرى إن كان الغرب سيظل على تبنيه لطيور الظلام، أم سيمد يده بالعون لشعب يتوق للالتحاق بالعصر ومسيرته الحضارية. . هو إذن المشوار الطويل نحو الحرية والحداثة، وليس "فركة كعب" كما يحلم الواهمون.
kghobrial@yahoo.com
 المصدر ايلاف

اجمالي القراءات 12345