تصدع الإخوان(تطهير أم تطويع الإعلام)

سامح عسكر في الأحد ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مُصطلح التطهير يعني وجود شعور داخلي بالإمعان في الصراعات..وهو أقصى شعور بالرفض ينتج عنه المواجهة، فما كان في السابق حواراً أو جُهداً للإصلاح تحول الآن إلى مُطالبات بالتطهير لحضور اليقين القوي باستحالة الإصلاح، لذلك أن لا أؤمن بصدق هذا الشعور إلا بعد تخطيه المراحل الأولى له سواء ببذل الُجهد في الحوار أو في العمل الجاد "من داخل" تلك الأشياء المُراد تطهيرها -بُغية الإصلاح..وهذه المراحل مُنعدمة عند جماعة الإخوان..وبالتالي فيظهر ندائهم بالتطهير خالياً من الشفافية والوضوح..و في وسط هذا الغموض نرى عجزا عن صناعة مُنتوج ثقافي مقبول يحوي بديلاً عن ما اصطلح عليه القوم بالتطهير، بمعنى أن هذا الُمنتج يتطلب أولاً التخلص من الخوف المرضي وفوبيا المؤامرة والإيمان بحق الآخر في المعارضة والمنافسة وثبات المبدأ وخلافه..فإذا لم يتحقق شيئاً من ذلك فنداء التطهير هو بالأصل فوبيا مؤامرة نتجت عن خوف مرضي أو تسلق منفعي براجماتي..وفي كل الحالات هو كذب وخداع للذات قبل الغير.

في البداية سنحاول رصد نداء الجماعة بالتطهير وسنرى أن جماعة الإخوان تُطلق صيحات-هذه الأيام-بضرورة تطهير مؤسستي"القضاء والإعلام"..وانتبهوا لإشارة"هذه الأيام" لأن الإخوان في السابق لم يرفعوا مثل هذه الشعارات إلا بمضامين مغايرة وعلى استحياء كمثل مطالبتهم بتطهير الإعلام من السفور والتعري والإباحية في السابق..ولكن لم يتطرق أحد منهم لمطالبهم اليوم بتطهير الإعلام والذي يشير إلى استغلال الخلاف السياسي في شرعنة وتجديد تلك الشعارات بمعنى إعادة إحيائها بثوب جديد، وكأن مطالبهم في الماضي كانت لكسب تعاطف العامة الرافضة لمثل هذه السلوكيات المخالفة للدين وللأخلاق، بينما في الحاضر انحصرت مطالبهم في التخلص من كل ناقد أو معارض وسنُثبت ذلك في السطور القليلة القادمة بإذن الله، وما ينطبق على الإعلام ينطبق أيضاً على القضاء وسنرى.

بالنسبة لتطهير الإعلام فينبغي أولاً التعرف على ماهية ذلك الإعلام المقصود..فهم يرون الإعلام في صورة الإعلام الفضائي والمتمثل في القنوات المصرية الخاصة، بينما لا يألون بالاً للإعلام الحكومي التابع لمؤسسة اتحاد الإذاعة والتلفزيون..والسبب أن الإعلام الحكومي يقف على منصة قيادته واحد من قيادات الجماعة وهو الأستاذ صلاح عبدالمقصود، وبالتالي فمطالبهم بتطهير مؤسسات الحكومة الإعلامية ستصطدم مع توجهات قادتهم الراغبة في إفساح العمل -دون شغب -لمسئوليهم في مواقع السلطة، كذلك لأن الإعلام الحكومي يكاد يكون مهادناً للإخوان بدرجة كبيرة ويصل في بعض الأحيان للتأييد التام، وما كانت مظاهرات إعلاميو ماسبيرو مؤخراً إلا كونها إشارة إلى وجود مثل هذا التصنيف والازدواجية داخل تلك المؤسسة العريقة، بمعنى أن الإخوان عملوا على ترسيخ توجهات ماسبيرو بتأييد الحاكم ولم يعُالجوا نفاقه للأنظمة القديمة، وكأن هوية ماسبيرو خدمت الإخوان فقاموا على رعاية سلبياته بل وتطويرها!

أما بالنسبة للإعلام الخاص فهو إعلام حُر منذ ولادته، يكفي أن النظام القديم كان يحاول السيطرة عليه بشتى السُبل المشروعة والغير مشروعة في محاولة لتحجيمه باستخدام أساليب التشويه المتعددة، فالكلمة الحرة هي أكثر ما يثير قلق الطاغية بشكلٍ عام،فمعنى وجود كلمة حرة يعني تخلصها من كافة القيود الحزبية والنفعية وحتى البيروقراطية، فالأخيرة هي أداة المتسلط في فرض رؤيته.. خاصة في العصر الحديث، وما من مجتمع تكاد تتعشش فيه هذه الآفة إلا ويُصبح ملاذاً للتسلط وللإرهاب..والعجيب أن رفع الجماعة لشعار تطهير الإعلام الخاص –والذي تمثل في اعتصام جماعة حازمون وشعارات وهتافات الإخوان وتصريحات قادتهم وشيوخهم-رافق هذا السلوك ظهوراً قوياً للجماعة في هذا الإعلام،بل ومنذ قبل قيام الثورة إلا وكان هذا الإعلام هو بيت الجماعة الأول لتغطية أخبارهم ولقاء مسئوليهم وشبابهم، هذا لأن ظهور الجماعة على الإعلام الحكومي كان غير جائز لاعتبارات تتعلق بحظر الجماعة ونشاطها...نستنتج من ذلك أن الجماعة رفعت شعار"تطهير الإعلام"إلا بعد انحراف سلوكها وبُعده عن القانون والشريعة والأخلاق في محاولة لكبح جماحه عن رصد أخطاء الجماعة.

أخيراً فقد ظهر لنا بأن مطالبات الجماعة بتطهير الإعلام لم يكن في حقيقته إلا محاولات"تطويع"وليست محاولات "تطهير"..فالإعلام في حقيقته لا يعدو كونه أداة نقل وإخبار وتحليل للأحداث..وفي العادة يرفض المتسلط تقويم آدائه أو نقد أفكاره وأعماله، وبالتالي سيظهر أي ناقد في صورة أقرب"للشيطان"الذي يحاول جاهداً تشويه هذا الملاك الرحيم الذي لا يخطئ!..الحل في استقامة الرأي وبُعده عن التنميط، وأن يكون الرأي مبرراً بمبررات قانونية وشرعية مصحوبة بسلوك يعزز هذا القانون وتلك الشريعة، فإذا حدث خللاً في تلك المنظومة سيطفو على السطح صراعاً يسوده منطق"البقاء للأقوى"فالنفس الإنسانية تبتعد عن الأسباب الحقيقية للصراعات في العادة وتعمل على تحويل تلك الأسباب لأهداف ذرائعية محضة يُصبح معها الإنسان أكثر نفوذاً وحماية.

اجمالي القراءات 6671