أهلاً بكم في دولة(فاشيستان) الدينية

سامح عسكر في الخميس ١٣ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

على كل جميع الركاب ..اربطوا الأحزمة واستعدوا لهبوط الطائرة..أهلاً بكم في دولة"فاشيستان"الدينية..عند هبوطكم من الطائرة ستجدون موظفي الدولة يستقبلونكم بالابتسامات والتهاني الحارة حامدين لله على سلامة وصولكم، ولكن لا تنخدعوا فوراء كل ابتسامة قلب أسود عنيد..دولة"فاشيستان"الدينية..هي دولة مستقلة ذات سيادة دستورها هو دستور الحاكم وجماعته وليس دستور المعارضة والشعب، القانون العام هو البقاء للأقوى، الشعب يغلب عليه الطيبة والخنوع ويعاني من الفقر والجهل والمرض،لا ينتظر السائلون سوى عطف وشفقة الحكم وعفوه..لا يتحصل أنصار الحاكم على مُرادهم ومنافعهم إلا بالدين، فإذا أرداوا صندوق الانتخاب لجأوا إلى الدين، وإذا أرادوا الدفاع عن أنفسهم لجأوا إلى الدين، وإذا أرادوا شتم وسب واغتيال معارضيهم أيضاً يلجأون إلى الدين..فهم العلماء وما دونهم الجاهلية وشعبها، لا توافقهم في رأي إلا وكنت عزيزا ، ولا تُعارضهم إلا وكنت ذليلا.

شعب دولة"فاشيستان"الدينية ينسلخ تماماً عن هذا العالَم،ففي حين تحاول شعوب العالم رصد تحديات ما بعد الحداثة نرى هذا الشعب المسكين أسيراً لقادة وشيوخ الجهل والنفعية، شعباً لا يعرف البرهان لأن راية توحيده هي الكسل ،فلماذا يقضون على خصومهم بالبرهان وهم قادرون على أن يقضوا عليهم بالضربة القاضية،يعتقدون أن حاكمهم أراد لهم الخير فذهب متحدياً جِبال القُضاة وصواعق الليبراليين ورعود المتآمرين وتلاطم أمواج "الفلول" كي يبحث لهم عن فراء الحيوان الثمين،إنه فراء النهضة الذي وعدهم به، عندما يضعون هذا الفراء على الجثة فتحيا،عندما يبتلهون إلى الله بها وبمنزلتها فيستجيب لهم الرب، شعباً أصم وأبكم اعتاد على التنميط وعزو كل عسيرٍ على مجهول،يحب السير في الظلام على أن يمشي في النور، ففي ضياء الشمس تنكشف عوراته فتظهر أخلاقه المتدنية، ولكن في عتمة الليل تنجلي ترسبات نفاقه ويظهر كالمارد الأشعث يؤذي الناس في الظلام ويضحك لهم في النور.

شعباً لا يعرف معنى الانتماء بالكلية، فهو ينتمي لجماعته ورئيسه ، هؤلاء لديهم الخير كله وما دونهم الشر كله، بينما الانتماء لكل عزيزِ ومقدس ..فالوطن عزيز أنتمي إليه كما أن جماعتي عزيزة، وديني مقدس أنتمي إليه كما أن جماعتي مقدسة ومعصومة،فإذا اختل ميزان العِزّة والقُدسية اختل بالتبعية معنى الانتماء، وحين تختل معاني القيم تنتقل الشعوب من القوة إلى المرض ثم تنتظر الموت في أقرب فُرصة،هم لا يحسبون لمستقبلهم أكثر من الكيد لخصومهم والنصر عليهم، وتلك أفعال من يتقرب إلى نفسه بسعادة مغشوشة سُرعان من تنقشع فور أن تسري قواعد الحق بالتداول في خلقه، ضاقت عليهم معاني الصحوة الدينية فبدلاً من سعتها لتشمل كل الناس ضاقت إلى مؤيديهم ومناصريهم في الفكر والمنهج ...غرسوا في أنصارهم حُبّ الفاشية واستحلال الدماء والأعراض، لا يعرفون حقوق الاختلاف وواجباته لأنهم لم يمارسوه قط فيما بينهم، استبدلوا ذلك بتقارب روحاني على أهداف سبقهم فيها جماعات وفِرق اندثرت وذهبت إلى غير رجعة.

شعب دولة "فاشيستان" لا يعرف القانون لأنه هو القانون..لا يبحث عن سبباً معقولاً للإيمان بما يسلكه لأن القضية لديه مفهومة ومحفوظة بل ومُجرّبة، هكذا غرس حُكّامه تلك المعاني المتأصلة في أنفسهم دون أن يُبادروا بالسؤال، ولو بادر منهم أحد لوقف على كوارث ليست فقط فكرية وتاريخية بل أيضاً أخلاقية، سيرى أن حُكامه كانوا يكذبون عليه، وأنه لا طريق لما يريدون إلا بالسلام والحوار وقبل ذلك بالبحث العلمي الجاد، فإذا تسالموا كانوا ممن أرادوا الوحدة الحقيقية، وإذا تحاوروا كانوا ممن آمنوا بحق الآخر في الخلاف، وإذا بحثوا عن الحقيقة بحثاً علمياً جادا كانوا ممن أرادوا الحقيقة..ومن أراد الحقيقة كمن أراد طريق الله،ومن أراد طريق الله سلكه بالحب دون سواه، وكيف يحب الشعب "الفاشيستاني"وهو لا يفهم ما يدور حوله..إنها أزمة ثقافة ياسادة قبل أن تكون أزمة سياسة.

اجمالي القراءات 7515