.
بين الاستنعاج والاستلطاخ يا قلبي لا تحزن

نبيل هلال في الجمعة ٠٧ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

في التراث الشعبي المصري ما زال يعبر عن تولِّى الحاكم الحكم بأنه " رَكَب " , وهو تعبير لا يزال مستخدما في لغتنا العامية في الأوساط الريفية والشعبية . وما من مستبد إلا ويستخف "بالرعية", فالاستهانة أو الاستخفاف خصيصة للمستبد أثبتها الله في قرآنه لمَّا قال عن فرعون وهو إمام المستبدين : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ }الزخرف 54 , وماذا عن المُستخَف بهم , رماهم الله بالفسق إذ وصفهم :" إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ " .
ولمّا أراد الحجاج بن يوسف الثقفي الحج خطب في الناس فقال : "أيها الناس إني أريد الحج وقد استخلفت عليكم ابني محمدا هذا وأوصيته فيكم بخلاف ما أوصى به رسول الله في الأنصار أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم , ألا وإني قد أوصيته أن لا يقبل من محسنكم ولا يتجاوز عن مسيئكم , ألا وإنكم ستقولون بعدي مقالة ما يمنعكم من إظهارها إلا مخافتي , ألا وإنكم ستقولون بعدي لا أحسن الله له الصحبة , ألا وإني معجل لكم الإجابة : لا أحسن الله الخلافة عليكم " ثم نزل ! ومثل هذا الخطاب ينطق بالاستخفاف الشديد بالناس . والحاكم الظالم لا يستخف بالمحكوم على هذا النحو المفضوح ما لم يكن على يقين من قابليته " للاستنعاج ".
وكان الخلفاء الأمويون يختمون أعناق المسلمين من الموالي كما توسم البهائم والمواشي . ولما جلس مسلم بن عقبة والي المدينة من قِبل الخليفة يزيد بن معاوية (رضي الله عنه وعن أبيه) , في مسجد رسول الله لأخذ بيعة أهل المدينة , كان يبايعهم على أن كلا منهم عبد قِن (والعبد القِن هو الذي مُلِك هو وأبواه) لأمير المؤمنين يزيد بن معاوية , ولم يستثن من ذلك غير الحسين حفيد المصطفى- صلى الله عليه وسلم - الذي بايعه على أنه أخوه وابن عمه .
والمجتمع الذي يقهر فيه القوي الضعيف هو مجتمع غير حر, والمجتمع الذي تسيطر فيه طبقة على طبقة وتضيع فيه الحقوق , مجتمع غير حر, والسلطان الذي يستبد "بالرعايا" وينهب أموالهم , إنما يفعل ذلك بهم لأنهم غير أحرار. والطبيعة لا تجود على الناس بحريتهم , وإنما عليهم السعي لإحرازها , وما لم تَصدُق عزيمتهم على نيلها فسيبقون مصفدين بالأغلال ما بقوا .
وضرب الرسول المثل على احترام القانون وضرورة تطبيقه على الجميع بلا أي تمييز, فقال : والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها . لكننا لم نسمع عن محاسبة أحد ممن نهبوا المسلمين طوال تاريخهم , فقد كانوا من الأشراف والنبلاء من أصحاب الدم الأزرق ممن أرسوا في وجدان المسلم المروَّض أن الحاكم له أن يسلب المحكوم, تماما كما يسلب الغازي من يقتله في ساحة الوغى . ولم يقتصر الأمر على "ركوب" الخلفاء وحدهم فوق القانون , وإنما شاركهم في ذلك نوابهم على الأمصار فسرقوا ونهبوا واعتدوا ولم تطبق عليهم أحكام الشريعة التي تطبق على عموم الناس من البسطاء . ولم يوضع القانون في مكانة سامية حصينة بل اخترقه كل صاحب نفوذ سياسي أو تميُّز اجتماعي أو اقتصادي , أي لم تُكفل أي حصانة لحماية القانون من منتهكي القانون . بتصرف من كتاب خرافة اسمها الخلافة -قراءة في سقوط الدولة الدينية -متاح  على الإنترنت -الرابط :
http://www.4shared.com/rar/GZId9Xdz/___online.html

اجمالي القراءات 8119