.
ما أريكم إلا ما أرى - أو حكاية المستبد العادل

نبيل هلال في الجمعة ٠٧ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

يحلم البعض بتحقيق حلم كبير اسمه بعث الخلافة الإسلامية , وأولئك هم من يفكرون في بناء الهرم بدءا من قمته وانتهاء بقاعدته , مَن ينتظرون خليفة يحكمهم بالعدل والقسطاس , مَن خفي عليهم أن البسطاء وحدهم هم من يملكون صنع الأمجاد متى عرفوا السبيل إليها , ويتوهمون أن خير البلاد والعباد لا يكون إلا بنظام حكم مماثل للخلافة الإسلامية التي يظنون أنها حُكمُ حاكم جليل مبارَك يحرس الدين والملة ويحقق المساواة بين الناس , ويقضي بينهم بالعدل .
فإذا كانت تلك هي الخلافة في ظنهم , فإن التاريخ يكذِّب حدوثها على هذا النحو , فالخلافة لم تحقق العدالة ولا المساواة , ولم تَحُل دون انحراف الخلفاء ونهب بيت المال وترسيخ الطبقية والإقطاع . ورأينا أن نبين كيفية إبطال فعالية الإسلام , وأن نزيح أستار الأوهام التي تخفي وراءها زيف الاعتقاد بمثالية نظام حكم الخلافة الإسلامية , ورأينا كشف الدور الذي أداه فقيه السلطان في الحيلولة دون تفعيل الإسلام عالميا , إذ كان زمن الخلافة هو زمن العدالة الغائبة والظلم المشهود . ولم يكن الخليفة ذلك المؤمن الصالح الذي يقوم الليل ويصوم النهار, ولا هو الإمام العادل القيم بأمانة على أموال بيت المال , تلك كانت صورته في تراثنا المزيف . والحقيقة أن الخليفة المسلم كان صورة طبق الأصل من أي قيصر أو كسرى , مع أنه كان يسمي نفسه " أمير المؤمنين" . وكان المسلم في مملكة أمير المؤمنين- كما هو الحال في أي نظام ملكي- مجرد بقرة في حظيرة جلالة الملك . وفي حديثنا كله عن الخلافة ,نستثني الخلفاء الراشدين الخمسة (أبا بكر وعمر وعثمان وعلى وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين , فقد كانوا المثال المضيء الذي لم يتكرر.
والآليات التي حكمت بزوغ وزوال الخلافة الإسلامية هي نفسها تقريبا الآليات الفاعلة في نظم الحكم الفرعوني والبطلمى والروماني والعثماني ......., الأمر الذي لا يمنع وصفها جميعا بأنها (خلافة) فرعونية أو رومانية ما دامت نفس آليات الحكم هي الفاعلة , إذ تنتقل السلطة فيها جميعا إلى وريث من الأسرة الحاكمة التي تستند في العادة إلى شرعية دينية وهمية (الإله –في عصور ما قبل الأديان السماوية - أو ظله أو النطق باسمه) - زعم كل "ملوك الخلافة" أنهم من البيت النبوي حتى وإن كانت أصولهم من أوروبا! - أعلنت المؤسسة الدينية الرسمية أن الملك فاروق ملك مصر ينتمي إلى البيت النبوي الشريف , مع أن أي تلميذ في المدرسة الابتدائية يعلم أن فاروقا من أحفاد محمد على المولود في ألبانيا بأوروبا - أو شرعية القوة والبأس , أو شرعية ميراث أسرة بعينها للحُكم - الثروة والعباد - حتى وإن لم يتيسر لها زعم شرعية دينية يتم بها وراثة الأمة بكاملها كما تُتَوارث الأرض والأنعام , وكلها شرعيات تخوِّل لمن يحوزها استعباد الناس ونهب أموالهم وتكميم أفواههم وضرب أعناقهم , وكلها نُظم يغيب فيها الفرد المعارِض ولا يُسمح لأحد فيها غير أن يكون عبدا خالصا لمولاه الحاكم .
ولما فوَّضت الأمةُ أمرَها إلى المستبد وخوَّلته سلطة حكمها , لم يعتبر ذك تفويضا بل تنازلا منها عن حقها في الحكم العادل , وإسقاطا لحقها في مساءلته . ولزم المسلم موقف المتفرج من قضايا مجتمعه بعد أن قهره السلطان وروضه فقهاؤه عملا بالقاعدة الفرعونية الخالدة التي يتوارثها الطغاة :" ما أُريكم إلا ما أَرى " 

اجمالي القراءات 8064