هذا الحكم المسىء يناقض أهم مبادىء الشريعة الاسلامية الحقيقية :(الحرية الدينية المطلقة )
هذا الحكم المسىء للاسلام الذى يقضى باعدام المسيئين للرسول عليه السلام ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٤ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

طبقا لما أوردته جريدة ( المصرى اليوم ) بتاريخ 29 نوفمبر 2012  فقد حكمت محكمة أمن الدولة بإعدام ٧ متهمين فى قضية الفيلم المسىء للرسول ، والمتهمون هم موريس صادق ومرقس عزيز خليل، وعصمت زقلمة ونبيل أديب بسادة موسى، ونيقولا باسيلى وناهد متولى ونادر فريد فوزى . وقد صدر الحكم برئاسة المستشار سيف النصر سليمان، وعضوية المستشارين محمد عامر جادو، وحسن إسماعيل حسن، رئيس المحكمة، وبحضور خالد ضياء، رئيس نيابة أمن الدولة العليا، وأمانة سر عادل عبدالحميد. وطبقا لما ذكرته ( المصرى اليوم ) فإنه  وعقب النطق بالقرار ( قام المحامون بالتهليل والتكبير ورددوا: الله أكبر.. الحمد لله). وهذه سابقة لا مثيل لها فى تاريخ القضاء المصرى ـ أن يتحالف الدفاع مع النيابة ضد المتهمين ، وأن يتم الحكم بالاعدام غيابيا فى قضية تندرج تحت قانون ( إذدراء الدين ). ومع إنه قانون سىء السمعة إلّا إنه العقوبة فيه مجرد السجن سنة أو أعدة سنوات ، ولا تصل الى الاعدام .

2 ـ وقد سبق أن قامت السلطات المصرية بتجريد المحامى موريس صادق من الجنسية المصرية ، وبالرغم من الخلاف الهائل بيننا وبينه إلا إننا نشرنا هنا مقالا يستنكر هذا ،  ثم أصدرنا بيانا باسم المركز العالمى للقرآن الكريم نستنكر فيه هذا الحكم القضائى باعدام المسيئين للنبى محمد عليه السلام ، لأن هذا الحكم يسىء الى الاسلام ويخالف شريعة الله جل وعلا ، ونطالب المفتى فى مصر بعدم التصديق عليه وإلّا  كان عدوا لله جل وعلا ورسوله ، ونطالب بعزل القضاة الذين أصدروه لأنهم شوّهوا سمعة مصر وسمعة القضاء المصرى . وأوضحنا أن هذا الحكم الظالم يؤكد تغلغل الوهابية الحنبلية السنية المتطرفة فى عقول المصريين ، وبالتالى فإن الانتصار على الاخوان والسلفيين سياسيا لا يكفى ، لأن الأخطر منهم هو تغلغل دينهم الوهابى المعادى للاسلام بين المصريين المسلمين ، ولا بد من إثبات كفر الوهابية بالاسلام ، وهذا ما يقوم به أهل القرآن وحدهم ، دون مساعدة من ضحايا الوهابية . ونشرنا الجزء الأول من الرد ، والذى يؤكد تناقض هذا الحكم مع السّنة الحقيقية للنبى عليه السلام.   

وهذا هو المقال الثانى ، ويتناول تناقض هذا الحكم المسىء مع أهم مبادىء الشريعة الاسلامية الحقيقية التى يكفر بها الوهابيون والسلفيون والاخوان المسلمون ، وهو الحرية الدينية المطلقة للبشر فى هذه الدنيا ، وأن يكون الدين كله لله جل وعلا وحده يحكم فيه بين البشر ( يوم الدين )، وبالتالى لا يصح إسلاميا تدخل الدولة فى العلاقة بين الانسان وربه  فى مجالات الاعتقاد والدعوة وإقامة الشعائر. كل هذه المجالات يجب أن تكون الحرية فيها مطلقة لكل المواطنين ، و ممنوع مطلقا فى التشريع الاسلامى تدخل أى إنسان فى هذه المجالات الدينية بالفرض أو الإكراه .  ولكنّ الإكراه فى الدين أساس كل دين أرضى متحكم بكهنوته فى الناس، وهو أساس كل دولة دينية أو دولة مستبدة تستخدم دينها الأرضى فى التحكم فى رقاب الناس ، وهذا ما تفعله السعودية بشعب الجزيرة العربية ، وهذا ما يريده غلمان السعودية فى مصر بعد أن وصلوا الى سدّة الحكم ، وهذا هو أساس دستورهم الوهابى الذى يؤسس تحكم شريعتهم الوهابية فى رقاب كل المصريين .هذا مع أن الأغلبية الساحقة من المصريين ليسوا وهابيين ، فالأغلبية المصرية المسلمة تتكون من صوفية وسنيين معتدلين ويضاف اليهم الأقليات (الأقباط والشيعة والبهائيون واهل القرآن والعلمانيون ). وتلك الأغلبية ستكون ضحايا الإكراه الوهابى فى الدين. نجاتهم تكون بنشر الوعى بهذا التناقض بين الوهابية والاسلام فى المبدأ الأساس وهو الحرية الدينية المطلقة فى الدين .

أولا : مبدأ الحرية المطلقة فى الدين ومسئولية كل نفس بشرية عن إختيارها يوم القيامة .

فى تأكيد الحرية الدينية المطلقة لكل نفس بشرية ومسئوليتها يوم القيامة على إختيارها يقول جل وعلا : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف ). وعن حرية البشر فى الايمان أو عدم الايمان بالقرآن الكريم ، يقول جل وعلا:(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107):الاسراء)، وعن حرية البشر فى الالحاد فى القرآن وعلم الرحمن بذلك وتهديده لهم بعذاب يوم القيامة يقول جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت) . وفى مقابل هذا تجد فى التشريع السّنى قتل المرتد وقتل الزنديق وقتل صاحب البدعة .!! ثم تجد قانون ( إزدراء الدين )..الوهابى .!!

ثانيا : قواعد تشريعية وعقيدية تؤكد مبدأ الحرية الدينية المطلقة فى الاسلام

ويترتب على هذا المبدأ الأساس قواعد تشريعية وعقيدية إسلامية تؤكّده وهى :

1 ـ أن تتحمّل كل نفس خطأها ، ولا تتحمل خطأ غيرها ، وهى قاعدة :(ألّا تزر وازرة وزر أخرى). وقد تكررت هذه القاعدة التشريعية فى القرآن الكريم ضمن لتؤكد عدم المؤاخذة بذنب الآخر، يقول جلّ وعلا ( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)الأنعام:194 ) (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)15)الاسراء)(إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(7)( الزمر).وهذه القاعدة التشريعية ركن أساس فى الدين الالهى، وقد جاءت فيما نزل على ابراهيم وعلى موسى عليهما السلام :( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)  أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) النجم) .

ولا يعمل المستبد الشرقى بهذه القاعدة فهو يعاقب أهل خصومه ويتخذهم رهائن ، بل يتعدى الأمر الى إبادة قرى بأكملها بسبب بعض أفراد فيها . وأخشى ما أخشاه أن يدفع فقراء الأقباط فى مصر فاتورة ما يفعله موريس صادق وبطرس وغيرهما . فالاخوان والسلفيون بارعون فى التسلط على الضعيف وتحميله مسئولية الغير ، حتى لو كان هذا الضعيف سلفيا ، وهذا تطبيق قاعدة أساس فى تشريعهم السنى أكّدها ابن تيمية ، وهى ( قاعدة اللتّترس ) التى تجيز قتل المسلمين نكاية فى العدو. فإذا كان هذا تشريعهم مع (إخوانهم المسلمين ) فكيف بالأقباط  الفقراء المساكين؟ 

2 ـ  ليس من مهمة الحكومات هداية الناس حيث أنّ كل فرد مسئول عن نفسه ، إن إهتدى فلنفسه وإن ضلّ فعلى نفسه:( مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا )الإسراء: 15)،( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا )الجاثية:15 )،ولذا فلا ظلم يوم القيامة : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) فصلت:46 )  وكل نفس مؤاخذة بما كسبت بالحق كما خلق الله جل وعلا السماوات والأرض بالحق:(وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)الجاثية:22 ) والتكليف على قدر الطاقة والاستطاعة: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ) البقرة:286 ).والكافر عليه كفره يوم القيامة والمؤمن يمهّد لنفسه مستقرا فى الجنة :(مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ)الروم:44 ) لذا فإن من يشكر الله جل وعلا مؤمنا به خاشعا له إنما يفعل ذلك خيرا لنفسه وستلقى نفسه ثواب ذلك فى الجنة ونجاة من النار ، ومن يكفر فإنّ الله جل وعلا غنى عنه وعن العالمين:( وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) لقمان:12)(وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) النمل:40 ).  

ولأنها مسئولية شخصية ذاتية فقد قال جل وعلا لبنى إسرائيل : (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا )الإسراء:7 )، وقال نفس المعنى للصحابة :(هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ) محمد:38)(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) الفتح:10 ).

3 ـ ليست مسئولية النبى أن يهدى أحدا: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )البقرة:272 ) ، بل لا يستطيع أن يهدى من يحبّ من الناس لأن الهداية مسئولية كل نفس ، فمن شاء الايمان والهدى شاء الله هدايته ، ومن شاء الضلالة شاء الله ضلاله:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56)(القصص). ولأن الهداية اختيار شخصى ومسئولية شخصية فليس على النبى سوى التبليغ والإنذار بقراءة القرآن:(وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ)النمل:92)،وليس عليه السلام وكيلا عن أحد (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)الزمر)( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) يونس:108 ) (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)الأنعام:104 ).

4 ـ ( لا إكراه فى الدين ) : ولأنها مسئولية شخصية فليس من سلطة النبى أن يتدخّل فى إختيار الناس ، لأنّ وظيفته هى مجرد التبليغ والتذكير،وهو ليس عليهم بمسيطر:( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)) ومن يختار الضلال  فمرجعه لله جل وعلا يوم الدين حيث العذاب المهين:( إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ (24) إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) الغاشية) ، لذا تعرض النبى محمد للتأنيب حين تحمس وحاول الضغط على بعضهم ليؤمن فقال له ربّه جل وعلا يؤكّد أنه ممنوع عليه الإكراه فى الدين: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)( يونس) وهذا يعدّ تطبيقا للقاعدة القرآنية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغيِّ(256)( البقرة ). وحتى حين يستسلم الجندى الكافر المحارب فى جيش يعتدى على المسلمين فليس من حقهم الضغط عليه حتى يدخل فى الاسلام، بل مفروض عليهم حمايته ورعايته وإسماعه القرآن ليكون قد بلغه الحق القرآنى، ثم إرجاعه الى حيث يكون آمنا : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)( التوبة ).!

4 : عدم ولاية القضاء البشرى فى الفصل فى الخصومات الدينية لأنّ مرجعها لله جل وعلا يوم القيامة  :

 4 / 1 ـ المقصود هنا الخصومات الدينية التى تنحصر فى الرأى والقول والدعوة والاعلام والاعلان. وهذا يحتاج وقفة سريعة : فالحياة الدينية للبشر قائمة على الاختلاف والانقسام ، وهذه طبيعة بشرية شاءها الخالق جل وعلا:(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) ( هود ). وهنا يكمن الاختبار فى هذه الحياة الدنيا ، لأن من يريد الهداية ويبحث عنها مخلصا فأمامه الاحتكام الى ما قاله رب العزة فى القرآن الكريم (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً (114)الأنعام ). ومن يرفض هذا فقد مارس حريته ويتحمل مسئوليته عن إختياره يوم الحساب .  والعادة فى تاريخ البشر الدينى أن أتباع النبى لا يلبثون أن ينحرفوا عن الحق ، بل قد يؤلهون النبى نفسه بعد موته مناقضين للدعوة التى كان يجاهد البنى نفسه من أجلها . وبابتعادهم عن الحق متبعين للهوى فلا بد أن ينقسموا طوائف ومذاهب وفرقا ومللا ونحلا، حدث هذا بعد موت المسيح عليه السلام وبعد موت خاتم المرسلين عليهم السلام.وقد تقترن هذه الخصومات بقتل وقتال ومحاكم تفتيش وتأسيس دول دينية . وفى كل الأحوال فالجميع خصوم لبعضهم ، ولكل منهم رؤيته وعقيدته فى الله جل وعلا ، ولكن يوم القيامة ينقسمون الى قسمين فقط : أقلية تؤمن بأنه (لا اله الا الله) وتتقى رب العزّة جل وعلا ، وأكثرية تقدّس مع الله جل وعلا البشر من الأنبياء والأئمة والصحابة والأولياء ورجال الدين والكهنوت .ويقع فى هذا الشرك كل أتباع الديانات الأرضية ممّن يزعم الانتماء لموسى أو للمسيح أو لمحمد عليهم السلام . ولهذا تتكاثر الملل والنحل والطوائف وتتعدد الانقسامات من الأرثوذكسية والكاثولوكية والبروتستانتية الى السنّة والشيعة والصوفية ، وما يتفرع عنها.

4 / 2 : فى هذا يقول جل وعلا :( هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ) . أى يوم القيامة ستنجلى كل هذه الفرق والمذاهب والأديان والملل والنحل الى قسمين فقط حسب رؤية كل قسم وعقيدته فى الله جل وعلا ، حيث كان ـ ولا يزال الاختصام بينهم جميعا حول رب العزة : هل هو واحد أحد لا اله إلّا هو وليس معه شريك ولا شفيع ولا ولىّ ولا ابن ولا صاحبة وليس له كفوا أحد ؟ ام معه نبى يشفع وولى من البشر يتحكّم وإمام وكهنوت يجعل نفسه واسطة بين الله والناس ؟ على أساس هذا الاعتقاد أو ذاك يكون المصير بين الجنة أو النار ، يقول جل وعلا : ( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23) الحج  )

4/ 3  ـ ولأن هؤلاء فى النهاية خصمان إختصموا فى ربهم فلا يصح أن يكون الخصم حكما على خصمه ، بل لا بد من إرجاع الحكم فى الخصومة الى صاحب الشأن ، وهو رب العزة الذى يختصمون بشأنه ليحكم أى الفريقين على صواب : هل هم أولئك الذين يعبدونه وحده ويذكرونه وحده ويقدسونه وحده ولا مجال لديهم فى تقديس بشر أو حجر ، أم أولئك الذين لا يؤمنون به جل وعلا إلّا إذا كان معه شريك من نبى أو ولى أو أمام أو رجل دين . وقد أخبر رب العزة مقدما بنتيجة الحكم ليعظنا وليحذّرنا من تقديس الأنبياء والرسل والأئمة والأولياء ورجال الكهنوت . وحيث أن مرجع الحكم فى الاختلافات الدينية لله جل وعلا وحده يوم الدين فليست لأى محكمة بشرية ولاية قضائية فى الأمور الدينية من عقائد وعبادات ودعوة وتبشير . كل هذه المجالات مناطق حرة للبشر ، كل منهم يختار لنفسه ما يشاء ، يعتقد ما يشاء ويعبد من يشاء وما يشاء ويدعو ويبشر بدينه ما شاء وكيف شاء ، يكفر ويؤمن ويلحد ، والحساب مؤجل الى يوم الدين .وحيث أننا كلنا خصوم فليس من العدل على الإطلاق أن يحكم الخصم على خصمه ، فالقاضى هنا  لا يمكن ان يكون محايدا ، لأنه هو أيضا صاحب رأى ، وبالتالى سينحاز أما ضد المتهم أو مع المتهم ، وفى الحالتين يفتقد العدل .

4/ 4 ـ وقد أكّد رب العزة أن له وحده مرجعية الحكم بين البشر جميعا يوم القيامة ، فقال:( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(46)الزمر)،فلأنه جلّ وعلا وحده فاطر السماوات والأرض ولأنه جل وعلا وحده هو عالم الغيب والشهادة فهو وحده الذى يحكم بين عباده فيما هم فيه يختلفون . وبالتالى فإنهّ  يكون مدعيا للألوهية ذلك الذى يعطى لنفسه الحق فى أن يحكم على خصمه ويقيم له محكمة تفتيش تستجوبه فى عقيدته ودينه وتقيم له عقابا فى الدنيا . ولخطورة هذه القضية فقد تكرر التأكيد عليها فى القرآن الكريم ، يقول رب العزة جل وعلا :( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الأنعام ) . فلأنّه جل وعلا هو (رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ) فإليه مرجعنا جميعا يوم القيامة ليحكم بيننا فيما نحن فيه مختلفون ،وسيخبرنا بالحق فيما نحن فيه مختلفون . وبالتالى أيضا  فإنهّ  يكون مدعيا للألوهية ذلك الذى يعطى لنفسه الحق فى أن يحكم على خصمه ويقيم له محكمة تفتيش تستجوبه فى عقيدته ودينه وتقيم له عقابا فى الدنيا .

ولخطورة هذه القضية فقد جاءت فيها التفصيلات على النحو التالى :

4 / 4 / 1 ـ الله جل وعلا هو الذى سيحكم يوم الدين بين بنى اسرائيل فى اختلافاتهم الدينية : ( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمْ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93) يونس)، إختلفوا بعد نزول الرسالات السماوية والحكم بينهم مؤجل ليوم الدين،وفى نفس المعنى يقول جل وعلا (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (25) السجدة )( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنْ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) الجاثية ). وعن أختلافهم فى السبت يقول جل وعلا يؤجل الحكم بينهم الى يوم القيامة : ( إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124) النحل ) . ولو شاءوا الهداية لاحتكموا الى القرآن الكريم الذى هو هدى ورحمة لمن يشاء الايمان والهدى :( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) النمل ) ، ولكن فى النهاية فالحكم بينهم مؤجل ليوم الدين :(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) النمل )

4/ 4 / 2 : ونفس الحال فى الاختلاف بين أتباع عيسى عليه السلام الذين يعتبرونه رسولا فقط والذين إختلفوا معهم فألهوا عيسى عليه السلام ، فالحكم بين الفريقين مؤجل ليوم الدين :( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) آل عمران )

 4/ 4 / 3 ـ وهناك خلاف حاد ومزمن بين اليهود والنصارى، كل منهم ينفى الآخر ويتهمه، والحكم بينهما يوم الدين:( وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) البقرة )

4/ 4 / 4 : وبنزول القرآن كفر به بعض أهل الكتاب، وآمن به بعضهم . ودعا رب العزة أهل القرآن وأهل الكتاب الى التسابق فى الخير وليس فى التعصّب والإثم والعدوان ، وأرجأ الحكم بينهما الى يوم القيامة فقال جل وعلا:( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة ).

4/4/ 5 : ونفس الحال فى الاختلاف بين المسلمين أهل القرآن وأولئك الذين يقدسون البشر والحجر والأولياء ممّن ينتسبون إسما للاسلام ، يبدأ رب العزة بتقرير جوهر الاسلام وهو إخلاص الدين لله جل وعلا وحده :( إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) ثم يشير الى من يعبد البشر ويتخذهم واسطة تقربه لله زلفى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )، ويؤجل الحكم بين الفريقين الى يوم الدين :( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) الزمر ) . الى أن يقول رب العزة يعظ أولئك المشركين الكفرة :( إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) الزمر ) .

4/ 4 / 6 : بل يصل الأمر الى تأجيل الحكم بين خاتم النبيين وخصومه الذين يجادلونه بالباطل ، فيقول له ربّه جل وعلا :( وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69) الحج )، بل يقول جل وعلا له إنه(أى محمد) سيموت مثل خصومه ، وسيأتى هو وهم يوم القيامة يختصمون أمام رب العزة : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ  (31) ، وهذه الحقيقة القرآنية يكفر بها معظم المسلمين ممّن يعتقد فى حياة النبى فى قبره وبأنه يراجع أعمال المسلمين التى تعرض عليه فى قبره وأنه يستغفر لهم وانه سيأتى يشفع فيهم يوم القيامة، وقد إفتروا أحاديث ضالة فى البخارى وغيره تشرّع الحج الى الوثن المنسوب للنبى فى المدينة . ومن الإعجاز القرآنى أن رب العزة بعد أن ذكر حقيقة أن النبى سيموت وأنه سيأتى يتخاصم مع أعدائه على قدم المساواة قال جل وعلا بعدها ينبىء مقدما بأظلم الناس ممّن يفترون على الله كذبا بأحاديث ضالة تخالف القرآن:( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(32) (الزمر). فهنيئا للإخوان والسلفية وكل أتباع الأديان الأرضية بالمثوى الذى ينتظرهم فى جهنم .

أخيرا

هذا كله فى الاختلافات التى لا تصل الى درجة العنف والقتل والاضطهاد وإخراج المخالف فى الدين من داره . عندما يصل الاختلاف الى العنف والاضطهاد والقتل ندخل فى تشريع آخر هو تحتم الهجرة على المستطيع ، والقتال الدفاعى عند الاستطاعة . وهنا يكون المقصد الأعلى من القتال هو منع الفتنة،والفتنة هى الاضطهاد الدين ، وذلك حتى يكون الدين كله لله وحده، يوم القيامة : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الأنفال ) ، وبالتالى فإنّ من الواجب مواجهة التحكم الاخوانى السلفى بما يناسبه ، الرأى بالرأى ، والحجة بالحجة ، فإن إعتدوا فلا بد من القصاص بالمثل : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)البقرة )

ودائما .. صدق الله العظيم .برغم أنف الاخوان والسلفيين والوهابيين ..

اجمالي القراءات 12115