القفا والكفّ: مَنْ يصنع مَنْ؟

محمد عبد المجيد في السبت ٢٤ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

كل الفر اعنة يجلسون على رمال متحركة حتى لو حصلوا على تأييد قوى الشعب بكرباج السلطـة، أما الفرعون الديني فهو الأخطر لأنه قادر على أن يوحي للغوغاء أن القصر والسماء متحالفان، وأن المصحف والسوط توأمان، وأن الخليفة يستأجر الشعب للعمل لديه وليس العكس.
الفرعون الديني لا يحتاج لأكثر من عصا يهشّ بها على غنمه ورعيته، وإذا أراد اسكات منتقديه توجه إلى الصلاة جهراً حتى يراه أكبر عدد من رعيته فيــًـخـْـضـِـعون رؤوسَهم مرة أخرى.
الفرعون الديني يملك السلطات الثلاث ويزعم أن لديه أختاما سامية من رب العالمين، وأن علماء القرون الأولى يؤيدونه، وأنه استخار اللــه فثبــَّـته بالإيمان.
الفرعون الديني يعتمد على معاقين ذهنيا، وخائفين من الثعبان الأقرع، وكارهي الغرب، ومبغضي غير المسلمين، لكنهم أمام البيت الأبيض والكنيست الإسرئيلي فئران ترتعد رعباً من كل صوت.
التيارات الدينية أثبتت أنها هي الداعم الأكبر لولي الأمر الطاغية، وأن مفهوم الدين لديها لا يخرج عن الطاعة العمياء، وأن المعترضين على الزعيم نصف الإلــَـه لا يغفر اللــه لهم.
لو فتحت إسرائيل ملفاتها السرية ستجد أكثر أصحابها يمسكون المصحف في أيديهم ويــُـقسمون عليه أنهم مجاهدون ومناضلون، وأن عملهم مع إسرائيل لم يكن أكثر من تعاون مع أولاد العم.
المخلوع كان يحتاج لشهر في مكّوكية عمر سليمان حتى تهدأ الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
والمشير كان يحتاج لشهرين مع أوامر للجيش أن لا يعترض على الطائرات المقاتلة الإسرائيلية وهي تخترق المجال الجوي المصري لتصطـاد الفلسطينيين.
أما فرعوننا الجديد فيصلي الفجر، ثم يتصل برئيس وزراء الكيان العبري ويقنعه بحُكم العــِـشرة الخفية بالهدنة، ثم يستضيف خالد مشعل ليعلن على العالم انتصار الأطفال الشهداء على قاتليهم، وأن إسرائيل هي التي تطلب الهدنة.
الحمقى يصدّقون، ويحتفلون بالنصر لأن نصف غزة ما تزال غير مدمرة، والهدنة غير السلام، وتراجع القوات الإسرائيلية عن اقتحام غزة ليس ليلتقط الفلسطينيون أنفاسهم، ولكن ليحصوا خراباً سببته اعتداءات وحشية إسرائيلية .
قيادات فلسطينية حمقاء كان من المفترض أن يتم اعتقالها بدون استثناء، فغزة والضفة ليستا دولتين، ومع ذلك فالساذجون يحتفلون ببقاء من لم تقم إسرائيل بتصفيتهم بعد.
الفرعون الجديد تحدد له "الجماعة" ما يقوله، وما يصمت عنه وإلا فسيسحب المرشد الشرعية منه، والهُبل يصفقون لمرسي ولا يعلمون أنهم يُعلون من شأن الفاشية الدينية للاخوان المسلمين.
قبل أن تذبح شخصاً اقرأ الفاتحة وسيهتف الغوغاء بحياتك وتقواك وعبقريتك.
قبل أن تعلن كاليجاليتك الجديدة لا تنس أن تشير إلى إلهام جاءك من اللــه، ثم اترك القيادات الدينية تفسر للغوغاء كيف يدعم اللـه الطــغاة، وكيف تصنع السماء الديكتاتوريين.
الفرعون القديم مصنوع في المعبد، والفرعون الجديد في الإعلام الجبان.
أعضاء التيارات الدينية مندهشون من رفض قوى مصرية شريفة لفرعنة الرئيس ويتسائلون عن غباء من يرفضون اغتصاب القصر للكوخ، أليس للرئيس مــُـلـْـكُ مصر يفعل برعيته ما يشاء؟
الثائرون الشباب الأطــهار يطالبون الشعب بالوقوف معهم لتنظيف مصر من الفلول والمشيريين والمُرسيين، لكن خصوم الشباب وأعداء مصر متحالفون على الحلوة والمُرّة، وهم على استعداد لاحراق مصر حتى ترضى عنهم، حسب أوهامهم، السماء وأمريكا و .. إسرائيل.
الزلزال تشعر به الحيوانات قبل مَقدمه، والجحيم يحسّ به الشرفاء قبل حدوثه، أما تدمير وطن فتحتفل به القوى الدينية قبل وقوعه بوقت طويله.
التيارات الدينية والإسلام الحقيقي شيئان متناقضان لا يلتقيان إلا مصادفة في بعض الشعائر، فالتيارات تكره الاسلام وتتغزل فيه، والإسلام أكبر منها جميعاً ولو ساندهم كل طــغاة الأرض.
الفرعون يحتفل بالمؤخرات العارية لمريديه، والأقفيه الملتهبة لمؤيديه، ومريدوه ومؤيدوه يتلذذون بكل صور العبودية الطوّعية، فالفرعون وكهنة المعبد يفكرون لهم قبل أن يجلدونهم أو يغتصبونهم!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 23 نوفمبر 2012

اجمالي القراءات 7459