أسطورة نقط المصحف(الجزء الأخير)

محمد الحاج في السبت ٠٣ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد ان استعرضنا في الجزء الثاني موضوع النقط في الأحرف العربية ، وبينت الانتقال الواضح من شكل الخط قبل الاسلام إلى شكل الخط بعد الاسلام، حيث كان الخط المستعمل يختلف بشكل واضح عن النقوش التي وجدت بعدالاسلام ، لاسيما وأن النقوش التي تعود إلى مرحلة قبل الاسلام والتي تقترب كثيرا في كتابتها من النقوش التي وجدت في السنوات العشرين الهجرية الأولى (نقوش جبل سلع والطائف) ، هذه النقوش قريبة العهد جدا من تاريخ ظهور الاسلام (حسب عمرها المفترضمن 30 إلى 50 عام قبل الاسلام) فلا بد أن نأخذ بعين الاعتبار ان تحديد عمر النقشعلى الحجر بواسطة كربون 14 فيه ارتياب كحد ادنى 50 عام ، بينما تحديد عمر المخطوطات أكثر دقة بكثير من تحديده على النقوش الحجرية،
ننتقل فورا على كتابة المصحف،فما هو شائع وراسخ في مخيلتنا أن المصاحف كتبت بخط غير منقوط ، ولكن كثيرا ما أقوم في الكثير من البحوث بقلب الفرضية راسا على عقب ، حيث أن الدخول لمناقشة مسألة مافي تاريخنا والبحث فيها يعتمد كثيرا على الصورة الراسخة في المخيلة ، وهذه الصورة تؤثر كثيرا على البحث بسبب قوتها ورسوخها حتى أننا رضعناها مع حليب امهاتنا، فأن أدخل بشكل حيادي للبحث في مثل هذه القضايا والتي أصبحت كمسلمات لن يكون ذي جدوىأولا لما رسخ في نفوسنا واذهاننا ومجتمعاتنا ، وثانيا لصعوبة ايجاد ادلة وأقوال تختلف مع هذه المسلمات المفترضة، لذلك لابد من الدخول الى هذه القضايا بنفسية واقناع قسري للذات بخطأ هذه المسلمات وافتراض العكس تماما وذلك سوف يساعد على البحث العميق والمتواصل ويعطي الباحث نوعا من التحدي يعينه على مشقة البحث، فإذا وصلناالى أدلة معاكسة فأمر جيد وإن لم نصل فعندها من الموضوعية أن يستسلم لهذه الفرضيا لم نصل فعندها من الموضوعية أن نستسلم لهذه الفرضيات مؤقتا إلى أن يظهر العكس، ومن خلال الجزئين الأول والثاني بدا أن الأسس التي قامت عليها هذه المسلمات أسس ضعيفة بل ومناقضة للبحث التاريخي كما في الجزء الأول ومناقضة للأدلة المادية كما في الجزء الثاني، بقي اذ الخطوة الأخيرة وهي البحث في الأدلة المادية والتاريخ عن كتابة القرءان،
اول سؤال يتبادر للذهن هو وجود مصاحف مكتوبة بخط غير منقوط، فلماذا لم تكتب بخط منقوط وليس أسهل من الرد على ذلك لدى الاطلاع على الكثير من المخطوطات التي كتبت بخط منقوط في القرنين الثالث والرابع والخامس الهجري، والأمثلة كثيرة وأورد هنا بعض النسخ لمخطوطات غير منقوطة كتبت بعد القرن الهجري الثالث
- سؤالات البرقاني (نسخة غير منقوطة تعود للقرن الرابع الهجري)
-
المواقفللنفري(مخطوطة مارش 166 في مكتبة بودليان, أكسفورد. وهي مخطوطة واضحة جيدة الخط, منقوطة قليلا, تحتوي على؛المواقف» وشرح التلمساني له, مكتوبة سنة (694هـ) وتقع في (220) ورقة)
-
عبد المنعم بن غلبون" المتوفى سنة ( 389 هـ=998م) صاحب كتاب "الإرشاد" نسخة وحيدة غير منقوطة، وكان يظن أنها مفقودة وهي تحت الطبع حاليا، ذكرها فؤاد سزكين في كتابه تاريخ التراث العربي
-
أصول الإمام البزدوي المتوفى سنة 482هـ : النسخة الأصلية محفوظة في مكتبة المسجد الأقصى رقم 108 ، الخط نسخي رديءغير منقوط أحيانا
-
كتاب في فقه الإمام أحمد بن حنبل النسخة الأصلية محفوظة في مكتبة المسجد الأقصى رقم 358 ، المخطوط تام ، حالته العامة جيدة ، الخط نسخي غيرمنقوط في أغلب الكلمات
-
كتاب السير من التهذيب للامام البغوي (القرن الخامسالهجري) نسخة بدار الكتب المصرية برقم(488)
-
تقريب التهذيب لابن حجر العسقلانينسخة محفوظة في دار الكتب المصرية برقم(533) خط غير منقوط (ملاحظة ابن حجر توفي فيالقرن التاسع)[/size]
اكتفي بهذا القدر خشية الاطالة ، حيث أننا نخلص الى ان وجود مصاحف غيرمنقوطة لايدل على عدم وجود مصاحف أو أجزاء من مصاحف منقوطة،
يعتبر بعض المستشرقين انه لا وجود لمصاحف مكتوبة قبل القرن القرن الثاني الهجري ذلك من خلالبحوث أجريت على مخطوطات المصاحف الموجودة في تركيا و طشقند وجامع الحسين في مصر ، فبعض هذه المصاحف كتب عليها انها بخط عثمان بن عفان ولكن الدراسات التي أجريت عليها تبين أنها تعود للقرن الثاني الهجري وفيما يلي صور لهذه المصاحف :

هذه المصاحف غير منقوطة تماما وكتب عليها أنها بخط عثمان بن عفان ، ونتساءل هنا من الذي كتب عليها أنها بخط عثمان بن عفان وهي تعود للقرن الثاني من الهجرة يعني بعد أكثر من مائة عام من على موت الخليفة عثمان بنعفان، حتى ان النسخة الموجودة في مصر يقال ان عليها دم عثمان والحقيقة أن هناك خمسة مصاحف كل منها يدعي اصحابها بانها النسخة التي كان يقرأ بها عثمان بن عفان لحظة اغتياله،
وفيما يلي صور لمصاحف وأجزاء من القرءان تعود لأوائل القرن الثاني للهجرة بعضها منقوط بنقط الاعراب وبعضها خالي من النقط:





مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية




مكتبة الجامع الكبير في صنعاء


المكتبةالبريطانية.

نلاحظ في هذه المخطوطات نقط الشكل ولا نشاهد نقط الاعجام (التمييز بين الحروف) فإذا انتقلنا الى نهايات القرن الثاني الهجري والقرن الثالث نشاهد نقط الاعجام ونقط الاعراب وهي ذات شكل يصعب قراءته :


متحف طارق رجب في الكويت





William J. Trezise Collection of Arabic Calligraphy

(C0723: Islamic Manuscripts, 3rd series, no.472)





الملاحظة المستنتجة من جملة هذه المخطوطات أن بعضها خالي من النقط وبعضها منقوط نقط الاعراب اما نقط الاعجام فلانشاهده الا في المخطوطات التي تعود الىنهايات القرن الثاني للهجرة ،مما يعني انها لم تنشأ بهذاالشكل الا بعد التاريخ المفترض لنقط الاعجام بحوالي مائة عام،
إذا نحنامام مفارقات بين ما تدعيه أسطورة نقط المصاحف وبين ما نجده في المخطوطات ، حتى لوافترضنا الارتياب في التاريخ فإن الارتياب يعود على جميع المخطوطات فالترتيب لن يختلف، لكن ماذا عن وجود مخطوطات تعود للقرن الأول من الهجرة، المفترض أن تكون هذهالمخطوطات مكتوبة بخط قديم وخالية من النقط تماما ، ولكن ماذا ان وجدنا العكس تماماحيث أن جميع المخطوطات التي تعود للقرن الأول من الهجرة يظهر على الكثير من حروفهانقط الاعجام وليس نقط الشكل والذي لم يظهر معنا سابقا الا في المخطوطات التي تعودللقرن الثالث من الهجرة ونهايات القرن الثاني،

حدث ذلك في مكتبة الجامع الكبير في صنعاء وذلك أثناء قيام العمال بترميم سقف الجامع فوجودا مخطوطات كثيرة (جمع العمال ما وجدوه من أوراق ووضعوها في عشرين زكيبة، وحفظوه تحت سلم منارة الجامع. وتبين بعد ذلك، أن ما عثروا عليه يمثل مكتبة قرآنية قديمة، وأكد رجال الآثار اليمنيون، أن المخطوطات المكتشفة، تحتوى على آيات قرآنية يعود تدوينها إلى القرون الأولى للهجرة. إلا أن سلطات الآثار اليمنية لم تسمح حتى الآن - بعد مرور ثلاثين سنة من هذا الاكتشاف - سوى لخبيرين من ألمانيا بدراسة نصوص الجامع الكبير،
وتم إعداد مشروع يمني - ألماني مشترك لترميم وتوثيق هذه المخطوطات القرآنية، وبدأ تنفيذ المشروع عام 1983 واستمر حتى عام 1996. وقد تمكن الفريق من ترميم 15 ألف صفحة من نسخ القرآن
الكريم من مجموع المخطوطات المكتشفة البالغ عددها نحو 40 ألف مخطوطة، بينها 12 ألف رق جلدي قرآني،)

هذا الخبيران هم جيرد ر. بوين و غراف فون بوتمر ولم ينشر الخبيران شيئا حتى الآن فيما يخص هذه المخطوطات الا ما نشر من مقابلة توبي ليستر (Toby Lester)- باتصال هاتفي مع بوين نشرتها مجلة The Atlantic Monthly في عدد ينابر، 1999 بعنوان (ما هو القرآن) ، ولست هنا بصدد مناقشة مضمون هذه المقالة التي أثارت ضجة حينها مما استدعى بوين وبوتمر لتوجيه رسالتين الى القاضي اسماعيل الأكوع ينفيان صحة ماجاء في هذه المقالة،
ة والصور التالية توضح ذلك وأضع لكم الروابط حيث أن نسخهاغير ممكن وكذلك سحبها على السكانر يضعف من وضوحها كما ان الصور الموجودة عندي غيرواضحة تماما:


الجامع الكبير في صنعاء(بداية القرن الأول الهجري)





بعض هذه المخطوطات كما تظهر في الروابط تعود الى بدايات القرن الهجري الأول،
لا نكتفي بهذا القدر فهناك مخطوطات اخرى
:- صورة محفوظة في متحف طارق رجب في الكويت وتبدو نقط الاعجام على كثير من حروفها واضحة.



صورمن المكتبة البريطانية britsh1-2 وتظهر النقط على بعض الحروف،

أليس من الغريب ان تكون مخطوطات القرن الهجري الأو ل منقوطة في اغلب كلماتها، ومخطوطات القرن الثاني الهجريخالية من النقط أو نجد فيها نقط الاعراب ولانجد نقط الاعجام،


ولا يوجد أي وثيقة في القرون التالية تحوي نقط الاعجام فقط
بعد هذا التقصي كنت متاكدا من وجود مرويات تاريخية تسند ذلك وبما أنها تحتاج الى بحث مستقل فإنني أود ان أسرد بعض الروايات التاريخية التي وجدتهاعلى عجل، وذلك لاظهار تعارضها مع أسطورة نقط المصاحف:
- اولا رواية ابن مسعود التي علق عليها الدكتور جواد علي:
(
يقول فيها (( جردواالقرآن ليربو فيه صغيركم ، ولا ينأى عنه كبيركم)) . وقد شرح الزمخشري ذلك بقوله: { أراد تجريد القرآن من النقط والفواتح والعشور لئلا ينشأ نشءٌ فيرى أنها من القرآن } ويعلق جواد علي على تفسير الزمخشري بأن الكتبة على عهد ابن مسعود كانوا يعرفونالتنقيط وأن ابن مسعود رأى أن تجريد القرآن من التنقيط يحث من يتعلم القرآن على بذل الجهد في فهم القرآن وحفظه. كما يورد خبرا آخر يدل على معرفة التنقيط والإعجام عندالعرب خلافا لرأي الجمهور السائد، لذي ينسب التنقيط إلى نصر بن عاصم، بعد أن وجههإلى ذلك الحجاج بن يوسف الثقفي. ومفاد هذا الخبر: أن زيد بن ثابت نقّط بعض الحروف. وقد روى هذا سفيان بن عيينة .(
ثمة مسالة غريبة، لماذا يجد العرب مشكلة في بدايةالأمر مع تشكيل الكلمات ولايجدون مشكلة مع تمييز الحروف، في الادعاء أن العرب كانتتعرف الكلمة بحكم السليقة لذلك كانت المصاحف مجردة من النقط، ولكن هذه السليقة تكون أقوى من حيث اللحن في القراءة ومعرفة التشكيل، فكيف يفرق العربي بالسليقة بين تذهب ويذهب ونذهب ، وبين تبينوا وتثبتوا ،
لنقرأ قول ابن تيمية التالي:
(
وإنما أخلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخط الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوين شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المعقولينالمفهومين... ولم يكونوا ليسقطوا شيئأً من القرءان) النشر في القراءات العشر – ابن الجزري – ج1 ص 25
ويقول القلقشندي(وحري بمن وضع صور الحروف المتشابهة أن يضع مايفرق بينها) خطوط المصاحف، محمد شريفي ص 64
وللقلقشندي في كتابه صبح الأعشى قولهام(وقد جرد الصحابة رضوان الله عليهم المصحف حين جمعوا القرآن من النقط والشكل وهوأجدر بهما فلو كان مطلوباً لما جردوه منه‏(

ثم كيف يختلط الأمر في التاريخ عمن قام بالنقط ومتى وتضارب الروايات مع مثل هذا الأمر الهام؟
ونعود الى روايةأخرى منسوبة للنبي يقول فيها (أعربوا القرءان(
حدثنا ابن إدريس عن المقبري عنجده عن إبراهيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه رواه ابو حاتم والبيهقي
حدثنا ابن فضيل عن ليث عن طلحةعن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : أعربوا القرآن .
وعن ابن مسعود قال‏:‏أعربوا القرآن فإنه عربي وإنه سيجيء أقوام يثقفونه وليسوا بخياركم‏.‏
رواهالطبراني
عن ابن عباس عن النبي أنه قال : " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه "
خبر آخر(يقول ابن فارس:الدليل على عرفان القدماء من الصحابة، وغيرهم بالعربية كتابتهم المصحف على الذي يعلله النحويون، فإن قال قائل فقد تواترت الروايات بأنّأبا الأسود أول من وضع العربية، وأنّ الخليل أول من تكلم في العروض، قيل له: إنهذين العلمين قد كانا قديماً، وأتت عليهما الأيام وقلا في أيدي الناس، ثم جدّدهماالإمامان) الصاحبي- ابن فارس- ص41
-
ويذكر أبو عمر الداني ("أن فكرة النقط لم تكنجديد كل الجدة، فقد كان لأهل المدينة وأهل مكة نقط يختلف عن نقط أبي الأسود تركوهوأخذوا بنقط أبي الأسود الذي سمي أحياناً بنقط البصرة) الدراسات اللغوية عند العرب- محمد حسين آل ياسين- ص54
فما هي هذه النقط التي كانوا يعرفونها ولم تكن نقط أبي الأسود إلا نقط الاعجام،،
ونتابع مع هذا الخبر لابن الجزري ( وجردت هذه المصاحفمن النقط والشكل ليحتملها ما صح نقله , وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وسلمإذ كان الاعتماد على الحفظ لا على مجرد الخط(
وأخيرا ماتزال هناك الآلاف من المخطوطات المدفونة والمخطوطات التي لم تتم ارشفتها بعد ولم يطلع عليهاأحد، فما الجديد الذي ستأتي به الأيام ؟؟ هذا ما ننتظره،
ولابد بعد هذه البحث من التوجه للبحث في الرسم القرءاني وسبب اختلافه عن باقي الكتابات في التاريخ،
محمد الحاج

اجمالي القراءات 26220