ابن حماه الهارب من جحيم الحرب الأهلية.
عابدين بائع الساعات

محمد عبدالرحمن محمد في الأربعاء ٢٤ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

  • اليوم وقع أمام عيني  حدث بسيط مهيب ينم عن دلالات عميقة تغيب عن أقلام كثير من مفكرينا وكاتبينا.. المصريين والعرب..
  •  كنت بالمقهى في الحي الذي أسكن به.. جالساً وإذا بشاب أو فتى يناهز السابعة عشر عاما  يأتي ويدخل المقهى .. وبيده ساعة بسيطة رقمية ويعرضها للبيع طالباً المساعدة ويعلن أنه سوري ..
  •  وبالجوار كان رجل ذو بشرة سمراء وحليق الوجه في منتصف الأربعينات  كان الشاب السوري قد اختاره ليعرض عليه الساعة للبيع .. ويعلنه انه سوري.. وعلى الفور .. الرجل المصري الأسمر الملامح والأبيض القلب والمشاعر .. يطلب من البائع السوري أن يجلس  بجواره  ويطلب له الشاي أو العصير أو ما يرغبه هذا الشاب ويعزمه عليه
  •  وأخذ يكلمه باللهجة السوري.. وقال له  يا ذلمة أنا عشت بسوريا عدة سنوات .. وأهلا بك بمصر وكيف حالك وكيف تعيش هنا .. وهل أنت لوحدك أم معك أسرتك.. الى آخر  الأسئلة التي تنم عن الرغبة في الاطمئنان على هذا الشاب وسير حياته..
  • ثم قال له: أنا مسافر  الضيعة تبعنا خارج القاهرة وسوف أعود بعد عدة أيام .. وأنا ممكن أشوف لك عمل (شغل) .. قال ذلك للشاب السوري..  هل ممكن تشتغل.. فأجاب الشاب السوري نعم بالطبع..
  •  قال له الأسمر المصري: هذا رقم تليفوني هل معك موبايل قال  له عابدين.. معي لكن بالسكن.. فقام الأسمر المصري وأحضر قلما من رجل المقهى وكتب تليفونه  لعابدين وقال له رِن عليا فقط  في أي وقت يناسبك .. وأنا  سوف أقفل وأكلمك أنا  ولا تكلف نفسك .. واشترى منه الساعة..
  •  وسأل المصري الأسمر الشاب السوري عابدين .. أين تسكن؟
  •  فقال له: انا أسكن بالتبة (جزء من عزبة الهجانة بالقاهرة)  لمن لا يعلم . وهو حي عشوائي فقير جداً في كثير من أجزائه.
  •  وقال الأسمر: وأنا أيضا أسكن بالتبة .. ثم أردف قائلا في أي منطقة أنت قال عابدين في شارع الورشة.. فقال المصري لعابدين وأنا أسكن في شارع الورشة  في أي جزء من هذا الشارع تسكن يا عابدين؟
  •  قال عابدين الذي كان يلبس تي شرت أزرق فاتح وعلى ظهرة منقوش رقم 10 بالانجليزية.. وكان مع عابدين ابن عمه  .. الشاب أحمد في نفس عمر عابدين ويلبس نفس الـ تي شرت ومنقوش عليه رقم 11  وهو يعيش بحمص..!! وكأنهم من فريق كرة قدم.. وطلب المصري وعلى وجه يبدو الرضا .. الذي هو اسمه الحقيقي. ر ض ا ..  أنا اسمي  ر ض ا ..
  • ثم أجاب عابدين أسكن وراء مسجد الشارع .. ففهم  ر ض ا.. مدى معاناة عابدين وأسرته .. و قال يعني في المنطقة اللي  مش مسقوفة..
  •  وقال ر ض ا:  لعابدين .. أنا  سوف أجمع لك عمل . أوفر لك (شغل) عند واحد صديق صاحب مقهى هل يمكن أن ترضى بهذا العمل فاجاب عابدين بالقبول..
  • انصرف عابدين ومعه ابن عمه أحمد.. ودار حوار بين المصري الأسمر وواحد  من أبناء مصر من الوجه القبلي يلبس تي شرت انيق وبنطال نظيف ومكوي..
  •  وقال ابن مصر العليا الصعيدي .. ربما يكون هذا الفتى السوري من اللصوص أو الحرامية..!
  •  فاعترضَ  رض ا الأسمر وقال لا لا لا  أنا عشت بسوريا ولبنان سبع سنوات .. وانا أعرف اللصوص السوريين  عندما يريدون أن يسرقوا يسرقون وجها لوجه من السارق ولا يخافون ,, أما  مثل هؤلاء الشباب هم يبحثون عن لقمة عيش شريفة بالحلال  ويبع بعض البضاعة .؟. ويتستعطف المواطن ويعلن أنه سوري لكي يحثنا على الشراء..
  •   ودخل آخر في الحديث وقال ..  أن أي حد من العرب  يأتي إلى مصر لايسرق لأنه يخاف أن يمسك أو أن يحبس ..
  • وأردف  رض ا . الأسمر وقال..  أن السوريين شعب غلبان زينا  وشعب مطحون زينا .. وأنا كلمت هذا الشاب باللهجة السوري التي أجيدها لأعلم هل هو  مصري أم سوري..  نعم هو سوري وأحيانا ينطق ببعض الكلمات السورية.. المشتركة  مع اللكنة المصرية..
  • وربنا عندما تريد أنت أن تفعل الخير يبعث لك من يستحق أن تفعل الخير معه .. أنا لا يهمني إن كان من أغنياء سوريا أو من لصوصها المهم أنه طلب المساعدة.. وللعلم انا أعمل في عمارة بمصر  صاحبها راجل سوري  وأهو ده سوري وده سوري..
  •  ولعلمك  أنا عرفت من عابدين أنه هو وأبوه و إخوته يعيشون بشارع الورشة  بالعزبة عند التبة .. في غرفة واحدة .. بلا سقف .. فكل المساكن في تلك المنطقة خلف مسجد شارع الورشة بلا أسقف.. إنها حياة صعبة ومهينة.. يعيشها  كثير من المصريين الفقراء في هذا الحي  وهكذا قد شاركتهم المعاناة والشقاء تلك الأسرة السورية ، وربنا يقويهم على هذه الظروف..
  •  وأنا عندما كنت بسوريا  في عهد حافظ الأسد حاولت أن أعبر الحدود بين سوريا ولبنان  متهربا  لأنني لم يكن معي فيزا دخول لسوريا وقتها .. وقد حضرت إلى سوريا لآخذ أخي حيث كانت والدتي مريضة..
  •  ولقد حذرني المهربين أنني لو اتمسكت  في الكمين على الحدود سوف أقضي باقي عمري في السجن..!!
  •  وكانت هناك إمرأة كبيرة  وقتها وقالت لي .. يا بني يا مصري .. تعالى ونام وسط أولادي لحد ما الله يفرجها ونشوف لك طريقة نهربك إلى لبنان.. وأنا لا أنسى هذا المعروف ..
  •  وأنا أحاول أن أرد هذا المعروف لأحد أبناء سوريا بمصر اليوم..
  •  كان الرجل المصري الأسمر مصريا خالصاً لاتبدو عليه علامات التدين الظاهري  لا لحية ولا جلباب ولا غيره من مظاهر الادعاء.. الكاذب ..
  •  هو مواطن مصري  أحس بلوعة ومعاناة مواطن سوري شاب هو وأسرته.. بمصر   ولم يمض على وجودهم بمصر سوى خمسة أيام..
  •     وأنا   كاتب هذه السطور وشاهد العيان لما جرى أقول :
  •  أين  حق أبناء السبيل في مال الزكاة والأضاحي .. أين حق أبناء السبيل والمساكين  في أموال الدولة المصرية ألا تعلم الادارة المصرية الحالية بقيادة الدكتور مرسي  بمثل هذه الحالات الانسانية الصارخة  سواء من المصريين أو من السوريين..
  •  يا أصحاب  القلوب .. هل نزعت الرحمة منها .. .!؟
اجمالي القراءات 9410