أزمة كبيرة تلوح فى الأفق الأن بين رئاسة الجمههورية أو بالتحديد بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، بعد رفض المستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق ، قرار رئيس الجمهورية بتعينه سفيرا لمصر فى دولة الفاتيكان ، وأعلن أنه باق فى منصبه ، وأنه سيذهب إلى مكتبه فى دار القضاء العالى ، صباح اليوم السبت لمارسة عمله ، رغم مظاهرات أمس فى التحرير التى أيدت نقله ، ولكن نادى القضاة برئاسة المستشار أحمد الزند – كالعادة - ، رفض أيضا قرار الرئيس بالنقل ، وطالب ببقاء عبد المجيد فى منصبه ، بحجة أن رئيس الجمهورية من حقه تعيين النائب العام ، ولكن لايمكنه عزله أو إقالته وفقا لقانون السلطة القضائية ، وتحقيقا لمبدأ الفصل بين السلطات .
رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسى لم يعزل النائب العام من منصبه ، ولكن إستخدم صلاحياته التى خولها له الإعلان الدستورى ، فى تعيين النائب العام فى منصب رفيع جديد ، مثلما أصدر قرارا بتعيين المستشارهشام جنينة رئيس محكمة الإسئناف السابق ، رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات ، ولم يكن قرار الرئيس إقالة لقاض ، ولكنه كان تعيينا له فى منصب أعلى إقتضته الظروف ، حيث ان المستشار جنينه هو الأصلح لتولى رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات فى الوقت الحالى ، من اجل محاربة الفساد . أى أن رئيس الجمهورية بإعتباره المسؤول الأول عن حسن سير العمل فى أجهزة الدولة المختلفة ، من حقه تعيين الشخص المناسب فى المكان أو المنصب المناسب ، شريطة ألا يكون هناك تعسفا فى إستعمال الرئيس لحقوقه ، أى لاتكون هناك مصلحة سياسية ، وراء قرارات التعيين أو النقل أو الإقالة ، أى لاتهدف إلى تصفية حسابات شخصية أو حزبية ، وتكون القرارات منطقية وموضوعية ومسببة ، لأن الرئيس فى النهاية سيتحمل مسؤلية قراراته أمام الشعب ، صاحب الحق الأصيل فى محاسبة رئيس الجمهورية .
صحيح أن المستشار عبد المجيد محمود لم يتقددم بإستقالته ، ولكن هناك دوافع منطقية وأسباب موضوعية ، بل ورغبة شعبية فى إبعاد المستشار عبدالمجيد عن منصب النائب العام فى الوقت الحالى ، بل إن تعيينه سفيرا فى الفاتيكان هو نوع من التكريم ، والإعتراف بالجهد الكبير الذى بذله فى إنجاز العديد من القضايا فى السابق ، وتكريما للقضاء بصفة عامة ،ولكن لابد أن نعترف أن هناك ثورة قامت فى مصر من أجل التغيير، وهناك رئيس جمهورية منتخب ، ومن حقه أن يعمل من خلال فريق متكامل فى كافة أجهزة الدولة من أجل تنفيذ برنامجه وسياساته ، ولكن حتى يكون التغييرالشامل فى " مفاصل " الدولة الرئيسية والحيوية تغييرا موضوعيا مسببا ، وليس تغييرا من أجل التغييرفقط ، وإعتبار كل من عمل مع النظام السابق من " الفلول " ، فإن تكرار قصور النيابة العامة ، وعلى رأسها النائب العام ، فى تقديم أدلة قوية ومقنعة ، للمحاكم المختلفة فى قضايا قتل المتظاهرين خلال أحداث ثورة يناير ، بداية من محاكمة القرن وتبرئة مساعدى وزير الداخلية حبيب العادلى ، ومرورا بتبرئة كل مديرى الأمن وضباط الشرطة الذين قتلوا المتظاهرين أمام الأقسام ، وأخيرا تبرئة المتهمين فى موقعة الجمل لعدم كفاية الأدلة ، كل ذلك إستوجب تغيير النائب العام ، بل أتوقع أن يكون ذلك التغيير بداية لثورة تطهير داخل القضاء ، لأن " هناك شىء ما خطأ " داخل هذا المرفق الهام – مع إحترامى الكامل للقضاة الشرفاء – فليس من المعقول ألا يقدم الجناة للمحاكمة العادلة فى قضية موقعة الجمل ، التى شهدها العالم كله صوتا وصورة ، بل من وراء إستبعاد شهادة 78 شاهد رؤية للموقعة ، والذين شاهدوا بعض نواب الحزب الوطنى المنحل وهم يحرضون البلطجية على المتظاهرين ، وأمدوهم بالأموال و" كسر الرخام " وفقا لتقرير لجنة تقصى الحقائق ، التى قدمت القضية " جاهزة " وزاخرة بالأدلة للنيابة العامة ؟ وأخشى ألا يقدم الجناة فى أحداث ماسبيرو ومحمد محمود وإستاد بورسعيد ، بأدلة قوية من النيابة أمام الدوائر الجنائية التى تحاكمهم ، ويحصل كل هؤلاء الجناة قتلة الشهداء على البراءة!
ولماذا فشلت النيابة العامة حتى الأن فى إسترداد أى أموال منهوبة بواسطة رموز النظام السابق ،فى الداخل أو الخارج حتى الأن ؟
إن قرار رئيس الجمهورية بتعيين النائب العام فى منصب أخر ، لم يكن تعد على السلطة القضائية أو خرقا لذلك المنصب الحصين أو جور للسلطة التنفيذية على " القضائية " لإن أسباب القرار ليس بها مايشير إلى تصفية حسابات شخصية أو سياسية ، أو من أجل نصرة حزب أو جماعة ،ولكن تحقيقا لرغبة شعبية ، بعد أن حصل معظم قتلة الشهداء على البراءة .
ولايجب أن يفسر رفض النائب العام السابق لمنصب السفير تمردا ، ويصبح ذلك متحديا لقرار الرئيس ، ويضع " هيبة " رئاسة الجمهورية على المحك ، وهذا سيؤدى إلى صدام معلن بين بعض أعضاء السلطة القضائية والرئيس ،وقد يؤدى ذلك ، أما إلى تطهير القضاء من خلال " مذبحة " قضاء جديدة ، أو إلى غضب شعبى من ثوار يناير قد ينتهى بمحاصرة مكتب النائب العام ، وإجباره على ترك منصبة ، تحقيقا لرغبة شعبية " ثورية " وأخشى فى الحالتين من الصدام بين السلطتين ، التنفيذية والقضائية ، وعدم التعاون بينهما فى المستقبل وتقويض مبدأ الفصل بين السلطات ، أوحدوث "فوضى " فى مصر، وبالتالى من الأفضل أن يستجيب المستشار عبد المجيد محمود لقرار الرئيس ، من أجل مصلحة الوطن ، وتجنبا للفتنة أو الفوضى .
حمدى البصير
Elbasser2@yahoo.com