4ـ المبدع يرفض الإخلال بالفصاحة و الابتذال والسخافة ـ بتراث " قانون اعتبار الحال " العميق اللغة العربية قادرة على ملاحقة التطور العلمى والتكنولوجى اللغة العربية وقفت بملكاتها وعلومها فى خندق الدفاع
لهذه الأسباب ستبقى اللغة العربية ـ 4

أحمد سليم في الأحد ٢٣ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الدراسةالرابعة

 

لهذه الأسباب ستبقى اللغة العربية

4ـ المبدع يرفض الإخلال بالفصاحة و الابتذال والسخافة ـ

بتراث " قانون اعتبار الحال " العميق اللغة العربية قادرة على ملاحقة التطور العلمى والتكنولوجى

اللغة العربية وقفت بملكاتها وعلومها فى خندق الدفاع عن الإنسان العربى الذى يتوق إلى البناء والبقاء والحياة و التحرر كان جوهر البلاغة العربية

أحمد عزت سليم 

aehs2020_20@hotmail.com

 

1ـ تفجر اللغة :

1 ـ 1 تفجر اللغة واتساع الدلالة : جاء القرآن الكريم والشريعة الإسلامية بمعان جديدة أكسب بها مفردات اللغة أبعادا لم تعرف من قبل منها على سبيل المثال : فى مصطلحات العقيدة : الله ـ الواحد ـ الأحد ـ الصمد ـ الجبار ـ أولو الأرحام ـ صلة الرحم ـ سبحان ـ التسبيح ـ الدين ـ الشريعة ـ الرب ـ الرسول ـ النبى ـ الجاهلية ـ الأنصاب ـ الأصنام ـ الأوثان ـ الحنيفية ـ الحلال والحرام ـ الفرض ـ السنة ـ الفقه .  وفى مصطلحات أركان الإسلام : الشهادة ـ التشهد ـ الصلاة والمصطلحات التى تلحق بها : كالطهارة والوضوء والسجود والتيمم والآذان والمؤذن والركوع ـ والسجود والمسجد والمسجد الحرام والمسجد الأقصى والمحارب والخشوع والذكر والمغفرة والاستغفار ، والتبتل ، والقنوت ، الزكاة ومصطلحاتها ، رمضان والسحور والإمساك والفطور والعاكفون ، والحج ومصطلحاته : العمرة والكعبة والاستطاعة والميقات والإحرام والنسك والناسك والطواف والسعى والإفاضة وعرفات والمشعر الحرام .

ومن نماذج البشر : المسلم ـ الإسلام ـ المؤمن ـ الإيمان ـ المحسن ـ الإحسان ـ الذى فيه قلبه مرض ـ المنافق ـ النفاق ـ الفاسق ـ الفسق ـ الكافر ـ الكفر ـ الكفارة ـ المشرك ـ الشرك ـ الملحد والإلحاد . ومن مصطلحات الجهاد والسلوك : الجهاد فى سبيل الله ـ النصر ـ الفتح ـ القاعدون ـ الرباط ـ المرابطة ـ الربط على القلوب ـ المخلفون ـ الحمد والشكر ـ المعروف والمنكر ـ التقوى والفجور ـ الهدى والضلال ـ الرشد والبغى ـ الإثم والذنب والفاحشة ـ الجبت والطاغوت والطغيان ـ الباطل ـ السحت ـ شهادة الزور ـ النسئ ـ النجوى . ومن مصطلحات صفات الدنيا والآخرة : الحياة ـ الموت ـ جاء الموت وحضر الموت ـ والحياة الدنيا ـ الأول والآخر ـ البرزخ والساعة والبعث والنشر ـ ويوم الحشر وصفاته والقيامة والقيوم ـ والتغابن والآخرة وغيرها. ومن مصلحات الغيب: الغيبة ـ الوحى ـ الأمرـ العرش ـ الكرسى ـ العلم ـ اللوح المحفوظ ـ الجن ـ إبليس ـ الشيطان ـ العفريت ـ الملائكة . ومن الدلالات الجديدة فى السياق القرآنى : تلا القرآن ـ السورة ـ الآية ـ التوكل ـ الاستخارة ـ التوفيق ـ الغيث ـ المطرـ والريح والرياح ـ والحلف القسم ـ الكسب والأنفال ـ والسعى وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال ( عودة خليل أبو عودة : ـ التطور الدلالى بين لغة الشعر ولغة القرآن ) .

    الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب جوامع الكلم تكلم بعبارات وجمل لم تسمع من قبل كقوله : مات حتف أنفه ـ الآن حمى الوطيس ـ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ـ الحرب خدعة ـ إياكم وخضراء الدمن ـ الصير: ( شق الباب ) ـ الزمارة : ( الزانية ) ـ وهدنة على دخن ـ بعثت من نفس الساعة ، وبعثت فى أنفاس الساعة ـ كل أرض بسماتها ـ يا خيل الله اركبى ـ لا تنطح فيها عنزان ـ رويدك رفقاً بالقوارير ـ هذا يوم له ما بعده ـ إياكم والمخيلة ( المخيلة : سبل الإزار ) .

1 ـ 2 ـ إيقاع الكلام :

1 ـ 2 ـ 1 ـ ضد الابتذال والسخافة : يتمتع البيان العربى بذوق رفيع يرفض فيه المبدع الإخلال بالفصاحة ويرفض الابتذال والسخافة ، ولهذا عدل فى التنزيل إلى قوله : ( فأوقد لى ياهامان على الطين ) لسخافة لفظ الطوب وما رادفه .. ، ولاستثقال جمع الأرض لم تجمع فى القرآن ، وجمعت السماء ، حيث أريد جمعها ، قال : ( ومن الأرض مثلهم ) ولاستثقال اللب لم يقع فى القرآن ووقع فيه جمعه وهو الآلباب لخفته وقال ابن دريد فى الجمهرة : إعلم أن الحروف إذا تقاربت مخارجها كانت أثقل على اللسان منها إذا تباعدت كما استكره ذوات الخمس لإفراط طولها فأوجبت الحال الإقلال منها ، وقبض اللسان على النطق بها كما أنكر ما انحط من درجة الفصيح ( جلال الدين السيوطى : ـ  المزهر فى علوم اللغة وأنواعها)

1 ـ 2 ـ 2 طبع البلاغة : منذ فجر التاريخ والعربى الأول مغرم بإيقاع الحروف والكلمات والتلاعب بتكراراتها حتى انطلق لسانه وجادت قريحته وبهما كان يسعى إلى إيضاح معانيه والإحاطة بها ، وتحسين الألفاظ ، وتدوين حياته وتاريخه المملوء بالمغامرات والصراع من أجل البقاء ، وعلى الرغم من هذا الغرام المشتعل إلا أن السمة التى كان يبحث عنها هى الجزالة والسلاسة فلا يميل إلى التكلف ويقف ضد استكراه اللفظ والمعنى ، فتمت له ألة البيان فى النثر والشعر ، وفى الحديث والخطابة والكتابة ، وفى وقت الشدة ووقت اللهو والرخاء حتى أضحت البلاغة طبع العربى الغالب فجمع بين العذوبة والرصانة والرونق والصفاء وعظمة التركيب وجودة الصنع . ووصف الرافعى فى إعجازه البلاغة النبوية وقال : ( إذا نظرت فيما صح نقله عن كلام النبى صلى الله عليه وسلم على جهة الصناعتين اللغوية والبيانية ، رأيته فى الأولى مسدد اللفظ محكم الوضع جزل التركيب متناسب الأجزاء فى تأليف الكلمات ، فخم الجملة ، واضح الصلة بين اللفظ ومعناه واللفظ وضريبة التأليف والنسق ، ثم لا ترى فيه حرفاً مضطرباً ولا لفظة مستدعاة لمعناها أو مستكرهة عليه ، ولا كلمة غيرها أتم منها أداء للمعنى وتأتيا لسره فى الاستعمال ، ورأيته فى الثانية حسن المعرض ، بين الجملة ، واضح التفصيل ، ظاهر الحدود جيد الرصف ، متمكن المعنى ، واسع الحيلة فى تصريفه ، بديع الإشارة ، غريب اللمحة ، ناصع البيان ، ثم لا ترى فيه إحالة ولا استكراها ولا ترى اضطراباً ولا خطلاً، ولا استعانة عن عجز،ولا توسعا من ضيق، ولا ضعفاً فى وجه من الوجوه ( مصطفى صادق الرافعى : ـ إعجاز القرآن والبلاغة النبوية ) أو كما قال الجاحظ : ( جل عنه الصنعة ونزه عن التكلف ، يحفظه من جلس إليه على حد قول عائشة رضى الله عنها . وكان هذا فى مجموعة ما يسعى إلى تحقيقه المبدع  لا يقل عنه أو يحاول أن يتجاوزه إن استطاع !!

1ـ 2ـ 3ـ إيقاعات الجمال : كانت الفنون التى رصدها أبو هلال العسكرى ، وغيره من العلماء والأئمة مثل : الإيجاز والاطناب ، وحسن الأخذ، والتشبيه والسجع والازدواج وفى أنواع البديع من استعارة ومجاز ومطابقة وتجنيس ومقابلة وتقسيم وتفسير وإشارة وإرداف وتوابع ومماثلة وغلو ومبالغة و كناية وتعريض وفى العكس والتذييل والترصيع والإيغال والتوشيح وفى رد الإعجاز على الصدر وفى التتميم والتكميل وفى الالتفات والاعتراض والرجوع وفى تجاهل العارف ومزج الشك باليقين وفى الاستطراد وفى جمع المؤتلف والمختلف وفى السلب والإيجاب والاستثناء وفى المذهب الكلامى وفى المجاورة وفى الاستشهاد والاحتجاج وفى التعطف والمضاعفة والتطريز والتطلف وفى حسن الخروج وفى الفصل والوصل وفى الخروج من النسيب إلى المديح بالإضافة إلى الإدغام وتخفيف الكلمات بالحذف نحو : لم يك ولم أبل وإضمار الأفعال نحو : ( امرأ اتقى الله ، وأمر مبكياتك لامضحكاتك ثم انفراد العرب بالهمزة فى عرض الكلام ( مثل : قرأ ) (المزهر فى علوم اللغة ) ثم عروض الشعر وفنونه وقوافيه وعطف أعنة الكلام من جهة إلى أخرى ومن غرض إلى غرض ومذاهب الإبداع فى الاستهلال والتخلص والاستطراد والفرق بين المقصد والمقطع ( أبو الحسن حازم القرطاجنى :ـ منهاج البلغاء وسراج الأدباء  ) ثم علوم التصريف " نحو : وجد وهى كلمة مبهمة فإذا صرفت أفصحت فقلت فى المال وجدا، وفى الضالة: وجدانا، وفى الغضب : موجودة ، وفى الحزن : وجداً " (المزهر فى علوم اللغة ) ثم ما فى علوم الإعراب من فنون وقواعد ثم ما فى الأصوات من دلالات ومعانى . بهذا كله كان للعربية إيقاعها الجمالى وحسنها الذى يأخذ اللب والعقل ويستمسك بالوعى ويحيط به ويدخل أغواره ويقيم فى مكنوناته ليستمتع بها ويمضغها تلذذاً عبر تاريخه الطويل فيحقق ما يرجوه من فائدة ويزداد الجمال جمالاً ثم مع القداسة عمقاً وتأثيراً .

2 ـ حركة الحروف :

2 ـ 1 ـ التطور : عندما تشتعل الحروف والكلمات وتنصهر فى أتون التاريخ السحيق وتتقد ، ففى هذه العملية العميقة تتخلق الكثيرمن الحروف كما يضيع منها الكثير أيضاً وينمحى أثره أو يكاد وكما قال أعرابى عندما سئل عن ناقته : تركتها ترعى الهعخع ( الخطيب القزوينى :ـ الإيضاح فى علوم البلاغة   ) وفى مثل تكأكأتم ، مستشزرات ، قيدحون ( سئ الخلق ) هندليق ( كثرة الكلام ) الساروراء ( للعزاء والسراء ) ، الدلاولاء ( الدلالة ) ، ومساوعة من الساعة ، ومياومة من اليوم ، وشبا : السبت ، مؤنس : الخميس : وإلى اليوم كثيراًُ ما يرتبط يوم الخميس بالأنيس والونيس والمؤانسة ، والنسع( العرق ) ، والنات ( الناس ) ، وقد يصحو الكثير منها : غلقت الباب غلقاً كانت لغة رديئة متروكة وهى مستخدمه اليوم (المزهر فى علوم اللغة ) وكان لا يقال ماء مالح إلا فى لغة رديئة وهى تقال اليوم . وقد يفضل البعض عن البعض فيستقر وينمو وينتشر فاستعمل الإفطار بدلاً  من الإفتار ويلوذ بدلاً من يلوث والمدى بدلاً من الندى وبعثر بدلاً من بحثر ، وقد نحتت الكلمات من الكلمات فتوالدت وتكاثرت ، وقال ابن فارس فى المجمل : الأزل : القدم يقال هو أزلى ، قال : وأرى الكلمة ليست بمشهورة وأحسب أنهم قالوا للقديم : لم يزل ثم نسب إلى هذا فلم يستقم إلا بالاختصار فقالوا يزلى ثم أبدلت الياء ألفاًَ لأنها أخف فقالوا أزلى وهو كقولهم فى الرمح المنسوب إلى ذى يزن : أذنى ، ومثل البسملة فى قوله ( باسم الله ) ومن ذلك فيمن صح قوله عن الرسول عليه الصلاة والسلام : يقول الله : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من إسمى ومن الأمثلة : تشاجر القوم ، الشجار ، شجر الأمر ، شجر بينهم من الشجرة ، والثور يثير الأرض ، والمجرة لأن الله جرها فى السماء جراً ، كما زعم البعض. وتزداد المعانى ويتفجر البيان سحراً فيما يعرف بالاشتراك : فتسمى الأشياء الكثيرة بالإسم الواحد فتزيد البيان جمالاً على نحو : عين المال ، وعين السحاب ، وعين البئر ، وعين الميزان ، وعين الرجل ، وعين شمس ، وعين المتاع ، وعين القبلة ..إلخ ، فعين الشئ هو خيار كل شئ وقد يدل اللفظ على معانى كثيرة فلا يتناهى الخيال ولا يتوقف فالنوى : الدار ، والنوى : البعد ، والنوى النية ، وقد تترادف الألفاظ الدالة على شئ واحد باعتبار واحد فتزداد اللغة إبهاراً وتزداد المعانى تألقاً وصفاتها المزيدة حسناً وقوة ويعظم جمالها فيقال للعسل : الشهد والشراب والمزج والرضاب وريق العسل والسلاف والرحيق وغيرها ... ، ويقال للسيف : المهند والصارم والقضيب والحسام، ويقال قطعت يده وبترت وجزت ، وعندما تشتجر الكلمات وتداخل فى بعضها البعض فإذا البيان العربى يسلب الفؤاد ويأخذنا إلى علا الإبداع فمن شجرة العين قال أبو الطيب اللغوى فى كتابة " شجر الدر" : العين : عين الوجه ، والوجه : القصد ، والقصد : الكسر ، والكسر : جانب الخباء ...، وهكذا إلى أن يصل فيها إلى الهائم : السائح فى الأرض ، والسائح : الصائم ، والصائم : القائم ، والقائم : صومعة الراهب ، والراهب : المتخوف ، والمتخوف : الذى يقطع ماله غيره فينتقصه ، ومنه قوله تعالى " أو يأخذهم على تخوف " المال : الرجل ذو الغنى والثراء ، والثراء : كثرة الأهل  ، والأهل : الخليق ، والخليق : المخلوق أى المقدر ، والمخلوق : الكلام الزور ، والزور: القوة ، والقوة : الطاقة .. إلى آخره ثم يعرض فرعاً من فروع الشجرة وهو فرع العين على نحو : العين : النقد ، والنقد : ضربك أذن الرجل أو أنفه بإصبعك ، والأذن : الرجل القابل لما يسمع ، والقابل الذى يأخذ الدلو من الماتح ، والدلو : السير الرفيق ، والرفيق : الصاحب ، والصاحب : السيف .. وهكذا وفرع أخر من العين على نحو : العين الذهب ، والذهب : زوال العقل ، والعقل : الشد ، والشد : الإحكام  ، والإحكام : الكف والمنع ، والكف : قدم الطائر ، والقدم : الثبوت وهكذا يمضى أبو الطيب  اللغوى فى كتابة فيزيدنا عجبا!!

وقد ازادت الأضداد البيان سحراً فتقول ضربت زيداً ، وضربت مثلاً ، وضربت الأرض ، ويقول ذهب وجاء وقام وقعد ، وجدت شيئاً ، ووجدت زيداً كريماً ، وفى اختلاف اللفظ واتفاق المعنى : ظننت وحسبت وقعدت وجلست ، وليث وأسد ، والصريم :  الصبح ، والصريم : الليل ،والظن يقين وشك ، سواء الشىء :غيره وسواؤه منه ، أطلبت الرجل : أعطيته ما طلب، وأطلبته ألجأته إلى الطلب ، وأسررت  الشىء أعلنته وبه فسر قوله تعالى: "وأسروا الندامة لما رأوا العذاب " والغابر: أقبل، وولى : إذا أدبر، البين : القطع ، والبين الوصل ، والطرب : الفرح والحزن .

   وما سقط إلى العرب فأعربته بألسنتها ، وحولتها إلى ألفاظها فصارت عربية فهى عجمية باعتبار الأصل ، وعربية باعتبار الحال  ومع التعديل والتهذيب وفقا للذائقة العربية صارت مع الزمن عربية مثل الياسمين، والبوس ، والبستان ، والمشكاة ، والفردوس ، ودرهم ، زبهرج وآجر ونرجس ومهندس والصولجان والجص والطحان والديباج والخز والإبريق والمسك والعنبر والترياق ، وهكذا تصير العربية بتراث " قانون اعتبار الحال " العميق قادرة على ملاحقة التطور العلمى والتكنولوجى على النحو الذى تحقق فى لغات أخرى كاليابانية والروسية ولغات دول النمور السبعة الاقتصادية ، بل وبشكل أفضل على عكس ما يبدو على السطح فيما يؤكده البعض من عدم ملاحقة اللغة العربية لهذا التطور .

2ـ 2ـ تأثير الواقع والعادات : فى ظل الواقع المعاش تنشأ كلمات كثيرة ويظهر ما يعرف باللحن وولدت كلمات اعتبرت محدثة ومولدة ، واللحن كما قال البغدادى فى ذيل الفصيح : يتولد فى النواحى والأمم بحسب العادات والسير .كما تؤثر وقائع الحال والظروف والاضطرارات على إحداث كلمات جديدة وذكرابن دريد فى الجمهرة : الجوائز  : العطايا ، الوحدة جائزة ، وذكر عنها أنها كلمة إسلامية أصلها أن أميرا من أمراء الجيوش واقف العدو وبينه وبينهم نهر ، فقال : من جاز هذا النهر فله جائزة كذا وكذا؛ وكان الرجل يعبر النهر فيأخذ مالا ، ويقال آخذ فلان جائزة فسميت جوائز بذلك (المزهر فى علوم اللغة) أوتساعد الظروف العامة والإستثنائية على انتشار كلمات كانت قليلة الاستعمال ككلمة العبور بعد حرب أكتوبر1973 وكلمة نكسة بعد هزيمة 1967 .

2ـ3ـ تشكل القوام الخاص باللغة العربية :

2ـ3ـ1ـ تغير المعانى مع تغير الأبنية : اللغة العربية صنفت ضمن مجموعة اللغات المتصرفة التحليلية والتى تتميز كلماتها موروفولوجيا بتغير الأبنية وسنتكاسيا بأن أجزاء الجملة تتصل بروابط مستقلة تدل على مختلف العلاقات (على عبد الواحد وافى :ـ علم اللغة) وأن كلام العرب يصحح بعضه يعضا ، ويرتبط أوله بآخره ، ولا يعرف معنى الخطاب إلا باستيفائه واستكمال جميع حروفه . .

2ـ3ـ 2ـ التفريق بين المعانى المتكافئة : أعطى الإعراب اللغة العربية حساسيتها الخاصة بها وجمالها المتميز الفارق للغات الأخرى وقال ابن فارس فى ذكر ما اختصت به العرب : الإعراب الذى هو الفارق بين المعانى المتكافئة فى اللفظ وبه يعرف الخبر الذى هو أصل الكلام ، ولولاه ما ميز فاعل من مفعول ، ولا مضاف من منعوت ، ولا تعجب من استفهام ولا صدر من مصدر ، ولا نعت من تأكيد  .      

2ـ3ـ3ـ إن الأطر النحوية والصرفية والعروضية تعطى فى كليتها اللغة العربية قوامها الخاص ونكهتها المتميزة تماما وتضفى عليها طابع السلاسة والحركة والتقدم وتنفى ما عليها من جمود  بالإبداع والخلق اللغوى الجديد الذى أباحته للنابهين من أبنائها ، وكان الإدغام وتخفيف الكلمة بالحذف وإضمار الأفعال وانفراد العرب بالهمزة فى عرض الكلام من مظاهر تشكيل القوام الإبداعى للغة العرب وأطلقت العنان للتخيل والتقمص الوجدانى وزيادة مساحات السحر داخل النفس ولمس مناطق الوعى السحيق داخل وعى الإنسان والإنسانية .

2ـ4ـ قانون الخطاب العالى  :  وقفت الأطر السابقة أول ما وقفت بملكات اللغة العربية فى خندق الدفاع عن الإنسان فإذا باللغة تتفجر بإبداع الحكمة الموجزة ذات الدلالات الغنية بالمعرفة وبالخبرة الإنسانية العميقة والإشارات الدالة القاطعة التى تصل إلى حد القانون ،  وجاء فى القرآن الكريم منه : " ولكم قى القصاص حياة " و " إن الظن لا يغنى عن الحق شيئا" و " ولايحقيق المكر السىء إلا بأهله "  ويمكن إطلاق قانون الخطاب العالى على هذه الصفة (المزهر فى علوم اللغة) ففى القول إيجاز وفى المعنى إطالة كما قال الإمام على رضى الله عنه ، وقانون الخطاب العالى هو الوصول بالإبداع إلى حد القانون بالمثل السائر والحكمة البالغة فيصبح إبداع الذات العربية مضربا للخاصة والعامة على حد سواء ، وتجتمع له غاية الإبداع من إجاز اللفظ وإصابة المعنى وحسن التشبيه ، وتكامل الحروف وقوتها ، وازداد هذا عند العارفين بالله من أهل الوجد والعشق حتى صار الحرف كما فى فتوحات ابن عربى ما يخاطبك به الحق من العبارات .

3 ـ إبداع النظم

3 ـ 1 ـ التحرر ومقاومة الخراب والتهدم والموت : البلاغة العربية طوال تاريخها كانت تشكل الفتنة الساحرة التى يطمع أفراد المجتمع بكافة طوائفه إلى تذوقها والوصول إليها إذا كانت تتيح له التحلق بعالم الغيب والسحر وآفاق الجمال وكوامن التخيل والوقوف ضد قوى القهر والتسلط ، وذلك أكثر مما هى مظهر من مظاهرالترف ، وأبواق التبرير والتنكر للعقل كما يحاول البعض أن يصورها أو يصفها على أنها كذلك . لم تنشأ البلاغة العربية أبداًَ فى ظل الترف أو بريق القصور وإنما نشأت فى ظل سلطة الطبيعة الشاملة منذ زمن سحيق فالصحراء العربية القاحلة والعوامل الجغرافية التى تعترى بيئة الصحراء الشاسعة خلقت وشكلت نفسية العربى وذاته وحركته داخل المجتمع وخارجه فى رحلات التجارة والاتصال الخارجى والغزو بحثا عن الاستقرار والماء والكلأ وقد شكلت هذه الطبيعة ردود فعل الإنسان عليها فكانت الحكمة العربية و الشجاعة العربية والأمثال العربية نتاج الدفاع عن الجماعة والفرد وتكامل البطولة الحية بينهما فى مواجهة  الواقع والطبيعة ولذا فالذات العربية حاربت الواقع الصحراوى المكشوف ولم تحارب الوهم والأساطير كما فعل الرومان واليونان وكانت ضرورات الحياة خيمة وسيف وحصان ورمال قاحلة وشمس حارقة وإمرأة حارة وآخر له نفس الواقع ، بكل هذا واجه سلطة  القبيلة والطبيعة ، ومن هنا نشأ شوق العربى  وتوقه الدائم فى البحث عن واقع قادم ودائم يكون فيه الأمل ويتجاوز فيه الخراب والطلل والتهدم والفناء

فدع عنك شيئاً قد مضى لسبيله      ولكن على ماغالك اليوم أقبل

كما اقال أمرئ القيس ، أو كما قال عنترة بن شداد :

مكر مفر مقبل مدبر معاً         كجلمود صخر حطه السيل من عل

وقال زهير بن أبى سلمى

ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه    يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم

      العربى يتوق إلى البناء والبقاء والحياة فينتزع من حزنه وهمه وهزيمته الفرح والنصر والاستمرار والرفض فتكون عناصر القوة والاستمرار هى إبداعه فى التحرر والسعى داخل الآفاق الواسعة ومرابيع النجوم ، وفى تكوين الآمان الجماعى والفردى ومن هنا نشأت وتفجرت أهم سمات الحضارة العربية وهى أنها تتقدم وتنتشر حتى أصبحت ذات يوم تحكم العالم وهى فى حكمها هنا كانت تعتمد على إبداع الإنسان العربى وقواه فى السعى والقدرة على مقاومة التراجع والتهدم والخراب والتقهقر ثم التحرر ، هذا الذى نشأ فيه منذ زمن سحيق ...

كما قال طرفه بن العبد :

                   ووجه كأن الشمس حلت رداءها    عليه نقى اللون لم يتخدد             

أو كما قال عنترة :

                   ولقد مررت بدار عبلة بعدما       لعب الربيع بربعها المتوسم                     

                    جادت عليه كل بكر حرة          فتركن كل قرارة كالدرهم                        

3 ـ 2 ـ الكمال فى الجملة : نحو وقوى فكرية :

    التحرر كان جوهر البلاغة العربية بعناصرها علم المعانى وعلم البيان والبديع ، إبداع التحرر هو الطبيعة التى تحتوى هذه العناصر ، كما قال الجرجانى ( ليس النظم إلا أن تضع كلامك الموضع الذى يقتضيه علم النحو وتعمل على قوانينه وأصوله ... ولا تخل بشئ منها فالنحو عنده فى نظم الكلام ، ومقتضياته التى حددها الجرجانى هى فى جوهرها إبداع وهى الاستعارة والمجاز والتمثيل ، وعلى حد قول القرطاجنى : أن أهل المرتبة الأولى فى الإبداع هم اللذين لهم القوة على إحداث " الكمال فى الجملة " فيتمكنون من حسن الصور وجودة بناء بعضها على بعض ، والنفوذ فى "مقاصد النظم " إنما هو بقوى فكرية واهتداءات خاطرية تتفاوت فيها الأفكار ، ومن هذه القوى القوة على التشبيه فيما لا يجرى على السجية و يصدر عن قريحة ، بما يجرى على السجية ويصدر عن قريحة ، والقوة على تخيل المعانى والشعور بها واجتلابها من جميع جهاتها وهكذا النظم إبداع .

3ـ 3 ـ مقتضيات النظم :

    حدد أبو هلال العسكرى فى كتابه الصناعتين أن النظم يشمل الرسائل والخطب والشعر وجميعها تحتاج إلى حسن التأليف وجودة التركيب . النظم إذن مقتضاياته ومقاصده وأجناسه جهد إنسانى فى الخلق والإبداع وهو يقف بذلك ضد السكون والجمود والعجز عن الحركة المستمرة وتحلق فيه صيغه النحوية ومقولاته إلى أعلى كلما حلق الكلام فى سماء الإبداع . ومقتضيات الإبداع كما حدها عبد القاهر الجرجانى للنظم هى : 1ـ المجاز : يعد المجاز من مفاخر كلام العرب وهو فى كثير من الكلام أبلغ من الحقيقة وأحسن موقعاً فى القلوب والأسماع (أبو على الحسن بن رشيق القيروانى :ـ العمدة فى محاسن الشعر ) وللعرب " المجازات " فى الكلام ومعناها ، طرق القول ومأخذه وفيها الاستعارة والتمثيل والقلب والتقديم والتأخير والحذف والتكرار والإخفاء والإظهار والتعريض والإفصاح والكناية والإيضاح ومخاطبة الواحد مخاطبة الجمع والجميع خطاب الواحد ، والواحد والجميع خطاب الأثنين ، والقصد بلفظ الخصوص لمعنى العموم ، وبلفظ العموم لمعنى الخصوص ( ابن قتيبة :ـ تأويل مشكل القرآن ) ويقع المجاز ويعدل  إليه عن الحقيقة  لمعان ثلاثة وهى الإشباع والتوكيد والتشبيه وقال ابن قتيبة فى المجاز لو كان المجاز كذبا لكان أكثر كلامنا باطلا كما أن للمجاز ضرورة هامة لأنه لو ساوى الحقيقة لكانت النصوص كلها مجملة بل المخاطبات . فكان لا يحصل الفهم إلا بعد الاستفهام وليس كذلك ، والحقيقة قد تصير مجازا وبالعكس فالحقيقة متى قل استعمالها لها صارت مجازاً عرفاً، والمجاز متى كثر استعماله صار حقيقة عرفا والمجاز هو استعمال الكلام فى غير الوجه الذى وضع له فى الأصل اعتماداً على علاقات المشابهة أو السببية أو المسببة والكلية والجزئية واعتبارات المحلية واعتبار ما كان وما يكون ( د.أميل بديع يعقوب ، د. ميشال عاصى:ـ المعجم المفصل فى اللغة والأدب ) .  2ـ الاستعارة : الاستعارة هى أفضل المجاز وأول أبواب البديع ( بن رشيق القيروانى  ) وكل استعارة مجاز كما قال الجرجانى فى أسرار البلاغة ، وهى أن يضفوا الكلمة للشئ مستعارة من موضع آخر ( السيوطى) فمنهم من يستعير للشئ ما ليس منه ولا إليه ومنهم من يخرجها مخرج التشبيه فيمتزج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة ولايتبين فى إحداهما إعراض عن الآخر ( بن رشيق القيروانى ) وقال الجرجانى : إن الاستعارة فى معنى اللفظ فالمستعار بالحقيقة يكون معنى اللفظ واللفظ تبع .

 وأن الشرف فى الاستعارة : الجمع بين عدة استعارات قصداً إلى أن يلحق الشكل بالشكل وأن يتم المعنى من اللفظ ولكن يعرفه من معنى اللفظ والاستعارة لا تعنى نقل اللفظ عما وضع له فى اللغة ، وإنما المعنى فى المبالغة وادعاء معنى الاسم للشئ لا تقل الاسم عن الشئ والقول فى المجاز و القول فى الاستعارة لأنه ليس بشئ غي إنما الفرق أن المجاز أعم كما أن الاستعارة كالكناية فى أنك تعرف المعنى فيها عن طريق المعقول دون طريق اللفظ ( عبد القاهر الجرجانى ) . 3ـ التمثل : التمثيل هو تشبيه عن طريق العقل  وكل تمثيل تشبيه وليس كل تشبيه تمثيل والتمثيل حاجته إلى التأول ظاهرة بينة فالمثل الحقيقى والتشبيه الذى هو الأولى بأن يسمى تمثيلاً لبعده عن التشبيه الظاهر الصريح ما تجده لا يحصل لك إلا من جملة من الكلام أو أكثر وحتى أن التشبيه كلما أوغل فى كونه عقلياً محضاً كانت الحاجة إلى الجملة أكثر ثم أن الشبه منتزع من مجموعها من غير أن يمكن فصل بعضها عن بعض وإفراد شطر من شطر ، حتى لو أنك حذفت منها جملة واحدة من أى موضع كان أخل ذلك بالمغزى من التشبيه  وواجباً فيها أن يكون لها نسق مخصوص كالنسق فى الأشياء إذا رتبت ترتيباً مخصوصاً كان لمجموعها صورة خاصة مفردة  وقال عبد القاهر الجرجانى : أن مما اتفق العقلاء عليه أن التمثيل إذا جاء فى أعقاب المعانى أو أبرزت هى باختصار فى معرضه ، ونقلت عن صورها الأصلية إلى صورته كساها أبهة ، وكسبها منقبة ، ورفع من  أقدارها ، وشب من نارها ، وضاعف قواها فى تحريك النفوس لها ، ودعا القلوب إليها ، واستثار لها من أقاصى الأفئدة صبابة وكلفاً ، وقسر الطباع على أن تعطيها محبة وشغفا وأسباب ذلك عند الجرجانى : أن أنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفى إلى جلى ، وتأتيها بصريح بعد مكنى ، وأن تردها فى الشئ تعلمها إياه إلى شئ آخر هى بشأنه أعلم ، وثقتها به فى المعرفة أحكم ، نحو أن تنقلها عن العقل إلى الإحساس وعما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع ، لأنه العلم المستفاد من طرق الحواس أو المركوز فيها من جهة الطبع وعلى حد الضرورة يفضل المستفاد من جهة النظر والفكر فى القوة والاستحكام ، وبلوغ الثقة فى غاية التمام. ولهذا فالتمثيل يعمل عمل السحر فى تأليف المتباينين حتى يختصر لك بعد ما بين المشرق والمغرب ، ويجمع ما بين المشئم والمعرق ، وهو يريك المعانى الممثلة بالأوهام شبهاً فى الأشخاص الماثلة ، والأم ، ويريك الحياة فى الجماد ، ويريك التئام عين الأضداد ، فيأتيك بالحياة والموت مجموعين ، والماء والنار مجتمعين كما يقال فى الممدوح هو حياة لأوليائه ، موت لأعدائه ، ويجعل الشئ من جهة ماء ومن أخرى ناراً كما يجعل الشئ حلو مرا وصاباً عسلاً ، وقبيحاً حسناً .. ويجعل الشئ أسود أبيض فى حال  ..... ويجعل الشئ  كالمقلوب إلى حقيقة ضده .... والحاضر غائباً .. والسائر مقيما ثم أنه ليأتيك من الشئ الواحد بأشياء عده ويشتق من الأصل الواحد أغصاناً فى كل غصن ثمر على حدة وفصل آخر فى التمثيل يبينه الجرجانى : أن المعنى إذا أتاك ممثلاً فهو في الأكثر ينجلى لك بعد أن يحوجك إلى طلبه بالفكرة وتحريك الخاطر له والهمة فى طلبه . وما كان منه ألطف كان امتناعه عليك أكثر ، وإباؤه أظهر ، واحتجابه أشد وشجع الجرجانى التمثل الغامض بالقدر الذى يجعل من المعانى كالجوهر فى الصدف لا يبرز لك إلا أن تشقه عنه ، وكالعزيز المحتجب لا يريك وجهه حتى تستأذن عليه ، ثم ما كل فكر يهتدى إلى وجه الكشف عما اشتمل عليه ، ولا كل خاطر يؤذن له فى الوصول إليه ، فما كل أحد يفلح فى شق الصدفة ، ويكون فى ذلك من أهل المعرفة ، كما ليس كل من دنا من أبواب الملوك فتحت له وكان يرفض التعقيد الذى يتعبك ثم لا يجدى عليك ، ويؤرقك ثم لا يورق لك ... وحصلت منه على ندم لتعبك فى غير حاصل ( أسرار البلاغة ) . وفى كل هذا فإن الألفاظ المقررة التى هى أوضاع اللغة ، لم توضع لتعرف معانيها فى أنفسها ، ولكن لأن يضم بعضها إلى بعض ، فيعرض فيما بينها من فوائد وإنه لا معنى للنظم غير توخى معانى النحو فيما بين الكلم ولا يكون الضم فيها ضماً ولا الموقع موقعاً حتى يكون قد توخى فيها معانى النحو ( دلائل الإعجاز ) .

اجمالي القراءات 14203