3ـ حركة اللغة العربية لم تنته آتية من الزمن السحيق تمتلك روح التحدى والإصرار على التغيير والتوالد وكمال الإحاطة وتمام المعنى وكمال الوصل والفصل
لهذه الأسباب ستبقى اللغة العربية ـ 3

أحمد سليم في الأحد ٢٣ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

المقالة الثالثة

 

لهذه الأسباب ستبقى اللغة العربية

3ـ حركة اللغة العربية لم تنته آتية من الزمن السحيق

تمتلك روح التحدى والإصرار على التغيير والتوالد

وكمال الإحاطة وتمام المعنى وكمال الوصل والفصل

 

أحمد عزت سليم

                                              aehs2020_20@hotmail.com

 

 

     الحركة هى سمة البنية اللغوية الكامنة التى تشكل جماليات اللغة العربية بكونها متوالدة ومتكاثرة وتتميز بالإنتاجية الإبداعية الدائمة وهى بهذه الديمومة والصيروة تعني الدخول إلى ما هو قادم وتعنى بالمستقبل بقدر سعيها الحثيث نحو امتلاكه ، ثم إنها بالضددية للقائم ، تلك التى بدأها الدين الإسلامى فاندفعت اندفاعه لتغيير الوضع القائم ، وضد سلطة الآلهة والأصنام ، وضد الكهنة والقهر الدينى وضد الكبت العقلى ، وضد سلطة الثروة وبشاعتها ، وضد النفوذ والآلهة وقمع الفرد والروح . ومع الدعوة إلى التفكير وطلب العلم والمعرفة ، والدعوة إلى الثورة على الذات وإلى تغيير النفس كحركة ضد التقوقع والانغلاق ، من أجل التجدد وضد التجمد ، ومن أجل الاجتهاد الذى هو قانون المؤمنين ، ضد التحجر وضد الانحسار والتضييق والكهنوت ، فلا أحدا يمتلك " المطلق " ولا أحد يمتلك " الكلى " مهما ادعت ذلك مؤسسات مذهبية وغير مذهبية ، رسمية وغير رسمية ، ومهما كان أمر الآيات والملالى ، والأجناد والسادة ، فإن الله وحده هو الذى يملك وهو الذى يعلم فهو مالك الملك العالم العارف الخبير الذى وسع علمه كل شيء الواحد الأحد الوهاب الذى يهب ويمنح ولا أحد غيره ، ولا سلطان على العباد غيره ، هو العادل الحق ... هذه هى القوة التى تمنح الحركة اللغوية دافعيتها وتمنح البنية حركتها ، فلا تتجمد ولا تتوقف بل هى سائرة نحو المستقبل مهما كانت قدرة قوى التشبث والتخلف ، وهى فى سيرها لا تتعالى عن الجماهير فلا وساطة بين العبد وربه ولا كهانة بين السماء والأرض ، كما أنه لا وساطة بين النص وملح الأرض ، فلا احتكار للإبداع ولا نصوص قائمة مقام المعابد السرية ، وإنما النص ملك للجميع ، متجدد بديمومة الحياة ، وباجتهاد الداخلين إليه والطائفين حوله فهو مفتوح لمن استطاع إليه سبيلا ومن دخله فهو آمن ، الناس أمامه سواسية كأسنان المشط ، هكذا اكتسبت بنية اللغة العربية ديمومة حركتها وصيرورتها وتشكلت طبيعتها وامتلكت خصائصها على النحو التالى : ـ 

 1 ـ الامتداد :

1 ـ 1 البداية :

عبر التاريخ السحيق كان للغة حركتها التى اتسمت بالتطور والابتكار أو التراجع والانحطاط ، ووقف خلف هذه العملية نظام عميق يتشكل من نظم السلوك الأخرى فى المجتمع ، وصراع بعيد المدى خفى وظاهر يتنقل من مكان على مكان ومن وطن إلى وطن ، ولنقل إلى حد بعيد ـ أن هذا الصراع قد بدأ منذ أن علم الله آدم الأسماء كلها ، أما الأفعال فقد قال عنها سيبوية " وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء ، وبنيت لما مضى ، وما يكون ولم يقع ، وما هو كائن لم ينقطع " .

1 ـ 2 الثابت والمتغير : هكذا ابتدأت الحركة التى لم تنته بل اشتعلت فيما بينها وبين بعضها البعض حتى صارت صراعاً بين الأمم والشعوب ، معقدا ومركبا ً ومتشابكا مع المصالح المادية فيما بينها  وأثر هذا الصراع الطويل على اللغات منذ أن خرجت من الكهوف أصواتها ومفرداتها وتراكيبها وأساليبها ودلالاتها ، وحيث أن من الثابت أن الإنسان بصفته التشريحية والبيولوجية والفسيولوجية لم يتغير منذ العصور السحيقة التى استطعنا أن نعرفها نحن إلى الآن ، وإنما المتغير هو جانب الفكر والعمل ، وكما أن اللغة هى أيضاً إحدى نتاجات الفكر والعقل والوعى السحيق فقد تميزت لكل هذه الأسباب بالنشاط والحركة ، وكلما اشتد الصراع واتقد العقل ذاته اشتدت هى حيوية وطاقة وتوالد وملائمة لكل تطورات المجتمع وتفجرت منها ينابيع الإبداع  .

1 ـ 3 ـ اللغة الإنسانية باقية طالما بقى الإنسان : لقد ظن البعض لوهلة لاتكاد من الزمن أن لغة الحاسب سوف تحل محل اللغة الإنسانية فى التعامل ولكن سرعان ما فرضت اللغة الإنسانية سيطرتها الكاملة على تكنولوجيا الحاسوب وأصبح الحاسوب فى أيدى من يجهلون ما بداخله مع إمكانيات الحاسوب الهائلة فى المشاركة بقوة فى الإنتاجية الإبداعية للغة العربية .

1 ـ 4 ـ اللغة العربية لها إنجراماتها البنيوية : اللغة العربية واحدة من اللغات الإنسانية التى صاحبت الإنسان فى زمانه الفيزيقى والمعاش وأضحت لحركتها الآتية من الزمن السحيق خصوصية فى تشكيل الإنجرامات الخاصة بها بداخله وقدر البعض هذا التاريخ بحوالى ثمانية آلاف سنة كأم للغات العالم .

1 ـ 4 ـ اللغة العربية لغة فوق لهجات قبائل العرب :

1 ـ 4 ـ 1 اتساع اللغة : أثناء هذا التطور التاريخى السحيق وعلى إثر تشعب القبائل العربية وتنوع لهجاتها فى الوقت الذى تتمتع فيه بأصول وانتماءات متقاربة تصل إلى حد الأصل الواحد الذى قد يمتد من إسماعيل إلى آدم أبو البشرية جمعاء ، ومع حركات التنقل والنزوح والتجارة والمصاهرة والاعتزاز بالأنساب وبالقرابة ، ومع التنافس والتنافر والحروب فيما بين بعضها البعض ، تشكلت البيئة العربية الأولى واتسمت بكثرة المترادفات واتساع الدلالات وتنوع الأصوات فى الوقت الذى لا يشعر فيه أى فرد من هذه القبائل بالتباين الحاد وشدة الاختلاف أو عدم الفهم فيما يعترى هذه البيئة من لهجات فرعية أو من تنافر وصراع بل كان سوق عكاظ سوقاً للتداول اللغوى وللتفاهم المشترك فيما بينهم ، وفيما شجر بينهم على مستوى الخطاب الأدبى أو الخطاب الاجتماعى .

1 ـ 4 ـ 2 اللغة الفصحى : كان العربى الأول له سليقة فى الفصحى إذا يأخذها ويكتسبها مع لهجته القبلية أثناء النشأة وهذه الحركة أنشأت لغة مشتركة بين أفراد القبائل تتفهمها على اختلاف لهجاتها هى اللغة العربية الفصحى بما فيهم لهجة قريش وأن العرب جميعا كان يستعملون الفصحى فى الأغراض الجدية وفى التوصل بين أفراد القبائل وفى مخاطبة من طرأ عليهم من غير أبناء القبلية.

1 ـ 4 ـ 3 ـ اللغة العربية لم تكن قريشية : إن الذين يزعمون أن الفصحى كانت فى أصلها لهجة قريشية لا يستطيعون أن يقدموا دليلا عملياً واحداً على هذا الزعم ويؤيد ذلك .

1 ـ أن النبى عليه السلام ( وهو قرشى ) أومأ إلى أن الفصاحة فى سعد بن بكر وأنه نشأ فيهم فكان فصيحاً .

2 ـ  أن النحاة لم يأخذوا اللغة عن قريش ، فكيف تكون الفصحى لهم فى أصلها ( تمام حسن : الأصول دراسة أبيستيمولوجية للفكر اللغوى عند العرب ) .

هكذا كان للعرب لغة فصحى فوق كل  اللهجات التى يتحدثون بها باختلاف قبائلهم واتساع أوطانهم من المحيط إلى الخليج .

1ـ 5 قداسة اللغة العربية :

1 ـ 5 ـ 1 تأثير أماكن الكهانة والعبادة : لم تكتسب اللغة العربية سعة بتداولها فى أسواق العرب الشهيرة كسوق عكاظ فحسب بل ازدات انتشاراً وازداد التمسك بها لتمركزها حول أماكن عبادة آلهة العرب وداخل مضارب الكهانة فتجمعت سائر القبائل حولها فى هذه الأماكن، وخاصة مكة مهد أبيهم الأول إسماعيل وعندما نزل القرآن الكريم بها ازدادت قداسة فوق هذه القداسة فانطلقت بقوة النص القرآنى داخل الصحراء الشاسعة والمضارب البعيدة .

1 ـ 5 ـ 2 ـ لغة القرآن تفهمها العرب : 

1ـ 5ـ 2ـ 1ـ ما فى القرآن من كلام العرب : رصد أبى زيد محمد الخطاب القرشى فى مقدمته جمهرة أشعار العرب ما فى القرآن الكريم من كلام العرب لفظاً ومجازاً وقدم العديد من الأمثلة نذكر منها( القرشى : جمهرة أشعار العرب ) :

1 ـ قال الأنصارى عمرو بن أمرئ القيس..

                          نحن بما عندنا وأنت بما    عندك راض والرأى مختلف                             

"أراد نحن بما عندما راضون وأنت بما عندك راض ، فكف عن خبر الأول ، إذ كان فى الآخر دليل على معناه . وقال الله تعالى . " استعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " فكف عن خبر الأول لعلم المخاطب بأن الأول داخل فيما دخل فيه الآخر من معنى .

 2 ـ قال عمرو بن كلثوم ..

               تركنا الخيل عاكفة عليه         مقلدة أعنتها صوفنا

العاكف : المقيم ، قال الله تعالى : "وسواء العاكف فيه والباد " . والصافن من الخيل : هو الذى يرفع إحدى رجليه ويضع طرف سنبكه على الأرض، وقال الله تعالى:" إذ عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد" .

3 ـ قال طرفه بن العبد العبكرى :

           لا يقال الفحش فى ناديهم          لا ولا يبخل منهم من بسل

النادى : المجلس ، وهو قوله تعالى : " وتأتون فى ناديكم المنكر " هكذا جاء القرآن الكريم ونزل على قوم تفهموه وتذوقوه .

1 ـ 5 ـ 3 ـ الإسلام تاج لنهضة شاملة : جاء القرآن ونزل على قوم تفهموه وتذوقوه ، أصحاب حضارة لغوية عميقة الجذور ، قال زكى مبارك ـ رحمه الله ـ : ( لا يعقل أن يظهر كتاب كالقرآن فى أهميته وبلاغته بين قوم لم يفكروا فى الفصاحة والعروض والنقد وطرائق التعبير .. وفهم القرآن وتذوقه لا يمكن أن يقع اتفاقاً وبلا استعداد بل لابد من أن تكون عند الجماهير التى سمعته وتأثرت به واعتنقت دينه ثقافة أدبية خاصة تتناسب قليلاً أو كثيراً مع ما فى القرآن من فصاحة وعمق .. بل كان الإسلام تاجاً لنهضة علمية أدبية وسياسية وأخلاقية اجتماعية وفلسفية فى الحدود التى كان يستطيعها العرب)( زكى مبارك : النثر الفنى فى القرن الرابع ) .

1 ـ 5 ـ 4 ـ إتساع نطاق القداسة : دخل الإسلام بلغته العربية إلى بلاد تعرف القداسة الدينية مثل مصر والشام ، وذلك بعكس لغات ظلت إلى عهد قريب تتعهدها القبائل المتبربرة الهمجية كاللغات الأوربية ، فازدادت القداسة قداسة وازدادت اللغة العربية قوة ومع الفاتحين نصراً وإعزازاً وانتشاراًَ .

1 ـ 6 ـ الإبداع : نظم ناقض للعادة :

1ـ 6ـ 1ـ اتساع نظاق الدلالة : اتسعت الدلالة بدخول الإسلام مناطق شاسعة غرباً وشرقاً وجنوباً وشمالاً وفى ظل الحضارة الإسلامية القوية الواسعة الانتشار فى بيئات متنوعة اكتسب المتحدث باللغة العربية هذا العمق والاتساع والمقدرة على الإبداع بلغته المتسعة كيفما شاء . وقال ابن فارس : ( فلما جاء الله تعالى بالإسلام حالت أحوال ونسخت ديانات ، وأبطلت أمور ، ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع بزيادات زيدت ، وشرائع شرعت وشرائط شرطت ، فعفى الأخر الأول ..)( جلال الدين السيوطى : المزهر فى علوم اللغة وأنواعها ) وترتب على ذلك أن اللغة العربية بمقدراتها هذه قد انتقلت بمفرداتها ومترادفاتها وأصواتها من السلف إلى الخلف الذى أفلح فى التعامل معها والتلاعب بها كيفما شاء فى الوقت الذى حافظ فيه على ألفاظها وأصواتها وأخضغ الدخيل والمولد لصيغها الأصلية فصارت عربية بمقتضى الحال وازدادت معها اللغة ألفاظاً ودلالات .

1 ـ 6 ـ 2 ـ الإبداع : كان نظم عناصر اللغة هذه هو الإبداع الفذ والذى ظهرت منه كل فنون الأدب العربى فالألفاظ متناهية وأما نظمها فينشئ معانى غير متناهية وبهذا كان النظم هو إبداع لعناصر اللغة العربية المصاحب لكل تطوراتها وفاعلياتها.

1 ـ 6 ـ 3 ـ نقض العادة :

1ـ 6ـ 3ـ 1ـ تغيير الأمر الواقع : جاء النص القرآنى بقداسته لتغيير الأمر الواقع والثورة عليه ونسخه وإبداعه إبداعاً جديداً غير متناه ، ومعجزاً وناقضا للعادة على حد قول العلامة عبد القاهرالجرجانى فى رسالته الشافية فى وجوه الإعجاز (عبد القاهر الجرجانى : الرسالة الشافية) ولم يكن هذا الإبداع على المستوى الاجتماعى والذى تمثل فى الأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذى القربى والنهى عن الفحشاء والمنكر والبغى والمساواة بين السادة والعبيد ، وتحدث عتبة بين ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأمر فقال له : " أنك أتيت قومك بأمرعظيم ـ فرقت بين جماعتهم ، وسفهت أحلامهم ، وعبت آلهتهم وكفرت من معنا من آبائهم .. "  ولم تكن سمة " الناقض للعادة " على المستوى الاجتماعى هذا أو على مستوى المعنى فحسب بل كانت على مستوى تقنية الخطاب الفنية ذاتها حتى تحير الخصوم وقالوا فى وصف النص " وماهو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة " وحتى عده طه حسين نفسه جنساً جديداً : هوالقرآن ، وكما وصفه الوليد بن عقبة " إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر ، وما يقول هذا بشر .. "  بل وتحداهم النص أن يأتوا بمثله ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ، وحتى لو اجتمعت الإنس والجن معاً .

1 ـ 6 ـ 3 ـ 2 ـ روح التحدى : روح التحدى هذه والإصرار على التغيير والثورة على الأمر الواقع سرت فى أرجاء اللغة العربية بكل فنونها واختلاف درجاتها بقوة وتضافرت مع النص البشير / النذير.

1 ـ 6 ـ 3 ـ 2 ـ 1 : ثائرة عفية منذ القدم والزمن السحيق : انطلقت البلاغة العربية بفنونها ( علم المعانى وعلم البيان والبديع  ) ثائرة عفية ولم يكن الأمر جديداً عليها فقد تعودها العربى منذ القدم وهو يواجه الطبيعة حاملاً سيفه راكبا فرسه وملقياً شعره ضد الخوف والسكون والقهر والموت والتقوقع ثم واجه الطغاة : فلا إله إلا الله ـ وهو العدل الحق ـ فى وجه الطغيان ، وأحد .. أحد .. ضد المستغلين .  

1-6-3-2-2- ضد التطبيل والموالاة : ومن العبث الشديد القول بأن البلاغة العربية نشأت فى ظل التطبيل والموالاة وأن ملكاتها اللغوية كانت تسخر لا للدفاع عن الحقوق الطبيعية بل لتصريف المشاعر وفق مقتضيات السياسة ، كما قال بذلك د . مصطفى ناصف ، فمنذ القدم السحيق وطول التاريخ الإسلامى ، وإلى اليوم  وقف العربى والمسلم ـ بذاته وعشريته ومجتمعه ضد القهر والظلم وخرجت حركات المعارضة الفكرية والسياسية والاقتصادية وكان لها من البيان والبديع وفنون علم المعانى ما حمل منه رؤسهم على أسنة حروف كلماتهم وفى أشد حالات الوعظ تمسكاً ذكر الإمام أبو الحسن البصرى فى أدب الدنيا والدين : ليس شئ أسرع من خراب الارض ولا أفسد لضمائر الخلق من الجور لأنه ليس يقف على حد ولا ينتهى إلى غاية . وذكر قول أحد الأدباء " ليس للجائر جار ولا تعمر له دار " !!

2 ـ الإنتاجية الدائمة :

2 ـ 1 ـ كمال الإحاطة وتمام المعنى :

2 ـ 1 ـ 1 ـ التوالد :اللغة العربية حينما تنزع إلى التفجر والتشظى فهى تميل إلى الاتساق والتوازى بين عناصرها فتظهر الحروف القريبة والأصوات وتنبثق مترادفات المعانى وصيغ الاشتقاق والتصريف .

وهى فى هذه الحركة تشع الترابط مع متلقيها ضمن إطار دلالى مشترك وتجذب ما حولها من متشابهات المعنى والتراكيب والتصريف عندئذ تأخذ سياقها وتكتسب نصوصها نعمة " تمام المعنى وكمال الاحاطة " به داخل إطار مرجعى يتميز بمجموعة لا متناهية من الديناميات الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والتطورات التكنولوجية والاقتصادية لتزداد قوة وحركة ومواكبة .

2 ـ 1 ـ 2 ـ التجسم : عندما يصهر الإبداع الحروف والألفاظ فإن اللغة فى انصهارها تتوالد وتتشعب مشتقاتها وتزداد صيغها ومعانيها ونبراتها تألقاً وجمالاً وتألفا فإذا بها تتجسم وتتجسد  وتمتلئ بالترف والحيوية والتوسع فتطلق فى النص البراعة نحواً وصوتاً وإيقاعاً وتركيباً ودلالة ، فعندما تندمج الحروف وتنمحى الفوارق فيتصل المعنى بالمعنى وتحقق اللغة سائر الوظائف المعرفية والتعبيرية والتمثيلية والاجتماعية والاتصالية . فالبيان كما قال أبى هلال العسكرى لا يكون إلا بالإشباع والشفا لا يكون إلا بالإقناع وأفضل الكلام أبينه،وأبينه أشده إحاطة بالمعانى، ولا يحاط بالمعانى إحاطة تامة إلا بالاستقصاء

2 ـ 2 ـ 2 كمال الوصل والفصل : الوصل والفصل فى النص حقيقة تركيبة إبداعية جمالية فلكل شئ جمالاً ، وحلية الكاتب وجماله إيقاع الفصل موقعه وشحذ الفكرة وإجابتها فى لطف التخلص من المعقود إلي المحلول كما قال المأمون.  وضح العسكرى معنى المعقود والمحلول : هو أنك إذا ابتدأت مخاطبة ثم لم تنته إلى موضع التخلص مما عقدت عليه كلامك سمى كلامك معقوداً وإذا شرحت المستور وأبنت المنزوع إليه سمى الكلام محلولا (ابوهلال العسكرى : كتاب الصناعتين الكتابة والشعر ) . الفصل والوصل حقيقة تستمد جمالها من قواعدها النظمية ، وهذه الحقيقة تستمد وجودها من الانسجام الذى يفرضه مجال الوصل والفصل كما يبين الجرجانى فى دلائل الإعجاز . وغاية الوصل والفصل إلى الإخبار والتبين والسؤال والتقدير والإجابة وبيان اشتباك الأحوال وأنها مضمومة إلى بعضها البعض والتأكيد من حيث ما هو ثابت فعلاً أو مما لا شك فى فساده أو تأكيداً لإثبات نفى ماتم نفيه. ثم النظر والتأمل حتى " يكونا كالنظيرين والشريكين وبحيث إذا عرف السامع حال الأول عناه أن يعرف حال الثانى " وزيادة لاشتباك والاقتران " حتى لا يتصور تقدير إفراد فى أحدهما عن الآخر" كمالا يتصورإشراك بين شيئين حتى يكون هناك معنى يقع ذلك الإشراك فيه  ، ثم بيان حال التعظيم والتعجب وحال الشمول وحال الفصل أمناً للبس وأن يكون للكلام السابق حكم ، وأنت لا تريد أن تشرك الثانى فى ذلك فيقطع " كما يرى السكاكى " .

فى كل هذه الأحوال والغايات فإن ترك العطف يكون إما للاتصال إلى الغاية أو الانفصال  إلى الغاية والعطف لما هو واسط بين الأمرين ، وكان له حال بين حالين فأمر العطف إذن ، موضوع على أنك تعطف تارة جملة على جملة ، وتعمد أخرى إلى جملتين فتعطف بعضاً على بعض ، ثم تعطف مجموع هذى على مجموع تلك ( عبد القاهر الجرجانى  ). المعانى والتراكيب والصيغ تتوالد وتتجسم بالوصل والعطف والفصل وكما عبر السكاكى عندما يكون الكلام السابق غير واف بتمام المراد فيعيده المتكلم بنظم أوفى منه على نية استئناف القصد إلى المراد كما أن الداعى إلى الإيضاح والتبين هو أن يكون الكلام السابق نوع خفاء ، والمقام مقام إزالة له على حد تعبير السكاكى فى مفتاح العلوم.

لقد تجاوز السكاكى مسوغات العطف النحوية ناحتاً ثلاثة مفاهيم بواسطتها يمكن إدراك العلاقات القائمة بين الجمل أو بين الأجزاء المشكلة للخطاب ، تلك هى الجامع العقلى والجامع الذهنى ، والجامع الخيالى ( محمد خطابى : لسانيات النص ـ مدخل إلى انسجام النص  ) وهذه القوى الإدراكية هى التى تولد الإنتاجية الدائمة لدى اللغة العربية وتأول الألفاظ والعبارات والجمل والنصوص .

اجمالي القراءات 11119