جمال البنا: المشاكل العصرية ضرورة تجيز اختصار أوقات الصلاة

في الثلاثاء ٠٩ - أكتوبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

انتقل الجدل حول فتوى تركية تجيز أداء الصلاة ثلاث مرات في اليوم، إلى الساحة المصرية، خصوصا ما يتعلق بالضرورات التي تجيز الجمع بين صلاتين، خصوصا المغرب والعشاء في شهر رمضان بسبب ولائم الافطار والمحاضرات التي تمتد بين وقتي هاتين الصلاتين.

ففي حين اعتبر رأي أن الضرورات العصرية تدخل مع ضرورات السفر والمرض والمطر التي يجيز فيها الفقهاء الجمع بين صلاتين، مؤكدا أن من بين ذلك زحام الطرق وصعوبة الحركة في المدن المكتظة بالسكان، والدراسة والولائم التي تقام في افطار رمضان والمحاضرات العلمية، وحتى اعتياد النوم وقت الظهيرة او العصر، رفض رآي آخر أي زيادة في رخصة الحالات الأربعة التي جاءت في السنة النبوية وهي المرض والسفر والمطر وأثناء أداء فريضة الحج.

وقال المفكر الاسلامي جمال البنا لـ"العربية.نت" إن الجمع بين الصلاتين وتنفيذ رخصة الرسول بشأنها، من ضرورات هذا العصر، مشيرا إلى توسع هذه الضرورات بسبب الظروف التي تنعكس على عدم ادراك الصلاة إذا تم الحرص على أدائها في وقتها منفردة.

إلا أن الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية رفض تماما التوسع في ضرورات الجمع بين صلاتين، التي نصت عليها الأحاديث النبوية، مؤكدا أن الصلاة يجب أن تؤدى في وقتها إلا في الحالات الموجودة في السنة.

وكان د.محمد نور دوغان، عضو هيئة التدريس بجامعة اسطنبول في تركيا، أصدر خلال الأيام الماضية فتوى تجيزأداء الصلوات 3 مرات فقط في اليوم عن طريق الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وهو ما أثار ردود فعل في تركيا كما ورد في "العربية.نت" يوم الأربعاء 3-10-2007.


مبدأ انتفاء الحرج

وأضاف جمال البنا: في هذه القضية فإننا نلجأ إلى مبدأ أساسي في الإسلام ، هو "انتفاء الحرج" الذي تكرر ذكره في القرآن الكريم في آيات كثيرة، وما جاء في أحاديث الرسول مثل قوله "إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا".

ونقل عن الحافظ أبي الفيض أحمد مؤلف "إزالة الخطر عن جمع بين الصلاتين في الحضر" أن أحاديث الرسول بشأن هذه الرخصة ثابتة، وهي تفيد الجمع في الحضر من غير خوف ولا مرض عن النبي، وما كان كذلك فلا يسع رده وعدم قبوله إلا بدليل يصرفه عن صلاحية العمل والقبول .

وقال البنا: وحيث لا دليل فالعمل به سائغ ، بل سُـنة ومطلوب ، ولاسيما وقد صرح الرواة بأن النبي فعل ذلك للرخصة ورفع الحرج عن الأمة مع ورود الخبر بالحث الأكيد على قبول الرخصة والصدقة التي يتصدق الله تعالى بها على عباده وبالزجر عن ردها وعدم قبولها كما تقدمت الإشارة إليه، فمن جمع الظهر والعصر أو المغرب والعشاء في الحضر لحاجة دعته إلى ذلك فقد امتثل أمر الله تعالى بإتباع رسوله، والعمل بسُـنته فهو مثاب على فعله وصلاته صحيحة لا يقول ببطلانها إلا جاهل أو ضال.


الرخصة هي الأصل

وتابع أن رغبة الشارع في التيسير جعلتنا نذهب إلى أن الرخصة ، وليست العزيمة ، هي الأصل ، مشيرا إلى أحاديث عديدة تدل على أن فكرة عدم الاستطاعة أو القدرة ، أو غلبة الضعف ، كانت ماثلة دائمًا في ذهن الرسول، ومن ثم فإنه جعل لهم مندوحة فيما لا يستطيعون ، ففي الحديث المشهور "ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبياءهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطتعم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ... ".

وأوضح "لا جدال أن المؤتمرات والاجتماعات والمحاضرات سواء في ذلك المحاضرات العامة أو المحاضرات في الجامعة ودور الدراسة التي تبدأ قبيل المغرب وتستمر حتى بعد العشاء أصبحت إحدى الضرورات التي فرضت نفسها على العصر ويصعب التخلص منها أو هي بتعبير الحنفية "مما تعم به البلوى"، وفي هذه الحالة يصبح من الضروري الجمع ما بين الصلاتين، بمعنى تأخير صلاة المغرب حتى بعد انتهاء المشغولية وأداءها مع العشاء" .

أكد البنا أن هذا بالفعل ما فعله الرسول، فقد جاءت روايات عديدة أنه جمع بين الصلاتين الظهر والعصر حيناً، والمغرب والعشاء حيناً آخر من غير سفر أو مطر أو مرض .. الخ ، وعندما سئل عن ذلك قال "لئلا أحرج أمتي" أو "لكي لا أشق على أمتي" ، وجاءت بذلك روايات متعددة من حديث جابر وأبي هريرة وابن مسعود وابن عباس وابن عمر .

وأورد حديث ابن عباس بأن الرسول جمع بالمدينة "من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس : ما أراد بذلك ؟ قال : لئلا يحرج أمته، ورواية الموطأ أن رسول الله جمع بين الصلاتين من غير خوف ولا سفر .

وقال البنا إن الفقهاء حاولوا التملص من تلك الأحاديث أو طمسها حتى لا يساء فهمها، وأولها بعضهم بأنه "الجمع الصوري" ، أي أن يجمع ما بين آخر وقت صلاة وأول وقت الصلاة التي يليها ، وهناك من رفضها بحجة الحديث "من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر".

وعلق على ذلك قائلا: هذا احتجاج لا يستقيم لأننا نسلم أن القاعدة هي الصلاة في مواقيتها ، ولكن العذر والحاجة يرتقيان على الأصل ، وقد جاء في الحديث المحتج به نفسه "من غير عذر"، وقد أوردنا من الحرج ما يكون مبررًا صالحًا للاستثناء من الحديث .

وأضاف جمال البنا: على هذا فلا إشكال على الذين يحضرون ولائم الافطار في رمضان أن يجمعوا بين صلاتي المغرب والعشاء دون أن يكون عليهم إثم ، كما يسري هذا على الذين يستمعون إلى محاضرات تبدأ من قبيل المغرب وتستمر حتى بعد العشاء ، فالعلم عبادة أيضًا .


الضرورة واسعة في حياتنا العصرية

وأكد أن الجمع بين الصلوات يكون في حالة الضرورة فقط، ولكن هذه الحالة واسعة ولها أمثلة كثيرة في حياتنا اليومية، بل أصبحت جزءا منها، وليست مجرد المطر والمرض والسفر.

وأضاف: أنا أجمع بين الظهر والعصر بسبب ظرف يومي خاص، لذلك أحيانا أصليهما جمع تقديم وأحيانا جمع تاخير حسبما يتيسر لي. موضحا امكانية أن يجمع الذاهب إلى عمله بين صلاتين إذا خشي أن تفوته احداهما، مشيرا إلى أن الفصل في ذلك هو قلبه ومدى تقديره للضرورة التي تحتم عليه الجمع.

وقال: إذا كان الانسان اعتاد النوم في وقت الظهر، فتفوته صلاتها فيمكن أن يجمعها مع العصر، والعكس صحيح، معتبرا أن ذلك يمكن أن يعد في حكم الضرورة والاستثناء الذي هو كثيرا ما يحدث في العصر الحديث.

واستطرد: الرخصة هي الأساس وإذا خيرت بين الرخصة والعزيمة فانني اختار الأولى لأن الدين يسر، موضحا أن ظروف الحياة في مدينة مزدحمة مثل القاهرة، تجعل محتملا فوات بعض أوقات الصلاة، ولذلك فحالة الضرورة في مثل هذه المدينة مثلا تكون أوسع من غيرها، وهذا ما نعني به عندما قلنا إن ضرورات العصر واستثناءاته التي تجيز لنا جمع صلاتين توسعت عما كانت عليه في الماضي، و كل منا يستفتي قلبه ليقدر الضرورة التي يستخدم معها هذه الرخصة.


لا توسع في الضرورات

لكن الشيخ يوسف البدري رفض تماما التوسع في الضرورات التي تبيح الجمع بين الصلاتين وقال لـ"العربية.نت": عندما سأل الاعرابي النبي صلى الله عليه وسلم، عن الصلاة المفروضة، قال خمسا في اليوم والليلة، فسأل الاعرابي: هل علي غيرها، فقال الرسول: لا إلا أن تطوع. وعندما فرضت الصلاة في ليلة الاسراء والمعراج، كانت خمسين صلاة، فظل النبي يسأل ربه التخفيف حتى قال رب العزة: يا محمد ما يبدل القول لدي، هن خمس في العمل، وخمسون في الأجر.

أضاف: من هنا كان الأذان خمس مرات في اليوم، وجاء في بيت باب مواقيت الصلاة في كل كتب الحديث الشريف أن جبريل عليه السلام صلى بالنبي على يومين، كل فرض في وقت. ولم يكن هناك جمع بين فرضين إلا في أمور أربعة علمنا اياها الرسول، فالصبح لا يجمع أبدا مع أي فرض والظهر والعصر يجمعان وكذلك المغرب والعشاء، ولكن الصلاة تجمع في الحضر وفي السفر في هذه الظروف الأربعة فقط وهي المرض والمطر، وتجمع مع القصر في الحج والسفر.

وقال البدري: لا يوجد ما يمكن ان نسميه ضرورات عصرية تجيز هذا الجمع، وهناك من أفتى بأن طالب العلم داخل فصول الدراسة من حقه أن يجمع بين الصلوات وكان هذا الرأي شاذا منذ حوالي نصف قرن ولم يأخذ به أحد، فقد اعتبر الدراسة كالحرب وطبعا هذا قياس مع الفارق، ولا يمكن ان تعتبر الدراسة في المدرسة أو الجامعة كحرب فيها دماء واستنفار وعدم استقرار. هذا محال ولابد أن تقطع المحاضرة وتقام الصلاة، وتنظم الأوقات للدراسة في غير أوقات الصلاة، وأذكر ان وزيرا واحدا فعل ذلك بأمر من الرئيس الراحل أنور السادات وأصدر منشورا اسمه رقم "6" جاء فيه "لابد من تعديل اوقات الدراسة حتى يتمكن الطلاب من أداء الصلوات في حينها".

اجمالي القراءات 4220