انتقد سياسيون ودبلوماسيون التصريحات التي أدلى بها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط التي حمّل فيها "الربيع العربي"، وفي قلبه ثورة الخامس والعشرين من يناير، مسؤولية ما يجري في المنطقة، ووصف الأزمات الحالية بأنها امتداد لفوضى 2011.
واعتبر هؤلاء السياسيون أن تصريحات أبو الغيط مجافية للواقع وغير منصفة، وتتجاهل أن الفساد والاستبداد والدكتاتورية وحكم الفرد هي الأسباب الحقيقية وراء حالة الضعف والانكسار التي تعاني منها المنطقة. وفي تصريحاته المثيرة للجدل، أعرب أحمد أبو الغيط عن رأيه في ضعف الأمة العربية، مُشيراً إلى أن انتفاضات الشعوب الساعية نحو الحرية والديمقراطية هي السبب في تدهور الأوضاع، بدلاً من تحميل الأنظمة مسؤولية هذا الضعف.
ولفت متابعون إلى أن أبو الغيط تجاهل يوم إعلان تسيبي ليفني، وزيرة خارجية إسرائيل سابقاً، الحرب على غزة من العاصمة المصرية القاهرة، خلال لقائها معه إبان توليه مسؤولية وزارة الخارجية فترة رئاسة الرئيس المخلوع حسني مبارك، وتجاهل الدور الذي لعبته الثورات في تعزيز المشاعر المعادية للاحتلال الإسرائيلي، حيث حاصر الشباب المصري السفارة الإسرائيلية مطالبين بوقف العدوان المستمر على الفلسطينيين.
ورأى متابعون في تصريحات أبو الغيط انحيازاً للأنظمة، لا الشعوب، إذ إن الرئيس الراحل محمد مرسي، الذي جاء إلى الحكم بفضل ثورة 25 يناير، كان قد أعلن بوضوح موقفه من دعم غزة بقوله: "لن نترك غزة وحدها".
ثأر قديم متجدد يحمله أبو الغيط
واعتبر المفكر السياسي والخبير في العلاقات الدولية، عمار علي حسن، أن وصف أبو الغيط للربيع العربي وفي القلب منه ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر يعكس حالة الثأر الشخصي التي يحملها أبو الغيط تجاه الثورة، التي أطاحت نظام مبارك وأبعدته عن وزارة الخارجية المصرية. وأضاف حسن أن أبو الغيط قضى حياته مطيعاً ومتكيفاً مع الاستبداد السياسي، فلم يتصور قَطّ أن شعباً أو أمة يمكن أن تتمرد على الفساد والاستبداد والاستعباد.
الصورة
عمار علي حسن
المفكر السياسي عمار علي حسن
وتابع حسن قائلاً: "نفسية أبو الغيط متوائمة مع هذا النمط من الحكم، لكونه دبلوماسياً عاش بعيداً عن مشكلات وأزمات الشعوب ونبض الشارع. لم يكلف نفسه يوماً بقراءة تاريخ الشعب المصري أو الاجتماع السياسي، حتى يدرك أن ثورات الربيع العربي كانت صيرورة طبيعية ومساراً تاريخياً إجبارياً نتيجة الأوضاع الكارثية التي كانت تعاني منها مصر والدول العربية قبل 2011".
ومضى حسن قائلاً: "أبو الغيط ليس منصفاً، ولو كان كذلك لرأى أن ثورات الربيع العربي ليست مسؤولة عن الفوضى ولا عن سقوط بعض البلدان العربية في انقسامات أو حتى الحروب الأهلية، بل المسؤولية تقع على الأنظمة المستبدة والقمعية التي رفضت المطالب المشروعة للشعوب، وراهنت فقط على السلاح الذي خزنته لسنوات لمواجهة عدو وهمي، لتنقلب به على شعوبها".
وأضاف المفكر السياسي المصري: "لو أن الأنظمة العربية استجابت لمطالب شعوبها المشروعة، لما عانينا من هذه الأزمات، فهذه الأزمات تتحملها الأنظمة الاستبدادية والثورات المضادة التي داست رقاب الثوار". وأشار إلى أن عداء أبو الغيط للربيع العربي ينسجم مع النظام العربي الرسمي الذي يستفيد منه بكونه أميناً عاماً لجامعة الدول العربية، مضيفاً في حديثه لـ العربي الجديد: "هو يدافع عن مصالحها دون رؤية موضوعية، ولا يستطيع الخروج عن الخط المرسوم له. ناهيك عن انحيازه الجزئي لنظم الفساد والاستبداد".
من جهته، استنكر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير السابق عبد الله الأشعل، تصريحات أبو الغيط، مشيراً إلى أن "الربيع العربي" ومحطته الأبرز، ثورة الخامس والعشرين من يناير، تمثل أطهر المراحل التي شهدها التاريخ العربي المعاصر منذ ثورة 1919 في مصر، حيث كانت محاولة جادة لتخليص المنطقة من الدكتاتورية والفساد والاستبداد والتبعية لواشنطن والارتماء في أحضان تل أبيب، وبالتالي، فإن الأنظمة الفاسدة المستبدة هي المسؤولة عن الفوضى والتراجع والانهزامية، وليس الربيع العربي، برأيه.
وأضاف الأشعل أن عداء أبو الغيط للربيع العربي وثورة الخامس والعشرين من يناير أمر طبيعي، فهو رجل عاش حياته في خدمة الدكتاتورية والاستبداد، ويستفيد من استمرار هذه الأوضاع التي جعلته يتقاضى راتباً ضخماً من منصبه أميناً عاماً لجامعة الأنظمة العربية.
الصورة
عبدالله الأشعل
السفير السابق عبد الله الأشعل
المسؤول الحقيقي
وتساءل الأشعل: "هل ثورات الربيع العربي هي المسؤولة عن التبعية لواشنطن، التي استعبدت الأنظمة العربية وحولتها إلى خدم للكيان الصهيوني اتقاءً لشرور واشنطن؟ أم الأنظمة التي ارتضت لنفسها هذا الدور غير المشرف؟".
واستطرد قائلاً: "محور الثورات المضادة والأنظمة المستبدة هو المسؤول عن هذه الأوضاع المزرية والفوضى التي تضرب عدداً من البلدان العربية"، مشيراً إلى أن تصريحات أبو الغيط المعادية لتطلعات الشعوب العربية نحو التحرر والديمقراطية والحكم الرشيد، تذكر بموقفه المتخاذل مع تسيبي ليفني عندما منعها من السقوط وهي تعلن الحرب على غزة من القاهرة.
ورغم ذلك، بدا الدبلوماسي المصري السابق مطمئناً إلى أن الأوضاع في المنطقة العربية لن تستمر على حالها، بل ستشهد تغيرات كبيرة غير مسبوقة قد تطيح أبو الغيط ومن يدعمه.
وكان أبو الغيط قد أوضح في تصريحاته أن ما يحدث في الشرق الأوسط امتداد لفوضى 2011، مشيراً في حديثه لـ"لعربي الجديد" إلى أن المنطقة العربية تعاني من أوضاع شديدة الإزعاج في كل من اليمن والسودان وسورية ولبنان، ولفت إلى أن كل ما يحدث في المنطقة يخدم التحركات والنيات الإسرائيلية.